شبح أزمة 2008 يبتعد عن السوق العقاري الأميركي..

 

 

أسواق العقار حول العالم تلتقط أنفاسها … هذا ما أشارت إليه بعض البيانات الإيجابية التي صدرت من الولايات المتحدة والتي بددت على المدى القصير الأجل من مخاوف تكرار أزمة الرهن العقاري التي عصفت بالعالم عام 2008.

وكان سوق العقار الأميركي قد تلقى عدة إشارات سلبية خلال الأشهر الماضية سواء فيما يتعلق بمبيعات  المنازل أو بمعدلات الرهن العقاري، متأثراَ بالسياسة النقدية التشددية التي اتبعها الفدرالي خلال العام الحالي لكبح جماح التضخم، إلا أن القطاع العقاري استعاد بعض الزخم بعد البيانات التي أظهرت تباطؤ معدل التضخم خلال أكتوبر إلى 7.7% وبأقل من التوقعات.

 

معدلات الرهن العقاري لمدة 30 عاماً

كشفت البيانات الصادرة عن جمعية مصرفي الرهن العقاري في الولايات المتحدة عن انخفاض معدل الرهن العقاري لمدة 30 عاماً إلى 6.9% في 11 من نوفمبر مقارنة مع 7.14% في 4 من نوفمبر الحالي، وكان معدل الرهن العقاري قد وصل إلى 7.16% في 21 من أكتوبر الماضي وهو أعلى مستوى له في أكثر من 20 عاماً، ويأتي هذا الانخفاض بعد هدوء التضخم في أكتوبر، ما أدى إلى تراجع عائدات السندات.

مؤشر سوق القروض العقارية

وارتفع مؤشر سوق القروض العقارية الصادر عن جمعية مصرفي الرهن العقاري من 199.9 في 9 نوفمبر إلى 205.2 في 16 نوفمبر على الرغم من أن المؤشر ما زال بالقرب من أدنى مستوياته تاريخياً

مبيعات المنازل.. إشارات سلبية

هذا وتواصل مؤشرات مبيعات المنازل القائمة في أميركا بإعطاء صورة سلبية عن القطاع العقاري، فبحسب آخر البيانات ، انخفضت مبيعات هذه المنازل إلى 4.71 مليون منزل في أكتوبر لتصل إلى أدنى مستوياته منذ شهر يونيو من عام 2020.

سوق العمل الأميركي يحافظ على صلابته

وأضاف القطاع الخاص غير الزراعي  233 ألف وظيفة في شهر أكتوبر متجاوزاً التوقعات التي كانت تشير إلى إضافة 200 ألفًا فقط. ولا يزال نمو الأجور قوياً مما يعني أن أصحاب المنازل يمكنهم دفع قروضهم العقارية ولن يتم إجبارهم على بيع المنازل كما حدث في الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

إذاً، مما لا شك فيه أن سوق الإسكان سيكون أحد القطاعات التي ستتأثر سلباً بزيادة أسعار الفائدة لأن معدلات الرهن العقاري ستقف عائقاً أمام المستثمرين، إلا أنه ومما لا شك فيه أيضاَ أن عودة كارثة الرهن العقاري في أميركا التي حدثت في عام 2008 لن تكون بوقت قريب على الأقل بفعل بيانات الوظائف القوية بالإضافة إلى التوقعات التي تشير بأن بنك الاحتياطي الفدرالي قد يبطئ من وتيرة رفع أسعار الفائدة.

بشار الجرعتلي

محلل الأسواق في CNBC عربية

لماذا يجمع ســلامة الدولارات في الخزنة؟

لماذا يجمع حاكم مصرف لبنان الدولارات من السوق، رغم علمه المسبق انّ عملية الجمع هذه تزيد الضغوطات على الليرة، وقد ساهمت في إعطاء دفع إضافي لارتفاع الدولار الذي وصل اليوم إلى مستويات الـ40 الفاً، ويتجّه إلى الـ50، وفق مسار تصاعدي سريع نسبياً.

إحتاج الدولار في السوق السوداء الى حوالى 18 يوماً، لكي يعود الى السعر الذي بلغه في الفصل الاخير من تشرين الاول الماضي، قبل ان يذيع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بيانه الشهير مساء 23 تشرين، ويعلن فيه التوقّف عن شراء الدولار من السوق، والاكتفاء ببيعه عبر منصة «صيرفة». نجح البيان في إسقاط الدولار في ساعة واحدة إلى 36 الف ليرة، اي ما نسبته 10%. ومن ثم بدا وكأنّ الدولار ثبُتَ على سعر متماوج بمعدل وسطي بلغ 37 الف ليرة. لكن هذا «الثبات» سقط بعد بضعة ايام، وعاد الدولار الى مسار تصاعدي، ولو بطيء نسبياً، ليعود اليوم الى المستوى الذي بلغه قبل بيان 23 تشرين.

 

ما الذي جرى في الايام الـ18 التي تفصل بين هبوط الدولار المفاجئ، وعودته إلى مستوياته السابقة؟ وهل تتجّه العملة الخضراء إلى مستوى الـ50 الفاً، ام انّ المفاجآت التي قد تغيّر المسار، كما حصل في 23 تشرين واردة في حسابات مصرف لبنان؟

 

ما تبيّن من خلال الارقام التي ينشرها مصرف لبنان، انّ احتياطي العملات لديه لا يزال يرتفع. وقد نجح في غضون شهرين تقريباً، في جمع اكثر من 600 مليون دولار. هذا الأمر لافت، لجهة حجم السوق الحرة. اذ يُبيّن انّ حجم السوق الحرة اكبر من التقديرات السائدة. وهذا الامر ايجابي في مكانٍ ما، لأنّه يعكس وجود تدفقات مرتفعة نسبياً من الدولارات الى السوق، بما يعطي الأمل في انّ التعافي، فور البدء في تطبيق خطة إنقاذية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وبمواكبة ورعاية دولية، سيكون اسرع من التوقعات المُستندة الى تجارب الدول.

 

في الموازاة، أظهرت التطورات انّ مصرف لبنان أحجم عملياً عن بيع الدولارات بعد بيان 23 تشرين، ويبدو انّه استمر في شراء الدولارات من السوق، ولو بوتيرة ابطأ مما كان يفعل قبل البيان. وباع كميات صغيرة من الدولار في هذه الحقبة عبر منصة «صيرفة». وهذا يعني انّ مصرف لبنان لديه مخطط لجمع العملة الصعبة وتعزيز احتياطه. وقد استفاد من مناخ الإشاعات في شأن احتمال خفض الدولار لأسباب سياسية، لشراء المزيد من الدولارات بأسعار «مُخفّضة»، نتيجة ارتفاع العرض في فترة من الفترات.

