رغم الحديث عن اقتراب حدوث ركود للاقتصاد الأميركي، إلا أنه لا توجد أية بوادر على الانكماش، فالمتاجر والمطاعم مكتظة بالناس، وتُدفع آلاف الدولارات لحضور الحفلات الموسيقية، فيما تستعد شركات الطيران لتسجيل حركة مرور قياسية.
يأتي هذا بالإضافة إلى سوق الوظائف الأميركي القوي، الذي يواصل تحديه لتوقعات الاقتصاديين مع خلق وشغل الوظائف الجديدة.
لكن في الوقت نفسه هناك عدة عوامل سلبية تدفع بالاقتصاد إلى الهبوط، من بينها “الإنتاجية” التي تقيس كفاءة العمل الذي تقوم به الشركة وموظفوها من خلال مقارنة المخرجات بساعات العمل.
فمع استمرار الشركات في التوظيف، فإنها لا تحصل على نفس معدل الإنتاجية من موظفيها بشكل عام، وهذا ما يغذي التباطؤ الاقتصادي الخفي.
وتراجع معدل الإنتاجية في أميركا في نهاية عام 2021، وبعد ذلك انخفضت إنتاجية العمل لخمسة أرباع متتالية على أساس سنوي، وهي أطول فترة تراجع على الإطلاق.
وتعتبر الإنتاجية مهمة للاقتصاد لأنها المدخل الأساسي لمستوى معيشة السكان، وزيادة الإنتاجية تعني أيضًا استخدام التكنولوجيا لتحسين سير العمل والكفاءة العامة، وتدريب الموظفين الحاليين لتحقيق أقصى استفادة من هذه الأدوات.
لماذا انخفضت الإنتاجية في السنوات الأخيرة؟
يرجع خبراء مثل وزير الخزانة الأميركي السابق لاري سمرز السبب إلى أن الموظفين ذوي كفاءة منخفضة، أو هم من بين الذين يميلون إلى المشاركة في اتجاهات مثل “الاستقالة الصامتة” والتي من المحتمل أن تكون سبباً في انخفاض الإنتاجية.
ربما يكون “العمل عن بعد” سبباً آخر لتراجع الإنتاجية، ففي حين أن القدرة على العمل من المنزل غالبًا ما تنطبق فقط على بعض الموظفين من ذوي الياقات البيضاء، يرى عمالقة التكنولوجيا مثل مارك زوكربيرغ ومارك بينيوف أن العمل عن بُعد يؤثر سلبًا على الإنتاجية.
وربما يكون السبب هو ممارسة “اكتناز العمالة”، حيث يحتفظ أرباب العمل بعدد كبير من الموظفين على الرغم من انخفاض الأرباح.
كما أفاد موقع Insider في مارس/آذار، فإن كبار تجار التجزئة مثل Walmart و Target و Kroger يخوضون حرب “اكتناز للعمالة” دفعت إلى زيادة رواتب الموظفين.
ذكر بحث لـ BNP Paribas في ديسمبر/كانون الأول عام 2022 أن اكتناز العمالة يمثل مشكلة خاصةً مع استمرار الانكماش الاقتصادي؛ لأن هذه الظروف تعزز تأثيرًا سلبيًا على الإنتاجية.
شهدت الإنتاجية ارتفاعًا لفترة قصيرة في فترة ما بعد كوفيد-19، حيث عاد الموظفين إلى العمل بحماس بعدد ساعات مرتفعة، لكن هذا الوضع لم يدم.
تأثير الذكاء الاصطناعي
يتمثل الجانب الأكثر وضوحًا للتباطؤ المستمر في الإنتاجية في الارتفاع الحاد لأدوات الذكاء الاصطناعي، بقيادة ChatGPT المملوكة لـ OpenAI، أعقبه ارتفاعاً مفاجئاً في الاهتمام والاستثمار في تلك التكنولوجيا.
وجدت دراسة حديثة من ستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن العاملين في شركة برمجيات Fortune 500 الذين حصلوا على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية أصبحوا أكثر إنتاجية بنسبة 14%، بينما ارتفعت إنتاجية العمال الأقل خبرة بنحو 30%.
وتوقع بنك Goldman Sachs مؤخرًا أن التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي على الإنتاجية يمكن أن يزيد نمو الأرباح – وبالتالي سوق الأسهم – خلال السنوات العشر القادمة.
ومع ذلك، لم يبدأ هذا التأثير الإيجابي على الإنتاجية في الظهور في البيانات حتى الآن. في غضون ذلك، يدق التراجع في الإنتاجية أجراس الإنذار للاقتصاد.