أصداء “حرب غزة” تؤثر على شركات عالمية كبرى

ترى بعض الشركات الأكثر شهرة في العالم أن الحرب في غزة تؤثر بالفعل على عملياتها.

وقد بدأت الشركات التي تمارس أعمالاً تجارية -أو لديها عمليات- في المنطقة بالفعل في حساب أثر الحرب على توقعاتها المالية، حيث تؤثر الاضطرابات على كل شيء، بدءًا من كلفة الإعلانات إلى السياحة إلى سلاسل التوريد. وتأتي هذه الاعترافات المبكرة في الوقت الذي يتزايد فيه قلق زعماء العالم من اشتداد الصراع، مع رفض الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار.

وقالت شركة United Airlines إن أداء الربع الرابع قد يختلف اعتمادًا على طول فترة تعليق الرحلات في تل أبيب، وجاء نطاقها المحدث للأرباح المعدلة للسهم أقل من توقعات المحللين.

وقال الرئيس التنفيذي سكوت كيربي في وقت سابق من هذا الشهر: “لدينا تنوع جغرافي لا مثيل له؛ مع شبكة محلية كبيرة تكملها أكبر شبكة دولية طويلة المدى، وكلاهما مربحان بقوة. وعلى الرغم من أن هذه سمة عظيمة، إلا أنها تخلق بعض المخاطر والتقلبات على المدى القصير، كما نشهد الآن مع الصدمة المؤقتة لهوامش الربح في هذا الربع” نتيجة للتوترات الأخيرة في إسرائيل.

وUnited Airlines هي واحدة من العديد من شركات الطيران، بما في ذلك Delta Air Linesو American Airlines، التي سارعت إلى تغيير جداول مواعيدها مع اندلاع الصراع. والجدير بالذكر أن شركة العال الإسرائيلية، قالت إنها ستطير في يوم السبت اليهودي لأول مرة منذ أكثر من أربعة عقود للمساعدة في إعادة جنود الاحتياط في الخارج إلى البلاد.

وفي قطاع السفر، تحتل الحرب جزءا مهما من تفكير قادة الشركات. وقالت شركة بوينغ في بيان إن الصراع قد يؤثر على موردين محددين، بالإضافة إلى شركات الطيران.

وقال جيسون ليبرتي، الرئيس التنفيذي لشركة الرحلات البحرية رويال كاريبيان، في مكالمة هاتفية يوم الخميس، إن حوالي 1.5٪ من حجم الرحلات في الربع الرابع كانت تخطط لزيارة إسرائيل. مشيرا إلى أن عدد قليل من الرحلات البحرية المعدلة، لها موانئ رئيسية في حيفا، وهي مدينة تقع في المنطقة الشمالية من البلاد.

كما عرضت الشركة على الحكومة الأميركية الاستخدام المجاني لسفينتها “رابسودي أوف ذا سيز” للمساعدة في إجلاء الأميركيين من إسرائيل. ووسط هذه الفوضى، قدرت الشركة أنها ستشهد تأثيرًا متراجعا على أرباحها قدره 5 سنتات للسهم الواحد، كما تتوقع أن ترى ما بين 6.58 دولارًا و6.63 دولارًا في أرباح السهم المعدلة لهذا العام.

“طبيعة لا يمكن التنبؤ بها”

وكانت شركات التكنولوجيا من بين الشركات التي رأت أن الصراع يؤثر على القوى العاملة والإنفاق الإعلاني وسلاسل التوريد.
وقالت شركة Snap في أحدث إصدار للأرباح إنها شهدت توقفًا مؤقتًا في الإنفاق من “عدد كبير من الحملات الإعلانية الموجهة أساسًا للعلامة التجارية” فور بدء الحرب، موضحة أن ذلك أثر على ربع الإيرادات حتى الآن.

وبينما قالت الشركة إن بعض الحملات التي توقفت مؤقتًا في البداية تم استئنافها الآن، فقد شهدت الشركة أيضًا توقفًا مؤقتًا الآن لحملات أخرى لم تتوقف في الأصل. وقالت شركة Snap إنه سيكون من “غير الحكمة” تقديم إرشادات رسمية بشأن ما يمكن توقعه للربع الحالي “بسبب طبيعة الحرب التي لا يمكن التنبؤ بها”.

