أيّ كلامٍ في الاقتصاد في مرحلة الانتظار التي تفصلنا عن معرفة اذا ما كان «طوفان الأقصى» سيصل الى لبنان، هو بمثابة مجازفة بالنظر الى حساسية الوضع، وسهولة سوق الاتهامات في حق من يُذكّر بالوقائع. ومع ذلك، لا بدّ من التذكير والتحذير وتقدير ما قد يحدث لاحقاً.
رغم مرور حوالى 17 عاما على حرب تموز 2006، لا يزال هناك غموض في تقدير دقيق للخسائر الاقتصادية التي أصابت البلد، خصوصا ان احصاء الخسائر في حالات مماثلة لا يمكن ان يتم اختصاره بالخسائر المباشرة، بل ينبغي احتساب الخسائر غير المرئية المتعلقة بالاعاقة الدائمة التي قد تكون أصابت البلد، لجهة النظرة الى مستقبله، وما يعنيه ذلك على مستوى جذب الاستثمارات، أو هجرة المواطنين، او رسم مخططات خارج البلد للأجيال المقبلة.
وقبل الخوض في التذكير بالاضرار والخسائر، لا بد من استعادة حقائق رقمية لا نقاش فيها. اذ عندما اندلعت حرب تموز 2006، كان حجم الموازنة العامة حوالى 10 مليارات دولار، في حين ان تقديرات الانفاق اقتربت من 12 مليار دولار (استناداً الى ارقام موازنة 2005، وهي آخر موازنة أُقِرّت حتى العام 2017). وفي الانتقال الى العام 2017 وصل حجم الانفاق الحكومي المقدّر في الحكومة الى حوالى 15 مليار دولار. وفي العام 2019، السنة الأخيرة قبل الانهيار وصل حجم الانفاق الحكومي في الموازنة الى حوالى 21 مليار دولار. ووصل حجم الناتج المحلي الى ما يُقارِب 51 مليار دولار.
اليوم، هناك مشروعٌ «طموح» للحكومة تريد من خلاله اقرار موازنة تستطيع من خلالها انفاق اقل من 4 مليارات دولار، وتقدّر ايراداتها السنوية بأقل من 3 مليارات دولار. وهو مشروع قد لا يمر كما هو، وبالتالي فإنّ حجم الايرادات والانفاق سيتم خفضهما من قبل المجلس النيابي، لتخفيف حجم الضرائب الاضافية عن كاهل اللبنانيين المَسحوقين اقتصادياً في غالبيتهم (حوالى 90% من المواطنين يعانون ضيقة معيشية). وقد انخفض الناتج المحلي من 51 مليار دولار قبل الانهيار الى 18 مليار دولار حالياً.
ولا حاجة الى التذكير بالمساعدات التي تلقاها لبنان بعد حرب 2006 لكي يقف على رجليه مجدداً، ويعيد إعمار ما تهدّم، وقد يكون من المفيد نقل ما ورد في كتاب «أطلس لبنان» (Atlas du Liban)، وهو ثمرة تعاون فرنسي- لبناني. وقد جاء في احد نصوص هذا الكتاب في شأن المساعدات التي حصل عليها لبنان بعد الحرب ما يلي: «لقد تضاعفت المساعدات الدولية لإعادة الإعمار في أواخر كانون الثاني 2007، خلال المؤتمر الذي أطلق عليه إسم مؤتمر باريس الثالث، وذلك من خلال دعم إضافي لسياسة الإصلاحات التي أعلنتها الحكومة اللبنانية، وبلغت ما مجموعه 7,6 مليارات دولار. ونجد من بين المساهمين الرئيسيين المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة… وكان يجب أن تسمح هذه المبالغ الكبيرة للبنان بتسديد ديونه على المدى القصير والبدء بالإصلاحات الهيكلية التي كانت تطالب بها هذه الجهات المانحة. كانت هذه المظاهر المختلفة من التضامن الدولي من أجل لبنان استثنائية؛ ولا بد من الإشارة إلى حجم المبالغ التي تم جمعها، بعد سنوات قليلة جداً من مؤتمر باريس الثاني الذي وُعد فيه لبنان بمساعدة تبلغ 4,5 مليارات دولار، صُرف منها بالفعل حوالى 2 مليار. وتشهد هذه المساعدات بوضوح أن هذه القوى المختلفة تعتبر لبنان عنصراً في استراتيجياتها الإقليمية. وهناك فقط حوالى 10 % من هذه الأموال على شكل منح، مخصصة للحالات المالية الطارئة وللمساعدة المالية المباشرة لإعادة الإعمار».
هنا ينتهي الاقتباس، ولا بد من التذكير بأن مساعدات مالية كبيرة وصلت في الفصل الاخير من العام 2006، وساهمت كلها في اعادة اعمار جزء كبير من الدمار الذي أحدثته الحرب.
السؤال الوحيد الذي ينبغي أن يكون مطروحاً اليوم هو: ما هو حجم الاضرار الاقتصادية التي قد تحلّق بلبنان اذا وصل «الطوفان» الى اراضيه عبر بوابة الجنوب؟ ما هي مقومات الصمود والبقاء التي يتمتّع بها اللبنانيون العاديون في مواجهة وضع مماثِل؟ ما هو حجم التضامن والمساعدات التي قد يحظى بها البلد بعد انتهاء الحرب في حال وصلت إلينا؟
الاجوبة عن هذه الاسئلة تسهّل مهمة تقدير ما ينتظر اللبنانيون اذا ما وصلت نيران الحرب الى بلادهم. وفي الامثال اللبنانية الرائجة مقولة «الشعرة التي قصمت ظهر البعير»، وهي مقولة تهدف الى الدلالة على ان التراكمات تصل الى مرحلة يصبح فيها اضافة ضغط بسيط (شعرة) كافياً لإحداث كارثة، فما بالك اذا أضفنا الى تراكماتنا «الطوفان»؟
أنطوان فرح