ألأثر الابرز لتعديل التعميم 158

أقرّ المجلس المركزي في مصرف لبنان تعديلات على تعميمي 151 و158 خلال الأسبوع المنصرم، والذي كان من أولوياته إعادة النظر بالتعميمين وتجديدهما، اللذين يتطرّقان إلى السحوبات والتغيُّرات من الدولار اللبناني إلى الليرة اللبنانية، والفريش.

نذكر أنّ شلالات التعاميم بدأت تنهمر بغزارة منذ بدء أكبر أزمة اقتصادية، إجتماعية، مالية ونقدية في تاريخ العالم، فبعدما جُمّدت الأموال، في المصارف، ومُنعت السحوبات بالدولار الأميركي، وُلد التعميم الأول 151 الذي كان يسمح بتحويلات بعض الدولارات المحدودة إلى الليرة اللبنانية، بهيركات بدأ يتراوح عند الـ 50 % ووصل اليوم إلى الـ 85 %. ففي هذا الإجتماع الأخير للمجلس المركزي تم تجديد هذا التعميم للمرة الرابعة توالياً، وتابع تحويل 1600 دولار شهرياً من الدولارات اللبنانية المجمّدة إلى الليرة اللبنانية بحسب السعر الرسمي المعتمد 15 ألفاً من دون تغييرات ملحوظة.

أما التغيير الكبير فقد حصل في تعميم 158، الذي كان قد صدر في حزيران 2021، وكان يسمح لمن ينتمي إلى هذا التعميم (مَن وقّع الإتفاقات الداخلية مع المصارف والبنك المركزي)، بسحب 400 دولار فريش شهرياً، و400 دولار تحوّل إلى الليرة اللبنانية بنفس الهيركات المُبطّن الجاري.

أما النسخة الجديدة للتعميم 158 التي صدرت أخيراً، فقد ركزت على سحب الـ 400 دولار الفريش شهرياً أي 4800 دولار سنوياً، لكن أوقفت التحويلات إلى الليرة اللبنانية، بحسب سعر الصرف 15 ألفاً. أما لِمَن ينضَمّ الى التعميم مجدداً فيحقّ له سحب 300 دولار فريش، أي 3600 دولار في السنة.

للمرة الأولى منذ الإنهيار المالي والنقدي، هناك تعميم يسمح بسحب الدولارات اللبنانية المجمّدة إلى دولار فريش، من دون أي هيركات.

لا شك في أن الهدف من هذا التغيير هو من جهة تخفيف النقمة الشعبية، ومن جهة أخرى، إنهاء كل حسابات المودعين الصغار والمتوسطين (لا سيما مَن كان يملك وديعة بـ 100 و200 و300 ألف دولار)، والهدف الثالث هو تخفيف الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، ودولرة الإقتصاد أكثر فأكثر، وجَرّ المواطنين نحو الإنضمام إلى تعميم 158، وتخفيف استعمال الليرة اللبنانية، واعتماد الدولار كعملة أساسية للإقتصاد الوطني.

حتى لو أن هناك بعض الإيجابيات في تعديل التعميم 158، فليس هناك أي استراتيجية واضحة على المدى المتوسط والبعيد. أما الإستراتيجية المستعملة فهي الترقيع وكسب الوقت، وتأجيل المشاكل أو الإنفجار الإجتماعي من دون أي خطة لإعادة بناء الإقتصاد والنمو المستدام. نذكر أنّ اقتصادنا الذي كان يدور حول الـ 50 – 55 مليار دولار، أصبح اليوم لا يتعدى الـ 20 – 22 مليار دولار.

إن الإصلاح وإعادة الدورة الإقتصادية والنمو وإعادة بناء ما هُدّم في السنوات الثلاث الأخيرة، لا يستطيع أن يحصل من دون إعادة الثقة، التي تبدأ باحترام المواعيد الدستورية، وملء كل الفراغات الشاغرة في كل مؤسسات الدولة المهدّمة، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، إلى تعيين رئيس حكومة وحكومة فعالة تُدير السلطة التنفيذية، ومجلس نواب بنّاء يُشرّع ويدرس ويقترح قوانين بنّاءة.

في المحصّلة، شئنا أو أبينا، أصبح اقتصادنا المحلي مبنياً فقط على منصة صيرفة، التي أصبحت الأولوية فيها للأفراد والشركات، والتجار، والمصارف، وأيضاً لحيتان الصيرفة. فالهَم الوحيد هو اليوم بيع بعض الدولارات الفريش إلى الليرة اللبنانية، في السوق السوداء ومن ثم بيع هذه الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية، للمصارف والمصرف المركزي، بحسب سعر صيرفة، وكسب بعض الأرباح، التي تُراوح بين 8 و10 %. لا يُمكن بناء دورة إقتصادية وتنمية بخطط وهمية وغير مستدامة، فسياسة الترقيع والإستهزاء والسخرية من المواطنين تتوالى بالتوازي مع الحفر في نفس النفق الأسود العميق.

د. فؤاد زمكحل