إذا انتهى الأمر بمواجهة عدائية مع مجلس الشيوخ، فإن الرئيس المنتخب جو بايدن سيجد صعوبات كبيرة في عمل تغييرات شاملة في سياسة البلاد.
وسواء كانت للأفضل أو للأسوأ، فقد توسعت السلطة التنفيذية بالدرجة التي تجعل بايدن قادراً على إحراز تقدم على عدد من الجبهات من دون معارضة «الحزب الجمهوري» لذلك. أحد مجالات تلك الفرص هي التجارة، حيث سيكون لبايدن القدرة على تغيير العديد من السياسات لإدارة دونالد ترمب لتعزيز التجارة مع الحلفاء والحلفاء الجدد، مع الحفاظ على المنافسة التكنولوجية مع الصين.
سيكون أول مطلب تجاري هو إزالة كل التعريفات الجمركية على البلدان المتقدمة مثل كندا واليابان، وكذلك في أوروبا. ففي الوقت الحالي، تثير الرسوم الجمركية التي يفرضها ترمب على هذه الدول شرارة انتقامية خطيرة وعكسية تماماً.
هذا درب من الجنون، لأن التجارة مع كيانات مثل الاتحاد الأوروبي ودول مثل اليابان وكندا لا تشكل تهديداً للعمال الأميركيين، وذلك لأنَّ لديهم أيضاً أجوراً عالية وحماية قوية للعمالة والبيئة. كما أنَّه لا يمثل تهديداً للتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة، لأنَّ هذه الدول جميعها تحترم حقوق الملكية الفكرية.
أخيراً، فهذه الدول حليفة للولايات المتحدة وستكون أساسية في المنافسة الجيوسياسية مع الصين، ولا يوجد سبب على الإطلاق للاحتفاظ بأي من تلك التعريفات، ويتعيَّن على بايدن إلغاء ما يسمح به القانون على الفور.
ستكون الخطوة الأكثر إثارة للجدل هي إعادة الانضمام إلى الشراكة عبر المحيط الهادي. كان إلغاء هذه الاتفاقية التجارية متعددة الأطراف، التي عارضها السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز أيضاً، من أولى خطوات ترمب عند توليه منصبه في عام 2017. ولكن بفضل جهود القادة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، فقد جرى الإبقاء على «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي» وتحسينها منذ ذلك الحين، وهي جاهزة وتنتظر عودة الولايات المتحدة. ولا يمكن لبايدن المصادقة على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي من دون الكونغرس، لكن يمكنه العودة إلى المفاوضات.
إلى جانب رد الفعل العام ضد فكرة التجارة الحرة، واجهت الشراكة عبر المحيط الهادي معارضة من الحزبين لسببين. أولاً، احتوت على أحكام مرهقة للملكية الفكرية، وقد تم إلغاؤها الآن. ثانياً، تشمل المعاهدة فيتنام، وهي دولة فقيرة، لكنها تتميز بالتصنيع السريع وتحاول جذب استثمارات صناعية بتكاليف عمالة منخفضة. وقد جعلت تجربة الولايات المتحدة مع الصين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الكثيرين ينتابهم الخوف من فتح التجارة مع هذه البلدان. في الواقع، من الممكن أن يؤدي تحرير التجارة مع فيتنام إلى ممارسة بعض الضغوط المحدودة للأسفل على الأجور الأميركية.
لا يتعدى حجم فيتنام عُشر حجم الصين، ولا تملك الطاقة الرخيصة والدعم الحكومي السخي الذي جعل الصين قادرة على المنافسة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها ستكون قادرة على استيعاب قدر ضئيل من الاستثمار المتدفق الآن من الصين، ومن المرجح أن يأتي ذلك على حساب شركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة مثل المكسيك وليس على حساب العمال الأميركيين.
في الوقت نفسه، ستكون فيتنام شريكاً مهماً للولايات المتحدة ضد الصين. فقد كانت فيتنام منافساً إقليمياً للجمهورية الشعبية منذ السبعينات، وعندما خاض البلدان الحرب كانت فيتنام بالطبع هي المنتصرة، ويوجد بينهما حالياً نزاع إقليمي نشط في بحر الصين الجنوبي. إن مساعدة فيتنام في تنمية اقتصادها بسرعة من خلال تصدير البضائع إلى الولايات المتحدة والدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية، من شأنها أن تعزز قدرتها على مقاومة التعدي من قبل أكبر منافس لأميركا. وإذا قررت إندونيسيا الانضمام إلى «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي»، فستكون الحسابات متشابهة.
حتى خارج فيتنام وإندونيسيا، تعد الجغرافيا السياسية سبباً لم يتم تقديره بجدية لإعادة الدخول إلى «اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي»، فهو يخلق كتلة تجارية من الدول الآسيوية تتمحور حول الولايات المتحدة بدلاً من الصين، مستفيدة من دور آسيا الناشئ كمركز الثقل الاقتصادي في العالم بطريقة تساعد أيضاً في تحقيق التوازن في المنطقة.
ويقودنا ذلك إلى الجانب الأخير من سياسة بايدن التجارية – الصين. وهناك كل الدلائل التي تشير إلى أن سياسة بايدن في الصين سوف تكون شبيهة لصقور ترمب، إن لم تكن أكثر من ذلك. إن المنافسة الجيوسياسية العامة أمر حتمي لا مفر منه.
يعتزم بايدن، على النقيض من ترمب، أن يتحدى الصين باستعادة القيادة التكنولوجية والقوة الاقتصادية إلى الولايات المتحدة، وبجمع الحلفاء من حوله. ولا بد أن تكون الشراكة عبر المحيط الهادي جزءاً من هذا. ولكن الأمر سوف يتطلب أيضاً مقاومة هيمنة التكنولوجيا الصينية. ولا بد أن يستمر هذا الجانب من حرب ترمب التجارية المتمثلة في النضال من أجل تفوق التكنولوجيا الفائقة بشكل أو آخر.
لذا يتعيَّن على بايدن أن يستمر في مقاومة هيمنة شركة «هواوي» للتكنولوجيا على البنية الأساسية العالمية للاتصالات. ويتعيَّن عليه أن يستمر في التدقيق في الاستثمارات الصينية عن طريق «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة»، وأن يضغط على الصين للحد من التجسس الصناعي.
ولأنه في حالة التعريفات تصبح الحسابات أكثر تعقيداً، سيتعين على بايدن العمل على إزالة التعريفات المفروضة على المدخلات الوسيطة التي تستوردها شركات التصنيع الأميركية من الصين، وذلك لأنَّ هذه التعريفات ببساطة تزيد من تكاليف المنتجين الأميركيين وتضر بالقدرة التنافسية في نهاية المطاف. ولكن التعريفات الجمركية على السلع الصينية تامة الصنع (خصوصاً السلع عالية القيمة) لا بأس بها، ومن الممكن استخدامها وسيلة ضغط لدفع الصين إلى رفع قيمة عملتها. وبشكل عام، يمكن لبايدن استخدام السلطة التنفيذية لتحديد توجه جديد للسياسة التجارية الأميركية.
إن مفهوم التجارة الجمعية الحرة (إنتاج عدة دول للسلعة نفسها في الوقت نفسه) بمفهومها القديم قد ولَّى، ولذلك فإن حرب ترمب التجارية الهدَّامة ليست الطريق إلى الأمام. ولذلك لا بد من إعادة تنظيم السياسة التجارية حول خطوط استراتيجية تعتمد على تحرير التجارة مع الحلفاء، وفي الوقت نفسه مواصلة الضغط في مواجهة محاولات الصين انتزاع الدور التقليدي للولايات المتحدة باعتبارها مركز الاقتصاد العالمي.
نوح سميث