 

لماذا يعطي المركزي الأولوية لجمع الدولارات، ولو على حساب خفض القدرات الشرائية للمواطنين، الذين يواجهون مأزق ارتفاع نسب التضخم وارتفاع اسعار السلع بوتيرة غير مسبوقة، خصوصاً في ظلّ الارتفاع العالمي في اسعار المحروقات، ورفع تعرفة الكهرباء، والارتفاعات المتوقعة في اسعار الخدمات، تماهياً مع رفع سعر الدولار الجمركي ورفع سعر الصرف الرسمي إلى 15 الف ليرة.

 

في المعلومات والقراءات التحليلية، انّ مصرف لبنان يتحضّر لمرحلة ما بعد رفع أجور موظفي القطاع العام، ورفع سعر سحب الودائع إلى 15 الفاً، ورفع تسعيرة الدولار الجمركي، وإلى التداعيات المتوقعة فور بدء تطبيق مندرجات موازنة العام 2022 بعد نشرها في الجريدة الرسمية، والمتوقّع غداً الثلثاء. بالإضافة إلى عملية تمويل شراء الفيول للكهرباء، والتي ينبغي ان تتمّ وفق دولار «صيرفة».

 

هذه الإنفاقات الاضافية المتوقعة، خصوصاً بعد رفع سقف التحويل الى الدولار عبر «صيرفة» لموظفي القطاع العام للسماح لهم بقبض رواتبهم المضاعفة 3 مرات بالدولار، ستضطر المركزي إلى بيع المزيد من الدولارات.

 

ويبقى السؤال عن المسار الذي سيأخذه الدولار بعد نشر الموازنة وبدء تطبيق مندرجاتها؟

 

لا شك في انّ المشكلة الرئيسية التي سيواجهها مصرف لبنان تتعلق بحجم الخسائر المتوقعة بين الشراء من السوق على سعر 40 الفاً، والبيع عبر صيرفة على 30 أو 31 الفاً. وبالتالي، سيضطر المركزي الى الاستمرار برفع سعر «صيرفة» لتخفيف الضغوطات على احتياطي العملات لديه، وكلما خفّف مصرف لبنان الضغط على احتياطه، زاد الضغط المعيشي على اللبنانيين. هذه هي المعادلة الظالمة للجميع، والتي لا يمكن تغييرها قبل تغيير المشهد العام والانتقال الى مرحلة الإنقاذ والتعافي.

 

يبقى أنّ المفاجآت واردة دائماً، وليس مستبعداً ان يلجأ المركزي، وبدلاً من رفع سعر «صيرفة»، إلى ضخ كمية من الدولارات في السوق، بما يؤدّي الى خفض سعر الدولار، واستقراره نسبياً لفترة محدّدة. لكن كل القرارات لن توقف مسيرة الخراب، طالما انّ المسار الانحداري للوضع العام في البلد لم يتوقف.

انطوان فرح

البارونات اللصوص وإيلون ماسك

إيلون ماسك هو الآن مالك «تويتر» الفخور والمزهو بنفسه. ولكن المشكلة هي أن هذا الشخص سيكون مسيطراً على ما أشار إليه بعبارة «ساحة مدينتنا الرقمية». ماسك هو وجه الرأسمالية القائمة على التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين، تماماً مثل البارونات اللصوص الذين بنوا خطوط السكك الحديدية لدينا، وأندرو كارنيغي، الذي زود تلك السكك الحديدية وبناة المدن الأميركية الحديثة بالصلب، وجسدوا التوسع في الرأسمالية الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
استغل ماسك الفرص السانحة في جهاز تنظيمي للدولة سريع التفكك وحصل على جيش صغير من المستثمرين، وأسطول من جماعات الضغط والمحامين والفرسان المعجبين به. فقد عمد إلى تصوير نفسه على أنه تقني عبقري قادر على كسر القواعد، واستغلال واستهلاك من يعملون لديه، والسخرية من أولئك الذين يقفون في طريقه، ويفعل ما يشاء بثروته ما دام أنها تفيد البشرية. سينقذ ماسك الكوكب بسياراته الكهربائية وينقذ أوكرانيا بأنظمة أقماره الصناعية – ولذلك يجب تحريره من تدخل الحكومة للقيام بهذه الأعمال الصالحة. لأكثر من قرنين من الزمان، غيّر أباطرة أميركا اقتصادنا وحياتنا اليومية (وأثروا أنفسهم) من خلال خوض لعبة الفوز مع الحكومات. فقد سعوا وحصلوا من تلك الحكومات على إعانات وحماية هائلة، وطالبوا بتركهم وحدهم للقيام بأعمالهم كما يحلو لهم. بنى بارونات السطو على السكك الحديدية ثرواتهم على الأرض التي وفرتها الحكومة والتي وضعوا عليها مساراتهم ثم جمعوا الإعانات الحكومية لكل ميل منها. انتخب كارنيغي وبارونات الصلب مشرعين ورؤساء جمهورية ملتزمين حماية أرباح شركاتهم من خلال فرض رسوم جمركية عالية على المنافسين الأجانب. بُنيت شركات ماسك وتكونت ثروته بمليارات الدولارات من الإعانات المالية لشركته «تسلا» للسيارات الكهربائية، وبمليارات أخرى على هيئة عقود وكالة «ناسا» لنقل رواد الفضاء الأميركيين إلى الفضاء، وإطلاق الأقمار الصناعية وتوفير خدمات الإنترنت عالية السرعة المتصلة بأسطوله المكون من نحو 3 آلاف قمر صناعي. ما يجعل ماسك قوياً وربما أكثر تأثيراً من أباطرة العصر الصناعي هو قدرته على الترويج لأعماله ومفاهيمه السياسية بتغريدة واحدة. يجري تعزيز تأثير هذه الاتصالات الفورية من خلال فهمه الراسخ لوسائل الإعلام وديناميكيات السوق في هذا العصر من خلال ما يعرف بـ«أسهم الميم» (سهم الميم هو سهم اكتسب شعبية بين مستثمري التجزئة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي) والتداول اليومي والاتصالات الفورية والمعلومات المضللة.
أبقى كارنيغي على شركاته ككيانات خاصة لأنه لم يكن يريد أن يكون مديناً للمستثمرين الخارجيين والتأثير وظروف السوق. لكن ماسك فعل العكس: ثروته لا تعتمد على المصانع التي قام ببنائها أو المنتجات التي يبيعها أو العقارات التي حصل عليها، ولكن على مليارات الدولارات من الأسهم التي يمتلكها في «تسلا» و«سبيس إكس» وشركات العملة المشفرة و«تويتر».
في أغسطس (آب) 2018، قام بالتغريد بأنه يفكر في الحصول على «تسلا» بسعر 420 دولاراً للسهم. وقالت لجنة الأوراق المالية والبورصات إن «هذه التغريدات المضللة» تسببت في ارتفاع سعر سهم «تسلا» بنسبة تزيد على 6 في المائة ووجهت إليه تهمة الاحتيال في الأوراق المالية. ثم وافق على التنحي كرئيس لشركة «تسلا» ودفع غرامة قدرها 20 مليون دولار، ودفعت «تسلا» 20 مليون دولار أخرى. كان عميد عائلة كيندي، جوزيف كيندي، بارعاً دوماً في التلاعب بأسعار الأسهم، ولكن بصفته أول رئيس لمجلس إدارة «هيئة الأوراق المالية والبورصات» الأميركية، كان يخشى ألا تتعافى الرأسمالية أبداً من الكساد العظيم طالما بقي المتلاعبون والمحتالون أحراراً في فعل ما يحلو لهم.
عرّف ماسك على نفسه على أنه «مطلق لحرية التعبير»، وكرر عدة مرات أنه يعارض الرقابة وسيحد من الرقابة، ومن المحتمل أن يخفف قواعد الإشراف على المحتوى. ليس من الغريب أن نتوقع أن «تويتر» سيسمح، باسم حرية التعبير، بالتغريد بلا حدود ما دام أنها لا تخدم الخصوم السياسيين وتحتفل وتثريه هو وحلفاءه. ماسك محق في أن «حرية التعبير» يجب احترامها وحمايتها. ولكن لم يحن الوقت لأن ننخرط، كشعب وأمة، في نقاش عام واسع النطاق وشامل حول متى وكيف تتسبب حرية التعبير في «خطر واضح وقائم» – بحسب ما كتب القاضي أوليفر ويندل هولمز جونيور منذ قرن مضى – وهل نحتاج إلى الحكومة لإيجاد طريقة، من خلال القانون أو اللوائح أو الإقناع، لمنع حدوث ذلك؟ إيلون ماسك هو نتاج عصره وعصرنا أيضاً. وبدلاً من النقاش أو السخرية من تأثيره، يجب أن ندرك أنه ليس رجل الأعمال العبقري العصامي الذي يظهر في وسائل الإعلام. فقد كان نجاحه مدفوع الأجر، ودفع ثمنه دافعو الضرائب، وحرضه في ذلك المسؤولون الحكوميون الذين سمحوا له ولرجال الأعمال المليارديرات الآخرين بممارسة مزيد ومزيد من السيطرة على الاقتصاد والسياسة.

