الذكاء الاصطناعي يعزز الاقتصاد الرقمي

يعرف الاقتصاد الرقمي بأنه هو النشاط الناتج عن الاتصالات اليومية عبر الإنترنت، كما أن العمود الفقري له هو الارتباط التشعبي، ويعني ازدياد الارتباط والترابط بين الأشخاص والمؤسسات والآلات، وتكنولوجيا الهاتف المحمول وإنترنت الأشياء، وهو عموماً عبارة عن تصور ل‍قطاع الأنشطة الاقتصادية ذات الصلة ب‍التقنية الرقمية. وهو ذلك النوع من الاقتصاد الذي يقوم في مجمل عملياته على المعلومات، ويستند في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ألغت كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات، وحركة رؤوس الأموال من وإلى أي نقطة في العالم، وفي أي وقت. يتميز الاقتصاد الرقمي بدخول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مختلف الأنشطة الاقتصادية.

من ناحية أخرى، لقد أصبح الذكاء الاصطناعي مصطلحاً شاملاً للتطبيقات التي تؤدي مهام مُعقدة كانت تتطلب في الماضي إدخالات بشرية، مثل التواصل مع العملاء عبر الإنترنت. ويُستخدم غالباً هذا المصطلح بالتبادل مع مجالاته الفرعية، والتي تشمل التعلم الآلي والتعلم العميق، ومن المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من أن كل سُبل التعلم الآلي ما هي إلا ذكاء اصطناعي، فإنه ليس كل ذكاء اصطناعي يُعد تعلماً آلياً، والحصول على القيمة الكاملة من الذكاء الاصطناعي.

وتعمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على تحسين أداء المؤسسات وإنتاجيتها، عن طريق أتمتة العمليات أو المهام التي كانت تتطلب القوة البشرية فيما مضى، كما يمكن للذكاء الاصطناعي فهم البيانات على نطاق واسع لا يمكن لأي إنسان تحقيقه، وهذه القدرة يمكن أن تعود بمزايا كبيرة على الأعمال، وفيما يتعلق بالعوامل الدافعة لاعتماد الذكاء الاصطناعي، فهناك 3 عوامل تحث على تطوير الذكاء الاصطناعي عبر الصناعات، وهي توفر إمكانية الحوسبة عالية الأداء بسهولة، وبأسعار معقولة، مع وجود كميات كبيرة من البيانات المتاحة للتعلم، إضافة إلى أنها توفر تقنية الذكاء الاصطناعي التطبيقي، وتعطيه ميزة تنافسية.

وجاء إنشاء مركز خاص بالذكاء الاصطناعي ليعزز الاقتصاد الرقمي في السعودية، على خلفية ارتفاع الطلب على الذكاء الاصطناعي الذي يلعب دوراً متزايد الأهمية في دفع الاقتصاد السعودي في المستقبل، وفي محاولة لتسريع نمو التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، إذ جاءت الحاجة بإنشاء مركز دولي لأبحاث وأخلاقيات هذا القطاع، من شأنه أن يعزز دور الدولة إقليمياً وعالمياً؛ حيث إن المركز الجديد جاء عقب إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) في 2019.

إن «رؤية السعودية 2030» و«برنامج التحول الوطني 2020»، يحددان التحول الرقمي هدفاً رئيسياً لتنشيط القطاعات الاقتصادية، ودعم الصناعات وكيانات القطاع الخاص، والدعوة إلى تطوير نماذج الأعمال بين القطاعين العام والخاص، والحد في نهاية المطاف من اعتماد السعودية على عائدات النفط من خلال تنويع الاقتصاد؛ إذ إن إنشاء المركز الجديد يعزز دور السعودية القيادي الإيجابي الفاعل في الصناعة التي تكتسح العالم، ويعزز الاقتصاد الرقمي، إلى جانب تحسين الجهود البحثية وتحقيق الاستخدام المسؤول.

إن إنشاء المركز الدولي الجديد يؤكد اهتمام السعودية الجاد بتبني التقنية وتطبيقاتها وتحدياتها، ويؤكد أيضاً دورها القيادي الإيجابي الفاعل في هذه الصناعة؛ إذ إن السعودية من خلال مؤسساتها المعنية، بما فيها «سدايا»، وهيئة الحكومة الرقمية، تبنّت واستغلت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في كثير من الخدمات والتحليلات والاستنتاجات، والأتمتة، والقياس وغيرها، إذ إن القطاع الحكومي في السعودية هو القائد الفعلي والمستخدم الرئيسي لهذه التطبيقات بجانب القطاع الخاص.

يذكر أن التقنية، بقدر ما توفر من فرص، فهي تجلب كثيراً من التحديات الجديدة التي لم تكن معروفة سابقاً، وبالتالي أدركت السعودية تلك المخاطر بإنشاء مركز الذكاء الاصطناعي، ليساهم في معالجة هذه المعضلة ذات الوجهين، إذ إن التوجه العالمي للمركز جاء بناءً على طبيعة التقنية، ويعنى بالبحوث والأخلاقيات، وسيكون تركيزه على دعم الأبحاث وتبنّي نتائجها عالمياً، كما أن إنشاء مركز دولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، يأتي في إطار الجهود المتواصلة للبقاء في طليعة الابتكار والتقدم؛ إذ يعد المركز الأول من نوعه في العالم، ويعزز التوجه نحو تسارع الخطوات لاستشراف المستقبل، والاستفادة الكاملة من التقنيات الحديثة.

وفي الختام، يتسق وجود المركز مع مُستهدفات «رؤية 2030» في ظل الدعم غير المحدود لجعل السعودية مركزاً تقنياً عالمياً لأحدث التقنيات المتقدمة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، إذ أطلقت السعودية خلال أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية بمدينة الرياض، مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ضمن حزمة من المشروعات والمبادرات التي تسهم في تعزيز ريادة السعودية عالمياً في الصناعة، وتحقيق أهداف «رؤية 2030»، بما يعزز الاقتصاد الرقمي.

د. ثامر محمود العاني