أصبح من شبه المسلّم به أن كل جيل يعيش في رفاهية أكثر من الجيل السابق له، ولذلك فإن كثيراً من الآباء يؤمنون اليوم أنهم عاشوا حياة ذات جودة أفضل من آبائهم، كما يتوقعون كذلك أن يعيش أبناؤهم حياة أفضل من حياتهم. لكن هذا الانطباع قد لا يكون صحيحاً على أي حال، فكثير من الدراسات اليوم تظهر أن الجيل «زد» – وهو الجيل الذي ولد بين عامي 1997 و2004 – قد لا يتمتع بكثير من المميزات التي امتازت بها الأجيال السابقة.
اختلاف الأجيال من الناحية الاقتصادية أمر طبيعي، ويفرض هذا الاختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية، كذلك هذه الظروف تتفاوت بحسب المناطق الجغرافية. لكن جيل «زد» له ميزة لم تمتلكها الأجيال السابقة، وهو وجود الثقافة المشتركة بين هذا الجيل حول العالم، بحكم نشأته على وسائل التواصل الاجتماعي، فمعظم هذا الجيل نشأ بعد انتشار الهواتف الذكية، وكثير منهم لا يعرفون كيفية استخدام بعض الأجهزة القديمة التي كانت تعد صيحة في التطور، مثل الفاكس وأجهزة الفيديو كاسيت!
نشأ هذا الجيل في ظل التقنية التي مكّنته من القدرة على استيعاب المعلومات، وجعلت تسخير التقنيات لحل المشكلات أشبه بالبديهيات، كما أن التقنية سهلت له تعلم تخصصات مختلفة، ونوّعت أساليب التعلم له، مقارنة بأجيال لم تجد مصدراً للتعليم إلا مقاعد الدراسة. كل هذه الظروف تقود إلى توقع واحد، هو أن المستقبل يبدو أكثر إشراقاً للجيل «زد». إلا أن نظرة هذا الجيل، وبعض التحليلات الاقتصادية، تشير إلى عكس ذلك تماماً.
ففي دراسة أجرتها شركة «ماكينزي»، أظهرت نتائجها أن نحو ربع جيل «زد» يرون أنهم قد لا يتمكنون من التقاعد على الإطلاق، وأن نسبة 41 في المائة منهم فقط يؤمنون بقدرتهم على امتلاك منزل. كما أظهرت دراسات أخرى أن هذا الجيل أقل ميلاً إلى الادخار وأكثر رغبة في الإنفاق، لأسباب، منها كثرة المغريات التي توفرها التقنيات، وسهولة وسائل الدفع. وفيما قد يلام هذا الجيل في هذه الأسباب، تظهر أسباب أخرى تدعو إلى عكس ذلك، منها أن التعليم الجامعي أكثر كلفة لهذا الجيل من سابقه، ولذلك فهو قد لا يتمكن من الادخار لدفع تكاليف التعليم. ولذلك يلاحظ أن الأجيال السابقة كانت تقترض في العادة لشراء منازل، بينما زادت القروض التعليمية في الجيل الجديد، بعد أن كانت شبه منعدمة لدى بعض الأجيال السابقة. وأظهرت بعض الدراسات نتائج أكثر تطرفاً، حيث أبدى البعض من هذا الجيل عدم رغبتهم في الادخار لمسكن، لإيمانهم التام بعد جدوى هذا الادخار لشراء مسكن.
هناك عدد من المبررات لتشاؤم الجيل «زد» تجاه المستقبل، منها أن هذا الجيل نشأ على الأزمة المالية في عام 2007، ورأى تأثيرها على أسرته وكيف خسر كثير من الموظفين وظائفهم بسببها، لذلك فهو لا يأمن بالوظائف التقليدية لتأمين مستقبله، ويرى أن خسارة الوظيفة أمر وارد. كما أن هذا الجيل عاصر الجائحة بكل ما فيها من تفاصيل، سواء كان على مقاعد الدراسة، أو في بداية مسيرته المهنية، هذه التجربة جعلته أقل اقتناعاً بالتعليم لما رآه من تساهل في التعليم عن بعد، خلال فترة الجائحة، إضافة إلى تأثره الواضح بنصائح المشاهير من غير المختصين بعدم جدوى التعليم العالي. كما أنه اكتسب ثقافة وقيم للعمل مختلفة عما سواه من الأجيال بسبب ما عاصره من أزمات، ورأى كيف خسر كثير من الناس تجارتهم ووظائفهم لأسباب خارجة عن إرادتهم بشكل كلي، ولا يلامون عليها بتاتاً.في نفس الوقت، يرى بعض أبناء الجيل «زد» أن الأجيال السابقة حمّلت الاقتصادات الحالية ديوناً عالية، سبّبتها زيادة الإنفاق الحكومي في السابق، لأسباب، منها ما يراه منطقياً، ومنها ما يراه عكس ذلك. هذه النظرة تسببت في تغيير مثير للاهتمام في بعض الدول، فبعد أن كان التصويت في الانتخابات عادة ما يكون بين قطبين مثل «الأغنياء والفقراء» أو «المحافظين والعمال» أو «الجمهوريين والديموقراطيين»، أصبحت الآن أطراف التصويت بين الكبار والصغار، وهو نتيجة لنظرة الجيل الجديد أن التوجه الحالي قد لا يخدمهم في المستقبل بأي حال.
وقد يكون الجيل «زد» هو أول جيل، منذ 100 سنة على الأقل، يعيش حياة أقل رفاهية من الجيل السابق له، وهو في الوقت الحالي يمتلك أصولاً أقل من سابقه، ويعود ذلك إلى أسباب اقتصادية هيكلية، حوّلت العقار من سلع إلى استثمار، وتسببت في تضخم أسعاره. كما أن التعليم أصبح امتيازاً لا يمكن للجميع الحصول عليه، بعد أن كان أقرب للبديهي للجيل السابق له، ولذلك فالجيل «زد» قد يمتلك شهادات أقل من سابقه، وهو بذلك قد لا يتمكن من الحصول على وظائف ذات دخل عالٍ، ما قد يقلل من دخله. وفي زمن يراهن الجميع فيه على الشباب، وبعيداً عن التقارير المكتوبة والمؤتمرات المكتظة، هل سيجد العالم حلاً للهموم الاقتصادية للجيل «زد»؟