الفدرالي والتضخم..هل انتصرت السياسة النقدية على جنون الأسعار؟

بيانات اقتصادية كشفت عنها أميركا الأسبوع الماضي، وأظهرت تباطؤ التضخم إلى أدنى معدل سنوي له في عامين خلال يونيو حزيران، كما تم الكشف عن انخفاض مشجع ومماثل في مؤشر أسعار المنتجين، مما رفع من الرهانات على أن الاحتياطي الفدرالي يمكن أن يحقق هبوطًا ناعماً للاقتصاد الأميركي، (أي خفضاً تدريجياً لمعدلات الفائدة دون إيقاع الاقتصاد تحت وطأة الركود)، وهي نتيجة نادراً ما حدثت خلال دورات رفع الأسعار السابقة.

الخبراء منقسمون بشأن ما يعنيه إحراز التقدم في السيطرة على التضخم لاجتماع اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة في الفترة من 25 إلى 26 يوليو تموز، لا سيما ما يتعلق بإمكانية الاستمرار في رفع أسعار الفائدة ومناقشة احتمالية حدوث ركود.

إذ لا يزال الحد من التضخم على رأس أولويات بنك الاحتياطي الفدرالي، ويتوقع السوق رفع سعر الفائدة مرة أخرى في يوليو تموز، بعد تثبيتها في يونيو حزيران.

الرهانات الحالية قريبة من الإجماع، إذ قال 96% من المتداولين إن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أخرى، إلى نطاق يتراوح بين 5.25% و5.50%.

لكن بالنسبة للفدرالي، فإن التضخم المثالي هو ما يقع في النطاق المستهدف البالغ 2%، وكان رئيس البنك جيروم باول واضحًا منذ أن بدأ التضخم في الانخفاض حينما أكد أنه يميز بين اتجاه خفض التضخم وقدرة الاحتياطي الفدرالي على إعلان انتصاره ضد التضخم.

هل “المهمة أنجزت؟”

قال إد يارديني، رئيس أبحاث Yardeni لبرنامج “Halftime Report” على قناة CNBC، إن مجلس الاحتياطي الفدرالي قد “حقق مهمته”..مضيفاً: إنهم لا يريدون استخدام تعبير” المهمة أنجزت” لأن هذا من باب سوء الطالع، لكنني أعتقد إلى حد كبير أنهم حققوا مهمتهم بنجاح.

فيما يرى بول ماكولي، الأستاذ بجامعة جورجتاون والمدير الإداري السابق في استثمار السندات العملاق Pimco أن هناك هبوط ناعم ورفع سعر الفائدة لمرة أخرى مسألة ضرورية من أجل المصداقية.

وأضاف “لن يغير ذلك ما سيحدث في غضون أسبوعين (أي قرار الفدرالي المنتظر) حيث سيقوم الفدرالي بتشديد سياسته النقدية برفع الفائدة 25 [نقطة أساس] إضافية، وعلى الأعضاء نوعًا ما أن يضعوا مضمونًا لمفهوم هل هي آخر زيادة أم توقف مؤقت ولا يزال لديهم زيادة أخرى بنهاية العام.

كان الحفاظ على مصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي من خلال رفع أسعار الفائدة مرة أخرى نقطة أثارها الأسبوع الماضي العديد من الخبراء، بما في ذلك خبير سوق الأسهم توم لي، الشريك الإداري لـ Fundstrat.

وقال لي إن أحدث أرقام التضخم والاحتمالات بشأن الهبوط الناعم تجعل المسار قصير الأجل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أكثر صعوبة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه من المرجح أن يرفع البنك أسعار الفائدة مرة أخرى “من أجل المصداقية”.

الخبراء شددوا على أن هذه نقطة مهمة في قراءة بنك الاحتياطي الفدرالي، لأنه عندما قرر عدم رفع أسعار الفائدة في يونيو حزيران، كان يُنظر إليه على أنه “تخطي” وليس وقفة يمكن تمديدها.

من جانبها، قالت ليز يونغ رئيسة استراتيجية الاستثمار في SoFi ، في برنامج Halftime Report على قناة CNBC الأسبوع الماضي: “لا أعتقد أن رفع سعر الفائدة في يوليو تموز مضموناً تمامًا”.

وأضافت: أعتقد أنه من المنطق أن يكون الفدرالي قد انتهى من دورة التشديد النقدي، أو أنه يعلق عمليات زيادة الفائدة على نحو أكبر لأنه تم إحراز تقدم جيد.

أما نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق روجر فيرجسون، فقد كان رأيه ثابتًا بأن التضخم سيظل مستمراً ولن يتحرك الفدرالي سريعاً لإعلان النصر حتى لو كان ذلك يعني ركودًا للاقتصاد.

وأكد بعد بيانات التضخم الأخيرة أنه لا يزال من السابق لأوانه إعلان الانتصار، رغم أنه يشعر بالتفاؤل أكثر بشأن تجنب الركود الاقتصادي.

لننتظر حتى سبتمبر!

قال فيرجسون: “أعتقد أن هناك احتمالًا متزايدًا لهذا الهبوط الناعم، وهو أمر إيجابي للغاية، لحسن الحظ، ما زلنا نرى زخمًا إيجابياً في العديد من القطاعات الاقتصادية الأميركية، ومع ذلك، أعتقد أنه من السابق لأوانه حقًا إعلان النصر لأنه كما قال بنك الاحتياطي الفدرالي نفسه، فإن الكثير من العمل الذي قاموا به لم يظهر بعد في السوق “.

وأوضح فيرغسون أن سبتمبر أيلول هو الوقت الذي يجب أن تلقي فيه الأسواق نظرة فاحصة على تأثيرات الزيادات السابقة على الاقتصاد.

وتابع: اليوم، لا يزال هناك خطر يتمثل في أن هدوء التضخم غير مرتبط بشكل مباشر برفع الفدرالي للفائدة.

ما سر استمرار المخاوف من حدوث ركود اقتصادي؟

تشير مسح لمديريين ماليين أجرته CNBC إلى أن الغالبية لا تزال تتوقع حدوث ركود اقتصادي في أميركا، في حين أنهم أصبحوا أكثر إيجابية فيما يتعلق بتوقعات الأسهم وخفض مجلس الاحتياطي الفدرالي سياسته النقدية التشددية.

وقال العديد من المديرين الماليين إنهم أرسلوا رسالة مباشرة إلى رؤساء بنك الاحتياطي الفدرالي الإقليميين مفادها أن الوقت قد حان للتوقف عن رفع أسعار الفائدة لأن الاقتصاد يتباطأ.

وتعتقد المديرة الإدارية لشركة Pimco تيفاني وايلدنج أن الركود أمر محتمل.

موضحةً: نعتقد أن النمو سيتباطأ في النصف الثاني من هذا العام حيث أن لديك رياحًا معاكسة للاستهلاك..كما يتباطأ نمو الائتمان بشكل كبير، لكن الاقتصاد يحتاج في نهاية المطاف إلى الائتمان لكي يستمر، وبالتالي سيكون ذلك بمثابة رياح معاكسة كبرى في وقت تكون فيه السياسة النقدية شديدة الصرامة”.

ولكن حتى في أسوأ السيناريوهات، تتوقع وايلدنج ركودًا “معتدلاً”، كما ترى أن رفع سعر الفائدة في يوليو تموز سيكون آخر رفع لمجلس الاحتياطي الفدرالي في دورته الحالية للتشديد النقدي. AFP