كيف يستقبل الفدرالي نتائج “بلاك فرايداي”؟

  • رغم أن مبيعات “سايبر ويك” لا تعد مرجعاً للفدرالي لكنها تظل مهمة للإشارة للقدرة الإنفاقية والآفاق التضخمية

  • من المتوقّع أن يدر “سايبر ويك” 37,2 ملياراً من المبيعات عبر الإنترنت، بزيادة نسبتها 5,4% عن العام الماضي

  • قوة الإنفاق الاستهلاكي وتعزيز النمو من الإنفاق الحكومي لا تجعل مهمة الفدرالي أسهل خلال الأرباع المقبلة

  • محضر الفدرالي أظهر أن المسؤولين لم يُبدوا أي ميل نحو خفض الفائدة في أي وقت قريب

 

بدأ أسبوع “سايبر ويك” الاستهلاكي الشهير في الولايات المتحدة، والذي يمتد من عيد الشكر، مرورا بـ”بلاك فرايداي”، وصولا إلى “سايبر مونداي”… وهو الأسبوع الأخير الكبير للمبيعات في العام قبل موسم “الكريسماس” و”رأس العام”.

ويعد “سايبر ويك”، وقمته في “بلاك فرايداي”، أحد أهم مواسم شراء السلع والهدايا في أميركا بالنسبة للمستهلكين والتجار على حد سواء، نظرا لأنه يسبق موسم الأعياد الأكبر في العام، كما أنه يشهد عروض خصومات لا تتكرر طوال السنة.

ورغم أن نتائج أعمال ومبيعات “سايبر ويك” لا تعد مرجعا رئيسيا للاحتياطي الفدرالي في حساباته المعقدة لموازنة التعامل مع التضخم والحفاظ على النمو، إلا أن النتائج تظل مهمة من حيث الإشارة القوية إلى القدرة الإنفاقية والشرهة الاستهلاكية والآفاق التضخمية.

وفي أحدث توقعاته التي صدرت نهاية الشهر الماضي، يرى مسؤولو الفدرالي أن التضخم، وفقًا لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، سيبلغ 3.3% بحلول نهاية العام، مقارنة بتوقعات يونيو (حزيران) البالغة 3.2%.

ويشير أولو سونولا، رئيس قسم الاقتصاد الأميركي في وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، إلى أن قوة الإنفاق الاستهلاكي وتعزيز النمو من الإنفاق الحكومي لا تجعل مهمة الفدرالي أسهل خلال الأرباع المقبلة. وأضاف: “لقد تحول النمو الاقتصادي من المرونة إلى إعادة التسارع في هذا الربع، متحديًا دورة التشديد العدوانية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي والظروف المالية الأكثر صرامة”.

محضر اجتماع الفدرالي

وأظهر محضر اجتماع الفدرالي الأخير، الذي عُقد في الفترة من 31 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 1 نوفمبر (تشرين الثاني)، إجماع الأعضاء حول استراتيجية المضي قدماً بحذر بشأن تحركات أسعار الفائدة في المستقبل، وربط أي تشديد إضافي بمدى التقدم نحو هدف التضخم عند 2 في المائة.

كما أظهر المحضر أن المسؤولين لم يُبدوا أي ميل نحو خفض الفائدة في أي وقت قريب، لا سيما أن ‏التضخم لا يزال فوق المستهدف، وأنهم ما ‏زالوا قلقين بشأن التضخم واستمرار بقائه مرتفعاً، وأن هناك حاجة للمزيد من ‏الإجراءات التي يجب اتخاذها لكبحه.‏

وأكد أن صناع السياسة يسعون لإجراء توازن بين تفادي رفع الفائدة، بما قد يدخل الاقتصاد الأميركي في ركود من جهة، وعدم تشديد السياسة النقدية بما يكفي لتهدئة الاستهلاك وتخفيض التضخم إلى المستهدف عند 2 في المائة. ورغم ذلك، لم يشر المحضر إلى أن الأعضاء ناقشوا متى قد ‏يبدأون في خفض أسعار الفائدة.

نتائج الـ “سايبر ويك”

هنا يجب النظر إلى أن تقييم نتائج الـ “سايبر ويك” سيكون ذي دلالة للفدرالي، خاصة أنه سيعد اختبارا حقيقيا للقدرة الشرائية للأميركيين، وما إذا كانت بلغت “نقطة المقاومة” أم لا، حيث يخشى كثير من المراقبين أن يكون الأميركيون قد استنفدوا كل مدخراتهم السابقة مع زيادة التضخم وتراجع مستويات الدخل الحقيقي.

وفي مقابل نظرة الفدرالي، فإن نظرة الجماهير أيضا شديدة الأهمية، إذ يسيطر عليهم الارتياب من استمرار ضغوط رفع الفائدة لفترات أطول، ما يسهم في تراجع “الرغبة الاستهلاكية” في مقابل “الخوف من المستقبل”.

وهناك عنصر ثالث شديد الأهمية لا يجب أن ننساه، وهو تجار التجزئة أنفسهم، والذين يعولون على هذا الموسم بشدة لزيادة حجم المبيعات، وبالتالي يحسن من موازناتهم وقدرتهم المالية على استمرار الصناعة والأرباح… ما يجعلهم يقدمون على وضع “عروض لا تقاوم” من أجل جذب المزيد من الزبائن “المترددين”.

