تجتاح موجة مخاوف كبيرة اقتصادات العالم، من تحقق الركود، الذي يعني تراجع النمو في النشاط الاقتصادي، جراء الأزمات المتلاحقة، وآخرها أزمة أوكرانيا المستمرة في بث التداعيات على أسواق الطاقة، وأسواق السلع الغذائية الأساسية وبخاصة محاصيل الحبوب.
تخشى الدول من الوقوع في مصيدة الركود، الذي يعرف تقليديا بأنه تفوق الإنتاج على الاستهلاك في الاقتصاد، وذلك نظرا لمخاطره الوخيمة على الحالة العامة للاقتصاد والوظائف والأداء العام للقطاعات الصناعية والزراعية والعملة وغيرها من المؤشرات الأساسية.
لكن المفاهيم والتحديات الحديثة بدلت الحال إلى مخاوف أكثر وضوحا أبرزها التخلف عن سداد الديون بالنسبة للدول، وعدم القدرة على توليد الوظائف الجديدة، وقفزات في مؤشر التضخم الذي يعبر عن حالة الغلاء التي بات يعاني منها المستهلكون في معظم دول العالم، ما يثير القلق أن الوجه الجديد للركود سيحمل معه مخاطر حقيقية ربما لن تتمثل في انهيار الدول، لكن ستشكل ضغوطا مباشرة على جيوب المستهلكين جراء موجة الغلاء، وربما تتفاقم في حال تعطل سلاسل إمداد الغذاء، وبدأت بعض السلع العالمية بالاختفاء من على منصات المتاجر.
وبرغم أن مستوى الديون أو التعثر عن سدادها لا علاقة مباشرة له بالنشاط الاقتصادي، إلا أن الدول التي باتت تعاني من أزمات مزمنة، أجبرتها على التخلف عن سداد الديون، لن يكون بمقدورها تخصيص ميزانيات لدعم النمو الاقتصادي عبر المشاريع الكبرى أو الخطط التنموية، التي كانت أبرز منقذ لتحريك النشاط الاقتصادي في حال انكمش أداء القطاع الخاص.
يظل الركود الاقتصادي، هاجس يهدد خطط المستثمرين ويستنفر صناع السياسات النقدية والمالية، وتتردد أصداءه بوضوح في بورصات العالم من أسهم وعملات ونفط وحتى أسعار المعادن التي لم تسلم من ذلك وجميعها تقلبت ونزفت بنفس الإيقاع، فالارتفاعات التاريخية لأسعار الغاز واستقرار أسعار النفط فوق مستويات المئة دولار وما رافقها من خفض سريع وحاد للإمدادات القادمة من روسيا، جميعها مؤشرات امتزجت مع بعضها البعض وبعثت برسالة واحدة أن الركود قادم لا محالة.
أزمة الطاقة
وأشعلت أزمة الطاقة التضخم ودفعت به لمستويات لم تستطيع البنوك المركزية حول العالم ضبطها حتى الآن، واستنزفت جيوب المواطنين الذين ارتفعت تكلفة المعيشة عليهم لمستويات هي الأعلى في نصف قرن، كما أن خطر قطع إمدادات الطاقة القادمة من روسيا أصبح يهدد مصانع أوروبا وينذر بضياع الآلاف من فرص العمل.
وأمام هذا الواقع الصعب، بدأت التقييمات تنهال من كل جانب وأجمعت جميعها على أن اقتصادات منطقة اليورو وبريطانيا وكندا وكوريا الجنوبية باتت قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في الركود، في حين أن الولايات المتحدة قد تتجنب الركود جزئيا هذا العام متسلحة بقوة سوق العمل والسيولة الضخمة التي تستحوذ عليها الشركات، لتبقى بارقة الأمل الوحيدة كالعادة من الصين التي يتوقع أن يتماسك اقتصادها وتشهد وتيرة متسارعة في النمو مع رفع قيود كورونا.
“وول ستريت”
هذه المخاوف انعكست على اليورو الذي هوى لأدنى مستوياته في 20 عاما أمام الدولار، تبعه تراجعات حادة في أسواق الأسهم الأوروبية وامتدت هذه التراجعات إلى وول ستريت التي نزفت بشدة، وعمقت من جراحها خسائر اسواق النفط التي تراجعت بقوة هذا العام، مما تسبب بضغوط بيعية عنيفة على أسهم الطاقة.
ولم تسلم أسعار الذهب من هذا القلق فقد سجلت أدنى مستوياتها في ستة أشهر، كما أن معظم الأصول أصبحت غير جذابة باستثناء الدولار الأميركي الذي واصل نجمه باللمعان وحافظ على أعلى مستوى في 20 عاماً مستفيدا من موجة زيادة اسعار الفائدة في الولايات المتحدة.
ما رأي المعنيين؟
عبرت عدة مؤسسات عالمية عن قلقها من الركود الاقتصادي، وتخطت ذلك إلى التحذير من الركود التضخمي، الذي يجمع حالة متناقضة من تباطؤ النمو في النشاط الاقتصادي، مترافقة مع حالة من ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.
بدورها قالت كريستالينا غورغيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، إن توقعات الاقتصاد العالمي “ساءت كثيرا” منذ أبريل وإنها لا يمكنها استبعاد إمكانية حدوث ركود عالمي في العام المقبل في ظل المخاطر الضخمة القائمة.
أضافت أن صندوق النقد سيخفض خلال الأسابيع المقبلة توقعاته لنمو نسبته 3.6 بالمئة في الاقتصاد العالمي لثالث مرة هذا العام، مضيفة أن الاقتصاديين في الصندوق ما زالوا يعدون النسب الجديدة النهائية.
من المتوقع أن ينشر صندوق النقد الدولي توقعاته المحدثة لعامي 2022 و2023 في أواخر يوليو بعد أن قلص توقعه بنسبة تقترب من واحد بالمئة في أبريل. وكان الاقتصاد العالمي قد حقق نموا في 2021 معدله 6.1 بالمئة.
سداد الديون
خفضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني توقعاتها بشأن الديون السيادية، بسبب مخاوف بشأن ارتفاع تكاليف الاقتراض العالمية واحتمال حدوث موجة جديدة من حالات التخلف عن السداد.
وأكدت وكالة “فيتش”، التي تراقب أكثر من 100 دولة، أن الحرب في أوكرانيا تؤجج مشاكل مثل ارتفاع التضخم واضطرابات التجارة وضعف الاقتصادات، وهي مشكلات تضر الآن بظروف الائتمان السيادي.
وفي الوقت الذي سيستفيد فيه مصدرو السلع الأساسية من ارتفاع الأسعار، فإن أولئك الذين يتعين عليهم استيراد الجزء الأكبر من الطاقة أو المواد الغذائية سيعانون.
ويبلغ عدد البلدان في قائمة الدول المتخلفة عن السداد أو التي تشير عائدات سنداتها في الأسواق المالية إلى حدوث ذلك 17 بلدا وهو مستوى قياسي.
وهذه الدول هي باكستان وسريلانكا وزامبيا ولبنان وتونس وغانا وإثيوبيا وأوكرانيا وطاجكستان والسلفادور وسورينام والإكوادور وبليز والأرجنتين وروسيا وبيلاروسيا وفنزويلا.
سكاي نيوز