الصينيون يفضلون الذهب باعتباره ملاذاً آمناً للاستثمار: فهل يأتي دور الأوروبيين قريباً؟

يرجع انتعاش مشتري الذهب في الصين إلى تباطؤ سوق العقارات، وضعف الأسهم والعملات، فضلاً عن انخفاض أسعار الفائدة المصرفية. ويلجأ الشباب الصيني، الذي يشعر بالقلق إزاء الركود الاقتصادي، إلى الذهب باعتباره ملاذاً مالياً. وتعزز حالة عدم اليقين المحيطة بآفاق نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والتي تأثرت بإجراءات العزل العام المرتبطة بكوفيد-19، هذا الاتجاه.
لا تزال الصين أكبر مشتر للذهب المادي في العالم، مما يعزز أسعار المعدن الأصفر. ومن المتوقع أن يظل الطلب الصيني مرتفعا في العام المقبل، حيث يؤثر تباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض الاستثمار الأجنبي على اليوان. ويمكن ملاحظة تغير في السلوك بين الشباب الصيني الذين كانوا غائبين في السابق عن هذه السوق، وأصبحوا الآن يشترون المجوهرات الذهبية.
وتشجع المناقشات على وسائل التواصل الاجتماعي على تراكم الذهب، مما يشير إلى شراء العملات المعدنية الصغيرة و”حبوب الذهب” التي تزن جرامًا واحدًا حتى بالنسبة لأصحاب الدخل المتواضع.
وفي مواجهة انخفاض أسعار الفائدة على الودائع المصرفية والأسواق المالية غير المؤكدة، ينظر الصينيون إلى الذهب باعتباره ملاذاً آمناً أكثر موثوقية.
وتؤدي الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة اليوان والشكوك الجيوسياسية إلى تأجيج هذا التفضيل للذهب كملاذ آمن.
الوضع في الأسواق الصينية مختلط للغاية. لقد ظل مؤشر SSE المركب في حالة ركود منذ أزمة كوفيد. كان أداء هذا المؤشر أقل بكثير من أداء مؤشر ناسداك خلال نفس الفترة.
تنهي الأسواق الأمريكية عام 2023 بضجيج  كبير. واضطرت الصناديق التي توقعت الركود هذا العام إلى تغطية مراكزها المكشوفة، الأمر الذي تسبب في أكبر ضغط على المكشوف خلال 30 عاما. تم تضخيم هذا الضغط من خلال أكبر برنامج لإعادة شراء الأسهم في التاريخ. صعود الأسواق له تأثير إيجابي على معنويات المستهلكين الذين يستعيدون التفاؤل. ويساعد انخفاض أسعار الطاقة على تعزيز هذا التفاؤل، مع انخفاض تكلفة جالون البنزين إلى أقل من 3 دولارات في العديد من الولايات.
وبينما يسعى الصينيون إلى حماية اقتصاداتهم، يستمر الأمريكيون في الاستدانة، بل ويظهرون تفاؤلاً متجدداً في نهاية العام. إن عدم الاهتمام بالذهب الفعلي في الولايات المتحدة يُفسَّر بشكل أساسي بعودة التفاؤل هذه، والتي يغذيها الاعتقاد السائد على نحو متزايد بهبوط سلس للاقتصاد، فضلاً عن الأداء المتفوق للأسواق مقارنة بالذهب خلال هذا العام. .
في عام 2023، سجل الذهب أعلى مستوى له على الإطلاق، لكن هذا الأداء مر دون أن يلاحظه أحد نسبيًا، على عكس السجلات التصاعدية الأخيرة للاصول الرئيسية في السوق والتي تم نشرها على نطاق واسع.
لا يتمتع الذهب بنفس القيمة في الولايات المتحدة كما هو الحال في الصين، لأن مفهومه مختلف هناك. لقد تفوق مؤشر ناسداك بشكل ملحوظ على الذهب هذا العام، مما يجعل من الصعب تبرير الاهتمام بالذهب كملاذ آمن. خاصة أنه تم تجنب الركود هذا العام في الولايات المتحدة ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل.
إن النشوة الحالية في الأسواق، والتي بلغت مستويات تاريخية من التشبع في الشراء، تجعل التفاؤل الأمريكي ضعيفاً بشكل خاص في حالة حدوث انعكاس مفاجئ.

وفي أوروبا يختلف الوضع بشكل ملحوظ: فقد خلفت أزمة الطاقة تداعيات على النشاط الاقتصادي، ومن المستغرب أن الذهب لا يعتبر ملاذاً آمناً، كما يحدث في الصين. وبعد ألمانيا، فإن فرنسا هي التي تغرق في المنطقة الحمراء في نهاية عام 2023.
سجل مؤشر مديري المشتريات التصنيعي مزيدًا من الانخفاض الشهر الماضي، مما يشير إلى زيادة احتمال الدخول في الركود: إن المخاوف من التباطؤ في أوروبا لا تثير ردود الفعل نفسها التي تثيرها الصين: فالاندفاع نحو استثمارات الملاذ الآمن، وخاصة الذهب، لا يزال بعيداً عن التحقق في قارة لم تشهد أزمة نقدية منذ عدة أجيال.
وتشجع المخاوف بشأن سوق العقارات والتباطؤ الاقتصادي الشباب الصيني على الاستثمار في الذهب. في الوقت الحالي، لا شيء من هذا القبيل في أوروبا. وربما يتطلب الأمر حدوث أزمة تؤثر على الثقة في اليورو حتى يتبنى الأوروبيون نفس المنظور الذي يتبناه الصينيون فيما يتصل بالدور الذي يلعبه الذهب كملاذ آمن.

مشكلة الصين الاقتصادية الراهنة

في ظل المشكلة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها الصين، فإنها تسعى إلى تحفيز الطلب المحلي وتحسين التعافي الاقتصادي في 2024؛ إذ ستواصل تنفيذ سياسة نقدية حكيمة وسياسة مالية استباقية، حيث إن التعافي الاقتصادي لا يزال في مرحلة حرجة، ومن المأمول أن تتمكن «المجموعة الاقتصادية الصينية» من تقديم المشورة لتعزيز التنمية عالية الجودة والمساعدة في توسيع الطلب المحلي، ومنع المخاطر وحلها، وبذل جهود لزيادة الطلب الداخلي وإيجاد بيئة مؤاتية للاستهلاك والاستثمار؛ إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين عام 2022 ما قيمته 17.963 تريليون دولار وفقاً لبيانات الحسابات القومية للبنك الدولي لعام 2023.

وستسعى الصين إلى تحسين اتساق سياسات الاقتصاد الكلي بفاعلية النشاط الاقتصادي، وتتعامل مع المخاطر، وتحسن التوقعات الاجتماعية، وترسخ وتحسن التوجه الإيجابي للتعافي الاقتصادي، وتواصل تدعيم التحسن الفعال لنوعية النمو الاقتصادي المعقول، وإلى أن الجهود يجب أن تبذل لزيادة الطلب المحلي وتشكيل دورة قوية لتعزيز الاستهلاك والاستثمار معاً، والحاجة لتعميق الإصلاحات في مجالات أساسية، والضخ باستمرار محفزات قوية في عملية تنمية عالية الجودة.

وأطلقت الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات السياسية في الأشهر الأخيرة لدعم التعافي الاقتصادي الضعيف بعد الوباء، والذي تأثر بأزمة العقارات ومخاطر ديون الحكومات المحلية وتباطؤ النمو العالمي والتوترات الجيوسياسية؛ إذ نفذ البنك المركزي تخفيضات متواضعة في أسعار الفائدة وضخ مزيداً من الأموال في الأشهر الأخيرة لدعم النمو. وكشفت الصين عن خطة لإصدار سندات سيادية بقيمة تريليون يوان (ما يعادل 139.84 مليار دولار) بحلول نهاية 2023.

ولا يزال الانتعاش في زخم الطلب الخارجي الإجمالي للصين خارج المستوى المطلوب لنهوض الاقتصاد الصيني، على الرغم من ارتفاع قيمة اليوان بأكثر من 2.5 في المائة مقابل الدولار الضعيف؛ إذ إن فروق أسعار الفائدة وعوائد ومؤشر الدولار قد تؤدي إلى سلسلة من التقلبات؛ إذ إن التعافي الاقتصادي للصين لا يزال في مرحلة حرجة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وضرورة دعم النمو عبر مزيد من السياسة المالية الاستباقية والفعالة، حيث تحولت الصادرات بالدولار بشكل إيجابي قليلاً، بعد تراجع طويل، وسط مؤشرات على ضعف نشاط الصناعات التحويلية، ويتعين على الحكومة الصينية مواصلة تنفيذ السياسات المالية الاستباقية والسياسات النقدية الحكيمة.

على الصعيد العقاري، تعهدت الحكومة بتسهيل مزيد من الدعم لقطاع العقارات المضطرب، بالإضافة إلى السياسات الرامية إلى تعزيز سوق العقارات، وزيادة الدعم المالي، في الوقت الذي تظل فيه السياسة النقدية متكيفة؛ إذ إن تعافي الطلب المحلي في الصين لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدعم.

على صعيد آخر؛ يواجه اقتراح الصين رفع مستوى الاستثمار بشكل كبير في صناديق الأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري، معارضة من العاملين في الصناعة الذين يشعرون بالقلق من أنه قد يؤدي إلى تراجع الصناديق الصغيرة، وخنق التمويل أمام المستثمرين في الشركات الناشئة التي تكافح في ظل اقتصاد تراجع في هذه المرحلة.

وقد أعلن البنك الدولي في تقرير أن الاقتصاد الصيني سيتباطأ في عام 2024؛ حيث سينخفض النمو السنوي إلى 4.5 في المائة من 5.2 في المائة هذا العام، على الرغم من الانتعاش الأخير الذي حفزته الاستثمارات في المصانع والبناء والطلب على الخدمات؛ إذ إن تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم من انتكاسات جائحة «كوفيد19»، من بين صدمات أخرى، لا يزال هشاً، ويواجه ضعفاً في قطاع العقارات وفي الطلب العالمي على الصادرات، وارتفاعاً في مستويات الديون والتقلبات في ثقة المستهلك؛ إذ إنه من المتوقع أن يتباطأ النمو أكثر في عام 2025، إلى 4.3 في المائة من 4.5 في المائة العام المقبل، حيث أثرت القيود الصارمة على السفر والأنشطة الأخرى خلال الوباء على التصنيع والنقل، مما أدى إلى فقدان الوظائف بسبب تلك الاضطرابات والحملة الصارمة على قطاع التكنولوجيا، إلى جانب الانكماش في صناعة العقارات، مما دفع كثيراً من الصينيين إلى تضييق محافظهم.

هذا بالإضافة إلى أن معظم الوظائف التي جرى توفيرها خلال فترة التعافي في الصين كانت أعمالاً منخفضة المهارات في صناعات الخدمات منخفضة الأجر؛ إذ يتوخى الصينيون الحذر أيضاً نظراً إلى الطبيعة الهشة لشبكات الأمان الاجتماعي وحقيقة أن السكان يشيخون بسرعة، وهو ما يفرض عبئاً أثقل على الأجيال الشابة لدعم كبار السن؛ إذ سلط تقرير البنك الدولي الضوء على حاجة الصين إلى مواصلة إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وعلى أن التحركات التي تتخذها الحكومة لتحمل عبء دعم الحكومات المحلية التي تعاني من ضائقة مالية، من شأنها أن تساعد أيضاً في تحسين الثقة في الاقتصاد.

وفي الختام، فإن الاستثمار العقاري في الصين انخفض بنسبة 18 في المائة خلال العامين الماضيين، وهناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتسوية الديون غير المدفوعة لمطوري العقارات المثقلين بالديون، وكان التباطؤ أسوأ في المدن الصغيرة التي تمثل نحو 80 في المائة من السوق في الصين، وقد جرى تعويض بعض هذا الضعف عبر الاستثمار القوي في التصنيع، خصوصاً في مجالات مثل السيارات الكهربائية والبطاريات… وغيرها من تكنولوجيات الطاقة المتجددة وفي المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل رقائق الكومبيوتر التي تحظى بدعم حكومي قوي.

وبالنظر إلى المستقبل؛ فإن البيئة؛ الداخلية والخارجية، التي تواجه تنمية الصين لا تزال معقدة. ولمواصلة تعزيز التعافي الاقتصادي؛ تزداد الحاجة إلى التغلب على الصعوبات والتحديات؛ إذ إن الاقتصاد الصيني يتمتع بمزايا سوق واسعة تضم 1.4 مليار نسمة وقاعدة صناعية متقدمة.

د. ثامر محمود العاني

محطات اقتصادية لافتة شهدها الاقتصاد اللبناني في 2023

لا تشبه سنة 2023 سابقاتها من السنوات الثلاث الماضية التي عانى فيها لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومصرفية في تاريخه، فعلى الرغم من المشهد السوداوي الذي شهده في نهاية العام 2022 إلا أن العام الحالي جاء أقل وطأة على كاهل المواطنين وبخاصة العاملين في القطاع الخاص الذين ساهموا مع أموال المغتربين التي تقدر بـ 8 مليارات دولار والموسم السياحي الذي فاقت إيراداته الـ 4 مليارات دولار بنمو يقدر بنحو 0.5% كمؤشر إيجابي للاقتصاد اللبناني.

إلا أن العجز عن إقرار أي خطة حكومية للتعافي يبقى حتى الآن هو العائق الأساسي لعدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

محطات عديدة رسمت العام 2023 لربما أبرزها انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة وتسلم الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، الذي أدار السياسة المالية محافظاً على استقرار سعر الصرف وامتنع عن تمويل الدولة من أموال مصرف لبنان بالعملات الأجنبية لتغطية عجز الموازنة، هذه الموازنة التي خرجت بعجز معلن قدره 46 تريليون ليرة أو ما يقارب 500 مليون دولار ولم تقر حتى اللحظة فيما مشروع موازنة 2024 مثقل بالضرائب والرسوم ويواجه اعتراضات باللجان النيابية.

ومع عدم إيجاد أي حلول لأموال المودعين تبقى القوانين الإصلاحية كالكابيتول كونترول وإعادة هيكلة المصارف وقانون التوازن المالي معلقة بانتظار الحلول السياسية العامة في ظل فراغ رئاسي وتشريعي وحكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيات.

أما على المستوى الاجتماعي فقد أظهرت البيانات الحديثة لإدارة الإحصاء المركزي أن مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان سجل ارتفاعاً نسبته 208% في شهر سبتمبر أيلول 2023، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وهو ما يعود إلى ارتفاع أسعار مختلف المواد والخدمات الأساسية بحيث حل لبنان في المرتبة الثانية من بين الدول العشرة الأكثر تضرراً من تضخم الغذاء في العالم بحسب البنك الدولي.

ووفقاً لتقرير المرصد الاقتصادي للبنان فإن علامات التطبيعأو التكيف الحاصل حالياً مع الأزمة والتباطؤ في انكماش النشاط الاقتصادي لا يعني تحقيق الاستقرار كما إن تنامي الاقتصاد النقدي الذي يقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي هو نقطة سوداء في الاقتصاد المحلي والمطلوب خطة إصلاحية شاملة تكون بارقة أمل للعام.

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات