أرشيف التصنيف: ازمة لبنان المالية

أزمة لبنان المالية: الدولة والمصارف والمودعون يتقاسمون الفاتورة؟

 

أكّد وزير الاقتصاد السابق المصرفي رائد خوري، انّ النظام الاقتصادي الذي بُني منذ التسعينيات انهار ولم يعد يصلح. وبالتالي، انّ السير بخطة «ماكنزي» بات ضرورة، بل حاجة ملحة. واعتبر انّ حجم القطاع المصرفي كان اكبر من حجمه الحقيقي. وتوقع ان يتراجع في المرحلة المقبلة ما بين 30 الى 40 في المئة.

إعتبر خوري، انّ المطلوب سلّة اجراءات متكاملة، ولا يمكن لهذه السلة ان تخلو من المساعدات الخارجية التي قد تكون على شكل صندوق النقد او من قِبل الدول الاوروبية والعربية، مستبعدًا امكانية تحاشي مساعدة صندوق النقد، لأنّ الدول الاجنبية تتوافق على انّ في دول حالتها أو وضعها مثل وضع لبنان توكل فيه عادة مهمة الإنقاذ الى صندوق النقد.

ومع عودة الحديث عن خطة «ماكنزي» والتوجّه نحو الاستعانة بها في الفترة المقبلة، يؤكّد خوري انّ السير بخطة «ماكنزي» في هذه الظروف بات ضرورة، بل حاجة ملحة لأسباب عدة. وشرح انّه في السابق كان يدخل الى لبنان عملات صعبة من اللبنانيين المغتربين او غير اللبنانيين على شكل ودائع الى المصارف اللبنانية، اما اليوم ومن بعد الضوابط المعتمدة في المصارف توقفت التحاويل وبالتالي اصبح من الصعب دخول العملات الصعبة الى لبنان، والوسيلة الوحيدة للاستعاضة عن هذا الامر هو خلق قطاعات انتاجية تلبّي الاستهلاك المحلي فنخفّف الاستيراد من جهة ونزيد حجم الصادرات اللبنانية من جهة أخرى، وهذا من شأنه ان يُدخل عملات صعبة الى البلاد.

وبناء عليه، يمكن التأكيد انّ الحاجة الى تطبيق خطة «ماكنزي» اليوم باتت اضعاف اضعاف ما كانت عليه في السابق.

اضاف: «خطة «ماكنزي» ليست هي الحل السحري في الشق المالي، بل المطلوب اتخاذ عدد كبير من الاجراءات المالية بالتوازي».

النظام الاقتصادي انهار

وعمّا اذا كانت خطة «ماكنزي» والاستعانة بصندوق النقد من الضرورات في المرحلة المقبلة، قال خوري: «انّ النظام الاقتصادي الذي بُني منذ التسعينيات حتى اليوم انهار ولم يعد يصلح، والدليل انه لم يعد يدخل الى لبنان أخيراً اية اموال جديدة. لذا فإنّ خطة «ماكنزي» تضع خريطة طريق لنظام اقتصادي جديد، يفترض بلبنان ان يعتمده في العشر والعشرين والثلاثين سنة المقبلة، اي انّها تضع ركيزة جديدة للاقتصاد على المديين المتوسط والبعيد، وهذه الخطوة لا بدّ منها. اما بالنسبة الى الاستعانة بصندوق النقد او اي جهة خارجية أخرى، فيجب على الدولة اللبنانية، وقبل التوجّه الى اي جهة خارجية، ان تقوم بمجموعة اصلاحات بالفعل وليس بالشعارات، ولا سيما منها: اتخاذ القرار في ما خصّ دفع استحقاقات سندات الخزينة او التخلّف عن الدفع، اعادة هيكلة الدين ومن سيدفع فاتورة ذلك، كبار المودعين؟ اسهم المصارف؟ رساميل المصارف؟ الدولة، من خلال تسييل بعض اصولها مقابل السندات التي قد تتخلّف عن دفعها؟ الى جانب ضرورة إيجاد حلّ لأزمة الكهرباء خلال شهر كحد اقصى، حتى نتمكن خلال فترة لا تزيد عن السنة او السنة ونصف السنة من الحصول على كهرباء 24/24. وبعد إتضاح الصورة والاجراءات التي ستعتمدها الحكومة تجاه هذه الاستحقاقات والملفات عندها تتجّه الحكومة الى طلب العون من صندوق النقد او اي جهة خارجية اخرى».

من سيدفع فاتورة العجز؟

عن افضل المخارج لحلّ الأزمة المالية، قال خوري: «الحل للأزمة التي نمرّ بها هو عبارة عن مجموعة حلول يجب اعتمادها، وذلك يرتبط بمدى القبول السياسي بالحلول المطروحة. الاكيد انّ هناك فاتورة يجب دفعها، انما السؤال المطروح من سيدفع؟ الاجدى ان تدفع الدولة ثمن الفاتورة لأنّها هي السبب الاساسي للمشكلة وهي من تخلّف عن السداد، وهي من اقرّ سلسلة الرتب والرواتب، وهي من قام بالهدر وسوء الادارة. لذا من المفترض بالدولة ان تدفع الفاتورة وربما عبر بيع اصول تملكها لحاملي السندات». وأشار على سبيل المثال: «عندما تخلّفت اليونان عن سداد ثمن السندات، وبعدما قاموا بإجراء haircut على السندات بنسبة 80%، قام الاتحاد الاوروبي بدفع ثمن هذه السندات. نحن في لبنان لن يكون امامنا هذا الامتياز بأن يدفع الاتحاد الاوروبي ثمن سنداتنا. لذا من المحتمل ان يدفع مودعون كبار جزءاً من الفاتورة، والجزء الآخر يُدفع من رساميل المصارف، وجزءاً من اصول الدولة».