ديفيد ناسو

الآلية العلمية لإقرار الدولرة الشاملة للبنان: أي إحتياطي بالدولار لتغطية القاعدة النقدية؟

لأنّ القليل من المعرفة خطير، من الطبيعي أن يرفض المرء ما يجهله، ومن واجباتنا كمتخصصين بالسياسة النقدية وتجارب البلدان المدولرة، أن نقوم بإطلاع الرأي العام الرسمي والشعبي على كامل واقع الدولرة الشاملة التي فرضت نفسها، بغياب أي نظام سعر صرف بديل عن الذي سقط منذ ثلاث سنوات. اليوم أصبحت الدولرة تتخطّى 85%، وتشمل الإدخار والتداول والتسعير في مختلف القطاعات (ما عدا فقط السوبرماركت)، حتى رواتب الموظفين، لاسيما في القطاع العام، يتمّ سحبها بالدولار الأميركي وفق «صيرفة»، ولدى المصرف المركزي أصلاً غرفة مقاصة للشيكات بالدولار على غرار الولايات المتحدة الأميركية.. باختصار، تخطّينا مرحلة إبداء الرأي بالدولرة الشاملة، وبات الخيار محصوراً بين ترك السوق يفرضها بشكل فوضوي، أو تحمّل المسؤولية باعتماد الآلية العلمية لإقرارها رسمياً، وتأمين الاحتياطات المناسبة بالعملات الأجنبية، وفق دراسات كبار الباحثين من جامعة هارفرد وتجارب البلدان المماثلة، والحدّ من ازدواجية العملة…

بغية تفادي فوضى الدولرة الشاملة كأمر واقع، كما حصل في تيمور الشرقية وكوسوفو قبل عام 2000 وزيمبابوي قبل عام 2016، بما يحمل ذلك من مخاطر تفتيت الدولة والفوضى الشاملة غير القابلة للانضباط، في ظل عجز تمويل المؤسسات العامة التي تحسب موازناتها بالليرة وتسدّد نفقاتها بالدولار..

 

لا بدّ من الاعتراف الرسمي بالدولرة الشاملة وفق آلية علمية قابلة للتطبيق كما حصل في الأكوادور ومونتينيغرو…أو مجلس النقد الناجح كما في بلغاريا…

 

نعرض الآلية المفصّلة التي يقدّمها ريكاردو هوسمان (جامعة هارفرد) بغية الانتقال السليم إلى الدولرة الشاملة الرسمية:

1- تطوير إجماع وطني. السعي لأوسع نقاش عام ممكن حول الخيارات الممكنة للسياسة النقدية وسعر الصرف. يجب أن يتفق جميع أصحاب المصلحة: الحكومة ومجتمع الأعمال والقطاع المالي والمنظمات العمالية والمجتمع المدني.

 

2- إستكشاف إمكانية عقد معاهدة ارتباط نقدي مع الإدارة الأميركية وصندوق النقد الدولي لدعم النظام الجديد.

 

3- الإعلان عن برنامج دولرة شاملة مسبوق باعتماد سياسات تضمن نجاحه.

 

4- إقرار برنامج إصلاح سياسات ضمان الملاءة والسيولة للقطاع المالي وقدرة سوق العمل على مواجهة الصدمات الحقيقية من دون اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة أو التضخم.

 

5- وضع برنامج زمني، سنتان أو ثلاث سنوات، قبل بلوغ الدولرة الشاملة (وتفادياً لفرضها الفوضوي من السوق).

 

6- التأكّد أنّ البنك المركزي لديه دولارات كافية لتحويل القاعدة النقدية، وليس الكتلة م3 إلى الدولار Monetary Base القاعدة النقدية = الأوراق النقدية والعملات المعدنية التي يحتفظ بها الجمهور + احتياطيات المصارف كودائع نقدية تحتفظ بها في حساباتها في المصرف المركزي (علماً أنّ معدل السيولة لا يتخطّى عادة 10% من الودائع)

 

7- تنفيذ إصلاح النظام المصرفي قبل الدولرة، وضمان الملاءة والسيولة للنظام.

 

8- البحث عن بديل لمقرض الملاذ الأخير، وهو نوع من التمويل، لتجنّب تحويل المخاطر إلى دول أخرى.

 

9- إعتماد التغييرات اللازمة لإلغاء قواعد المفاضلة في عقود العمل، أي تقليل القيود المفروضة على خلق فرص العمل وزيادة تنقّل العمالة.

 

10- تحديث إجراءات الإفلاس لجعل «حل التقصير» أقل تكلفة. كيف يعمل النظام النقدي المدولر كلياً؟ تستفيد الدولة المدولرة من حصة من المعروض من العملة الأجنبية التي حلّت محل عملتها الوطنية، كما لو كانت منطقة إضافية ضمن نطاق البلد المصدّر لهذه العملة الأجنبية، في حالة الدولار الأميركي، فهي الولايات المتحدة.

