في السنوات الأخيرة يشهد الاقتصاد العالمي تغيرات كبيرة في ظل صعود اقتصادات الأسواق الناشئة خاصة في آسيا، وتنفيذها خطوات إنمائية ضخمة، في نفس الوقت الذي تتراجع فيه هيمنة الدول الكبرى، إذ على الرغم من أن أكثر التوقعات تشير إلى استمرار صعود اقتصادات دول مثل الصين واليابان لتعزز مكانتها ضمن أكبر الاقتصادات العالمية في السنوات القادمة، فإن الخبراء يرجحون أيضاً أن تستمر أميركا في الاحتفاظ بصدارة أكبر الاقتصادات في العالم. ووفقاً لخبراء مؤسسة «فوكس إيكونوميكس» فمن المتوقع أن تأتي الهند في المركز الخامس ضمن أكبر الاقتصادات العالمية بحلول عام 2023 بناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 4.3 تريليون دولار، متجاوزة بذلك كلا من فرنسا والمملكة المتحدة.
ومن المتوقع أن تحتفظ ألمانيا بالمركز الرابع بناتج محلي إجمالي يبلغ 4.6 تريليون دولار، إلا أن تراجع نموها السكاني -نفس الأزمة التي تعاني منها اليابان- قد يؤثر على نموها الاقتصادي، كما ستظل اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم بناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 5.7 تريليون دولار في 2023، ورغم ذلك فمن المحتمل أن تخسر الدولة الآسيوية بعضاً من نفوذها لصالح منافسيها من الدول المتقدمة والأسواق الناشئة، وأيضا أن تأتي الصين في المركز الثاني بعد أميركا، بناتج محلي إجمالي متوقع يبلغ 19.5 تريليون دولار في 2023.
وستبقى أميركا محتفظة بلقبها كأكبر اقتصاد في العالم، إذ يرجحون أن يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 24.9 تريليون دولار في 2023، ورغم ذلك سوف يتراجع نفوذ أميركا لصالح دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، إذ إن إجمالي اقتصاد دول البريكس أكبر بنسبة 10 بالمائة من اقتصاد أميركا.وفي سياق متصل، استبعدت رؤى خبراء اقتصاديين قدرة الاقتصاد العالمي على كسر هيمنة الدولار الأميركي، وتخفيف الاعتماد عليه، وسيطرته على أغلب التجارة العالمية الدولية، خصوصاً على المديين القريب والمتوسط، إذ إن الدولار فرض نفسه على الاقتصاد الدولي عبر تمويله 80 في المائة من التجارة الدولية، وتشكيله 60 في المائة من احتياطيات البنوك المركزية، وحجم الاقتصاد الأميركي الذي يتجاوز 30 في المائة من الاقتصاد العالمي، وكذلك تقويم أهم السلع والمواد الخام العالمية كالنفط والذهب بالدولار، إلا أنهم يرون أن هيمنته لن تدوم إلى الأبد، لكنها تحتاج إلى خطط طويلة المدى لكسر هيمنته، وإزاحة سيطرته على الاقتصاد العالمي.
إن تزايد المناداة بالانتقال لعملة أو عدة عملات لتحل محل الدولار يعكس عدم الارتياح العالمي للهيمنة المستمرة له، ورغبة بعض الاقتصادات في تخفيف اعتمادها على الدولار، في ظل التحولات الاقتصادية الدولية، وربما يأتي في بعض الأحيان بدوافع سياسية. وإن صعوبة ظهور بديل قريب للدولار الأميركي تكمن في استمرار القبول العام للدولار مقارنة بغيره من العملات، وهو شرط ضروري لنجاح أي عملة تنافسه، إذ إن التحديات ما زالت كبيرة أمام اليورو ليكون بديلاً له، كما أن اليوان الصيني يعاني فجوة ثقة رغم زيادة نسبته في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.
وإن استمرار البنك الفيدرالي الأميركي في استخدام سياسات نقدية متشددة ورفع سعر الفائدة، حتى وصلت إلى 5.25 في المائة، وسيطرة الدولار على أهم مفاصل التجارة العالمية، هو ما أدى إلى تفكير بعض الدول والاقتصادات العالمية في الخروج من دائرة الدولار، واستبدال عملات الاقتصاديات الكبيرة مثل الين واليوان واليورو وغيرها به.
إن صعوبة الخروج من دائرة الدولار الأميركي في المديين القريب والمتوسط، لكونه سيؤدي لتعرض استثمارات الدول الخارجية في سندات الخزينة الأميركية إلى تكبد خسائر كبيرة، قد لا تتحملها تلك الدول، لذلك من الأفضل لها أن تبقى وتحافظ على مصالحها في السوق الأميركية، إذ إنه على تلك الدول التي تنوي الخروج من دائرة الدولار التفكير في حلول منطقية ونظرة مستقبلية، ولذلك فإن أقل ما يقال عن تأثير التخلف عن السداد أنه كارثي على الاقتصاد العالمي، فالدولار هو العملة الاحتياطية الأولى في العالم، والتخلف عن السداد سيقلل من قيمته بلا أدنى شك.
وفي الختام، فإن ضبابية سياسة الدين الأميركية تجعل مستقبل اقتصاد أميركا في خطر، فحتى بعد الاتفاق على رفع سقف الدين هذه المرة، فما سيحدث في المستقبل سيكون تأثيره كبيرا على الاقتصادين الأميركي والعالمي، ويؤثر على سقف الدين في المستقبل، وأيضا قوة الدولار وموقعه في السوق الدولية، إذ سيتراجع موقع الدولار مع كل مراجعة لسقف الدين، وسيعطل تطبيق «قانون المسؤولية المالية» الذي يمدد سلطة الإقراض الحكومي، وفي النهاية الدعوة إلى خفض الإنفاق الفيدرالي غير الضروري لحفظ استقرار الاقتصاد العالمي ومكانة الدولار.