آخر ما تبقى لاقتصاد لبنان: تصدير المغتربين ومساعدات اللاجئين

العودة إلى أرقام 2023، سرعان ما تُظهر التوازنات النقديّة والماليّة الهشّة التي يقوم عليها الاقتصاد اللبناني. إذ باتت التدفّقات الواردة من تحويلات المغتربين، وزياراتهم الموسميّة إلى لبنان، تحوز على حصّة متزايدة من حجم الناتج المحلّي، بفعل تقلّص حجم الاقتصاد الوطني وتضاؤل أنشطته. فشلل المؤسسات العامّة، وتدهور أوضاع البنية التحتيّة، ما زالا يحولان دون استفادة القطاعات الإنتاجيّة من التراجع الذي طرأ على سعر صرف الليرة خلال السنوات الماضية، والذي كان يفترض أن يزيد من تنافسيّة الإنتاج المحلّي مقابل الإنتاج الأجنبي داخل السوق اللبناني وخارجه.

هكذا، بات لبنان يكرّس –كجزء من نموذجه الاقتصادي- ظاهرة تصدير المغتربين بفعل الأزمة القائمة، ومن ثم الاعتماد عليهم لتأمين التدفّقات اللازمة للحفاظ على هذا النموذج الهش، ما يضع الاقتصاد المحلّي في الدوّامة ذاتها التي قادت البلاد نحو الكارثة الماليّة التي ضربتها عام 2019. المشكلة الأساسيّة، هي أن تزايد الاعتماد على أموال الاغتراب لم يرتبط بتزايد الفرص الاستثماريّة الجاذبة لهذه الأموال، إذ أنّ حجم هذه التدفقّات تراجع مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة. بل ارتفعت نسبة التدفّقات من الناتج المحلّي، بعدما خسر الناتج المحلّي 65% من قيمته بين 2019 و2023. بمعنى أوضح: هشاشتنا زادت من الإدمان على أموال المغتربين، من دون أن تزداد تحويلاتهم.

تدفّقات المغتربين تتضاءل لكن تزداد أهميّة!
آخر أرقام البنك الدولي، تشير أنّ لبنان تلقى خلال العام 2023 ما يقارب 6.37 مليار دولار أميركي من تحويلات المغتربين من الخارج، وهو ما يقل بنحو 1% عن تحويلات العام السابق 2022، والتي بلغت 6.44 مليار دولار. الأهم، هو أن حجم هذه التحويلات ما زال يقل عن 86% فقط عن حجم التحويلات السنويّة التي كان يتلقّاها لبنان عام 2019، أي قبيل حصول الانهيار المالي. إذ بلغ حجم هذه التحويلات في ذلك العام بالتحديد 7.41 مليار دولار أميركي.

خلال عامي 2020 و2021، تم تفسير هذا التراجع بتفشّي وباء كورونا، وما طرأ من تراجع اقتصادي في بلدان الاغتراب. إلا أنّ عدم استعادة هذه التحويلات عافيتها حتّى اللحظة يدل على وجود عوامل داخليّة لبنانيّة خلف هذا التراجع، وفي طليعتها عدم توفّر الفرص الاستثماريّة والنظام المالي المستقر، لجذب هذه التدفّقات.

الملفت للنظر، هو أنّ لبنان شهد بين عامي 2017 و2022 موجة هجرة عظيمة، غادر خلالها أكثر من 275 ألف لبناني البلاد باتجاه بلدان الاغتراب. وبينما كان يفترض أن يؤدّي ذلك إلى زيادة التدفّقات النقديّة الواردة من هذه الفئة، التي مازالت تحتفظ بروابط عائليّة وثيقة داخل لبنان، حصل العكس تمامًا، وهو ما يعيد التأكيد على وجود عوامل طاردة للتحويلات الواردة، وعلى فقدان لبنان لجاذبيّته اتجاه رؤوس الأموال، ومنها أموال المغتربين.

رغم تراجع قيمة هذه التحويلات بشكل ملحوظ، منذ العام 2019، ارتفعت أهميّتها بالنسبة للبنان، بعد أن تزايدت حصتها من النشاط الاقتصادي المحلّي. فخلال العام 2019، كان حجم الناتج المحلّي اللبناني يناهز حدود 51 مليار دولار، ما جعل تحويلات المغتربين توازي نحو 14.5% فقط من حجم الناتج المحلّي الإجمالي. أمّا خلال 2023، ورغم تراجع حجم هذه التحويلات، باتت هذه التحويلات تمثّل 36% من حجم الناتج المحلّي الإجمالي، وذلك ببساطة لأن حجم الناتج المحلّي تضاءل ليلامس حدود 18 مليار دولار فقط هذه السنة.

