هناك سؤال يصرّ الإعلاميون على طرحه في كل مرّة يلتقون فيها أحد وزراء النفط أو الطاقة في دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وهو «هل أنت قلق حول مستقبل النفط؟».
وللأمانة، لم أسمع حتى اليوم وزيراً يقول إنه قلق من شيء؛ لأن القلق دليل عدم ثقة، والوزراء لا بد أن يكون لديهم ثقة في المستقبل وإلا لأصبح مركزهم ضعيفاً.
ولكن أعجبني رد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي خلال منتدى «أوبك» الدولي الثامن الأسبوع الماضي في فيينا، عندما قال: «أنا لست قلقاً من الطلب على النفط، ولكن قلق حول الإمدادات».
الحمد لله أن أحد الوزراء أخيراً اعترف بقلقه، ولكن ماذا يقصده بقوله حول مستقبل الإمدادات؟ لنستمع إلى إجابته التي كانت متوقعة، حيث أوضح أن العالم خسر خلال الجائحة نحو 7 ملايين برميل يومياً، ولا يوجد ما يكفي من الاستثمارات النفطية لتعويضها في ظل نمو الطلب على النفط سنة وراء سنة.
والأدهى والأمر من هذا، أن العالم يحتاج سنوياً إلى إضافة 7 ملايين برميل يومياً – بحسب قول المزروعي – لمواجهة الانخفاض الطبيعي الذي تواجهه حقول النفط التي تتقادم وتفقد كميات كبيرة من النفط سنوياً ولا يستطيع أحد تعويضها من خلال اكتشافات جديدة أو حفر آبار كافية جديدة. وهذا الأمر ينسحب على آبار وحقول النفط الصخري التي تهبط بسرعة شديدة تبلغ أكثر من 40 في المائة، بحسب قول الوزير.
كلام الوزير جاء قبل أسبوع من صدور تقرير «أوبك» الإحصائي السنوي والذي صدر يوم الثلاثاء، وأوضحت الأرقام فيه أن احتياطات النفط العالمية نمت بصورة طفيفة العام الماضي، أما إنتاج النفط الخام فلم يعد إلى مستويات قبل الجائحة. أما على جانب التكرير، فإن قدرة العالم التكريرية منذ عام 2019 وحتى 2022 لم تتجاوز 101 مليون برميل بشكل كبير.
هل يجب أن نقلق مع المزروعي ومع هذه الأرقام المقلقة من «أوبك»؟ لا، ليس نحن في الدول المنتجة للنفط، بل المستهلكون هم من يجب أن يقلقوا حول مستقبل النفط.
لكن الدول المستهلكة لديها تصور أفضل للمستقبل، وهو البحث عن سيارات كهربائية ومصادر طاقة متجددة… جميل؛ ولكن العالم ينمو بسرعة هائلة تجعل التفكير في الاستغناء عن النفط أمراً صعباً.
هذه الحقيقة يدركها الجميع، بما فيهم الشركات النفطية العالمية والأميركية، والتي تواجد بعضها في فيينا الأسبوع الماضي.
هذا التراجع في الإنتاج من كل الحقول يجعلني أقلق حول أمور أخرى، مثل طريقة تسعير النفط ونشوء أزمة طاقة مستقبلية يحفر لها العالم اليوم بيده بسبب السياسات العدائية للنفط.
وكذلك أنا قلق من كيفية استفادة دول «أوبك» من أسعار النفط العالية الآن ومستقبلاً مع شح الإمدادات المتوقع. فبقاء أسعار النفط عالية للأبد أمر غير حتمي، وهذه الدول أمامها تحدٍ كبير للتحول بعيداً عن النفط.
عموماً، النفط مجرد سلعة تدر دخلاً على دول «أوبك». وحتى الآن يبدو أن السماء راضية عن «أوبك»، وفي السماء رزقكم وما توعدون.
وائل مهدي