متابعة قراءة شركة Meta تخطط لموجة جديدة من التسريحات ستطال آلاف الموظفين
شهادة رئيس الفيدرالي..ما المُنتظر
التضخم: مسبباته.. مواجهته
من الاحتياجات الأساسية إلى الترفيهية، يؤثر على كل شيء في حياتنا اليومية، إنه ملتهم العملات، ومحطم الاقتصادات، والقابع على صدر الأسر والحكومات.. إنه التضخم.
منذ أشهر ليست بالقليلة، أصبح التضخم ولا يزال الشغل الشاغل في العديد من دول العالم من آسيا إلى الولايات المتحدة ومن أوروبا إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فما الذي يسبب التضخم؟ وكيف يمكن قياسه والتصدي له؟
بداية، التضخم عبارة عن زيادة في أسعار السلع والخدمات، وبمرور الوقت يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، أي أن العملة مثلاً كالدولار الأميركي التي تشتري سلعة ما منذ سنوات، لا يمكنها شراء نفس السلعة الآن.
وهناك قصة قصيرة طريفة تلخص التضخم في معنى أن الكثير من النقود تطارد القليل من السلع والخدمات.
كيف يمكن قياس التضخم؟
لعلنا نتابع من شهر لآخر بيانات اقتصادية في دول كأميركا وأوروبا، وأبرزها مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الذي يعد أحد معايير قياس التضخم.
ومن أجل قياس التضخم، تدرس جهات الإحصاء “سلة السوق” للسلع والخدمات، وتقيس متوسط أسعارها من شهر لآخر، ومن هذه السلة التي تتضمن جزءا من السلع والخدمات التي تستهلكها الأسر في المدن على الأغلب، يتم حساب قراءة مؤشر أسعار المستهلكين.
بعد ذلك، يتم وضع قراءة بالنقاط للمؤشر في كل شهر ثم مقارنة تكلفة سلة عناصر السوق الحالية مع نفس التكلفة في الفترة السابقة. على سبيل المثال: إذا كان مؤشر أسعار المستهلكين سجل 255 نقطة في مارس آذار عام 2021 وارتفع إلى 260 نقطة في مارس آذار عام 2022، فإن هذا يعني أن التضخم سجل نسبة 1.9% خلال فترة الـ 12 شهراً.
وبالطبع، لا يعد مؤشر أسعار المستهلكين الوحيد الذي تعتمد عليه جهات الإحصاء في قياس التضخم، بل هناك مثلاً في الولايات المتحدة مؤشر أسعار المنتجين (PPI) الذي يتعقب أسعار مدخلات الإنتاج من قبل الشركات، وكذلك مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي (PCE) الذي يقيس أسعار السلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون، ويختلف عن مؤشر CPI في استثناء بعض السلع المقارنة.
ما الذي يسبب التضخم؟
يمكن للتضخم يمكن أن يحدث بسبب عوامل متعددة، ومع ذلك هناك بعض الأسباب المعقدة مثل ما حدث في عام 2022 حيث نتج بشكل جزئي عن استجابة الحكومات حول العالم لجائحة كوفيد-19 فضلاً عن الزيادات المفاجئة في الطلب مع تلاشي قيود الإغلاق المرتبطة بالجائحة ونقص العمالة.
وفيما يلي الأسباب الرئيسية لحدوث التضخم:
1. التضخم المدفوع بالطلب
يحدث هذا النوع من التضخم من خلال اندفاع المستهلكين في الطلب على سلع وخدمة بعينها بما يفوق قدرة الاقتصاد على تلبية هذا الطلب.. أي باختصار عندما يفوق الطلب العرض، ومن ثم، يضغط ذلك بشدة على الأسعار مما يؤدي إلى التضخم.
ومن الأمثلة العملية على ذلك تذاكر لمشاهدة Hamilton live في برودواي، فبعد ارتفاع الطلب، ووجود عدد محدود من المقاعد، ارتفع سعر التذكرة الواحدة إلى 2000 دولار لدى وسطاء، وهو أعلى بكثير من سعر التذكرة الأساسي البالغ 139 دولاراً فقط وسعر التذكرة المميزة البالغ 549 دولاراً في ذلك الوقت.
2. التضخم المدفوع بالتكلفة
التضخم المدفوع بالتكلفة عبارة عن زيادة الأسعار عندما ترتفع تكلفة الأجور ومواد الإنتاج، وغالباً ما يتم تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين في شكل أسعار أعلى لتلك السلع والخدمات.
مثال على ذلك، عندما ترتفع أسعار الأخشاب المستخدمة في المنازل، فإن ذلك ينعكس على أسعار الإسكان، والتي ترتفع هي الأخرى مما يؤدي إلى التضخم.
3. زيادة المعروض النقدي
المعروض النقدي هو إجمالي المبالغ المالية المتداولة في الأسواق، والتي تشمل النقد والعملات المعدنية والأرصدة والحسابات المصرفية. وحال زيادة المعروض من النقد بشكل أسرع من معدل الإنتاج، فقد يؤدي ذلك إلى التضخم، وخاصة تضخم الطلب لأنه سيكون هناك الكثير من الأموال التي تطارد منتجات قليلة جداً.
4. انخفاض قيمة العملة
تخفيض قيمة العملة يحدث عندما يتم تعديل سعر صرف عملة في بلد ما بالخفض، وتلجأ بعض الدول لتخفيض قيمة عملتها لكي تجعل صادراتها أقل تكلفة للدول الأخرى، ممي يعني تعزيز تنافسيتها.
كما أن تخفيض قيمة العملة المحلية يدفع المستهلكين لشراء سلع أنتجتها بلدهم لأنهم وقتها لا يستطيعون شراء السلع الأجنبية ذات السعر الأعلى بسبب تراجع قيمة ما بحوزنهم من عملات محلية.
واشتهرت الصين بهذا الأمر خاصة بعد توجيه الولايات المتحدة ودول أخرى اتهامات لبكين في مناسبات عدة بأنها تخفض قيمة اليوان.
5. زيادة الأجور
تدخل الأجور في تكلفة الإنتاج بميزانيات الشركات، وعندما ترتفع أجور العمالة، يتعين على الشركات إما تمرير التكلفة إلى المستهلكين من خلال سلع أعلى ثمنًا، أو محاولة التكيف ومحاولة تعويض نمو الأجور بإنتاجية أعلى.
ومع ذلك، لا يزال خبراء الاقتصاد مختلفين في آرائهم بشأن تأثير الزيادات التدريجية في الأجور، مثل رفع الحد الأدنى للأجور، مقارنة بنمو الأجور الأسرع والأكثر مفاجأة في أماكن مثل وادي السيليكون.
ويعتقد البعض أن الزيادة في الأجور يمكن أن تؤدي إلى تضخم مدفوع بالتكلفة بسبب ارتفاع تكلفة العمالة، بينما يعتقد البعض الآخر أن ارتفاع الأجور في جميع المجالات (وليس فقط التركيز في قطاعات معينة) سيزيد الطلب بما يكفي لتعويضه.
6. السياسات واللوائح التنظيمية
يمكن أن تؤدي بعض السياسات الحكومية إلى تضخم مدفوع بالتكلفة أو تضخم مدفوع بالطلب.
يحدث ذلك عندما تصدر الحكومة مزايا ضريبية لمنتجات معينة حيث يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب، وفي حالة ارتفاع الطلب بما يفوق العرض، يزيد التضخم.
ما هي أدوات التصدي للتضخم؟
في بيئة التضخم الحالية حول العالم، الوسيلة الأبرز للتصدي له تكمن في قيام البنوك المركزية برفع معدلات الفائدة من أجل تقليل المعروض النقدي وخفض الإنفاق، مما يؤدي إلى تقليص الطلب على السلع والخدمات، ومن ثم، انخفاض التضخم.
وتعد السيطرة على التضخم من الناحية النظرية مختلفة عن محاربته بوسائل عملية أخرى مثل زيادة الإنتاج وأيضاً الادخار وتقليل الإنفاق من جانب الأسر والشركات.
وهناك عدة وسائل أخرى نستعرضها فيما يلي:
ضوابط الأسعار
ضوابط الأسعار يمكن أن فرضها عن طريق وضع حدود للأسعار من جانب الحكومات وتطبيقها على سلع بعينها، ويمكن أن يحدث ذلك بالتوازي مع ضوابط الأجور.
في عام 1971، طبق الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ضوابط بعيدة المدى على الأسعار في محاولة لمواجهة ارتفاع التضخم. على الرغم من أن ضوابط الأسعار كانت شائعة في البداية واعتبرت فعالة، إلا أنها لم تتمكن من التحكم في الأسعار عندما ارتفع التضخم في عام 1973 إلى أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية.
السياسات النقدية الانكماشية
تعد حالياً الطريقة الأكثر شيوعاً للسيطرة على التضخم والهدف منها تقليل المعروض النقدي داخل الاقتصاد عن طريق زيادة أسعار الفائدة.
لكن هذا يساعد على إبطاء النمو الاقتصادي من خلال جعل الائتمان أكثر تكلفة، مما يقلل من إنفاق المستهلكين الأفراد والشركات.
معدل الأموال الفدرالية
معدل الأموال الفدرالية هو المعدل الذي تقرض به البنوك بعضها البعض على مدار الليلة، ولا يتم تحديد معدل الأموال الفدرالية مباشرة من قبل الاحتياطي الفدرالي.
مثلا، من خلال رفع هذه المعدلات، يشجع الاحتياطي الفدرالي البنوك والمقرضين الآخرين على رفع أسعار الفائدة على القروض ذات المخاطر العالية وسحب المزيد من أموالهم إلى الفدرالي، وبالتالي تقليل المعروض النقدي، مما يؤدي إلى تقليل التضخم.
عمليات السوق المفتوحة
تعد اتفاقيات إعادة الشراء العكسية (الريبو والريبو العكسي) مثالاً على عمليات السوق المفتوحة، والتي تشير إلى شراء وبيع سندات الخزينة، وهي أداة يزيد بها الفدرالي الأميركي أو يقلل المعروض النقدي ويعدل أسعار الفائدة.
متطلبات الاحتياطي النقدي
حتى 26 مارس آذار عام 2020، كان الاحتياطي الفدرالي يدير المعروض النقدي من خلال متطلبات الاحتياطي الإلزامي على البنوك، وهو مقدار الأموال التي يجب على البنوك أن تحتفظ بها في خزائنها لتغطية عمليات السحب، وكلما زاد الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك، كلما قلت السيولة المتاحة لديها لإقراض المستهلكين، وهو ما يسهم أيضاً في انخفاض المعروض النقدي، ومن ثم السيطرة على التضخم.
الذهب يغلق أعلى مستويات 1850 دولاراً عند التسوية
الأسهم الأوروبية تغلق على تباين مع تراجع أسهم التعدين
توقع سعر بيتكوين: هل تنتظر ارتفاعًا قريب؟
وول ستريت تفتح مرتفعة مع تحول التركيز إلى تصريحات رئيس المركزي الأمريكي
دكتور دوم: البنوك المركزية لن تنقذ الاقتصاد..الركود الكبير والديون سترسم المستقبل
تراجع أسعار القمح الروسي وسط زيادة الصادرات واتجاه تنازلي للأسعار العالمية
تراجع أسعار النفط بعد توقعات بنمو متواضع في الصين وترقب رفع محتمل للفائدة
الصين تحدد النمو الاقتصادي المستهدف لعام 2023 عند حوالي 5%
المؤشر نيكي الياباني يغلق مرتفعا بعد تسجيل أعلى مستوى في 3 أشهر
فرصة نادرة لوقف السرقــة وإنقاذ المودعين
مِن ضمن الاشكاليات المطروحة في إطار البحث عن حلول للأزمة المالية والاقتصادية، النقطة المتعلقة بإنشاء صندوق لاستعادة الودائع، مهمته تأمين إيرادات، عبر وسائل متنوعة، لتكوين أصول مالية تُستخدم في تأمين إعادة الودائع الى أصحابها.
هذا الصندوق مدار نقاشات وخلافات انطلاقاً من نظريتين تتجاذبانه: النظرية الاولى تقول انه لا يجوز استغلال اي مرفق عام، وتحويل إيراداته لسد الفجوة المالية، على اعتبار انّ هذه الايرادات هي من حق كل اللبنانيين، ولا يمكن تجييرها للمودعين دون سواهم. النظرية الثانية تقول ان ايرادات هذا الصندوق لن تُجيّر للمودعين حصراً، بل انّ الفائض، او نسبة مئوية مُتفق عليها مسبقاً، ستذهب الى المودعين. ومثل هذا الامر لا يؤمّن اعادة الحقوق الى أصحابها فحسب، بل يساهم في تسريع التعافي الاقتصادي.
في الواقع، ما ينبغي التركيز عليه في هذا الموضوع، هو الفرصة المتاحة امام اللبنانيين للتخلّص من قسم أساسي من الفساد السائد في البلد. والواقعية تحتّم القول ان السياسيين الذين يرفضون كل انواع الشراكة او خَصخصة الادارة في المرافق العامة، لا يتخذون هذا الموقف انطلاقاً من حرصهم على أصول ومؤسسات الدولة، بل بسبب تمسّكهم بالسيطرة على هذه المؤسسات العامة. ويعتبر البعض ان هؤلاء السياسيين يتصرفون وكأنّ المؤسسات العامة هي ملكية خاصة لهم. لكنّ الواقع غير ذلك تماماً، لأنّ مَن يمتلك مؤسسة يرفض تعريضها للخسائر والافلاس. ما يفعله هؤلاء انهم يعتبرون أنفسهم شركاء مُضاربين في هذه المؤسسات العامة، يوظفون فيها المحاسيب بلا سقف، ويسرقون من إيراداتها ما تَيسّر، ويسمحون للأزلام بالسرقة والهدر، من دون أن يخشوا التعرّض للخسائر كما يفعل اصحاب المؤسسات. في المرفق العام، الأرباح للمضاربين، والخسائر على عاتق الخزينة والناس. وهذا ما جرى في كل المؤسسات، ومن ضمنها الكهرباء، وهذا هو السبب الحقيقي للانهيار الذي أصاب البلد منذ أواخر 2019.
من هنا، لا ينبغي مناقشة ملف صندوق استعادة الودائع وفق منطق افادة المودعين على حساب بقية المواطنين غير المودعين، بل ان حقوق المودعين فرصة للضغط على القوى السياسية التي تَستسيغ استمرار السرقة وتشغيل المحاسيب من كيس الدولة، لإجبارهم على رفع أيديهم عن كل المؤسسات العامة. وتأسيس ادارة جديدة تقوم على مبدأ الشراكة بين القطاعين الخاص والعام (PPP)، او تخصيص ادارات كل هذه المؤسسات، أو اللجوء الى الـBOT… كل الافكار التي تسمح برفع هيمنة القوى السياسية عن كل المرافق والمؤسسات العامة مقبولة، وهي تشكّل عامل خير للمواطن وللبلد، على عكس ما يدّعيه من يتحدث عن حماية أصول الدولة.
في الواقع، ليس مُستحبّاً فصل صندوق استعادة الودائع، عن صندوق «ضرب الفساد»، ولو أنّ الفصل يبدو عملياً وواقعياً اكثر. لكن هذه الفرصة للضغط على جهات سياسية تريد استمرار الفساد في المؤسسات العامة، قد لا تتكرّر، لذلك ينبغي الجمع بين الصندوقين، أي اعتماد مبدأ سحب كل المؤسسات والمرافق العامة من هيمنة السياسيين، وإقامة مشروع شراكة حقيقية مع القطاع الخاص.
وبالمناسبة، أصبح النواب اليوم أمام الامتحان الصعب. وما قالوه في «قدسية» الودائع حانَ الوقت لترجمته في القوانين الماثِلة أمامهم، ومن أهمها اقتراح قانون اعادة التوازن الى الانتظام المالي. ولا شك في انّ الزيارة التي قام بها النواب الاربعة الى واشنطن ترتدي أهمية استثنائية. والمواقف التي أعلنها هؤلاء مشجعة لجهة الحرص على حقوق المودعين، وعلى استمرارية القطاع المالي في البلد. لكنّ عملية إقناع صندوق النقد الدولي تحتاج الى دراسة مفصّلة عن مشروع صندوق استعادة الودائع وخفض الفساد، ضمن مؤسسة واحدة تتولى إدارة كل المرافق العامة، ومن ضمنها المطارات، المرافئ، الاتصالات، النقل، الطرقات، الكهرباء، المياه، الضمان الاجتماعي، استثمار الاراضي… هذه الدراسة ينبغي ان تقوم بها جهة مُحايدة، وان تكون ثمرة عمل مشترك بين جهات لبنانية متخصصة، وشركات عالمية معروفة، للخروج بخطة عمل تتضمّن خارطة طريق واضحة، قادرة على إعطاء توقعات علمية للتطوير المُبرمج الذي يمكن إدخاله الى المؤسسات العامة ومرافق الدولة. ومن خلال هذا البرنامج، لن يصعب إعطاء تقديرات مبدئية لتطور الايرادات المتوقعة خلال السنوات الخمس الاولى بعد بدء تنفيذ المشروع، ومن ثم تقديرات مُمنهجة على مدى عشر سنوات الى الامام. بهذه الطريقة، لا يتم إقناع صندوق النقد فحسب، بل ايضاً كل الدول الراغبة في مساعدة لبنان، والأهم ان اللبنانيين، المودعين وغير المودعين، سيقتنعون بأن هذا الطريق هو الأسلم والأنجع في الانقاذ واستعادة الثقة والازهار، وتقليص مجالات الفساد والسرقة والسمسرات لقسم كبير من الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة. أمّا الكلام عن صندوق لاستعادة الودائع من خلال استعادة الاموال المنهوبة والمهرّبة وما الى ذلك، فكلامٌ يُدغدغ المشاعر ليس إلّا. وفي حال النجاح في مهمة مستحيلة من هذا النوع، فخيرٌ وبركة. ولكن، لا يمكن الاعتماد على «الرومانسية» أو الشعبوية لإنقاذ البلد.
أنطوان فرح
مرحلة تحول الطاقة تواجه طريقاً وعراً
تزداد التساؤلات حول إمكانية تنفيذ مرحلة تحول الطاقة بنجاح للوصول إلى تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050. وقد تصاعدت الشكوك مع النهج الذي اتبعته الدول الصناعية بتبنّي خريطة الطريق لعام 2050، دون مشاركة فعالة لشركائها من دول العالم الثالث، بالأخذ في الاعتبار مصالح وأولويات الدول النامية الكبرى، والدول المنتِجة النفطية، والدول ذات الاقتصادات الضعيفة في القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية).
من نافلة القول إن سياسات مكافحة التغير المناخي يجب أن تضم شركاء من جميع دول العالم؛ لأن القرار كونيّ يشمل جميع أرجاء الكرة الأرضية. وهذا أمر صعب، لكنه ضروري في الوقت نفسه. ورغم هذا التشاؤم الذي بدأت تتوسع رقعته في تحقيق قرارات مؤتمر باريس لمكافحة تغير المناخ 2015، هناك أيضاً تفاؤل في الوقت نفسه للإجماع العالمي على ضرورة مكافحة تغير المناخ بحلول عام 2050، قبل فوات الأوان، لكي يستطيع البشر التعامل مع هذه الظاهرة في الوقت المناسب لمعالجة آثار تغير المناخ السلبية من ذوبان جبال الجليد العملاقة في القطبين الشمالي والجنوبي، ووضع حدّ لحرائق الغابات وكهربة المركبات وتحسين طرق المواصلات لتحييد الانبعاثات الكربونية.
لقد تراكمت العقبات أمام إمكانية تحقيق هذه الإنجازات جمعاء بحلول منتصف القرن؛ نظراً للفترة القصيرة المحدَّدة للتغيير. عكفت خريطة الطريق التي رسمتها «وكالة الطاقة الدولية»، خلال صيف 2021، على الدور الذي يجب أن تلعبه الدول الصناعية من تشريع للقوانين والأنظمة لتخفيض الانبعاثات، خلال أقل من نصف قرن، بينما تحولات الطاقة السابقة تطلبت فترات أطول بكثير امتدت في بعض الأحيان إلى قرن من الزمن.
وهمش، في الوقت نفسه، دور دول العالم الثالث، ذات الأغلبية السكانية العالمية. فعلى سبيل المثال، كانت الدول الصناعية، خلال مؤتمرات «كوب» السابقة قد وعدت بتوفير القروض والمساعدات لبعض دول العالم الثالث، لكن لم يجرِ الإيفاء بدفع هذه القروض والمساعدات، مما يعني عدم قدرة عدد من دول العالم الثالث على المضيّ قدماً في مكافحة تغير المناخ بطريقة جِدّية وواسعة. وقد تكررت القرارات في مؤتمرات «كوب» المتوالية لحثّ الدول الصناعية على تنفيذ تعهداتها المالية، لكن دون جدوى تُذكَر.
المشكلة أيضاً أنه مطلوب من بعض دول العالم الثالث إنفاق الملايين، بل المليارات من الدولارات على مشروعات الطاقات المستدامة وترشيد الاستهلاك، حتى قبل أن تتوفر الكهرباء لأعداد كبيرة من السكان في هذه الدول.
كما أن خريطة طريق «الوكالة الدولية للطاقة» غضّت النظر عن مصالح وأولويات دول مجموعة «أوبك بلس»، هذه الدول التي لديها مصلحة كبرى قد تتضرر نتيجة تحول الطاقة. ورغم ذلك بادرت بعض هذه الدول المنتِجة للنفط والغاز، مثل روسيا ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، بتبنّي مشروعات باهظة الثمن تُقدَّر بمليارات الدولارات لالتقاط وتخزين الكربون من البترول لتحييد الانبعاثات، لكن رغم هذا تستمر المعارضة لأي استعمال مستقبلي للنفط والغاز، إذ إن حركات الخضر في الدول الصناعية تمانع في طرح إمكانية استعمال الوقود الهيدروكربوني مستقبلاً، ولو كان محايداً للانبعاثات. وقد استطاعت حركات الخضر «أدلجة» موضوع الوقود الهيدروكربوني، حتى بعد «تخضيره». ولا نجد حتى الآن محاولات من قِبل الدول الصناعية لمناقشة الأمر مع حركات الخضر، رغم سياسات الدول هذه في تبنّي سياسات ومشروعات لعقود مقبلة في اكتشاف حقول بترولية جديدة، ناهيك عن الاعتماد الواسع على الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء. وكلما طال تأجيل مناقشة الاستعمال المستقبلي للوقود الهيدروكربوني المحايد في الدول الصناعية نفسها (في المجالس البرلمانية ووسائل الإعلام)، ستتعقد أكثر الصعوبات للتوصل إلى تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن.
في الوقت نفسه يزداد عدد سكان العالم بسرعة إلى 10 مليارات نسمة، ويرتفع مستوى المعيشة في الدول السكانية الكبرى، خصوصاً الصين والهند، مما يعني أن العالم سيحتاج في المستقبل المنظور إلى أكبر عدد من أنواع الطاقة المحايدة لانبعاثات الكربون، ومن ثم يتوجب ضم جميع الطاقات التي تستوفي الشروط الحيادية للانبعاثات في سلة الطاقة المستقبلية نظراً للحاجة الماسّة لهم جميعاً لازدياد الطلب على الطاقة، وهذا يعني خصوصاً النفط والغاز المحايدين للانبعاثات.
ومما زاد الطين بلة منذ العام الماضي نشوب حرب أوكرانيا. لقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى وهن نظام العولمة الذي برز بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والذي فتح المجال للتبادلين التجاري والعلمي الواسعين بين أقطار العالم، ولا سيما الدول الكبرى نفسها. فالحاصل الآن، انسحاب وتصفية أعمال شركات الدول الكبرى من غريماتها من الدول الكبرى الأخرى. كما بدأت التشريعات والقوانين تزداد بمنع تبادل صادرات وواردات السلع الإلكترونية التي تشكل عصب الصناعات الحديثة.
ومما يزيد من مطبّات الطريق لمرحلة تحول الطاقة إقبال النظام العالمي الجديد «المتعدد الأقطاب» بفتح ملفات قديمة/ جديدة، منها تكثيف النزاعات مع الصين، والاحتجاجات لسياسات مجموعة «أوبك بلس».