هل انتهى دور المصارف؟

بعدما اقتصر دور المصارف اللبنانية في الفترة الاخيرة على سحب الاموال، ولجوء المودعين الى سحب مدخراتهم منها تخوفاً من فقدان اموالهم، ومع تراجع ثقتهم بهذا القطاع، يبقى السؤال المطروح هل انتهى دور المصارف اللبنانية؟ وكم تحتاج من الوقت قبل ان تستعيد دورها؟ واي دور سيناط بها في الفترة المقبلة؟

في السياق، يؤكّد خوري انّ دور المصارف اللبنانية لم ينتهِ بعد، انما تقلّص حجمها. لافتاً الى انّ حجم القطاع المصرفي كان اكبر من حجمه الحقيقي، وأكبر من اقتصاد لبنان. لذا المطلوب اليوم التوجّه نحو بديل ينهض بالاقتصاد مثل الانتاج من صناعة وزراعة وتكنولوجيا. عندها تستعيد المصارف حجمها الحقيقي، الذي هو اقل من حجمها الحالي، على ان يتمّ البناء على اسس صلبة وليس على إقراض الدولة. مع العلم انّ المصارف اللبنانية اقرضت القطاع الخاص نحو 50 مليار دولار وهذا رقم لا يستهان به، لأنّه يوازي الناتج المحلي. ورجّح ان يتراجع حجم المصارف والودائع في المرحلة المقبلة ما بين 30 الى 40 في المئة. ويكمن التحدّي في هذه المرحلة في رسم نموذج اقتصادي جديد.

ورداً على سؤال عن حتمية عودة المصارف اللبنانية الى بلدها الأم، قال: «بالتأكيد ستعود المصارف اللبنانية الى بلدها الام وذلك لسببين، اولاً: الحاجة الى سيولة بالعملة الصعبة، وببيع الاصول ستدخل العملة الصعبة الى البلاد.

ثانياً: اذا بات وضع المصرف الام ضعيفاً، من الطبيعي ان يبيع أصوله في الخارج او ان يخفّضها ويعود الى الداخل».

ايفا ابو حيدر.

أزمة لبنان: هل ينجح «العقل الإقتصادي» في الحكومة في خرق «العباءة السياسية»؟

لا يختلف اثنان على أنّ تركيبة الحكومة الحالية، من رئيسها الى وزرائها، توحي بأنّ المطلوب منها الاهتمام أولاً وثانياً وثالثاً بالوضع المالي والاقتصادي، وإنجاز الانقاذ. لكنّ تحقيق خرق في جدار هذه الأزمة لن يتم بلا تسهيلات سياسية. فهل قرار التسهيل قائم، أم العكس صحيح؟

لأنّ الأزمة المالية صعبة ومعقدة، وتنعكس يومياً على مفاصل حياة اللبنانيين، تتزاحم الافكار والطروحات التي يبحث أصحابها عن إجراءات يتم اتخاذها في الدول التي تواجه أزمات مثل الأزمة اللبنانية. لكنّ خيار اتخاذ إجراءات بالمفرّق لا يجدي نفعاً، بل قد يتسبّب بمزيد من الخسائر، ولا خيار خارج إطار خطة إنقاذية شاملة.

 

هذا الواقع يدركه وزراء الاختصاص في الحكومة، لكنّ الرياح تجري أحياناً بما لا تشتهي السفن. والرياح هنا تمثّلها المواقف السياسية التي تتحكّم بقرارات حكومة تنتظر ثقة المجلس النيابي في الايام القليلة المقبلة. وقد جاءت تجربة مشروع قانون موازنة 2020 لغير مصلحة الحكومة، إذ أعطت الانطباع بأنّ أي «مواجهة» بين الحكومة والقوى السياسية التي أوجدتها، ستنتهي فوراً لمصلحة صاحب الوصاية، وخضوع المُوصى عليه. صحيح انّ الموازنة في هذه الظروف لن تقدّم أو تؤخّر كثيراً في الوضع الحالي، لكنّ طريقة مقاربة الموضوع تشكّل نموذجاً لقدرة تعاطي حكومة دياب مع الملف الأهم والأخطر المتعلق بالانقاذ.

 

حتى الآن، لم تتم مقاربة موضوع طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي في إطار خطة إنقاذية شاملة. لكنّ المواقف السياسية التي تصدر بين الحين والآخر، تؤكد انّ الممانعة في وجه مشروع من هذا النوع قد تحول دون اعتماده. والمشكلة انّ قوى سياسية لا تزال تعتقد انّ معالجة الأزمة يمكن أن تتم بسرعة، وعلى طريقة وديعة من هنا، وهِبة من هناك، و«بيمشي الحال». في حين انّ هذا التفكير الذي ينقصه العلم والمنطق والواقعية، لم يعد يصلح. بل انّ هذا الاسلوب الذي استخدم سابقاً، لم يُعالج مرّة الأزمة، بل جاء في إطار إطالة عمر المريض. بالاضافة الى ذلك، أصبح البلد اقتصادياً ومالياً في مكان آخر، لا علاقة له بالوصفات التي كانت تعتمدها السلطة السياسية في الظروف السابقة.

 

لماذا تبدو الخطة الانقاذية الشاملة هي الخيار الوحيد الذي يمكن ان ينتشل البلد من الأزمة، وماذا ينبغي أن تتضمّن؟

 

من أخطر مفاصل الأزمة المالية الحالية أنها تبدو غامضة، وبالتالي لا يمكن التكهّن بعمق المشكلة. هذا الغموض غير البنّاء، ينجلي وتصبح الصورة واضحة في حالات تنفيذ خطط الانقاذ الشاملة. ومن المعروف أنّ واحدة من نقاط الضعف الاساسية التي أوصَلت اليونان الى الافلاس، تلك المتعلقة بإخفاء حقائق مالية، وتقديم بيانات دفترية تبيّن لاحقاً انها غير مطابقة للواقع.

 

وبالتالي، المهمة الاولى التي ستنجزها أي خطة إنقاذية في لبنان بالتعاون مع صندوق النقد، ستقضي بتوضيح الارقام والوقائع، لتوصيف الأزمة على حقيقتها، ومن هذه النقطة يبدأ الحل. إذ بعد تقييم وضع المالية العامة، ووضع المصارف، وأوضاع القطاع الخاص، يمكن وضع الخطوط العريضة للخطة المطلوبة.

 

من خلال قراءة المواقف الخارجية، وفي مقدمها الموقف الأميركي، هناك فرصة امام الحكومة لكي تحظى بالضوء الأخضر لبدء عملية الانقاذ. لكن ما ينبغي أن تُثبته هذه الحكومة في المقام الاول، هو انها قادرة على الخروج من عباءة الوصاية السياسية. والاختبار الحقيقي سيكون من خلال قدرتها على اتخاذ قرار الانقاذ المالي بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية والمجتمع الدولي.

