فيما يشهد سعر صرف الدولار في لبنان استقراراً في الأشهر الماضية على سعر حوالي 89 ألف ليرة، تزامن مع الموسم السياحي وما رافقه من أموال ضخمة دخلت لبنان، تتّجه موازنة 2024 إلى توحيد سعر الصرف، وهو شرط من شروط صندوق النقد الدولي لمنح قرض بحوالي 3 مليارات دولار للبنان. وبينما كان الخبراء يؤكدون أنّ اتجاه الدولار سيكون صعودياً بعد انتهاء موسم الصيف، يظهر الدولار استقراراً في سعره، على عكس هذه التوقعات. ما السبب؟
في حديث سابق له، أكد حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري أنّ “الوقت اليوم هو المناسب لتحرير وتوحيد سعر الصرف، لمعطيات عديدة أبرزها انخفاض الكتلة النقدية من 80 تريليون ليرة إلى 60 تريليون ليرة، وارتفاع الجباية لدى الدولة إلى حدود 20 تريليون ليرة شهرياً، وجزء منها نقدي، وهذا ما يؤدي إلى سحب الليرة أيضاً من السوق. وتحرير سعر الصرف وتوحيده يعني أنّ سعر الدولار المقوَّم على الليرة اللبنانية يُحدَّد بحسب عمليات السوق دون تدخّل من المصرف المركزي”. بالتالي، بمجرد اتخاذ قرار توحيد سعر الصرف، تُلغى جميع أسعار الصرف المتعددة التي فرضتها التعاميم 151 و157 و158 و161.
في هذا الإطار، ترى المتخصّصة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور في حديثها لـ”النهار” أنّ “الاستقرار النقدي الحالي ناتج عن تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع عبر شراء العملات الأجنبية، إلى جانب عامل آخر له دوره في الاستقرار النقدي وهو الدولرة، فكلّما زادت، تراجع طبع الليرة إذ لم تعد تُستعمل إلا لتمويل القطاع العام”.
أيضاً، مع وجود المغتربين صيفاً وإدخالهم الدولارات، أسهموا في الاستقرار النقدي دون الحاجة الكبرى إلى تدخل مصرف لبنان بنسبة كبيرة لدعم هذا الاستقرار وبالتالي دون تكبّده تكلفة كبرى، لكن طبعاً عادة، تكون هذه التكلفة على حساب توفير الأموال هذه لاستيراد المحروقات والكهرباء وصيانة الطرقات وغيرها. فالاستقرار النقدي يكلّف الدولة كثيراً وتكلفته تراوح بين 500 مليون دولار ومليار دولار شهرياً.
وحتى في بلد غير منهار اقتصادياً وغنيّ، توضح منصور أنّه دائماً ما يكون تثبيت سعر صرف معيّن واستقرار النقد مكلفاً. وتنفي أن يكون لاستقرار النقد حالياً سبب سياسي، وتعطي مثالاً عن عملة الدينار الكويتي الأقوى في العالم، التي تتكبّد الكويت كلفة كبيرة لتثبيتها واستقرارها.
أمّا عن توحيد سعر الصرف وتداعياته، فهو يبدأ من تحرير العملة، أي تعريضها للعرض والطلب، وبذلك، تُلغى جميع أسعار الصرف الأخرى. وتحريرها يعني غياب تدخّل المركزي لتثبيتها واستقرارها. وبرأي منصور، “إقرار أي بند في الموازنة لا يعني وجوباً أنه سيُلتزم به في لبنان، وأصبح موضوع توحيد سعر الصرف في لبنان أمراً على المسؤولين تنفيذه ولو نظرياً لأنّه مطلوب من صندوق النقد الدولي. بالتالي، تداعيات موازنة 2024 محدودة جداً على العملة في بلد كلبنان، ولن تؤدي إلّا إلى بلبلة شفهية”.
فالليرة منهارة أصلاً وليس هناك أية عوامل قد تؤثر سلباً بشكل إضافي على العملة بعد، وفق منصور. فتوحيد سعر الصرف يجعل من سعر الدولار قابلاً لأن يرتفع أو ينخفض، لكنّه يبقى بسعر موحَّد غير متعدّد. لذلك، مع الدولرة الحالية، سيكون تأثير هذا الأمر ضئيلاً جداً.
ولأنّ لبنان أصبح مدولراً بامتياز، قد يكون توحيد سعر الصرف عاملاً إيجابياً، إلّا أنّ منصور لا ترى هذه الإيجابية و”الليرة لن تعود إلى الوراء”. لذا، تصرّ منصور على أنّ “مسار الدولار صعودي بمجرّد وقف تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع”.
على عكس رأي منصور، من جهته، يورد الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة في حديثه لـ”النهار”، أنّ “الاستقرار النقدي في لبنان هو نتيجة ضغوط سياسية أدّت إلى لجم المضاربين”. وحتى شركات الصيرفة المرخصة لم تعد تشتري الدولار في السوق، أي إنّ المضاربين والشركات توقفوا عن شراء الدولار.
فما عظّم الأزمة على شكلها الحالي، برأي عجاقة، هو المضاربة في السوق السوداء وهذا ما يبرّر استقرار سعر الصرف مع ذهاب هذا العنصر. لكن الأسباب الأساسية التي أدّت إلى الأزمة النقدية لا تزال موجودة، وهي غياب الدولارات الكافية لدى الحكومة لتسديد جميع نفقاتها. فهي بحاجة إلى الدولار لصرف رواتب القطاع العام واستيراد المحروقات وتسديد اشتراكاتها السنوية في المؤسسات الدولية وتسديد الأجور للسلك الديبلوماسي والسفارات والقنصليات. لذلك، بحسب عجاقة، “ما لم تُطبَّق الإصلاحات، فالاستقرار النقدي هذا هو استقرار غير ثابت، ونتوقّع أن تتّجه ضغوط سعر الصرف نحو الارتفاع”.
وبرأيه، “الأزمة ستتعاظم أكثر عندما سنصل إلى آخر السنة دون تمكّن مصرف لبنان من تمويل العجز المقدَّر بـ40 تريليون ليرة، هنا السؤال: ماذا ستفعل الحكومة؟”، يسأل عجاقة.