 

لا يحتاج البلد المعتمد على الدولار إلى وجود فائض في الحساب الجاري لتجميع الدولارات؛ يمكن أن يؤدي تدفق الاستثمار الأجنبي إلى تعويض عجز الحساب الجاري. في بلد يعتمد على الدولار، تميل أسعار السلع والخدمات إلى الحفاظ على مستوى أسعارها في الولايات المتحدة. قد يختلف تضخم أسعار المستهلك بين الدولة المُدولرة والولايات المتحدة الأميركية، تمامًا كما يختلف بين منطقتين في الولايات المتحدة نفسها.

 

ويميل معدّل الفائدة إلى التقارب مع مستوى أسعار الفائدة الأميركية، بالإضافة إلى علاوة أو خصم، اعتمادًا على الاختلاف في المخاطر السياسية والاحتياطيات الضرورية للبنوك وغيرها. تميل المضاربة على سعر الصرف إلى الاختفاء، لأنّه لم يعد هناك عملة وطنية لتخفيض قيمتها. الدولرة عن طريق تجاوز المصرف المركزي تتضمن الدولرة الكاملة والرسمية التحويل الكامل للقاعدة النقدية (وليس كل الكتلة النقدية م3) من العملة الوطنية إلى الدولار الأميركي. ومع ذلك، فإنّ البنوك المركزية التي لديها احتياطيات كافية بالدولار لتحويل إجمالي قاعدتها النقدية إلى دولارات على الفور، قليلة. مع العلم أنّ صافي احتياطيات القاعدة النقدية بالدولار = أصول بالعملات الأجنبية – خصوم بالعملات الأجنبية. ومع ذلك، يمكن أن تكون الدولرة تدريجية، وتتطور مع توفر احتياطيات العملات الأجنبية.

 

وهذا يعني أنّ الدولرة يمكن أن تنقسم إلى جزءين: جزء يشمل البنك المركزي وجزء آخر يشمل باقي النظام المالي. في ما يلي مراحل دولرة الجهاز المصرفي غير البنك المركزي:

 

1- إزالة الرقابة على الصرف، على الأقل في ما يتعلق باستخدام الدولار. من الأفضل إلغاء ضوابط أسعار الصرف تمامًا، ولكن إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فسيكون الوكلاء على الأقل قادرين على استخدام الدولار بحرّية دون الخضوع للرقابة.

 

2- إعلان الدولار الأميركي عملة وطنية قانونية موازية للعملة الوطنية المبدئية للدولة، الدولرة مع جميع امتيازات العملة الوطنية. سيكون للوكلاء الاقتصاديين الحرية في إجراء مشترياتهم ودفع رواتبهم والحصول على قروض أو ودائع بالدولار أو العملة الوطنية. إذا رغبت الحكومة، يمكنها السماح للمواطنين بدفع الضرائب بالدولار بسعر الصرف الحالي بالعملة الوطنية. بمجرد تنفيذ هذه الخطوات القانونية، تهتم المبادرات الفردية بالباقي. الودائع الجديدة بالدولار التي تأتي للمصارف تضمن احتياطي الدولار وتشكّل قاعدة للاعتمادات الدولارية. وبالتالي، تزداد الدولرة في النظام المالي، حتى لو استمرت العملة الوطنية في التداول، وحتى إذا استمرت الحكومة في استخدام العملة الوطنية حصريًا. دولرة المصرف المركزي حتى لو كان من الممكن دولرة النظام المالي من خلال تجاوز البنك المركزي، لجعل الدولرة كاملة وآمنة، من الضروري أيضًا دولرة البنك المركزي. طالما بقي مبلغ من أموال البنك المركزي متداولًا، فإنّ الحكومة دائمًا لديها الوسائل لاستعادة العملة الوطنية التي أصدرها البنك المركزي على الفور.

 

الخطوات اللازمة لدولرة البنك المركزي هي كما يلي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بعض الاختلافات ضرورية حسب البلد، وأنّ الخطوات من 4 إلى 7 متزامنة.

1- الأساس هو تحويل القاعدة النقدية الى الدولار وليس كل الكتلة النقدية… وقد لا يكون من الضروري تحويل القاعدة النقدية بأكملها إلى دولار، إذا كانت الاحتياطيات المطلوبة من قِبل المصارف مرتفعة، فقد يكون جزء كبير من القاعدة النقدية في شكل احتياطيات يتمّ إيداعها لدى البنك المركزي، ولا تستطيع المصارف التجارية استخدامها مباشرة.. في بعض الأحيان، يتمّ تحويل جزء كبير أو إجمالي الاحتياطيات غير المدفوعة مع البنك المركزي إلى سندات خزينة تضمن لها الفائدة. ومع ذلك، فمن الحكمة تحويل جزء من الاحتياطيات إلى دولارات بدلاً من سندات الخزينة، لأنّه إذا لم يتمّ تدويل النظام المصرفي بغياب دور البنك المركزي «كمقرض الملاذ الأخير» فقد تكون هناك حاجة للاحتفاظ بالمزيد من الاحتياطيات، بعد طرح الاحتياطيات التي سيتمّ تحويلها إلى سندات خزينة، تصبح حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار أقل بكثير.

 

2- يمكن تحقيق الدولرة الشاملة والرسمية بسهولة أكبر عندما تساوي أصول البنك المركزي بالعملات الأجنبية، أو تتجاوز بالفعل حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار، كما هو مذكور في الخطوة 1. إذا كانت أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية أقل من القاعدة النقدية، يجب أن يكون إجمالي صافي الأصول، الأجنبية والمحلية، مساويًا أو أكبر من حصة القاعدة النقدية المراد تحويلها إلى الدولار. في هذه الحالة، يمكن للبنك المركزي أن يبيع أصوله المحلية مقابل الدولار، إلى جانب أصوله الأجنبية. ومن المعلوم أنّ معظم المصارف المركزية التي تبلغ أزمتها النقدية درجة التخلّي عن عملتها الوطنية، تكون غير قادرة على بيع ديونها بسهولة إلى الدولة أو المؤسسات المملوكة منها، خصوصاً أنّ العديد من حكومات هذه البلدان تكون سبق وشجّعت المصارف المركزية على الاكتتاب في سندات الخزينة، وخصوصاً سندات الخزينة غير الجذابة والمطلوبة في السوق، كما حصل في لبنان بعد أن تراجع الإقبال على شراء سنداتها، حيث عمد بين «العصا والجزرة» إلى دفع الجهاز المصرفي على الاكتتاب بها… في حالة صعوبة بيع الأصول المحلية للمصرف المركزي على الفور، يمكن تحقيق الدولرة على مرحلتين. تتمثل المرحلة الأولى في التأمين الفوري على الحكومة، عن طريق إصدار سندات خزينة بالدولار، أو في حال كان وضع البلد لا يسمح، لأنّه سبق وأعلن وقف سداد ديونه بالدولار مسبقًا، يمكن أن يلجأ للاقتراض بالدولار مباشرة من صندوق النقد الدولي أو الحكومة الأميركية بعد التفاوض الرسمي لمعالجة أزمة نظام الصرف فيه. تتكون المرحلة الثانية من دولرة القاعدة النقدية عبر مراحل عدة، حيث يتمّ تجميع احتياطيات النقد الأجنبي. ليست هناك حاجة للانتظار حتى تتساوى أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية مع حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار. تشرح الخطوة 6 هذه الملاحظة بمزيد من التفصيل.