تقلّص حجم الاقتصاد الحقيقي
البحث عن أسباب تقلّص حجم الاقتصاد الحقيقي يقودنا إلى النظر في الميزان التجاري اللبناني، إذ لم تسجّل الصادرات اللبنانيّة خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023 سوى نمو ضئيل بنسبة 1.46%، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، ليقتصر حجمها على نحو 2.38 مليار دولار. في المقابل، وخلال الفترة نفسها، تجاوزت قيمة السلع المستوردة حدود 10.69 مليار دولار، ما أنتج عجزًا في الميزان التجاري بقيمة 8.32 مليار دولار. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ قيمة هذا العجز تتجاوز حدود 1.78 أضعاف مثيله في الفترة نفسها من العام 2020، ما يشير إلى أنّ اعتماد البلاد على السلع المستوردة تزايد خلال سنوات الأزمة لا العكس.

ببساطة، فشلت البلاد خلال الأزمة الراهنة في الانتقال إلى نموذج أكثر إنتاجيّة، بالرغم من تخلّصها من سياسة تثبيت سعر الصرف التي اعتمدها مصرف لبنان قبل العام 2019، والتي ضخّمت قيمة الليرة أمام الدولار. فتضخّم قيمة الليرة مقابل الدولار قبل العام 2019، ساهم في تخفيض أسعار السلع المستوردة مقابل المنتجات المحليّة داخل السوق اللبناني، وفي رفع أسعار الصادرات اللبنانيّة في الأسواق الأجنبيّة، ما ضرب تنافسيّة الإنتاج المحلّي. أمّا اليوم، وحتّى بعد التخلّص من هذه السياسة النقديّة، لم يتمكن لبنان من تنمية القطاعات الإنتاجيّة، بسبب ضمور دور الدولة في تأمين البنية التحتيّة وأبسط مستلزمات الإنتاج، وخصوصًا الطاقة ذات الكلفة المنخفضة.

القطاع السياحي يعتمد على الاغتراب أيضًا
أمام هذا المشهد، يشير البعض إلى تمكّن لبنان من تسجيل موسم اصطياف ناجح خلال فصل صيف الماضي، ما يمثّل انتعاشة في أداء القطاع السياحي. لكن من المهم الإشارة هنا إلى أنّ هذه الانتعاشة ظلّت محكومة بالاعتماد على الاغتراب اللبناني، وخصوصًا الجيل الأخير منه، الذي غادر البلاد خلال السنوات الماضية، واحتفظ بصلات عائليّة واجتماعيّة مع الداخل اللبناني. وهذا لا يقلّل طبعًا من أهميّة التدفّقات النقديّة الناتجة عن هذا النشاط، ولكنّه يؤشّر إلى اتصال هذه التدفّقات –مجددًا- بظاهرة تصدير الاغتراب إلى الخارج.

فأرقام وزارة السياحة للأشهر العشرة الأولى من العام تشير إلى أنّ 61.4% من الزوّار الوافدين إلى البلاد كانوا من اللبنانيين المغتربين، في حين أن الزوّار العرب والأجانب مثّلوا 38.6% من هؤلاء الزوّار. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنّ جزءاً كبيراً من الزوّار الأجانب هم عمليًا من ذوي الأصول اللبنانيّة، أو مزدوجي الجنسيّة، الذين يقومون بالاعتماد على جوازات سفر أجنبيّة للتنقّل ودخول لبنان، ما يضعهم إحصائيًا في خانة الأجانب.

مساعدات بإسم اللاجئين
أخيرًا، وعند مقاربة التوازنات النقديّة والماليّة التي تحكم السوق حاليًا، لا يمكن التغاضي عن حصول لبنان على مساعدات تقارب قيمتها 1.1 مليار دولار أميركي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، كجزء من “خطّة الاستجابة للأزمة في لبنان”. وهذه المبالغ، التي تقارب قيمتها 6.1% من حجم الاقتصاد اللبناني، تأتي من أكثر من 118 منظّمة ودولة في إطار متناسق، بهدف التخفيف من تداعيات أزمة النزوح السوري في لبنان، ومساعدة الفئات الهشّة السوريّة والفلسطينيّة واللبنانيّة المقيمة على الأراضي اللبنانيّة. ومن المعلوم أنّ جزءاً كبيراً من هذه المساعدات ذهب لتمويل مشاريع البنية التحتيّة التي يستفيد منها اللبنانيّون والسوريون والفلسطينيون على حدٍ سواء، مثل المشاريع المتصلة بقطاعات المياه والكهرباء والطرقات والصرف الصحيّة وغيرها.

في النتيجة، وأمام تدهور أوضاع الاقتصاد الحقيقي، لم يتبق للاقتصاد اللبناني سوى هذا النوع من مقوّمات البقاء، أي التدفّقات الناتجة عن تحويلات وزيارات المغتربين، وبعض المساعدات الخارجيّة. أمّا تحقيق التدفقات النقديّة بفعل الإنتاج والتصدير، أو استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال، فما زال بعيد المنال، طالما أنّ الدولة اللبنانيّة لا تملك بالفعل رؤية اقتصاديّة تستهدف النهوض بقطاعاتها الإنتاجيّة.