 

لذلك، سيكون الرهان على مضمون البيان الوزاري لهذه الجهة. واذا كان رئيس الحكومة أعطى توجيهاته، لكي يُصاغ البيان بلغة واضحة وعملية، والابتعاد عن الانشاء اللغوي الغامض، فهذا يعني انّ مسألة الانقاذ ينبغي ان تكون واضحة المعالم في هذا البيان.

 

يدرك «العقل الاقتصادي» في حكومة حسان دياب عمق الأزمة المالية، ويدرك هذا العقل انّ الاقتصاد لن ينجو من دون استعادة الثقة، لأنّ التدفقات المالية من اللبنانيين في الخارج شكّلت وحدها حوالى 20 في المئة من الناتج المحلي، وهي من أعلى النسَب في العالم. وسواء قررنا بناء اقتصاد منتج، أم استمررنا في اقتصاد الخدمات والريع، نحتاج الى استعادة هذه التدفقات، بالاضافة الى الحاجة الى عودة الاستثمارات الخارجية والمحلية. لكنّ التعويل الاول هو على أموال اللبنانيين أنفسهم، لأنهم الطرف الاسهل في المعادلة، وهم أول من سيشقّ طريق العودة للتعامل مع المنظومة المالية في لبنان.

 

حتى الآن، الوضع المالي والاقتصادي يمضي بسرعة نزولاً، والسنوات القليلة المقبلة ستكون صعبة، مع خطة إنقاذ أو من دون خطة. الفارق الوحيد بين الوضعين اننا مع خطة إنقاذ سنشعر بتحسّن سنة بعد سنة، وبلا خطة سنختبر الألم الذي يتضاعف يوماً بعد يوم. ومع هذا النوع من الألم لا وجود لقعر، دائماً هناك ألم أكبر وأصعب.

انطون فرح.

أزمة لبنان المالية: التعاون مع صندوق النقد ممر إلزامي للإنقاذ

إعتبر النائب الأوّل السابق لحاكم مصرف لبنان د. ناصر السعيدي انّ أولوية الحكومة اليوم هي التوافق مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إصلاح مالي واقتصادي يؤمّن لها الدعم المالي المطلوب، والمقدّر بحوالى 25 مليار دولار، لكن من المستحيل أن تحصل الحكومة على هذا المبلغ من دون مظلّة دولية.

ولدى السؤال: ما هي أولويات الحكومة الاصلاحية وهل تملك الوقت الكافي لتنفيذها؟

اعتبر السعيدي انّ على الحكومة، من أجل استعادة جزء من الثقة المفقودة، الاسراع في إعداد برنامج إصلاحي مالي واقتصادي يحظى بمصداقية المجتمع الدولي، وخلال فترة قصيرة لا تتعدّى الاسبوعين او الثلاثة اسابيع.

وقال لـ«الجمهورية» انّ الاولويات اليوم تصبّ نحو الوضع المالي وإعادة هيكلة الدين العام، وهو أمر أساسي لا مفرّ منه، «ولا يجب الهلع في شأنه لأن دولاً عدّة قامت بذلك، وهناك 3 الى 4 حالات إعادة هيكلة ديون سيادية سنوياً. وبالتالي، لن يكون لبنان البلد الاوّل الذي يقوم بهذه الخطوة».

وفيما اشار الى انّ إعادة هيكلة الدين العام ليست بالصعوبة التي يتحدث عنها البعض لأنّ الجزء الاكبر من الدين العام، محليّ، اعتبر السعيدي انه يجب الاستعانة بصندوق النقد الدولي في عملية اعادة الهيكلة في اطار برنامج إنقاذ شامل، لأنّ لبنان بحاجة الى ما بين 20 الى 25 مليار دولار، لا يمكن تأمينها من المجتمع الدولي سوى عبر مظلّة صندوق النقد الدولي.

وأكد انّ اي برنامج إصلاح ستعدّه الحكومة الجديدة لن يحظى بمصداقية لدى المجتمع الدولي ولن يحصل على الدعم المالي المطلوب، لا من دول الخليج ولا من الدول الاخرى، ما لم يكن برنامجاً معتمداً من قبل صندوق النقد الدولي، مشيراً الى انه اجتمع مع عدد من المسؤولين في دول الخليج وأكدوا له عدم استعدادهم لدعم أي برنامج لا يحظى بمظلّة دولية.

ولفت السعيدي الى انّ الحلول والسبل السابقة لشراء الوقت على شكل وديعة خليجية في البنك المركزي أو ما شابه، لم تعد تنفع اليوم، معتبراً أنه «علينا فتح صفحة جديدة لأنّ الاجراءات الاصلاحية المطلوبة معروفة».

وفيما شدّد على ضرورة التوافق مع صندوق النقد الدولي على برنامج اصلاح مالي، اعتبر انّ هذا الامر يجب ان يكون من أولويات الحكومة التي عليها المبادرة بوضع رؤيتها وأهدافها لنقلها الى الصندوق. وبالتالي، يجب ان يكون هناك استعداد سياسي لهذه الخطوة. وسأل: هل هناك استعداد سياسي فعلاً للاجراءات الصعبة؟ لا أرى تلك الشجاعة السياسية حالياً.

إستحقاق اليوروبوند

اما بالنسبة لاستحقاق سندات اليوروبوند في 9 آذار المقبل، فقد سلّط السعيدي الضوء على مشلكة تقنية قد تعيق إعادة هيكلة تلك السندات، شارحاً انّ «اي عميلة اعادة هيكلة تتطلب دعوة كافة المستثمرين للتفاوض حول الشروط الجديدة وإعطائهم مهلة 21 يوم عمل. وفي حال لم يوافق 75 في المئة من حملة السندات على طرح الحكومة، يجب اعطاؤهم 10 ايام عمل اضافية. وبالتالي، تحتاج عملية الهيكلة الى 31 يوم عمل. وفي حال هناك نيّة للقيام بها، يجب الشروع بذلك اليوم». وأكد انّ تسديد استحقاق آذار للمستثمرين الاجانب وتمديد آجال السندات التي يحملها المستثمرون المحليون، ليس حلّاً بل هو شبيه بالهندسات وعمليات الاستبدال swap السابقة التي أدّت الى ارتفاع الفوائد الى المستويات الحالية.

