الطلب على النفط في 2023 مرشَّح للزيادة بصورة أعلى مما كان متوقعاً، ومع هذا قرر تحالف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وكبار المنتجين من خارجها، المعروف باسم «أوبك بلس» تخفيض إنتاجه النفطي هذا العام والذي يليه.
هذا التخفيض لا يتماشى مع توقعات وبيانات المنظمات الثلاث الكبرى («أوبك»، و«وكالة الطاقة الدولية»، و«إدارة معلومات الطاقة الأميركية») هذا العام، ولكنه يتماشى مع توقعاتهم للعام القادم.
حيث اتفقت الجهات الثلاث على تباطؤ نمو الاستهلاك العالمي للنفط العام المقبل، وإن كان هناك تباين بينها حول الكميات.
فمن جهتها توقعت «أوبك» يوم الخميس، في أول تقييم لسوق النفط لعام 2024 تباطؤاً طفيفاً في نمو الطلب العالمي على الخام، لكنَّ تقديراتها في الوقت نفسه تُعادل ضعف معدل النمو الذي توقعته وكالة الطاقة؛ كما تفوق بكثير تقديرات إدارة معلومات الطاقة.
هذه التقديرات المحافظة سببها توقع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وإن كانت الصين والهند ستزيد من استهلاكها للنفط.
وتتوقع «أوبك» أن ينمو استهلاك النفط بنحو 2.2 مليون برميل يومياً العام المقبل ليصل إلى مستوى قياسي جديد عند 104 ملايين برميل يومياً، مقابل توقعات نموه بنحو 2.4 مليون برميل خلال 2023.
من جهتها تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الاستهلاك العالمي للخام بنحو 1.2 مليون برميل يومياً في 2024، ليصل إلى 103.23 مليون برميل يومياً، في تباطؤ واضح عن تقديراتها للعام الجاري البالغة 2.2 مليون نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي.
بينما أبدت إدارة معلومات الطاقة الأميركية نظرة أكثر اعتدالاً، مع توقعات بنمو الطلب العالمي على النفط 1.6 مليون برميل يومياً في 2024، مقابل تقديرات زيادة الاستهلاك بنحو 1.8 مليون هذا العام، ليكون من المرجح أن يبلغ إجمالي الطلب العام المقبل 102.71 مليون برميل يومياً.
ولا أريد هنا الدخول في توقعات المعروض النفطي لأن الصورة واضحة للجميع، فمهما ضخ العالم من النفط سيحتاج إلى نفط «أوبك» وحلفائها، فهي مَن تعمل على توازن السوق.
ولهذا ترى «أوبك» أنها ستحتاج إلى ضخ 30.2 مليون برميل يومياً العام المقبل حتى تتزن السوق ويتماشى العرض مع الطلب.
لكن ما الذي يجعل السعودية وروسيا وبعض البلدان تزيد وتعمِّق من تخفيض إنتاجها النفطي هذا العام بشكل قوي رغم أن أساسيات السوق تشير إلى تحسن الطلب على النفط؟ وهل تمديد خفض الإنتاج لكامل العام المقبل مبرِّر في ظل هذه البيانات؟
إذا كان الاقتصاد العالمي سيتباطأ في 2024 كما تتوقع المنظمات الدولية، فمن المنطقي أن تتخذ دول تحالف «أوبك بلس» سياسة متحفظة وتُبقي الإنتاج منخفضاً.
أما فيما يتعلق بهذا العام، فالمسألة تتجاوز توازن السوق، لأن الوضع اليوم غريب إلى حد بعيد. فأسعار النفط إذا ما عُدّت مؤشراً استرشادياً على توازن العرض مع الطلب، فهي لا تعكس هذا التوازن.
وما نراه في السوق الفعلية من شح في الإمدادات لا نراه ينعكس في السوق المالية للعقود الآجلة أو السوق الورقية.
من هنا أتفهم هذه التخفيضات وتعميقها لإجبار السوقين على لحاق إحداهما بالأخرى بدلاً من التباين الكبير بينهما.
كمواطن من دول «أوبك»، أراه تصرفاً معقولاً ومنطقياً، ولكن كمواطن غربي يضارب في النفط أو يستثمر في عقوده، فما تفعله دول التحالف أمر غير مفهوم لي.
وهنا لا يوجد صواب أو خطأ، بل يوجد «وضع شاذ» لا بد من التعامل معه… ولا أحد يهتم به أو يحاول إصلاحه سوى «أوبك بلس».
وائل مهدي