علي نور الدين

شركات التحويل توسّع خدماتها: ما مخاطر المحافظ المالية؟

تشهد شركات التحويل المالي نشاطاً بارزاً في الآونة الأخيرة بالتزامن مع استمرار هجرة العملاء من القطاع المصرفي، فشركات التحويل بعد توسيع نطاق خدماتها وتنويعها، باتت الجاذب الأبرز لعملاء المصارف الباحثين عن بدائل للقطاع المصرفي.

وإذا كان عدد الحسابات المصرفية في المصارف اللبنانية تراجع من 2.81 مليون حساب إلى 1.41 مليون حساب خلال فترة ما بين نهاية العام 2019 ونهاية عام 2022، فإن عدد الحسابات المصرفية تلك تراجعت كذلك خلال العام الـ2023 الذي شارف على نهايته، إلى محيط المليون و200 ألف حساب.

هجرة الحسابات المصرفية باتجاه شركات التحويل المالي بدأت منذ قرابة العام لكنها اقتصرت في الفترة الماضية على طلب خدمات معينة، بخلاف الواقع اليوم. فبعض شركات التحويل المالي اتسعت خدماتها لتشمل توطين الرواتب وخدمات عديدة على غرار ما كانت تقدّمه المصارف، منها ما يشبه إلى حد ما عمليات الإدخار.

وعلى الرغم من الهجمة الملحوظة للعملاء إلى مكاتب شركات تحويل الأموال والإقبال البارز على خدماتها، يبقى السؤال الأبرز الذي يشغل الجميع لاسيما منهم الموظفون، هل التعامل عبر هذه الشركات آمن؟ وهل تقف المصارف وراء شركات التحويل تلك وتنسق معها أم أن الأخيرة مستقلة تماماً عن القطاع المصرفي؟

خدمات مالية شاملة

بالنظر إلى أن لبنان يُعد من بين الدول الأكثر تلقياً للأموال من المغتربين في دول العالم، وهو الذي تبوّأ المركز الأوّل في المنطقة والمرتبة الثانية عالمياً من حيث مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلّي الإجمالي بحسب تقديرات البنك الدولي، اتسعت سوق شركات تحويل الأموال وتزايدت تراخيصها خلال السنوات الأربع الماضية، لاسيما أن معظم المغتربين يعتمدون على مكاتب تحويل الأموال لتنفيذ تحويلاتهم بدلاً من الاعتماد على المصارف.

ومن بين شركات تحويل الأموال التي ازدهرت أعمالها بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية، OMT،BOB ،Western Union ،Whish ،MoneyGram وغيرها. فقد زادت فروعها وخدماتها ولم تعد تقتصر على تلقي الحوالات المالية، بل تعدّتها إلى توفير خدمات دفع الرسوم والضرائب والفواتير والتشريج، وتأمين أوراق رسمية وتخليص معاملات والدفع عبر الانترنت، وخدمة صرف الأموال، وقوائم هدايا الأعراس وغيرها.

لكن البعض من تلك الشركات إلى جانب شركات أخرى دخلت حديثاً إلى سوق الخدمات المالية في لبنان، لم يقف توسعها عند هذا الحد. فقد دخلت سوق البطاقات الممغنطة كالـ”فيزا” والحسابات عبر الإنترنت وأدوات مالية بسيطة وسريعة تؤمن للعميل جميع أنواع الخدمات المالية عبر هاتفه الجوال وصولاً إلى التصرف براتبه الشهري.

سد فراغ المصارف!

مع توقف المصارف اللبنانية عن دفع الرواتب أكثر من مرة ورفع رسومها وعمولاتها على السحوبات لاسيما على الحوالات المالية الواردة من الخارج التي تخضع لعمولات باهظة، بالإضافة إلى التعقيدات الإدارية التي وضعتها المصارف أمام الموظفين وعموم العملاء لسحب الأموال من حساباتهم، دخلت شركات تحويل أموال وشركات محافظ مالية على خط الأزمة منها Suyool بالتعاون مع BOB وOMT بالتعاون مع بنك لبنان والمهجر، وغيرها فأصدرت بطاقات ممغنطة وفتحت حسابات لعملاء جدد من خلال تأمينها كافة خدمات المصارف بما فيها توطين الرواتب.

ويوضح الخبير المصرفي خالد شاهين بأنه لا يحق لكافة شركات التحويل المالي إصدار البطاقات إنما فقط الشركات الحاصلة على تراخيص شركات مالية من فئة محافظ الكترونية، وبموجب الترخيص يمكن قبول الايداعات المالية، شرط ألا تتعدى قيمة الايداع 10 آلاف دولار فقط بالإضافة إلى شروط أخرى تراعي الإمتثال والآليات الرقابية.