كما لفت السعيدي الى انّ عملية اعادة هيكلة الدين العام يجب ان تكون ضمن برنامج اصلاح مالي يتضمّن طرحاً واضحاً حول الاجراءات التي سيتم اتخاذها لخفض العجز، وإصلاح قطاعات عدّة منها الكهرباء، وإعادة هيكلة القطاع العام ومعالجة مشكلة معاشات التقاعد، وغيرها من الامور التي تتسبّب في تفاقم عجز الدولة.

دولار الصيارفة

وحول قرار نقابة الصرافين في لبنان تحديد سعر شراء الدولار الأميركي بـ2000 ليرة لبنانية كحد أقصى، اعتبر السعيدي انّ هذا القرار:

• اعتراف رسمي بالسوق الموازية، أي الاقرار بأنّ سعر الصرف المتداول به لدى الصيارفة، مقبول.

• اعتراف بفشل سياسة تثبيت سعر الصرف عند 1507 ليرات.

• تمهيد للخطوة القادمة المتمثّلة بخفض سعر الصرف الرسمي.

وأوضح انّ هذا الاجراء لا يمكن ان يستمرّ طالما لم يتم إنجاز اي اصلاح مالي، وبالتالي لا يمكن تحديد سعر الصرف لدى الصرافين لأنها مسألة عرض وطلب، والدليل على ذلك انّ الصيارفة لا يقبلون اليوم ببيع الدولار بهذا السعر، ممّا أنشأ سوقاً سوداء ثالثة.

القطاع المصرفي

وبالنسبة للقطاع المصرفي، شدد السعيدي على انّ المطلوب إعادة هيكلة القطاع وإعادة رَسملته بما لا يقلّ عن 20 الى 25 مليار دولار. وقال: لا مفرّ من ذلك. يجب ضَخ أموال جديدة من قبل المساهمين في المصارف، ورسملة احتياطي المصارف، وبيع أصول واستثمارات في الخارج، وبيع عقارات​.

 

نظرة فاحصة-هل تستطيع حكومة لبنان الجديدة إنعاش الاقتصاد؟

بعد شلل سياسي على مدار ثلاثة أشهر، شكل لبنان أخيرا حكومة بقيادة رئيس الوزراء حسان دياب. والآن تحين مهمة إنقاذ البلد من أزمة مالية حادة والفوز بثقة المستثمرين والمانحين الأجانب.

ما احتمالات التعثر في سداد الديون أو إعادة هيكلتها؟

يبدو عبء دين لبنان العام، الذي يعادل حوالي 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وما يشهده من عجز في المعاملات الجارية وعجز مالي، غير قابل للاستمرار حتى من قبل الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي خرجت إلى الشوارع قبل ثلاثة أشهر.

وفي ظل تداول كثير من السندات السيادية الدولية بأقل من نصف قيمتها الاسمية، يتوقع مراقبو السوق على نحو متزايد أن يواجه لبنان صعوبات في أداء بعض التزاماته وأن يسعى للتوصل إلى إعادة هيكلة مع الدائنين عند مرحلة ما.

ومن بين أولى مهام الحكومة البت في مقترح من البنك المركزي يعرض على حملة بعض سندات العام الحالي في الداخل، بما في ذلك إصدار حجمه 1.2 مليار دولار يستحق في مارس آذار، مبادلتها بأخرى ذات أجل أطول لتخفيف الضغط على مالية الدولة.

وقد تنطوي أي خطوة لتأجيل مدفوعات السندات على تخلف عن السداد بالنسبة لوكالات التصنيف الائتماني مما قد يؤدي إلى مزيد من الخفض في تصنيف لبنان القابع بالفعل داخل النطاق عالي المخاطر.

هل خفض قيمة العملة حتمي؟

تدهور وضع ربط العملة بالدولار الأمريكي المعمول به في لبنان منذ 22 عاما ليقترب من نقطة الانهيار بفعل الأزمة السياسية والمصرفية.

فمع فقدان الليرة نحو ثلث قيمتها الرسمية بالسوق السوداء في ظل شح الدولار، يلوح خفض قيمة العملة في الأفق على نحو متزايد.

واستبعد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة من قبل أي خطوة من هذا النوع، قائلا إن لدى الحكومة الوسائل للحفاظ على ربط العملة. لكن ما لم تنتعش تدفقات رؤوس الأموال الآخذة بالتناقص ويحدث تعاف في ميزان لبنان الخارجي، فإن قدرة البنك المركزي على صيانة الربط ستتآكل.

كيف يمكن إنعاش النظام المصرفي؟

ظلت البنوك لفترة طويلة دعامة هامة للإبقاء على حركة اقتصاد لبنان. فمن خلال استقبال ودائع ملايين اللبنانيين في الخارج والشراء في الدين المحلي للحكومة، ساعدت البنوك على دعم مالية الدولة. لكن ذلك النظام تداعى في ظل شح في الودائع الأجنبية مع انهيار الثقة في النظام المصرفي.

تراجعت ودائع غير المقيمين في القطاع المصرفي 11.3 بالمئة على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني، بينما يواجه لبنان نقصا في النقد الأجنبي – مما تسبب في فرض قيود على وصول اللبنانيين في الداخل والخارج لأموالهم بالبنوك.

ويعتقد بعض الخبراء الماليين أن البنوك ستحتاج إلى ضخ سيولة أعمق من زيادة رأس المال 20 بالمئة على النحو الذي وجهها إليه البنك المركزي.

ماذا عن الدعم المالي الأجنبي؟

لبنان غارق في الركود ومازال تعافيه يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة الحكومة على تبني الإصلاحات اللازمة لضمان دعم مالي من الخارج.

وبحسب وزير الاقتصاد السابق ناصر سعيدي، يحتاج لبنان إنقاذا بعشرين إلى 25 مليار دولار بما في ذلك دعم من صندوق النقد الدولي للخروج من أزمته المالية. لكن مجيء المساعدة لا يبدو أكيدا في ضوء المساندة التي يلقاها دياب من حزب الله المدعوم من إيران وحلفائه.

وقال دياب إن أول جولة خارجية له ستكون في المنطقة العربية، ولاسيما دول الخليج.

لكن السعودية والإمارات، اللتين قدمتا عونا ماليا للبنان فيما مضى، بدتا أكثر تحفظا خلال الأزمة الأخيرة، بل وربما تقل رغبتهما في تقديم الأموال في ظل وجود دياب في السلطة.

في المقابل، قد يحول لبنان نظره صوب قطر التي يتهمها جيرانها الخليجيون بالاقتراب بشكل أكبر من إيران.

ومن غير الواضح ما إذا كان دياب سيسعى لنيل المساعدة من صندوق النقد. ويحذر بعض المراقبين من أن الولايات المتحدة، الداعم المالي الأكبر للصندوق، قد تعارض أي صفقة بسبب علاقات الحكومة مع حزب الله الذي تعتبره واشنطن جماعة إرهابية.

 

 

ازمة لبنان المالية: لماذا اقتراحات معالجة المشكلة المالية والمصرفية بدائية؟

لقد تكاثرت التوصيات بالحلول للمشكلة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان واعصاب المودعين ومصالحهم سواء كانت تجارية، ثقافية، صحية أو سياحية.

هنالك مواقف ومشاريع وضعها فريق شمل عدداً من الاقتصاديين المعروفين، وطرح بعدها مشروع لمجموعة من الاقتصاديين ورجال الاعمال اجتمعوا في مكاتب مؤسسة عصام فارس، واصدروا توصيات عدة ليس بينها اقتراح واحد جديد سوى توصيتهم باقتطاع جزء من اموال المودعين وكأنهم مسؤولون عما حققه عدد كبير من اللبنانيين مدى سنوات.

على رغم المذكرة الطويلة التي صدرت عمّن اجتمعوا في مؤسسة عصام فارس، الذين تجمعني بالعديد منهم علاقات صداقة واحترام، بينهم فيليب جبر رائد تأسيس شركة استثمارية في لندن ومن ثم جنيف، ومهى يحيى، وكمال حمدان، وناصر السعيدي، آسف للقول إني بحثت عن اقتراح جديد لم نتفحص مدى تطبيقه في دول أخرى – مثل برنامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك المؤسسة للانماء في منطقتنا – فلم Hجد ما ينير المستقبل والجهود المطلوبة في ما تعدد المذكرة الطويلة المنشورة في “النهار” (الثلثاء 14/ 1/2020).

جميع المعلقين المشار اليهم وغيرهم كثر اغفلوا الخصائص الخاصة بلبنان وأهله ومن المناسب عرض بعض هذه الخصائص وتأثيراتها سابقًا، وربما تاثيرها مستقبلاً.

أولى الخصائص ان لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي تنشط نسبة 30 في المئة من شبابها وشيوخها في سن العمل خارج لبنان ويكتسبون معاشات وأرباحاً تفوق ما يمكن الحصول عليه في لبنان وهم كانوا يحوّلون الى لبنان ما يزيد على 9 مليارات دولار سنويًا تناقصت مع انخفاض العائدات البترولية الى 7.8 مليارات دولار عام 2018.

أهمية هذه التحويلات لا تقاس فقط بمليارات الدولارات بل أيضًا بكون الاعمال المشار اليها سواء في دول الخليج أو إفريقيا تفسح في مجال العمل والاكتساب لـ300 ألف لبناني على الاقل، أي ما يوازي نسبة 25 في المئة من عدد الايدي العاملة نظريًا المتوافرة في لبنان.

ثانية الخصائص والتي كنا نعرفها ولا نقر بها أن الدخل القومي تجاوز بالفعل الـ70 مليار دولار. وخبراء البنك الدولي يرون ان حجم الاقتصاد الاسود في لبنان يفوق نسبة 30 في المئة من الدخل القومي، وهذا الواقع كان فيه افادة للبنان. ولا شك في ان هذه الافادة الى تقلص لتراجع القدرة على تشغيل العمالة الوافدة وتأمين فرص عمل لنسبة كبيرة منها.

ثالثة الخصائص تضخيم دور المصارف اللبنانية واعتماد ارقام عن زيادة الودائع خلال السنوات منذ 2015 لا تعكس الحقيقة. فأرقام الـ2 والـ3 في المئة للزيادة لم تكن حقيقية لانها ارقام ميزانيات المصارف في تاريخ 31/12/2015- 31/12/2018 والزيادة الملحوظة كانت دون معدلات الفوائد العائدة إلى المودعين في التواريخ المشار اليها، كما ان غالبية الزيادة كانت تعود الى زيادة أرقام المصارف اللبنانية العاملة في الخارج، وهذه باتت تحتوي قبل السحوبات الاخيرة 45 في المئة من مجموع الودائع.

الخاصية الرابعة تمثلت ولا تزال في اعتبار احتياط مصرف لبنان من العملات الاجنبية موازياً لمجمل ودائع المصارف (الاجبارية منها أي 15 في المئة من الودائع) والودائع العادية مقابل فوائد مرتفعة وهذه ارتبطت لفترات طويلة لا تتناسب مع أوقات التعاقد على الايداع مع المصارف، وتالياً فإنّ بعض العجز يعود الى ان سحب غالبية الودائع لا ينتقص فقط من الاحتياط الالزامي بل أيضًا من ودائع المصارف بحد ذاتها لدى مصرف لبنان.

ونأتي هنا الى استسهال التفكير بالزام المصارف دفع نسبة أعلى من الضرائب على ارباحها، هذا مع العلم ان تحميل ارباح المصارف عبء الضرائب مرتين أدى الى معدل تحصيل للضرائب على ارباح المصارف وازى عام 2018 نحو 44 في المئة. وهذا الرقم بالغ الارتفاع، والتفكير بتحميل المصارف اعباء اضافية غير واقعي ومضر بمصلحة لبنان، فالايداع في لبنان سواء من اللبنانيين العاملين في الخارج أو من مؤسسات مالية غير لبنانية كان يتم نتيجة الثقة وكفاءة القطاع وسهولة تأمين الاموال.

وأول درس يجب ان يدركه أصحاب الآراء بالتثقيل على عائدات المصارف، هو ان المصارف ستعاني خسائر عام 2019، وخسائرها ستتوسع في 2020 لان الودائع ستكون على مستوى أقل بكثير، ليس فقط نتيجة تحويلات قد جرت، بل أيضًا لأن مصارف كبيرة تسعى لتأمين السيولة الى بيع مؤسساتها في الخارج ومنها ما هو ممكن تسويقه ومنها ما ليس تسويقه في فترة قصيرة ممكناً، وتالياً فإن أزمة السيولة ستبقى الى وقت ليس بقصير.

الخاصية الخامسة تتبدى من اصرار التوصيات والمذكرات والافكار الخاصة بالانقاذ على انجاز جردة بكامل موجودات الحكومة من أجل قياس مقدار التأمين الذي يمكن الاستفادة من الاقراض الدولي، واصحاب هذه الافكار لا يقدرون الوقت المطلوب لانجاز عملية كهذه ولا يدركون مدى انخفاض قيم الممتلكات المتوافرة للدولة، ومدى امكان التخلي عن الاملاك العامة ولدى الدولة جيش كبير من الموظفين غالبيته ممكن الاستغناء عنها إلّا عديد الجيش الذي هو العنصر الوحيد الذي لا يزال يحافظ على ذكريات الوطن وذخيرته المنسية.

الخاصية السادسة أنه عام 2009، عقب تفجر الازمة المالية العالمية خريف عام 2008، حوّل اللبنانيون من أصحاب الودائع الملحوظة في الخارج 24 مليار دولار الى لبنان أدت الى زيادة الودائع بنسبة 25 في المئة في المصارف وتوسع الاقراض بنسبة 12 في المئة وتحقيق معدل نمو بنسبة 9 في المئة وقد اسهمت تلك التحويلات والتي انجزت نتيجة الخوف من وقع الازمة المالية في انكلترا وسويسرا وفرنسا وايطاليا والولايات المتحدة على مدخرات اللبنانيين الى تعاظم الثقة في المستقبل والمصارف اللبنانية وقياداتها.

اللبنانيون المقيمون في الخارج بعد عناء العمل خارج لبنان ايام الحرب في لبنان 1975- 1990 كانوا يتوقون إلى الرجوع الى البلد ونقل أموالهم إليه وكانت آمالهم في المستقبل كبيرة وكانت لديهم ثقة بالحكم والحكام.

اليوم لا ثقة بالمصارف والى حد أكبر لا ثقة بالحكام ولا يجوز التعامل مع مدخرات اللبنانيين وكأنها ملك الحكام، وهؤلاء ستظهر ملكياتهم قريبًا، ونأمل قبل اقتطاع أي نسبة من الودائع.

الخاصية السابعة تتمثل في ان صعوبة توافر الدولار تعود الى التحويلات التي توافرت لقطاع الكهرباء والتي بلغت مع فوائدها على عشر سنين (من 2010 إلى2019) 52 في المئة من مجمل الدين العام والمسؤولية عن ذلك تعود الى وزراء الطاقة ما بين 2010 و2020.

الحل الناجع والناجح للازمة اللبنانية يستوجب تدفق استثمارت ملحوظة، لا الاعتماد على اقتراض تبدو فرص تحقيقه شبه معدومة، والاستثمار المهم لن يتأتى إلّا من هيئات تقنية حكومية أثبتت جديتها ونجاحها في البلدان المتطورة والبلدان المتوثبة مثل الصين في المقام الاول وكوريا الجنوبية. ولا يمكن التعويل على تدفقات من اللبنانيين أو الشركات التجارية الكبرى لان الثقة بالحكم والحكام وبمستقبل لبنان شبه معلقة إلى حين اكتشاف الغاز بعد سبع سنوات أي في 2027.

الصين تحوز احتياطاً نقدياً يفوق الـ1600 مليار دولار، والصين رصدت ما بين 160 و200 مليار دولار لتحقيق ما يسمى طريق الحرير، أي ربط دول الشرق الأقصى بدول الشرق الاوسط بالمصالح التي تتعلق بالنقل (سواء عبر المرافىء البحرية أو المطارات) أو حتى الدول المتقاربة جغرافيًا بواسطة الشبكات الكهربائية وقد اصبحت الصين منتجة للكهرباء اكثر بكثير من الولايات المتحدة.

خلاصنا يكون بمقاربة شركة “سيمنز” أو “هيونداي” لانجاز توسيع وتطوير شبكة الكهرباء لتساوي 3500 ميغاوات قبل انتهاء سنة 2020، واتفاق كهذا يزيد التجهيز البنيوي الذي نسعى إلى اقتراض مبالغ لتحقيقه بما يساوي 3-4 مليارات دولار لن تستحق قبل 20 سنة – أي بعد توقع تحقيق انتاج الغاز من مياهنا الاقليمية – والصينيون قادرون على تطوير مرفأ طرابلس، ومطار الرئيس رينيه معوض في القليعات، وانشاء جامعة متخصصة بعلوم الذكاء الاصطناعي وهم متقدمون في هذا الاختصاص- وتحقيق اتفاق مع مصرف لبنان على انجاز محطة انتاج كهربائية بواسطة الالواح الشمسية في أراضي المصرف في البقاع، وحينئذٍ ولأن الصين هي كبرى الدول المصدرة إلى لبنان، ولان لديها المصرف الأكبر عالميًا، يمكن تشجيعها على انشاء مصرف برأس مال مقداره مليارا دولار وحينئذٍ نكون قد توجهنا نحو الخلاص.

مروان اسكندر

أزمة لبنان المالية: أخطر ما سيحصل في 2020 مع رسوم بيانية مقارنة

يستعدّ المجلس النيابي لمناقشة مشروع موازنة 2020. وفي الأروقة السياسية يدور جدل حول دستورية انعقاد المجلس في ظلّ حكومة تصريف أعمال لإقرار موازنة عامة. لكنّ المشكلة تكمن في مكان آخر، حيث يبدو أن ما رُسم لن يكون مطابقاً للواقع الجديد الذي سترتسم معالمه خلال العام 2020.

في العادة، تعاني الموازنات العامة في لبنان من 3 نقاط ضعف أساسية هي:

أولاً – خطأ دائم في التقدير، بحيث انّ أرقام آخر السنة، تأتي دائماً غير مطابقة للتقديرات الواردة في الموازنة، وأحيانا تكون الفروقات شاسعة، وغير منطقية، كما حصل في العام 2018.

ثانياً – تتأخّر الموازنات في مواعيد إصدارها، وغالباً، ما يبدأ الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية لفترة قبل أن تدخل الموازنة الجديدة حيّز التنفيذ. وهذا ما سيحصل مثلاً في العام 2020.

ثالثاً – أصبح العجز السنوي واقعاً لا يمكن الخروج منه، حتى لو أصبح هذا العجز يشكّل خطراً شبه وجودي، فإنّ التعامل معه حتى الآن جرى بأسلوب عقيم، مقارنة مع هول المأساة التي حلّت بالبلد.

ضمن نقاط الضعف هذه، ورغم الجهود المميزة التي بذلتها لجنة المال والموازنة ضمن الإمكانات المتاحة، أصبحنا اليوم في مكان آخر مختلف. وبين يدينا موازنة لاقتصاد لم يعد موجوداً. لجنة المال قامت بواجباتها كاملة وحبة مسك، بما يتيح لها القانون والدستور، وبَنت مشروع موازنة، وكما هي الأصول في الفترات الطبيعية، استناداً الى أرقام النصف الاول من 2019، أي احتسبت الواردات والنفقات في 6 أشهر، وأخذت في الحسبان تراجع الإيرادات في الشهرين الاخيرين من العام 2019، وأنجزت المشروع.

وفي الأرقام الواردة في الموازنة، نتائج يُفترض أنّها جيدة فيما لو كان الوضع طبيعياً. على سبيل المثال، لا يتجاوز العجز قياساً بالناتج المحلي (GDP)، الـ5,7% من دون احتساب الكهرباء. اذا أضفنا الدعم المقرّر للكهرباء (1500 مليار ليرة)، يرتفع العجز المقدّر الى 7,38%. اشارة الى أن العجز في العام 2018 ارتفع الى أعلى من 11% قياساً بالناتج.

كل هذه الأرقام من الماضي، وما سنشهده في 2020، سيكون مشهداً مختلفاً تماماً، وهو من أخطر المشاهد التي تمرّ بها الدول في ازمات شبيهة بالأزمة المالية والاقتصادية التي تمرّ على لبنان.

في مراجعة لسجلات دول انهارت مالياً واقتصادياً، مثل اليونان، فنزويلا وسواهما، يتبيّن انّ أزمة الانهيار التي تمتدّ لسنوات، تبدأ في التصاعُد ببطء، ثم تصل الى مرحلة يصبح معها الانهيار سريعاً ومن ثمّ تبلغ الذروة، وتستمرّ هكذا لسنتين أو ثلاث وربما أكثر، قبل أن تبدأ في التراجع في اتجاه التطبيع الذي يحتاج الى سنوات عدّة، وفق خطة الإنقاذ، ووفق ظروف كلّ بلد.

ما يتبيّن اليوم، أنّ الأزمة في لبنان سوف تجتاز مرحلة الانهيار السريع بدءاً من 2020. وهذا يعني انّ الارقام التي نبني عليها الموازنات لن تكون موجودة، وستحلّ مكانها أرقام جديدة لا علاقة لها بالأرقام القائمة.

قبل الوصول الى الواردات والنفقات، لا بد من التركيز على الناتج المحلي الذي تُظهر أرقامه في العادة، خط سير الأزمة. في 2019، هناك تقديرات بأنّ النمو كان سلبياً بواقع ناقص 2. فيما توجد تقديرات للبنك الدولي بأنّ النمو قد يرتفع الى 0.3% في 2020. لكن هذه التقديرات قديمة نسبياً، وصدرت قبل ظهور مؤشرات وصول الأزمة الى مرحلة الانهيار الدراماتيكي المعروف في مثل هذه الحالات.

وبالتالي، اذا كان حجم الاقتصاد أصبح حوالى 54,5 مليار دولار في 2019، فإنّه قد يتدحرج الى حوالى 45 مليار دولار في 2020. كما انّ الواردات المقدرة في مشروع الموازنة بأنها ستقارب الـ12,5 مليار دولار، قد تنخفض دراماتيكياً الى حوالى 7 أو 8 مليارات دولار، وهو المبلغ الذي يكفي لدفع الرواتب، ويبقى منه القليل لتسيير العمل.

وهذا يعني انّ العجز في الموازنة سيقارب الـ9 مليارات دولار. لكن الأخطر أن هذا العجز وقياساً بالناتج المحلي (حجم الاقتصاد)، قد يرتفع الى حوالى 19% وهو رقم بلغته دول عانت ما يعانيه لبنان اليوم. لكنّه رقم كارثي، ويعني ما يعنيه من تعميم الفقر على النسبة الأكبر من اللبنانيين.

الوصول الى هذا الرقم نابع من واقع واضح أمامنا. والكل يعرف انّ حجم الناتج المحلي يجري احتسابه وفق قاعدة (GDP=C+I+G+X–M) أي الانفاق الاستهلاكي + الاستثمارات العامة والخاصة + الانفاق الحكومي+ التصدير والاستيراد. ومن خلال ارقام الشهرين الأخيرين من 2019، ومن خلال بناء رسم بياني لمحاكاة النتائج التي سنصل اليها في نهاية العام 2020، يصبح مسموحاً الاعتقاد انّ الناتج المحلي قد يهبط الى حوالى 45 مليار دولار.

وفي المناسبة، بلغ الناتج المحلي في اليونان في العام 2008 حوالى 354 مليار دولار. ومن ثمّ بدأ يتراجع خلال السنوات التي سبقت الانهيار وخلاله، حتى وصل الى حوالى 195 مليار دولار في العام 2016. بما يعني انّه هبط بنسبة 55% في 8 سنوات.

إنطلاقاً من هذا الواقع، وبصرف النظر عن مصير موازنة 2020، أصبح الوضع قاتماً، ليس لأنّ المعالجة صعبة ومعقدة، بل لأنّ الطبقة السياسية لا تزال في مكان آخر، لا علاقة له بالواقع المأساوي والكارثي الذي يتحضّر له البلد بدءاً من هذا العام. في السياسة، ما زلنا عند نقطة أنّ فلاناً يصرّ على توزير أحدهم، وهناك طرف سياسي يقول له لا، لن نقبل بتوزيره! وعند هذا الحدّ تبدو الحكومة عالقة!

الناتج المحلي في لبنان

الناتج المحلي في فنزويلا

الناتج المحلي في اليونان

رسم مقارنة للناتج بين لبنان وفنزويلا

انطوان فرح.

أزمة لبنان المالية: تراجُع الدولار مقابل الليرة “وهْم”… حتى إشعار آخر

إستفاقت الأسواق المالية أمس على مفاجأة تراجُع سعر الدولار مقابل الليرة في السوق الثانوية، بنسبة تجاوزت لغاية ساعات الظهر 12 في المئة. فبعد انخفاض غير مسبوق لسعر صرف الليرة مقابل الدولار منذ التسعينات لامس 2500 ليرة، عاد وارتفع سعر صرفها إلى 2170 ليرة مقابل الدولار.

الصدمة الإيجابية التي خلقها التحسّن النسبي في سعر الصرف، وتحديداً لمن يتقاضى أجره بالليرة اللبنانية، أثار تساؤلات أكثر مما قدّم أجوبة. فهذا الإرتفاع أعقب موجة من الإحتجاجات الشعبية عمّت مختلف المناطق اللبنانية، كان من المفروض أن يكون وقعها سلبياً على الليرة، وليس العكس.

أما التحسن المفاجئ فمن الممكن أنه يعود، بحسب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني إلى الأسباب التالية:

– بدء مفاعيل تطبيق تعميم مصرف لبنان القاضي بسداد الحوالات الواردة من الخارج عبر شركات تحويل الأموال نقداً بالدولار الأميركي. وهذا من شأنه ضخ كميات من الدولار في الأسواق كانت قد تراجعت أخيراً بنسبة كبيرة، بسبب القيود المصرفية وإجبار شركات التحويل الإلكتروني على الدفع بالليرة فقط.

– شعور المواطنين بأن مصرف لبنان عاد بعد اجتماعه مع الصرافين واتفاقهم على “عقلنة سعر الصرف”، إلى مسك زمام الأمور.

– إحتمال تدخل مصرف لبنان ببيع الدولار مباشرة للصرافين على سعر 2000 ليرة كي يزيد العرض بسعر مقبول، ويخفّ الضغط عن الليرة اللبنانية. هذا الإرتفاع في سعر الصرف لا يعوّل عليه إن لم يستمر لفترة أقلها شهر من الزمن. إذ إن الإرتفاع الهائل في الطلب على الدولار لأغراض الإستيراد، في ظل توقف المصارف عن تأمين العملة الخضراء، وإجبار التجار على إحضار الدولار الطازج، سيزداد ولن يتقلص. إلا انه، بحسب مارديني فان “الحسنة الوحيدة لاستقرار سعر الصرف لفترة، هي في تخفيف حدة المضاربة على العملة الوطنية، والتي لم تعد محصورة بكبار التجار والمضاربين، إنما في الأفراد ايضاً الذين يعمدون إلى شراء الدولار مراهنين على ارتفاعه في المستقبل القريب وتحقيق الأرباح”.

الدولار والأسعار

التغيرات الكبيرة والسريعة في سعر الصرف تشكّل عامل ضغط على القطاع التجاري وتحديداً في ما خص آلية التسعير. كما انها تثير مخاوف المواطنين من عدم تراجع أسعار السلع والبضائع بنفس النسبة التي ارتفعت فيها نتيجة إنخفاض سعر الصرف. ولكن نقيب أصحاب السوبر ماركت د. نبيل فهد يؤكد أن “من الطبيعي ان تلحق الأسعار تغير سعر الصرف، ذلك لان آلية التسعير واضحة وشفافة. أما عن الوقت الذي يتطلبه التخفيض فهو مرهون بأنواع السلع”.

تقسم السلع إلى 3 فئات:

الأولى، أصناف مسعرة من قبل الدولة لم يطرأ عليها أي تبديل مثل الدخان والخبز…

الثانية، أصناف تتغير أسعارها سريعاً نتيجة سرعة الطلب عليها مثل الحبوب…

الثالثة، أصناف تتطلب بعض الوقت ليطاولها تغير الأسعار سواء كان ارتفاعاً أو إنخفاضاً، مثل المعلبات وأدوات التنظيف.

ويلفت فهد إلى أن “تغيّر سعر الصرف سنلاحظه في الأسواق في غضون أيام قليلة، شرط ان يبقى مستقراً لفترة مقبولة”.

تعطّل الرقابة… والدعم

إستمرار التفاوت في سعر الصرف سيخلق “إرباكاً كبيراً في التسعير والرقابة. حيث يلجأ البعض من التجار إلى تغيير الأسعار بوتيرة يومية، كما يعمد قسم منهم إلى إزالة الأسعار عن المنتجات، وهو مخالف لقانون حماية المستهلك”، تقول نائبة رئيس جمعية حماية المستهلك د. ندى نعمة. ومن خلال مراقبة الجمعية للأسواق ترى نعمة أن “الكثير من الأصناف التي يرتفع سعرها لا يعاود إلى الإنخفاض حتى لو انتفى المبرر. وعادة ما تترافق هذه الحالات مع ضعف الرقابة وتدخل موضعي ضعيف للدولة، من خلال تنظيمها مخالفات ومحاضر ظبط بحق المخالفين، وعدم التشدد في كسر الإحتكارات”.

مواجهة تقلّبات أسعار سعر الصرف والمواد الغذائية يجب أن تواجه، بحسب جمعية “حماية المستهلك”، بتثبيت أسعار 6 أصناف أساسية من أجل تأمين الامن الغذائي للمواطنين وهي: “اللحوم، الألبان والأجبان، الحبوب، الغاز والدواء”.

لا ثبات!

ويشير أحد المصرفيين إلى أن سعر الصرف سيُعاوِد صعوده قريباً لسببين أساسيين:

– غياب السلطة القادرة، وعجزها عن القيام بواجبها.

– تراجع احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية الذي يسمح له بالتدخل بقوة لضبط تفلت سعر الصرف. وعليه فإن ارتفاع سعر الصرف لن يكون ثابتاً ولا مستقراً بل سيبقى عرضة للتقلبات.​

خالد ابو شقرا.