كما قالت سوزان لي، رئيسة الشؤون المالية في Meta، إن الشركة الأم Facebook و instagramشهدت انخفاضًا في الإنفاق الإعلاني حتى الآن في هذا الربع، وهو ما يرتبط بالجدول الزمني مع بداية الصراع. وأشارت إلى أن ذلك لا يرجع بالضرورة إلى حدث واحد، ولكن انخفاض الإنفاق تزامن في الماضي مع بداية الصراعات مثل الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي.

وقالت لي للمحللين خلال مكالمة أرباح الشركة يوم الأربعاء: “هذا شيء نواصل مراقبته”. “لقد عكسنا أحدث الاتجاهات وردود فعل المعلنين التي رأيناها في توقعاتنا للربع الرابع – والتي نعتقد مرة أخرى أنها تعكس قدرًا أكبر من عدم اليقين والتقلبات في المشهد المستقبلي.”

وتتوقع شركة Align Technology زيادة الرياح المعاكسة بسبب حالة عدم اليقين ومشكلات سلسلة التوريد المحتملة المرتبطة بالصراع، وفقًا لما قاله المدير المالي جون موريسي. وقال إن هامش التشغيل في الربع الرابع، عند تعديله وفقًا للمبادئ المحاسبية المقبولة عمومًا، يجب أن ينخفض عن الربع السابق حيث تقدم الشركة مكافآت نهاية الخدمة لتسوية تغيير عدد الموظفين في هذه الحالة.
وأشارت شركات متعددة بما في ذلك Aon وWest Pharmaceutical إلى التركيز المستمر على دعم الموظفين وأفراد أسرهم الذين يعيشون ويعملون في المنطقة. وتشتهر إسرائيل جزئياً بالتقدم في مجال الشركات الناشئة والتكنولوجيا، حيث يتساءل رواد الأعمال وأصحاب العمل الآن عن كيفية المضي قدماً في الوضع الطبيعي الجديد، خاصة مع استدعاء المواطنين للخدمة في الوحدات الاحتياطية بالجيش.

كما كانت الشركات المتخصصة في مجال الدفاع في حالة تأهب مع اندلاع صراع دولي آخر.

وكانت شركة General Dynamics، أكبر منتج أميركي لقذائف المدفعية، تعمل بالفعل على تكثيف إنتاج المدفعية لتلبية الاحتياجات وسط الحرب في أوكرانيا، وفقًا لما ذكره المدير المالي جيسون أيكن. وتعمل الشركة الآن على زيادة الإنتاج إلى ما يصل إلى 100 ألف وحدة شهريًا، ارتفاعًا من 14 ألف وحدة.

وقال أيكن: “أعتقد أن الوضع في إسرائيل لن يؤدي إلا إلى فرض ضغوط تصاعدية على هذا الطلب”.

جاذبية دول الآسيان

اختتمت قبل أيام قمة الرياض بين مجلس التعاون لدول الخليج العربي ورابطة الآسيان، هذه هي القمة الأولى بين الكتلتين بعد سنوات طويلة من العلاقات التجارية المتنامية. جُدولت هذه القمة منذ فترة طويلة، وهدفت إلى وضع إطار عمل للتعاون بين الكتلتين بما يخدم مصالحهما المشتركة في عالم أصبح يدرك كما لم يدرك من قبل أهمية التحالفات والشراكات الاستراتيجية. ولكن لماذا دول الآسيان تحديداً؟ وما هي المميزات والاستراتيجية الاقتصادية التي تمتاز بها هذه الدول وتصب في مصلحة دول الخليج؟

تنامت أهمية دول رابطة الآسيان الاستراتيجية في السنوات الأخيرة، لأسباب منها أن العديد من الدول – والغربية تحديداً – أصبحت ترى فيها بديلاً للصين بما يعرف باستراتيجية الصين 1. وهو أسلوب تتبعه العديد من الدول التي تريد تقليل أخطار الاعتماد على الصين، سواء في الواردات أو سلاسل الإمداد. واستطاعت بعض دول الرابطة – ومنها إندونيسيا وتايلند وماليزيا – جذب رؤوس الأموال مستفيدة من فارق أجرة اليد العاملة بينها وبين الصين التي تصل إلى نسب تتراوح بين 10 و15 في المائة. ويخدم دول الآسيان في رأس المال البشري عدد سكان يربو على 700 مليون نسمة، نسبة كبيرة منهم تحت سن الخامسة والثلاثين. وانعكست هذه الأسباب على الاستثمار الأجنبي المباشر، فوصلت في دول الآسيان عام 2022 إلى نحو 174 مليار دولار، ولم تؤثر الجائحة في معدلات هذا الاستثمار، إذ عادت مستوياته إلى ما قبل الجائحة خلال عام واحد فقط، وفي ذلك انعكاس للتفاؤل السائد بشأن دول الرابطة.

ولهذا التفاؤل ما يبرره، فخلال السنوات الأخيرة أثبتت الإحصائيات أن دول الآسيان تفوق الكثير من غيرها في نمو التبادل التجاري. فبين عامي 2017 و2021، نمت التجارة العالمية بنسبة 24 في المائة، بينما نمت تجارة الآسيان بنسبة 33 في المائة، وبين عامي 2017 و2022، توسعت التجارة بين الولايات المتحدة والصين بنسبة لا تزيد على 6 في المائة، في المقابل ارتفع التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والآسيان إلى الضِعف، ونمت التجارة الثنائية بين الآسيان والصين بنسبة 95 في المائة. وقد نما القطاع الصناعي في 2021 بنسبة 134 في المائة ليصل إلى 45 مليار دولار في صناعات مثل السيارات الكهربائية، والإلكترونيات، والصناعات الطبية والدوائية. ويشكل قطاع الخدمات أكثر من 50 في المائة من الناتج القومي للكتلة الشرق آسيوية، بينما الصناعي 36 في المائة، والزراعي 10.5 في المائة، النسبة الأخيرة تحديداً دليل على تحول اقتصادات هذه الدول التي كانت في الأساس زراعية. ومن حيث الصادرات العالمية، فقد شكلت صادرات دول الآسيان في ذلك العام نحو 17 في المائة من الإلكترونيات الاستهلاكية، و12 في المائة من الملابس، و9 في المائة من منتجات السيارات.

ويُتوقع أن نمو دول الآسيان لا يزال في بداياته حتى مع كون نموها السنوي 5.7 في المائة. فقد أشارت دراسة إلى إمكانية زيادة صادرات الآسيان بنسبة 90 في المائة لتصل إلى 3.2 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2031، بينما قد لا تزيد التجارة العالمية في هذه الفترة على 30 في المائة. ويدعم هذه التوقعات ما تقوم به دول الرابطة من نشاط في اتفاقيات التجارة الحرة الدولية، مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي شملت دولاً إقليمية مثل الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، وفُعّلت في مستهل 2022 لتصبح أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم بناتج قومي يعادل 30 في المائة من الناتج العالمي.

هذه الأرقام والتوقعات توضح أن التعاون بين رابطة الآسيان ودول الخليج تعاون واعد. فالطرفان طموحهما عالٍ من الناحيتين الاستراتيجية والاقتصادية. والتعاون التجاري بينهما في ازدياد مطّرد خلال السنوات الأخيرة. وقد بلغ حجم التجارة بينهما نحو 137 مليار دولار، وهو ما يشكل 8 في المائة من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون. ولا يزال لدى الطرفين الكثير لتقديمه لبعضهما البعض، لا سيما أن التعاون بينهما هو تعاون استراتيجي مبني على مصالح مشتركة، لا تدخل فيها الأجندات السياسية، وهو ما أصبح اليوم شديد الصعوبة في عالم تعصف به الأزمات الجيوسياسية، وتُقدم فيه الآيديولوجيات على الازدهار الاقتصادي.

إن امتداد أفق الشراكة بين الطرفين دفع وسائل إعلام دول الآسيان إلى الابتهاج بهذه القمة التاريخية، فقد عدتها علامة فارقة تفتح فرصاً جديدة للارتقاء بالعلاقات بين الطرفين إلى مستوى جديد من التعاون والتنمية المتبادلة. والإعلان عن «إطار التعاون بين مجلس التعاون ورابطة الآسيان» للفترة (2024 – 2028) يعني مزيداً من الازدهار للكتلتين. ودخول دول الخليج بصفتها كتلة واحدة لهذا الاتفاق مؤشر يؤكد أن أبعاد التضامن الخليجي متعددة.