ووسط هذه الصورة العامة، فإن ارتفاع حجم إنفاق الأميركيين على التجارة الإلكترونية في الـ”بلاك فرايداي” بنسبة 7.5%، مقارنة بمستويات العام الماضي، يعد أمرا هاما وشديد الدلالة.

حجم الإنفاق

وبلغ حجم الإنفاق مستوى قياسياً عند 9.8 مليار دولار في الولايات المتحدة، بحسب البيانات الواردة في تقرير Adobe Analytics . وتعكس تلك البيانات رغبة المستهلكين في الإنفاق على أفضل الصفقات، ومن خلال بحثهم عن تلك الصفقات عبر الإنترنت… ومع ذلك، لا يزال المتسوقون حساسين للأسعار، ويديرون ميزانيات أكثر صرامة بسبب التضخم القياسي وأسعار الفائدة في العام الماضي.

وفي المجمل، من المتوقّع أن يدر “سايبر ويك” 37,2 ملياراً من المبيعات عبر الإنترنت، بزيادة نسبتها 5,4% عن العام الماضي.

وقدّر الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة عدد الذي سيُقبلون على الشراء من المتاجر، أو عبر الإنترنت خلال ما يُعرف بالـ “سايبر ويك”، بأكثر من 182 مليوناً، مما يمثل ارتفاعاً بنحو 16 مليوناً عن معدّل العام 2022 ورقماً قياسياً منذ بدء تسجيل هذه الأرقام عام 2017.

ولم يوفّر الاتحاد أرقاماً عن المبيعات المتوقّعة لهذه الفترة، لكنّه ذكر أنّ المبيعات خلال موسم الأعياد في شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) قد تدر ما يصل إلى 966,6 مليار دولار، بزيادة نسبتها 4% عن العام الماضي.

عمليات الشراء الاندفاعية

ووفق المحلل الرئيسي في Adobe Digital Insights  فيفيك بانديا، فإن “عمليات الشراء الاندفاعية ربما لعبت دورًا في نمو مبيعات الـ Black Friday، بالنظر إلى أن 5.3 مليار دولار من المبيعات عبر الإنترنت جاءت من التسوق عبر الهاتف المحمول”.

وكشف عن أن “المؤثرين والإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، هي عوامل سهلت على المستهلكين الحصول على إنفاق مريح على أجهزتهم المحمولة”.

وفقًا لاستطلاع  Adobe، جاءت 79 مليون دولار من المبيعات من المستهلكين الذين اختاروا طريقة الدفع المرنة “اشتر الآن، ادفع لاحقًا” بزيادة قدرها 47٪ عن العام الماضي.

وعند هذه النقطة تحديدا يجب أن نتوقف برهة ونلقي نظرة على بعض البيانات. إذ قال الاقتصاديون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك الأسبوع الماضي، إن ديون بطاقات الائتمان الأميركية استمرت في الارتفاع في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) من هذا العام، مسجلة الربع الثامن على التوالي من الزيادات على أساس سنوي.

وأشار التقرير إلى أن أرصدة بطاقات الائتمان ارتفعت بمقدار 48 مليار دولار، أو بنسبة 4.7% عن الأشهر الثلاثة السابقة، وبمقدار 154 مليار دولار على أساس سنوي، وهي أعلى زيادة منذ بدء التسجيل في عام 1999.

وبذلك وصل إجمالي ديون بطاقات الائتمان المستحقة إلى مستوى قياسي جديد بلغ 1.08 تريليون دولار، ونما إجمالي ديون الأسر بمقدار 228 مليار دولار خلال الفترة المشمولة بالتقرير، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى بطاقات الائتمان وقروض الطلاب، ووصل إلى 17.29 تريليون دولار… وهي مؤشرات قد تثير قلقا حول القدرة على سداد الديون والتعثرات التي قد تسفر عن أزمة ائتمانية لاحقة، ويشير الاقتصاديون إلى أن المزيد من الأسر تواجه صعوبة في إدارة ديونها وسط استمرار ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.

رهانات الأسواق

وبعدما كانت رهانات الأسواق ترجح بلوغ مستويات الفائدة الأميركية ذروتها، وازدياد احتمالات خفضها في المدى المتوسط، قوضت تصريحات جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي آمال الجميع بشأن وصول معدلات أسعار الفائدة ذروتها.

وعبّر مسؤولون في المركزي الأميركي من بينهم باول في وقت سابق من الشهر الجاري، عن شكوكهم في أن معركتهم لمكافحة التضخم انتهت، وأضافوا أنهم سيواصلون تشديد السياسة النقدية إذا اقتضت الحاجة. وقال باول إنه وزملاءه في مجلس الفدرالي «غير واثقين» من أن السياسة لا تزال مشددة بما يكفي لكبح التضخم.

وتتزايد التوقعات الآن أن يكون أول خفض محتمل من المركزي الأميركي لسعر الفائدة في يونيو (حزيران) من العام المقبل، بدلاً من التوقعات السابقة لخفضه في مايو (أيار).

لمياء نبيل