وإذ يعترف شاهين بأن الشركات المذكورة حلّت محل جانب من المصارف فقط، يؤكد أنها لا تعمل وفق آلية عمل المصارف، “إذ ليس لدى الشركات حسابات توفير أو حسابات مجمدة إنما هي عبارة عن حسابات جارية للتحويل والاستقبال وتنفيذ عمليات محددة فقط”. ويلفت في حديثه إلى “المدن” الى أن شركات المحافظ الالكترونية لديها شرط بالترخيص أن يكون في خلفيتها شركة تأمين، للتأمين على الأموال، وعقد مع مصرف لاستقبال الأموال. ما يعني أن الشركة من خلال المصرف تستخدم تلك الأموال.

وعند طلب العميل تتحول الأموال من حساب الشركة في محفظة الكترونية إلى حسابه، عملياً وبحسب شاهين لا علاقة فعلية للمصرف. أما شرط الارتباط بمصرف فيعود لتمكين مصرف لبنان من ممارسة الرقابة على الشركات وليس لتنفيذ العمليات. فالعمليات أي التحاويل الآنية يتم تنفيذها عبر منصات عالمية مختلفة عن المصارف. وهي لا تعتمد على نظام سويفت.

مع التشديد على أن الأموال ليست ودائع، إنما هي أموال جاهزة للاستعمال، أي أنها لا تدخل في حساب الشركة، بل تبقى في حساب الشخص الذي يحق له التصرف بها بأي لحظة، على ما يقول شاهين.

التفاف المصارف على الزبائن

القطاع المصرفي خسر عملاءه وكل من يجد بديلاً كشركات المحافظ الإلكترونية سيتّجه إليها، وبحسب شاهين لا علاقة مباشرة للمصارف بتلك الشركات. لكن بخلاف شاهين يرى مصدر من إحدى الشركات المذكورة بأن “المصارف خرجت من الباب لتدخل من الشباك” فهناك تعاون وطيد بين الطرفين. فالمصارف تحاول من خلال تلك الشركات جذب العملاء من جديد وإن من خلال واجهة جديدة. وعلى الرغم من تشجيع المصدر على التعامل مع شركات المحافظ الإلكترونية لسرعة خدماتها، وتدني عمولاتها، إلا أنه لا ينفي وجود مخاطر في إدارة السيولة النقدية، بالإضافة إلى تحديات على مستوى التأمين والحراسة لحماية الأموال وعدم السقوط في مخاطر الأموال غير النظيفة.

ولا ينفي شاهين التعاون بين الطرفين. ففي العام الماضي أصدر مصرف لبنان قراراً يسمح بموجبه للمصارف بفتح محافظ الكترونية، لكن المصارف لم تفتح بل اعتمدت على الشركات المتواجدة في السوق مثل OMT وWhish وBOB وغيرها. ولأن تلك الشركات مشروطة بموجود مصرف في خلفيتها رخصت بعض الشركات المحافظ الالكترونية بالتعاون مع المصارف. لكنه يشدد على أن الأموال التي يتم التعامل بها عبر الشركات لا تدخل الى حساباتها في المصارف.

عوائق قضائية

قد يكون التعامل بالبطاقات العائدة الى شركات التحويل المالي آمنة بالنظر إلى كل ما شهده العملاء من المصارف اللبنانية، لكن ثمة عوائق قضائية أمام التعاملات الإلكترونية، لعل أخطرها أن القوانين اللبنانية لا تعترف بالعقود الالكترونية ولا حتى بالتوقيع الالكتروني ولا بالمحافظ الالكترونية. وقد أصدرت الدولة عام 2018 القانون 81/2018 الذي اعترفت فيه بالبيانات الالكترونية وبالإثبات الالكتروني في محاولة منها لمواكبة القوانين الحديثة، حينها تم إقرار القانون. لكن لم تصدر المراسيم التطبيقية له حتى اليوم، وبقي حبراً على ورق.

تأخر لبنان في هذا المجال يشكّل عائقاً في التعاملات الإلكترونية. ففي حال وقوع إشكال أو خلل بالعلاقة بين مستهلك لبناني وأحد المواقع الالكترونية التسويقية على سبيل المثال، فالقانون اللبناني لا يغطي المستهلك بخلاف الكثير من الدول. والأمر عينه ينطبق على التعاملات المالية الإلكترونية.

مع التذكير بأنه مع تعاظم الأزمة في لبنان، أصدر مصرف لبنان قراراً يسمح فيه بالتعاملات الالكترونية المالية والتوقيع الالكتروني، للتخفيف من المخاطر والإبقاء على المتعاملين، أي الجمهور، بالقطاع المالي، لأن وجود العملاء بالقطاع المالي يحافظ على أرباح مصرف لبنان، وخروجهم يلحق الضرر بالقطاع المصرفي ومصرف لبنان على السواء.

مخاطر التعامل مع تلك الشركات غير عالية على الرغم من ترابط تراخيصها برخصة المصرف. لكن في حال إغلاق الشركة أو إفلاسها وعجزها عن الاستمرار كمحفظة الكترونية، حينها على العملاء مقاضاتها أمام المحاكم في ظل غياب مظلة قانونية. وهنا تكمن المشكلة. فالقضاء اللبناني لم يتعاط مع المحافظ الالكترونية إلا بحالات ضئيلة جداً. أما الأمر الأقل سوءاً فهو أن المبالغ المتواجدة في حسابات الزبائن متدنية، وتقل عن 10 آلاف دولار في الحساب الواحد.

عزة الحاج حسن

ما بعد (بعد) التعميم 151

 

نقترب يوماً بعد يوم إلى نهاية تعميم 151، فما وراء هذا القرار؟ وماذا بعد هذا التعميم للبنانيين والمودعين والإقتصاد؟

نتذكّر بألم وأسف، أنه حين بدأ تنفيذ تعميم 151 في العام 2020، كان الهدف منه تأمين بعض السيولة للمودعين بالليرة اللبنانية، لكن في الوقت عينه، صرف وإهدار مدّخراتهم. فكان هناك دائماً فجوة كبيرة، بين سعر صرف هذا التعميم المظلم والسوق السوداء. وهنا بدأت عملية «هيركات» المبطّن، حيث بدأت الخسائر بنحو 50% ومن ثم إنسحبت إلى 60% و70%، وانتهت إلى خسارة بـ 85% و90%، من الخسائر المباشرة من أموال المودعين.

نذكّر أن سعر صرف التعميم 151 بدأ بـ 3900 ليرة، ومن ثم بـ 5 آلاف، إلى 8 آلاف، و12 ألفاً، حتى ثُبّت على 15 ألفاً في شباط 2023. بينما كانت السوق السوداء تحلّق إلى الـ 100 ألف، وحتى وصلت إلى الـ 140 ألفاً. فتجاوزت الخسائر جرّاء السحوبات الـ 85%، إضافة إلى خسائر بنحو 20% للإستحصال على أوراق نقدية.

من جهة أخرى، لدينا حتى اليوم سِعرا صرف رسميّان: سعر صرف تعميم 151 والذي هو الهيركات المبطّن، مع خسائر فادحة لما تبقّى من الودائع. وسعر الصرف الرسمي الثاني، وهو سعر صيرفة أو قريباً بلومبورغ، المُستعمل للمدفوعات اليومية، والضرائب والرسوم والسلع المعيشية. إضافة إلى سعر صرف السوق السوداء والشيكات بالليرة وغيرها من قائمة أسعار الصرف.

فعند انتهاء هذا التعميم ودفنه، ما هو مصير ما تبقّى من الودائع بالدولار الأميركي اللبناني (اللولار)؟ إنّ المشروع المقترح المبطّن في موازنة 2024 هو تحويل كل الودائع بالدولار الاميركي اللبناني (اللولار)، إلى الليرة اللبنانية بضربة واحدة، بحسب سعر صيرفة الـ 79 الفاً، أو سعر بلومبورغ الجديد. في هذ العملية، ستكون نهاية الدولارات القديمة، وتحويلها مصرفياً إلى الليرة اللبنانية.

على المدى القصير، يُمكن أن يشعر اللبنانيون بأنه حتى لو تحوّلت ودائعهم إلى الليرة، فسيُحافظون على قيمتها، لأنّ سعر الصرف المُستعمل سيكون قريباً من سعر صرف السوق السوداء. لكن ما لا يعلمونه أنّ هذه الودائع بالليرة سيكون لها قيود صارمة للسحوبات وللاستحصال على الأوراق النقدية. وهنا ستُبصر النور سوق سوداء جديدة، لتحويل هذه الودائع المصرفية إلى أوراق نقدية، بخسائر جديدة.

أما القيود على السحوبات المصرفية، فهناك ضبابية على الأرقام التي ستكون معتمدة، لكن ننتظر ألاّ تتجاوز الـ 24 مليون ليرة في الشهر الواحد كما هي اليوم، للإحتفاظ بالكتلة النقدية، وتَجنُّب التضخّم المفرط.

فهناك أفخاخ عدة، وهدايا ملغومة في هذه القرارات، والوعود الوهمية. فعلى المدى القصير، تُعاد الودائع إلى قيمتها، لكن بالليرة اللبنانية، إنما فقط على الشاشات والسجلاّت، بعيداً عن الأيادي والجيوب.

وعلى المدى المتوسط والبعيد، ستُستكمل أكبر عملية نهب في تاريخ العالم، لأنّ سعر الصرف لن يكون مثبَّتاً، لكنه عائم بحسب منصّة بلومبورغ الدولية، ويُمكن أن تصل إلى قمم جديدة، لتُعاد الخسائر مرة أخرى إلى النسَب القديمة عينها.