د. عبد الله الردادي

مخاطر الفريش كاش المتعدّدة

نذكّر بألم، أننا تحوّلنا من اقتصاد مصرفي دولي مراقب داخلياً وإقليمياً ودولياً، إلى اقتصاد الكاش العشوائي والخطر. إنّ جزءا كبيرا من اللبنانيين أُجبِر على حرق ودائعه، ليبقى منها 10% من مدّخراتهم وجنى عمرهم، لتأمين لقمة العيش والأدوية والإستشفاء والحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية. والبعض استطاع إعادة هيكلة مداخيله وأعاد تكوين بعض المدّخرات من الكاش مجدداً.

السؤال الذي يطرح نفسه: ما مستقبل ومخاطر العملات الورقية وهذا الكاش المختبئ في البيوت أو في صناديق الأمان؟

نذكّر ونشدد على أن اقتصاد الكاش هو أخطر إقتصاد في العالم، إذ انه يجذب المهرّبين والمروّجين ومبيّضي الأموال، ويُهرّب المستثمرين والرياديين والمبتكرين. فإقتصاد الكاش يُحفّز الإقتصاد الأسود، ويطعن بالإقتصاد الأبيض الشفّاف.

فمن بعد إنهيار القطاع المصرفي وخصوصاً إنعدام الثقة بالمصارف والدولة، لا يجرؤ أحد على وضع سنت واحد من وديعته في قطاع مهترئ. البعض يستطيع تحويل بعض مدّخراته إلى الخارج، بعد تدقيق دقيق، من قبل ضباط الإمتثال الدولية، أما البعض الآخر، فمحكوم بتخبئة بعض الدولارات الفريش الثمينة تحت الوسادة، أو في سنديانة الحديقة، مثل أجدادنا، أو في بعض الصناديق الآمنة. فهناك مخاطر كبيرة، ليس فقط في أمانة هذه الأموال الجديدة، لكن في مستقبلها، في الإقتصاد الدولي، في صلب إعادة هيكلتها.

إن الحرب العالمية القائمة بين العملات، هي من جهة، في التنافس على مَن سيتحكّم بالسوق الدولية، وأيّ عملة تفرض سيطرتها. أما من جهة أخرى، الكل مُتفق وهناك إئتلاف دولي، لمحاربة العملات الورقية، وإستبدالها بالعملات الرقمية. فهذا التحوّل جار في سرعة مذهلة، وسنصل الى يوم ستتبخّر فيه العملات الورقية في السوق، وسيُمنع استعمالها في الأسواق. فعلينا أن نكون واعين ومدركين لهذا التحوّل السريع، لعدم الوقوع في أفخاخ جديدة ومؤذية.

من جهة أخرى، للذين يستطيعون تحويل جزء من هذه العملات الجديدة، علينا ألاّ ننسى أو نتناسى أن هناك مخاطر كبيرة من إعادة إدراج لبنان على اللائحة الرمادية جرّاء زيادة تبييض الأموال. لقد حُظّرنا من المنظمات الدولية منذ أشهر عدة حيال هذه المخاطر الجدية، ولم يُتخذ أي تدبير أو إصلاح لمنع حصول هذه الكارثة الجديدة. فشبح اللائحة الرمادية وحتى السوداء يُمكن رؤيته في الأفق.

إضافة إلى ذلك، علينا أن نزيد مخاطر المصارف المراسلة والتي لا تزال تتعامل مع المصارف اللبنانية، فهنا أيضاً مخاطر كبيرة من أن هذه المصارف المتبقية تُجبر على وقف التعامل مع المصارف اللبنانية، لأسباب الإمتثال أو الحوكمة كما الشفافية، وعدم احترام القواعد الدولية، لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

كذلك، شئنا أم أبينا إن قانون الكابيتال كونترول، الذي يتشاجرون عليه منذ نحو أربع سنوات، سيُبصر النور يوماً، وهذا «الكونترول» سيكون ليس فقط على الأموال القديمة لكن سيضم الأموال الجديدة. وهذه ستكون رصاصة الرحمة على ما تبقّى من الإقتصاد والديموقراطية وحرية التعامل.

فهناك مخاطر جدية لوضع قيود صارمة، على الفريش كاش الجديد، وإذا ما حصلت ستخلق سوقاً سوداء جديدة، وبعض الصرّافين وحيتان المال جاهزون لسحب مكاسب ونسَب عالية لتهريب الكاش من البلد، كما يحصل حتى الآن في بلدان أفريقية عدة.

أخيراً، إن السياسيين اللبنانيين، بعدما نهبوا ودائع ومؤسسات الدولة، يبقى تركيزهم اليوم على طرق عدة ومحترفة لوضع اليد على الفريش كاش الجديد، الذي أُعيد تكوينه أو الذي سُرق من الودائع.

في المحصّلة، إن المسؤولين المباشرين عن أكبر عملية نهب في تاريخ العالم، لا يُمكن أن يكونوا حتى جزءاً من الحل، لكن بعد إعادة انتخابهم من الشعب المذلول عينه، ومن دون أي محاسبة أو مساءلة أو ملاحقة، لا شك في أنهم سيتابعون عملية النهب، الفساد والسرقة، لتكوين غنائم حرب هائلة، وأعينهم مركّزة اليوم على الفريش كاش الجديد. فمن جهة إن المجتمع الدولي يتخوّف من الفريش كاش الآتي من تبييض الأموال وبمقدوره تمويل الإرهاب، ومن جهة أخرى إن السياسيين اللبنانيين يخشون من أن هذه المدّخرات ستُسحب أيضاً من بين أيديهم من دون أي استفادة.

د. فؤاد زمكحل

أسعار النفط في ظل الأبعاد الإقليمية والدولية لحرب غزة

تراوحت أسعار النفط خلال الأسبوع الماضي ما بين 90- 95 دولاراً للبرميل، وسجل سعر نفط «برنت» نهاية الأسبوع 92.43 دولار للبرميل، بسبب استمرار معركة غزة، والتوترات واسعة النطاق.

بدأت حرب غزة تأخذ أبعاداً دولية وإقليمية؛ حيث ربط الرئيس الأميركي جو بايدن عداءه للقضية الفلسطينية بتحرير أوكرانيا، فذكر في أول خطاب له للشعب الأميركي مساء الخميس الماضي عبر التلفزيون، بعد زيارته السريعة لإسرائيل، أن «حماس» وبوتين ظاهرتان مختلفتان، ولكن يتشاركان في الخطر نفسه. فكل منهما يعمل لتحقيق إبادة كاملة لدولة ديمقراطية جارة. وأضاف: «أنا أعرف أنه يتبين أن هذين النزاعين بعيدان جداً عنّا. وأنه من الطبيعي هذا السؤال: ما أهميتهما للولايات المتحدة؟ ويتوجب الحذر من خطورة النزاعات والفوضى التي قد تنتشر حول العالم في منطقة المحيطين الهندي والهادي والشرق الأوسط، وخصوصاً في الشرق الأوسط».

وأعلن الرئيس الأميركي أنه سيرسل مشروع قرار للكونغرس حالاً، يطالب فيه بتقديم مساعدات بقيمة 110 مليارات دولار، منها 14 مليار دولار لإسرائيل، و60 مليار دولار لأوكرانيا، و14 مليار دولار لحراسة الحدود الأميركية، و7 مليارات دولار لمنطقة شرق آسيا وتايوان.

وقد استمرت في الأسبوع الماضي على صعيد يومي المناوشات العسكرية ما بين «حزب الله» من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى، في جبهة جنوب لبنان الحدودية وشمال إسرائيل، كما تم قصف من مسيّرات على قوات عسكرية أميركية في ستة مواقع بالعراق وسوريا، منها قاعدة «عين الأسد» في غرب العراق، وعلى موقع بالقرب من خط أنابيب بترولي بالقرب من حقل كانت تنتج منه شركة «كونوكو» الأميركية في شرق سوريا. كما اعترضت سفينة حربية أميركية في شمال البحر الأحمر سفينة حاملة للصواريخ والمسيرات، يُعتقد أنها كانت مرسلة من قِبل الحوثيين في اليمن إلى غزة، وفق تصريح مسؤول عسكري أميركي. وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية «تحذيراً عالمياً» للمواطنين الأميركيين؛ «للحذر من المناطق المكتظة بالسياح».

وقد أثارت هذه التطورات الشعور بأن إيران تحرك الميليشيات الحليفة لها في المنطقة، دون المشاركة المباشرة من قبلها حتى الآن، تفادياً لتعرض أراضيها لهجمات مباشرة. واقترحت إيران بعد قصف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة فرض حظر نفطي على إسرائيل، إلا أنه لم يُؤخذ هذا الاقتراح موضع الجد، إذ إن معظم الصادرات النفطية لإسرائيل هي من خارج أقطار منظمة «أوبك»، أو الأقطار الإسلامية.

تزامنت هذه التطورات مع معدلات سحب ونقص في المخزون التجاري النفطي الأميركي، إذ صدر بيان عن «إدارة معلومات الطاقة» الأميركية، تشير فيه إلى أن الشركات سحبت 4.5 مليون برميل من المخزون النفطي التجاري الأميركي خلال الأسبوع المنتهي في 13 أكتوبر (تشرين الأول)، وأن هذا هو الأسبوع الرابع من مجمل 5 أسابيع التي يتم فيها النقصان في المخزون. وأضافت الإدارة أن المسحوب من المخزون هذا العام خلال الفترة نفسها فاق 1.7 مليون برميل أسبوعياً، خلافاً لمعدلات السنوات الخمس الماضية (2018- 2022) لفترة الأسابيع نفسها التي تمت فيها الإضافة إلى المخزون 2.5 مليون برميل أسبوعياً. وتُؤثر مؤشرات السحب والإضافة الأسبوعية للمخزون التجاري النفطي الأميركي على أسعار النفط العالمية، فالنقصان في المخزون يؤدي إلى الارتفاع في الأسعار، والعكس صحيح.

أدى اندلاع حرب أوكرانيا إلى تبيان أهمية اعتماد النفط والغاز في سلة الطاقة المستقبلية لعالم ما بعد تصفير الانبعاثات (2050). وأدت الحرب إلى تبيان ضرورة البترول، بالإضافة إلى الطاقات المُستدامة في المستقبل. والسبب في بروز أهمية البترول المستقبلية هي تجربة الأسواق الفعلية والصعبة خلال جائحة «كوفيد – 19» في محاولة الاعتماد الواسع على «الطاقات المستدامة» فقط.

وقد أثبتت التجربة خلال نهاية العقد الماضي أن طاقتي الرياح والشمس غير كافيتين في الوقت الحاضر لتلبية الطلب العالمي على الطاقة. والأنكى من ذلك، أنهما لا يستطيعان تزويد الطاقة باستمرار ودون انقطاع مستقبلاً، فالأمر يعتمد أيضاً على توفُّر الإشعاع الشمسي لفترات طويلة ومستمرة، أو طاقة الرياح لفترة طويلة، ومن ثمّ لا بد من دعم هاتين الطاقتين بطاقات أخرى نظيفة؛ بعضها مستدام مثل الطاقة الهيدروكهربائية، وبعضها متوفر بكميات ضخمة ويُستثمر فيه بمليارات الدولارات، مثل الطاقة الهيدروكربونية، لكن مع التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في آبار وكهوف فارغة. هذه الصناعة الحديثة العهد التي انتشرت في كبرى الدول المنتجة للبترول، هي فرصة للاستمرار في استهلاك البترول المنخفض التلوث مستقبلاً، بعد عام 2050.

ستطرح الدول والشركات البترولية وجهة النظر هذه في «كوب 28» في دبي بعد شهر تقريباً، ويُتوقع حدوث المعارضة التقليدية لها من قِبل «حركات الخضر» التي تُطالب بإنهاء استعمال البترول، دون الأخذ بعين الاعتبار صناعة «التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون». سيتوجب على الدول الصناعية التي بدأت تشعر بضخامة المسؤولية المُلقاة عليها في الاعتماد فقط على الطاقات المستدامة أن تتعامل هي مع «حركات الخضر» في بلادها. وقد بدأت المواجهة بالفعل في بريطانيا.

 

وليد خدوري