 

3- في حالة وجود رقابة على سعر الصرف، يجب إلغاؤها والسماح بتحرير سعر صرف العملة لفترة معلنة مسبقًا لا تتجاوز 30 يومًا. لأنّه خلال فترة نظام ربط سعر الصرف السابق لم يكن سعر الصرف يعكس واقع السوق. من هنا تأتي الحاجة إلى السماح بتعويم العملة الوطنية بحرية لمدة لا تتجاوز 30 يومًا دون تدخّلات من البنك المركزي.

 

4- إعلان سعر صرف ثابت أمام الدولار، والإعلان عنه فوراً. يجب أن يكون سعر الصرف هذا أقرب ما يمكن من سعر الصرف الملاحظ خلال فترة التعويم المشار إليها في المرحلة 3، وعلى وجه الخصوص، أقرب ما يمكن من سعر الصرف المحقق في نهاية هذه الفترة. وتظهر التجارب أنّ الاقتصاد سيوفر بسرعة تعديلًا لسعر الصرف يكون صحيحًا تقريبًا. سيُطلب من البنك المركزي استبدال الدولار بالعملة الوطنية أو العكس بالسعر الثابت. سيتمّ الإعلان عن الدولار كعملة وطنية، مع جميع حقوقها. وجميع المدفوعات التي ينبغي أن تتمّ بالعملة الوطنية يمكن أن تتمّ بالدولار الأميركي بسعر الصرف المحدّد أخيرًا.

 

5- الإعلان فورًا عن أنّ جميع الأصول والخصوم بالعملة الوطنية (الودائع المصرفية والقروض المصرفية وما إلى ذلك) تصبح أصولًا والتزامات بالدولار الأميركي بسعر الصرف الجديد. الإعلان عن فترة انتقالية لا تتجاوز 90 يومًا لاستبدال عروض الأسعار بالدولار الأميركي.

 

6- تجميد القاعدة النقدية الوطنية واستبدالها بالدولار وفق توفر الاحتياطيات بالدولار. إذا كانت احتياطيات البنك المركزي كافية، فإنّ دولرة القاعدة النقدية ستكون فورية، وإلاّ فإنّ الدولرة ستتمّ على مراحل. يجوز للبنك المركزي أن يشرع في بيع جزء من أصوله أو كلها، ويجوز له بيع أصوله بالعملة الوطنية التي يتلقاها شهريًا. كما يمكن للدولة الاستدانة بالدولارلتحقيق عملية الانتقال. وتجدر الإشارة إلى أنّ تحويل الودائع والائتمانات في القطاع المصرفي من العملة الوطنية إلى الدولار لا ينبغي أن يفرض أي عمولة على العملاء. حتى بعد أن يجمع البنك المركزي احتياطيات كافية بالدولار لسحب العملة الوطنية المتداولة، يجب على النظام المصرفي الاستمرار في قبول العملة وفقًا لسعر الصرف الثابت لمدة عام على الأقل، لإعطاء الوقت لتكيّف الاقتصاد، وليقوم الوكلاء باستبدال جميع أرصدتهم النقدية التي بحوزتهم بالدولار الأميركي.

 

7- استخدام الأوراق النقدية المحلية: بعد إتاحة الوقت الكافي للاعتماد اللازم، يجب اتخاذ الترتيبات لاستبدال الأوراق النقدية بالعملة الوطنية بأوراق نقدية من الدولارات. إذا بدأت الدولرة على عجل، وقد يكون المعروض من الأوراق النقدية بالدولار غير كافٍ، ويبدو أنّ سعر الصرف ليس هو سعر الصرف الذي تكون فيه الأوراق النقدية مرتبطة بالدولار، فقد يتمّ تخفيض قيمة الأوراق النقدية وحدها إلى مبلغ معادل يسهّل التقسيمات العشرية للدولار.

 

8- إنهاء الأنشطة المالية للمصرف المركزي، وإعادة تكليف باقي مهامه حسب احتياجاته. لم يعد البنك المركزي مؤسسة مالية، إذا استمرت بعض الأنشطة، فمن المحتمل أن تكون إحصائية أو تنظيمية بحتة. يبقى القول، إنّ الاقرار بالدولرة الشاملة لم يكن يومًا خيارًا مرغوبًا لأي بلد، بل يأتي على طريقة «مكره أخاك لا بطل» كأمر واقع يفرض نفسه، بعد افتقاد الثقة والشفافية والاصلاحات الحقيقية وتعثّر بقية الخيارات… في حال ثمة خيارات أخرى لا تزال متاحة، لا بدّ من فتح النقاش العلمي حولها.. إما الفوضى وإما الحوار العلمي المسؤول للآليات الرسمية… * بروفسورة في جامعة القديس يوسف – كلية العلوم الاقتصادية

 

بغية تفادي فوضى الدولرة الشاملة كأمر واقع، كما حصل في تيمور الشرقية وكوسوفو قبل عام 2000 وزيمبابوي قبل عام 2016، بما يحمل ذلك من مخاطر تفتيت الدولة والفوضى الشاملة غير القابلة للانضباط، في ظل عجز تمويل المؤسسات العامة التي تحسب موازناتها بالليرة وتسدّد نفقاتها بالدولار.. لا بدّ من الاعتراف الرسمي بالدولرة الشاملة وفق آلية علمية قابلة للتطبيق كما حصل في الأكوادور ومونتينيغرو…أو مجلس النقد الناجح كما في بلغاريا…

 

نعرض الآلية المفصّلة التي يقدّمها ريكاردو هوسمان (جامعة هارفرد) بغية الانتقال السليم إلى الدولرة الشاملة الرسمية:

1- تطوير إجماع وطني. السعي لأوسع نقاش عام ممكن حول الخيارات الممكنة للسياسة النقدية وسعر الصرف. يجب أن يتفق جميع أصحاب المصلحة: الحكومة ومجتمع الأعمال والقطاع المالي والمنظمات العمالية والمجتمع المدني.

2- إستكشاف إمكانية عقد معاهدة ارتباط نقدي مع الإدارة الأميركية وصندوق النقد الدولي لدعم النظام الجديد.

 

3- الإعلان عن برنامج دولرة شاملة مسبوق باعتماد سياسات تضمن نجاحه.

 

4- إقرار برنامج إصلاح سياسات ضمان الملاءة والسيولة للقطاع المالي وقدرة سوق العمل على مواجهة الصدمات الحقيقية من دون اللجوء إلى تخفيض قيمة العملة أو التضخم.

5- وضع برنامج زمني، سنتان أو ثلاث سنوات، قبل بلوغ الدولرة الشاملة (وتفادياً لفرضها الفوضوي من السوق).

6- التأكّد أنّ البنك المركزي لديه دولارات كافية لتحويل القاعدة النقدية، وليس الكتلة م3 إلى الدولار Monetary Base

القاعدة النقدية = الأوراق النقدية والعملات المعدنية التي يحتفظ بها الجمهور + احتياطيات المصارف كودائع نقدية تحتفظ بها في حساباتها في المصرف المركزي (علماً أنّ معدل السيولة لا يتخطّى عادة 10% من الودائع)

7- تنفيذ إصلاح النظام المصرفي قبل الدولرة، وضمان الملاءة والسيولة للنظام.

8- البحث عن بديل لمقرض الملاذ الأخير، وهو نوع من التمويل، لتجنّب تحويل المخاطر إلى دول أخرى.

 

9- إعتماد التغييرات اللازمة لإلغاء قواعد المفاضلة في عقود العمل، أي تقليل القيود المفروضة على خلق فرص العمل وزيادة تنقّل العمالة.

 

10- تحديث إجراءات الإفلاس لجعل “حل التقصير” أقل تكلفة.

 

 

 

كيف يعمل النظام النقدي المدولر كلياً؟

تستفيد الدولة المدولرة من حصة من المعروض من العملة الأجنبية التي حلّت محل عملتها الوطنية، كما لو كانت منطقة إضافية ضمن نطاق البلد المصدّر لهذه العملة الأجنبية، في حالة الدولار الأميركي، فهي الولايات المتحدة. لا يحتاج البلد المعتمد على الدولار إلى وجود فائض في الحساب الجاري لتجميع الدولارات؛ يمكن أن يؤدي تدفق الاستثمار الأجنبي إلى تعويض عجز الحساب الجاري.

 

في بلد يعتمد على الدولار، تميل أسعار السلع والخدمات إلى الحفاظ على مستوى أسعارها في الولايات المتحدة. قد يختلف تضخم أسعار المستهلك بين الدولة المُدولرة والولايات المتحدة الأميركية، تمامًا كما يختلف بين منطقتين في الولايات المتحدة نفسها. ويميل معدّل الفائدة إلى التقارب مع مستوى أسعار الفائدة الأميركية، بالإضافة إلى علاوة أو خصم، اعتمادًا على الاختلاف في المخاطر السياسية والاحتياطيات الضرورية للبنوك وغيرها. تميل المضاربة على سعر الصرف إلى الاختفاء، لأنّه لم يعد هناك عملة وطنية لتخفيض قيمتها.

 

 

 

الدولرة عن طريق تجاوز المصرف المركزي

تتضمن الدولرة الكاملة والرسمية التحويل الكامل للقاعدة النقدية (وليس كل الكتلة النقدية م3) من العملة الوطنية إلى الدولار الأميركي. ومع ذلك، فإنّ البنوك المركزية التي لديها احتياطيات كافية بالدولار لتحويل إجمالي قاعدتها النقدية إلى دولارات على الفور، قليلة. مع العلم أنّ صافي احتياطيات القاعدة النقدية بالدولار = أصول بالعملات الأجنبية – خصوم بالعملات الأجنبية.

 

ومع ذلك، يمكن أن تكون الدولرة تدريجية، وتتطور مع توفر احتياطيات العملات الأجنبية.

وهذا يعني أنّ الدولرة يمكن أن تنقسم إلى جزءين: جزء يشمل البنك المركزي وجزء آخر يشمل باقي النظام المالي.

 

 

 

في ما يلي مراحل دولرة الجهاز المصرفي غير البنك المركزي:

1- إزالة الرقابة على الصرف، على الأقل في ما يتعلق باستخدام الدولار. من الأفضل إلغاء ضوابط أسعار الصرف تمامًا، ولكن إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فسيكون الوكلاء على الأقل قادرين على استخدام الدولار بحرّية دون الخضوع للرقابة.

 

2- إعلان الدولار الأميركي عملة وطنية قانونية موازية للعملة الوطنية المبدئية للدولة، الدولرة مع جميع امتيازات العملة الوطنية. سيكون للوكلاء الاقتصاديين الحرية في إجراء مشترياتهم ودفع رواتبهم والحصول على قروض أو ودائع بالدولار أو العملة الوطنية. إذا رغبت الحكومة، يمكنها السماح للمواطنين بدفع الضرائب بالدولار بسعر الصرف الحالي بالعملة الوطنية.

 

بمجرد تنفيذ هذه الخطوات القانونية، تهتم المبادرات الفردية بالباقي. الودائع الجديدة بالدولار التي تأتي للمصارف تضمن احتياطي الدولار وتشكّل قاعدة للاعتمادات الدولارية. وبالتالي، تزداد الدولرة في النظام المالي، حتى لو استمرت العملة الوطنية في التداول، وحتى إذا استمرت الحكومة في استخدام العملة الوطنية حصريًا.

 

 

 

دولرة المصرف المركزي

حتى لو كان من الممكن دولرة النظام المالي من خلال تجاوز البنك المركزي، لجعل الدولرة كاملة وآمنة، من الضروري أيضًا دولرة البنك المركزي. طالما بقي مبلغ من أموال البنك المركزي متداولًا، فإنّ الحكومة دائمًا لديها الوسائل لاستعادة العملة الوطنية التي أصدرها البنك المركزي على الفور.

 

الخطوات اللازمة لدولرة البنك المركزي هي كما يلي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بعض الاختلافات ضرورية حسب البلد، وأنّ الخطوات من 4 إلى 7 متزامنة.

1- الأساس هو تحويل القاعدة النقدية الى الدولار وليس كل الكتلة النقدية… وقد لا يكون من الضروري تحويل القاعدة النقدية بأكملها إلى دولار، إذا كانت الاحتياطيات المطلوبة من قِبل المصارف مرتفعة، فقد يكون جزء كبير من القاعدة النقدية في شكل احتياطيات يتمّ إيداعها لدى البنك المركزي، ولا تستطيع المصارف التجارية استخدامها مباشرة..

 

في بعض الأحيان، يتمّ تحويل جزء كبير أو إجمالي الاحتياطيات غير المدفوعة مع البنك المركزي إلى سندات خزينة تضمن لها الفائدة. ومع ذلك، فمن الحكمة تحويل جزء من الاحتياطيات إلى دولارات بدلاً من سندات الخزينة، لأنّه إذا لم يتمّ تدويل النظام المصرفي بغياب دور البنك المركزي “كمقرض الملاذ الأخير” فقد تكون هناك حاجة للاحتفاظ بالمزيد من الاحتياطيات، بعد طرح الاحتياطيات التي سيتمّ تحويلها إلى سندات خزينة، تصبح حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار أقل بكثير.

 

2- يمكن تحقيق الدولرة الشاملة والرسمية بسهولة أكبر عندما تساوي أصول البنك المركزي بالعملات الأجنبية، أو تتجاوز بالفعل حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار، كما هو مذكور في الخطوة 1.

 

إذا كانت أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية أقل من القاعدة النقدية، يجب أن يكون إجمالي صافي الأصول، الأجنبية والمحلية، مساويًا أو أكبر من حصة القاعدة النقدية المراد تحويلها إلى الدولار. في هذه الحالة، يمكن للبنك المركزي أن يبيع أصوله المحلية مقابل الدولار، إلى جانب أصوله الأجنبية. ومن المعلوم أنّ معظم المصارف المركزية التي تبلغ أزمتها النقدية درجة التخلّي عن عملتها الوطنية، تكون غير قادرة على بيع ديونها بسهولة إلى الدولة أو المؤسسات المملوكة منها، خصوصاً أنّ العديد من حكومات هذه البلدان تكون سبق وشجّعت المصارف المركزية على الاكتتاب في سندات الخزينة، وخصوصاً سندات الخزينة غير الجذابة والمطلوبة في السوق، كما حصل في لبنان بعد أن تراجع الإقبال على شراء سنداتها، حيث عمد بين “العصا والجزرة” إلى دفع الجهاز المصرفي على الاكتتاب بها…

 

في حالة صعوبة بيع الأصول المحلية للمصرف المركزي على الفور، يمكن تحقيق الدولرة على مرحلتين.

 

تتمثل المرحلة الأولى في التأمين الفوري على الحكومة، عن طريق إصدار سندات خزينة بالدولار، أو في حال كان وضع البلد لا يسمح، لأنّه سبق وأعلن وقف سداد ديونه بالدولار مسبقًا، يمكن أن يلجأ للاقتراض بالدولار مباشرة من صندوق النقد الدولي أو الحكومة الأميركية بعد التفاوض الرسمي لمعالجة أزمة نظام الصرف فيه.

 

تتكون المرحلة الثانية من دولرة القاعدة النقدية عبر مراحل عدة، حيث يتمّ تجميع احتياطيات النقد الأجنبي. ليست هناك حاجة للانتظار حتى تتساوى أصول المصرف المركزي بالعملات الأجنبية مع حصة القاعدة النقدية التي سيتمّ تحويلها إلى الدولار. تشرح الخطوة 6 هذه الملاحظة بمزيد من التفصيل.

 

3- في حالة وجود رقابة على سعر الصرف، يجب إلغاؤها والسماح بتحرير سعر صرف العملة لفترة معلنة مسبقًا لا تتجاوز 30 يومًا. لأنّه خلال فترة نظام ربط سعر الصرف السابق لم يكن سعر الصرف يعكس واقع السوق. من هنا تأتي الحاجة إلى السماح بتعويم العملة الوطنية بحرية لمدة لا تتجاوز 30 يومًا دون تدخّلات من البنك المركزي.

 

4- إعلان سعر صرف ثابت أمام الدولار، والإعلان عنه فوراً. يجب أن يكون سعر الصرف هذا أقرب ما يمكن من سعر الصرف الملاحظ خلال فترة التعويم المشار إليها في المرحلة 3، وعلى وجه الخصوص، أقرب ما يمكن من سعر الصرف المحقق في نهاية هذه الفترة. وتظهر التجارب أنّ الاقتصاد سيوفر بسرعة تعديلًا لسعر الصرف يكون صحيحًا تقريبًا. سيُطلب من البنك المركزي استبدال الدولار بالعملة الوطنية أو العكس بالسعر الثابت. سيتمّ الإعلان عن الدولار كعملة وطنية، مع جميع حقوقها. وجميع المدفوعات التي ينبغي أن تتمّ بالعملة الوطنية يمكن أن تتمّ بالدولار الأميركي بسعر الصرف المحدّد أخيرًا.

 

5- الإعلان فورًا عن أنّ جميع الأصول والخصوم بالعملة الوطنية (الودائع المصرفية والقروض المصرفية وما إلى ذلك) تصبح أصولًا والتزامات بالدولار الأميركي بسعر الصرف الجديد. الإعلان عن فترة انتقالية لا تتجاوز 90 يومًا لاستبدال عروض الأسعار بالدولار الأميركي.

 

6- تجميد القاعدة النقدية الوطنية واستبدالها بالدولار وفق توفر الاحتياطيات بالدولار. إذا كانت احتياطيات البنك المركزي كافية، فإنّ دولرة القاعدة النقدية ستكون فورية، وإلاّ فإنّ الدولرة ستتمّ على مراحل. يجوز للبنك المركزي أن يشرع في بيع جزء من أصوله أو كلها، ويجوز له بيع أصوله بالعملة الوطنية التي يتلقاها شهريًا. كما يمكن للدولة الاستدانة بالدولارلتحقيق عملية الانتقال. وتجدر الإشارة إلى أنّ تحويل الودائع والائتمانات في القطاع المصرفي من العملة الوطنية إلى الدولار لا ينبغي أن يفرض أي عمولة على العملاء. حتى بعد أن يجمع البنك المركزي احتياطيات كافية بالدولار لسحب العملة الوطنية المتداولة، يجب على النظام المصرفي الاستمرار في قبول العملة وفقًا لسعر الصرف الثابت لمدة عام على الأقل، لإعطاء الوقت لتكيّف الاقتصاد، وليقوم الوكلاء باستبدال جميع أرصدتهم النقدية التي بحوزتهم بالدولار الأميركي.

 

7- استخدام الأوراق النقدية المحلية: بعد إتاحة الوقت الكافي للاعتماد اللازم، يجب اتخاذ الترتيبات لاستبدال الأوراق النقدية بالعملة الوطنية بأوراق نقدية من الدولارات. إذا بدأت الدولرة على عجل، وقد يكون المعروض من الأوراق النقدية بالدولار غير كافٍ، ويبدو أنّ سعر الصرف ليس هو سعر الصرف الذي تكون فيه الأوراق النقدية مرتبطة بالدولار، فقد يتمّ تخفيض قيمة الأوراق النقدية وحدها إلى مبلغ معادل يسهّل التقسيمات العشرية للدولار.

 

8- إنهاء الأنشطة المالية للمصرف المركزي، وإعادة تكليف باقي مهامه حسب احتياجاته. لم يعد البنك المركزي مؤسسة مالية، إذا استمرت بعض الأنشطة، فمن المحتمل أن تكون إحصائية أو تنظيمية بحتة.

 

يبقى القول، إنّ الاقرار بالدولرة الشاملة لم يكن يومًا خيارًا مرغوبًا لأي بلد، بل يأتي على طريقة “مكره أخاك لا بطل” كأمر واقع يفرض نفسه، بعد افتقاد الثقة والشفافية والاصلاحات الحقيقية وتعثّر بقية الخيارات… في حال ثمة خيارات أخرى لا تزال متاحة، لا بدّ من فتح النقاش العلمي حولها.. إما الفوضى وإما الحوار العلمي المسؤول للآليات الرسمية…

د. سهام رزق الله

مليارات في مهب الريح

نهاية مأساوية لرائد الأعمال الأميركي، سام بانكمان فرايد، الذي بلغت ثروته نحو 32 مليار دولار قبل أشهر قليلة وهو لم يتجاوز الثلاثين ربيعاً بعد. ففي أيام قليلة، وفي سلسلة من التداعيات السريعة، أعلنت شركته «FTX» إفلاسها، لتتبخر بذلك مليارات الدولارات في أيام معدودة، لشركة تُعد ثالث أكبر منصة لتداول العملات المشفرة. وبعد أن كان بانكمان فرايد أحد الأثرياء والشخصيات المرموقة في السياسة والاستثمار، وحتى الأعمال الخيرية، أصبح الآن لقبه الأول «الملياردير السابق»، ولم تَعد سمعته كما كانت.
البداية كانت في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث أصدر الموقع الإخباري «كوين ديسك» تقريراً وضّح العلاقة المشبوهة بين شركتي «FTX» و«ألاميدا»، وكلتاهما مملوكتان لبانكمان فرايد؛ ذلك أن «FTX» أقرضت 10 مليارات دولار من أصل 16 ملياراً من الأصول المشفرة التي عهد بها العملاء إليها، إلى شركة «ألاميدا» التي بدورها استخدمت هذه القروض في مراهنات محفوفة بالمخاطر. ضمانات القروض نفسها وُصفت من أحد الخبراء لاحقاً بأنها ضمانات مراوغة؛ وذلك بسبب أن بعض ضمانات الشركة المقترضة كانت أصولاً في الشركة المُقرضة.
بعد هذا الخبر تداعت الأحداث بشكل متسارع؛ فانخفضت قيمة عملة «fft»، وهي عملة مملوكة لشركة «FTX»، ليعلن عدد من الشركات، ومنها «بايننس»، وهي شركة منافسة، أنها ستقوم بتصفية ممتلكاتها من العملة. «بايننس» نفسها حاولت لاحقاً في الأسبوع نفسه شراء «FTX»، ولكنها تراجعت سريعاً بعد اطلاعها على قوائمها المالية. وفي يوم العاشر من نوفمبر جُمدت أصول الشركة التي تتخذ من جزر الباهاما مقراً لها، لتعلن إفلاسها بعد ذلك بيوم واحد، وانتشرت تقارير عن نية كل من لجنة الأوراق المالية والبورصة ووزارة العدل الأميركية البدء في تحقيق بخصوص الأمر. وقد حاول بانكمان فرايد جمع حزم إنقاذ من المستثمرين قبل إعلان إفلاسه واستقالته، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، لا سيما أن سيولة شركته لا تتعدى مليار دولار، في حين تزيد المبالغ المطلوبة منها على 9 مليارات دولار!
إفلاس «FTX» بهذه الطريقة أشبه ما يكون بالصدمة لعالم العملات المشفرة، وشبّهه رئيس شركة «بايننس» ببداية الأزمة المالية العالمية، التي بدأت بسقوط بنك «ليمان براذرز». ولهذا التشبيه أسبابه: أولها أن الشركة هي ثالث أكبر شركة لتداول العملات المشفرة، ولديها قائمة طويلة من العملاء، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات مالية. ثانيها أن منظومة العملات الرقمية مرتبطة ببعضها بشكل معقد، أشبه بالنظام المالي، وسقوط شركة واحدة قد يعني انتقال العدوى إلى شركات أخرى، مدفوعة بذعر من المستثمرين الذين بدأ بعضهم بالفعل سحب استثماراتهم، حتى إن شركة «بلوك فاي» أوقفت سحب العملاء لأموالهم. هذا الارتباط أدى إلى انخفاض قيمة «بتكوين» لفترة وجيزة إلى ما دون 16 ألف دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ عامين، وهي التي بلغت ذروتها العام الماضي بـ67 ألف دولار.
وقد امتد بالفعل أثر هذا الإفلاس إلى شركات أخرى، منها صندوق التحوط «جاليوس كابيتال» التي اعتذر مؤسسها إلى المستثمرين بقوله إنه آسف للوصول إلى هذه الحالة، وإنه سيحاول بشتى الطرق استعادة ما يمكن من الشركة المفلسة، علما أن شركته استثمرت نحو 100 مليون دولار؛ أي نحو نصف رأس مالها، في «FTX»، واعترف بأنه يحتاج إلى عدة سنوات للعودة إلى ما كانت شركته عليه.
وليس عالم المال وحده من سيتأثر بإفلاس «FTX»، بل حتى عالم السياسة كذلك، فـبانكمان فرايد أحد أكبر الداعمين للحزب الديمقراطي الأميركي، وهو يأتي في المرتبة الثانية بعد جورج سوروس، وقد كانت التوقعات تشير إلى أنه ضمن الجيل القادم للحزب الديمقراطي في المستقبل. وقد سبق له الوعد بالتبرع بمبالغ تصل إلى مليار دولار للمرشح الذي يدعم مطالبه، إلا أنه تراجع بعد ذلك عن هذا الوعد.
وعلى الجانب الآخر، هناك من يتغنّى بهذا السقوط، منهم الناشطون البيئيون الذين يرون أن اختفاء العملات المشفرة مفيد للبيئة، لا سيما أن تعدين «بتكوين» يستهلك نحو 0.5 في المائة من الاستهلاك العالمي للكهرباء. كذلك يرى البعض أن التعدين هو أحد أهم الأسباب لشح الرقائق الإلكترونية وارتفاع أسعارها.
إن إفلاس «FTX» هو نتيجة مباشرة لضعف الشفافية فيها، وهو ما يجب أن يلتفت له المستثمرون قبل ضخ أموالهم في استثمارات محفوفة بالمخاطر. والفضيحة التي أدت إلى هذا الإفلاس لم تأتِ من شخص مجهول، بل أتت من شركة يملكها أحد الشخصيات المرموقة في العالم المالي والسياسي، وهو نفسه أحد المنادين بالمزيد من التشريعات والتنظيمات للعملات المشفرة. وعلى الرغم من أن العديد يؤكدون أن العملات المشفرة لن تتضرر بهذا الحدث على المستوى البعيد، وأن السوق ستشفي نفسها بنفسها كما هي طبيعة الأسواق، فإن السوق بكل تأكيد لن تنسى هذا الأثر. وبغياب التشريعات للعملات المشفرة، فإن تكرار هذا الحدث أمر محتمل!

د. عبدالله الردادي

بورصة انفو: الموقع الرائد لأخبار الذهب ، العملات ، البورصات. مع تحليلات