في المحصّلة، إن الأهداف المبطّنة في نهاية تعميم 151، وما بعد (بعد) هذا التعميم، هي مستقبل مظلم للمودعين، حيث ستتحوّل ودائعهم إلى الليرة اللبنانية، من دون أيّ ضوابط لسعر الصرف، وقيود صارمة لسحوباتهم النقدية، لتأمين لقمة العيش الكريم في هذه المزرعة المتوحشة. فالمسؤولون المباشرون عن أكبر أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية ونقدية في تاريخ العالم لن يكونوا جزءاً من الحل، إنما سيُتابعون عملية النهب بطرق مختلفة، ويدفع ثمنها الشعب المظلوم والمذلول والمنكوب.

د. فؤاد زمكحل

توطين التنمية في عالم شديد التغير (4)

أثارت قمة تجمع «بريكس» التي انعقدت في جوهانسبرغ الشهر الماضي، ردود أفعال وتعليقات تظهر أنه لا يمكن تجاهل هذه القمة، ليس فقط لما أسفرت عنه من قرارات من أهمها ضم أعضاء جدد، ولكن لما عبرت عنه من توجه مزداد التأثير عن الضيق ذرعاً بالنظام الدولي الذي خلفته الحرب العالمية الثانية. ففي هذا العالم شديد التغير؛ لم تعد حوكمة منظماته ومؤسساته المالية معبرة عن تغير الأوزان الاقتصادية، فضلاً عن اختلاف القوى السياسية عما كانت عليه الأوضاع في منتصف القرن الماضي، حيث لم يكن كثير من بلدان عالم الجنوب متمتعة باستقلالها أو معترفاً بوجودها أصلاً. ولم يتواكب التغير الطفيف في أسس عمل وتنظيم المؤسسات الدولية منذ تأسيسها ليستوعب التغيرات الكبرى بين القوى التقليدية والقوى الصاعدة.

«بريك»، و«نيكست 11»، و«كيفيتس»، و«مينت»:

دأبت بنوك استثمار كبرى على استشراف آفاق نجوم صاعدة من الدول في الساحة العالمية اعتماداً على بعض مؤشرات قائمة وواعدة لأدائها. فإذا اشتركت هذه الدول في أرقام، ولا أقول خصائص، النمو المرتفع، جمعتها وفقاً لحروفها الأولى في مجموعة بدعوى التشابه في مستقبل واعد. ومن أشهر هذه الاجتهادات ما خرج عن بنك «غولدمان ساكس» في عام 2001، حيث ارتأى الاقتصادي جيم أونيل رئيس قسم بحوث الاقتصاد العالمي بالبنك حينئذ، أن البرازيل وروسيا والهند والصين أو دول «بريك»، تحقق افتراضات النمو الدافع للاستثمار فيها، ثم ضُمت إليها بعدها دولة جنوب أفريقيا فأصبح اسم المجموعة «بريكس».

وفي عام 2005، اختار البنك نفسه مجموعة دول سماها «نيكست إليفين» بمعنى الأحد عشر اقتصاداً تالياً في الصعود لـ«بريكس»، ناصحاً المستثمرين بها لما ينتظرها من نمو وتوسع اقتصادي؛ وكانت الدول وفقاً لترتيبها أبجدياً باللغة الإنجليزية هي: بنغلاديش ومصر وإندونيسيا وإيران والمكسيك ونيجيريا وباكستان والفلبين وجنوب أفريقيا وتركيا وفيتنام. كما عدّت وحدة أبحاث «الإيكونوميست» في عام 2009، أي بعد أشهر من اندلاع الأزمة المالية العالمية، أن ست دول هي: كولومبيا وإندونيسيا وفيتنام ومصر وتركيا وجنوب أفريقيا، سمتها مجتمعة بالأحرف الأولى لها «كيفيتس»، تتمتع بفرص أعلى للنمو باقتصادات ديناميكية ومتنوعة وقطاعات مالية متطورة نسبية وبمميزات ديموغرافية. وفي عام 2013، روج جيم أونيل مصطلح دول «مينت»، الذي صاغه من قبل صندوق الاستثمار «فيدليتي» في عام 2011، اختصاراً بالأحرف الأولى لدول المكسيك وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا؛ ورغم تباين هذه المجموعة من حيث خصائصها الاقتصادية والسياسية، كسابقاتها، جمعها كبر حجم اقتصاداتها ومواقعها الجغرافية الحيوية وشبابية هيكل السكان فيها، بما يحمله ذلك من فرص زيادة النمو بارتفاع الاستهلاك المحلي وزيادة الاستثمارات المطلوبة لتلبيته فضلاً عن التصدير.

ما هو أبعد من الاستثمارات الواعدة:

هناك اعتراف بتنامي دور هذه الدول المشكلة للتجمعات المذكورة في الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية عامة، بما يستوجب إفساح المجال لها في الحوكمة العالمية وعدالة وفاعلية تمثيلها في المؤسسات والمنظمات المعنية. وبمرور الأعوام على هذه الاجتهادات التجميعية لدول بحسبان ما قد يعود على المستثمر فيها من نفع صادف الاستثمار في بعضها ما هو متوقع، انحرف الأداء ببعضها الآخر عما كان مأمولاً. ولكن الهدف الأكبر لصاغة هذه المجموعات بأحرفها التسويقية المشهورة، تشكيل فئة استثمارية مميزة تحفز توجيه الاستثمارات بالتركيز عليها، بدلاً من المصطلح الفضفاض الذي يضم دولاً عديدة تحت اسم الأسواق الناشئة؛ والذي اقترحه الاقتصادي أنتوان فان أجتمل في عام 1981، أثناء عمله بمجموعة البنك الدولي، واصفاً بذلك دولاً في حالة انتقالية بين وضعها كاقتصادات نامية وطموحاتها لتصبح ضمن الاقتصادات المتقدمة. وقد تعدد وصف وتصنيف الأسواق الناشئة من قبل المحللين، فكان لإيان بريمر خبير السياسة الدولية تعبير لوصف الاقتصادات ذات الأسواق الناشئة بأنها «تلك التي تشكل الاعتبارات السياسية فيها ما لا تقل أهميته للأسواق العالمية عن مقوماتها الاقتصادية».

وفي حين انزوت بعض التصنيفات المذكورة فكاد يطويها النسيان، إلا أن تجمع «بريكس» صمد وتطور عبر العقدين الماضيين وبخاصة لما كان من شأن الصين والهند تحديداً؛ ومن عوامل تماسك هذا التجمع اعتماده على دبلوماسية اجتماعات القمة والإعداد لها بمزيج من البراغماتية والطموح. ورغم تراجع نسبي لجنوب أفريقيا والبرازيل وروسيا بمعيار معادل القوة الشرائية في الاقتصاد العالمي، فإن الدول الخمس مجتمعة يفوق اقتصادها حالياً مجموعة الدول السبع، بالمعيار ذاته، بعدما كان نصيبها لا يتجاوز 40 في المائة من تلك الاقتصادات المتقدمة عام 1995. وستضيف الدول الست المدعوة للانضمام لـ«بريكس»، ومنها 3 دول عربية هي الإمارات والسعودية ومصر، زخماً اقتصادياً وتنوعاً جغرافياً للتجمع.

وهناك 3 أسئلة أختم المقال بإجابات مختصرة لها لأفصلها في مقال مقبل:

1- هل جوهانسبرغ 2023 بمثابة باندونغ 1955 الجديدة لعدم الانحياز؟

– لا! فنحن في عصر الانحياز حيثما تكون المصلحة الوطنية للدولة.

2- هل سيتخلى الدولار عن عرشه؟

– الإجابة تأتي شعراً من أحمد شوقي «ما نيل المطالب بالتمني…»، فالامتياز السخي للدولار كعملة صعبة كان محل نقد منذ الستينات؛ وقد تراجع انتشاره نسبياً كعملة احتياطية مفسحاً المجال لعملات أخرى، كما زادت حدة النقد ومحاولات التخلي عنه مؤخراً بعد «تسليحه». لكن تصور مستقبل العملات، والصعبة منها تحديداً، كعملة دولية تستدعي استحضاراً لتفاعل قوى الاقتصاد والسياسة والقانون والتكنولوجيا وثقافة العصر الرقمي.

3- هل هي بداية نظام عالمي جديد؟

– بل هي إرهاصات لبداية النهاية لترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي ولى عهدها ولن تجدي محاولات الترقيع معها نفعاً؛ فالعالم قد تغير واتسع الخرق مع تغيره على الراقع!

د. محمود محيي الدين

الحرب طويلة… 4 خطوات حتى منتصف 2024

بدأت مؤشرات الحرب في غزة تميل أكثر فأكثر نحو ترجيح فرضية استمرار القتال لبضعة اشهر، بما يعني انّ الرهانات على انتهاء الحرب قريباً باتت في غير محلها، وصار لزاماً على السلطات اللبنانية اتخاذ إجراءات تتماهى مع احتمال امتداد الوضع القائم حالياً حتى منتصف العام 2024.

منذ ان اندلعت الحرب في السابع من تشرين الاول في غزة، وتلاها بدء تحريك جبهة الجنوب في الثامن منه، تبدّل المشهد الاقتصادي في البلد، وساد جمود قاتل معظم القطاعات. في الموازاة، جمّدت المؤسسات الدولية، وفي مقدمها صندوق النقد الدولي، نشاطاتها. كما أوقفت بلومبرغ، التي كانت تتحضّر للقدوم الى السوق اللبناني، تحركاتها في هذا الاتجاه.

اليوم، بدأت تبرز مؤشرات تساعد على الاعتقاد انه في الامكان التكيُّف النسبي مع الوضع القائم، لتخفيف الاضرار الناتجة عن تداعيات استمرار الحرب، وانخراط جزء من لبنان الجنوبي فيها. ومن هذه المؤشرات حركة قدوم اللبنانيين خلال فترة الاعياد من الخارج، بما يؤكد ان مرحلة من التأقلم بدأت تتكوّن، قائمة على نظرية ان الحرب التي اندلعت قبل شهرين ونصف تقريباً، لن تتطوّر اكثر على المستوى اللبناني، وستبقى محصورة في الاطار المرسوم لها.

هذا الواقع يستدعي من السلطات التنفيذية والتشريعية اتخاذ اجراءات استثنائية تكون بمثابة تحضيرات لفترة ما بعد الحرب، ومن أهمها:

اولاً – الانتهاء من ملف خطة التعافي الشاملة، على أن تضمّ، وبالتتابع الزمني والمنهجي، معالجة ازمة الانتظام المالي في القطاع العام من خلال تحديد الدولة لموقفها من ديونها والتزاماتها تجاه مصرفها المركزي، تحديد مصير الودائع وكيفية اعادتها الى اصحابها، اعادة الانتظام الى العمل المصرفي. وبالمناسبة، قد يكون ردّ قانون الكابيتال كونترول الى الحكومة هذه المرة يقع في موقعه الصحيح، لأن مفاعيل هذا القانون كانت مهمة في بداية الأزمة، لأنه بمثابة دَوس على المكابح لوقف السيارة ومحاولة منع وقوع الحادث، او تخفيف السرعة لتقليص الاضرار في حال وقع الارتطام. اما اليوم، وبعد حصول الارتطام، فإنّ وظيفة الكابيتال كونترول صارت مختلفة عقب مرور 4 سنوات ونيف على الانهيار، وصار يُستحسن تكييف مضمون القانون مع الخطة الشاملة، لكي يكون واقعياً وقابلاً للتنفيذ.

ثانياً – اعادة فتح التواصل مع صندوق النقد الدولي للاطلاع على امكانية استئناف العمل في الملفات التحضيرية للاتفاق، او تلك التي يمكن انجازها رغم استمرار الحرب في غزة وجزء من الجنوب. صحيح انّ الحكومة في الوضع القائم لن تستطيع إقناع الصندوق بإعادة موظفيه الى بيروت وفتح مكاتبه للعمل بشكل طبيعي، لكنها قد تنجح في إقناع ادارة الصندوق باستكمال انجاز ملفات يمكن انجازها عن بُعد (on line) ومن ضمنها على سبيل المثال، تقرير البند الرابع، أو استكمال دراسات لها علاقة بالحوكمة والشفافية، مثل تلك التي أصبحت شبه جاهزة لدى الصندوق، والتي تتناول قطاع الكهرباء. وسبق للصندوق ان تابع الدعم التقني للبنان عن بعد، بما يعني انفتاحه على العمل بهذا الاسلوب في مرحلة انتظار انتهاء الحرب.

ثالثاً – مواصلة العمل عن بُعد أيضاً مع بلومبرغ لانجاز التدريبات والاجراءات اللوجستية لبدء العمل في السوق اللبناني مطلع العام المقبل.

رابعاً – إقرار موازنة 2024 بعد الانتهاء من تشذيبها وتنقيتها من الشوائب، لأنها جزء من السلة المطلوبة لاحقاً في لائحة «الاصلاحات»، كما انها ضرورية لتحاشي فوضى الانفاق وفق القاعدة الاثني عشرية، وعلى اساس موازنة 2022، والتي أصبح الفارق شاسعاً بين الارقام الواردة فيها وبين حاجات الانفاق في العام المقبل.

تبقى بعض المسائل الاخرى، والتي كان يُفترض ان تواكب الخطة الشاملة، في حاجة الى مزيد من النقاشات والدرس، لتحاشي القيام بخطوة ناقصة، ومنها على سبيل المثال، توحيد وتحرير سعر الصرف. ورغم الثبات في سعر صرف الليرة حتى الآن، ورغم ان بعض الاصوات باتت تطالب بخفض اضافي في سعر الدولار، معتبرة انّ الظرف يسمح بذلك، إلا ان هذا النوع من التفاؤل قد ينطوي على تسرّع غير مُستحَب. وبالتالي، ورغم ان مصرف لبنان يقول انه سيعمد الى تحرير سعر الصرف بدءا من مطلع العام 2024، قد يكون من الافضل التريّث في هذا الموضوع، واتخاذ المزيد من الخطوات التمهيدية، بانتظار ان تصبح الظروف مؤاتية اكثر للاقدام على هذه الخطوة، لأن مخاطر تعرُّض الليرة الى الضغط، وعودة الدولار الى الارتفاع قائمة رغم كل المظاهر المطمئنة السائدة اليوم.

في النتيجة، ينبغي ان تستفيد «الدولة» من مرحلة الجمود المرتبط بالحرب، لتحضير الملفات والأرضية للانطلاق نحو التعافي، فورَ سكوت المدفع.

انطوان فرح

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات