رغم أن التأثير الفوري لزيادة رئيسة مجلس النواب الأمريكية نانسي بيلوسي لتايوان أول قد يتلاشي، فإنها جعلت مديري صناديق الاستثمار في العالم يعيدون التفكير في كيفية التعامل مع العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، قال المحللان روث كارسون وشارلوت يانغ إن “أسواق المال وخبراء الاقتصاد يحاولون حالياً رصد التداعيات المحتملة لزيارة بيلوسي لتايوان، وتصاعد المواجهة بين واشنطن وبكين بدءاً من تراجع العلاقات الاقتصادية بينهما، ثم زيادة الضغط على سلاسل الإمداد العالمية الهشة أو حتى احتمال استخدام بكين لحصيلتها الضخمة من سندات الخزانة الأمريكية كسلاح لضرب الاستقرار المالي للولايات المتحدة”.
وفي الوقت نفسه، سلطت زيارة بيلوسي لتايوان الضوء مجدداً على المخاطر التي تهدد الأسواق المالية نتيجة تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على الاستثمارات الاستراتيجية في الأسواق الصينية، وسوق السلع العالمية والملاذات الاستثمارية الآمنة، إذا ما تدهورت العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين العظميين.
ويقول ميشيل إيفري خبير الأسواق العالمية في رابو بنك إن “تداعيات الأزمة سوف تستمر لفترة أطول من قدرة الأسواق على تركيز الاهتمام عليها”، مضيفاً أن هناك توافقاً بين الخبراء الجيوستراتيجيين على أن العالم يقترب بشكل مثير للقلق، من أزمة مضيق تايوان الرابعة.
وتراجعت أسعار الأصول الاستثمارية الآمنة أمس الأربعاء فور تراجع المخاوف من نشوب مواجهة مسلحة بين تايوان والصين على خلفية زيارة بيلوسي للأولى، في حين تراجعت سندات الخزانة الأمريكية عقب التصريحات المتشددة من جانب مسؤولي مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي بشأن السياسة النقدية.
ويتركز اهتمام المستثمرين على تحليل العناوين الرئيسية للأزمة الحالية بحثاً عن أي إشارة إلى طبيعة الرد الصيني على التحدي الأمريكي وإتمام زيارة بيلوسي لتايوان رغم الرفض الصيني، وهل يمكن أن يتجاوز الرد حدود التدريبات العسكرية التي تجريها بكين، وفرض بعض القيود التجارية على تايوان، وكان ارتفاع العائد على سندات الخزانة الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي قد دفع البعض إلى الحديث عن احتمال لجوء الصين إلى استخدام حصيلتها الضخمة من السندات الأمريكية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار تقريباً للضغط على واشنطن.
ويقول إيان لينجن المحلل الاقتصادي في بي.إم.أو كابيتال ماركت بنيويورك إنه “في ضوء عمليات البيع الكثيف للسندات الأمريكية (يوم الثلاثاء) لم يكن الأمر يحتاج إلى وقت طويل حتى يبدأ الحديث عن قيام الصين ببيع كميات من هذه السندات للضغط على الاقتصاد الأمريكي”، وأضاف “في حالة حدوث هذا السيناريو الذي نشك فيه، فسيكون التأثير محدوداً لآن التدفقات النقدية قصيرة المدى ستغطي على التأثيرات السلبية على النظرة المستقبلية لأوضاع لاقتصاد الكلي على مستوى العالم”.
ويقول روث كارسون وشارلوت يانغ في تحليلهما إن “الحجم الضخم لسندات الخزانة الأمريكية التي تمتلكها الصين يكشف المدى الكبير للتداخل بين أكبر اقتصادين في العالم”، ورغم التغيير الذي طرأ على العلاقات بين البلدين خلال السنوات الست الماضية، مع الخلافات التجارية والمنافسة التكنولوجية والأمنية واحتمالات شطب الشركات الصينية المدرجة في البورصات الأمريكية.
وقال شيادونغ باو مدير صندوق استثمار في شركة إدموند دي ورتشيلد أسيت مانجمنت لإدارة الأصول إن “العودة الرسمية للنفوذ الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ستؤدي حتماً إلى تسارع وتيرة التباعد بين أمريكا والصين في ضوء تطور الأحداث، سيكون على المستثمرين الاستعداد لمواجهة اختبار أعصاب يمكن أن يؤدي إلى إلى تقلبات شديدة التعقيد في سوق المال على المدى القصير”.
ويقدم محللون آخرون تصورات أطول مدى لما يمكن أن تمثله أحداث الأسبوع الحالي من لحظات فارقة في تاريخ آسيا والمحيط الهادئ، واحتمالات إعادة النظر في تخصيص الأصول والموارد في المنطقة، حيث تعتبر تايوان مصدراً حيوياً لأشباه الموصلات والأجهزة المتطورة في العالم.
ويشير هوانغ هويمنغ مدير صندوق استثمار في شركة نانجينغ جينغ هينغ إنفستمنت مانجمنت، إلى احتمال لجوء الصين إلى ما يعرف باسم “استراتيجية السلامي” فتسعى إلى تقسيم المعارضة التي تواجهها إلى شرائح منفصلة مع ما لذلك من تداعيات على سلاسل الإمداد العالمية المضطربة بالفعل.
ويضيف “بالنظر القريب على مناطق التدريبات العسكرية الصينية الحالية نجد أنها أقرب ما يمكن من أراضي تايوان، وتطوقها من جميع الجهات، وتيدو وكأنها عمليات عسكرية متخفية في صورة تدريبات، فإذا استمرت هذه الأنشطة العسكرية لفترة أطول، أو أصبحت اكثر كثافة، فقد تؤثر بالسلب على عمل سلاسل الإمداد، لكن لا توجد أي إشارة إلى احتمال حدوث هذا السيناريو في الوقت الراهن”.
وتقول جيسكا أمير المحللة الاقتصادية في ساكسو كابيتال ماركيت إنه “في ظل حالة الغموض الشديد الحالية، يصبح الرهان أكبر على الأصول الآمنة مثل سندات الخزانة والدولار”، مضيفة أن التوترات الحالية بين واشنطن وبكين ستؤدي إلى تزايد توتر المستثمرين وتعزز جاذبية الأصول الأمنة على حساب الأصول ذات العائد الأعلى، وأضافت “التوترات الجيوسياسية ستتزايد، ونرى أيضاً العودة إلى الملاذات الاستثمارية الآمنة، وسيتزايد شراء الدولار”.
ويؤيد شين أوليفر كبير المحللين الاقتصاديين في أيه.إم.بي كابيتال ماركت هذه الرؤية، ويقول إنه “في حالة استمرار التواتر ستتزايد مكاسب السندات مقابل الذهب، وعلى المدى الطويل نرى مؤشرات على تصاعد توترات الحرب الباردة بين الغرب وكل من الصين وروسيا، وهو ما يعني تزايد المخاطر التي تهدد أسواق المال”.
وفي زيوريخ يقول جيان شي كورتيزي مدير صندوق استثمار في شركة جي.أيه.إم إنفستمنت مانجمنت إن “هناك تشابهاً بين نتائج زيارة نوت جنينجريتش رئيس مجلس النواب الأمريكي الأسبق لتايوان عام 1997 وزيارة بيلوسي لها خلال الأسبوع الحالي”، ويضيف أنه في ذلك الوقت تراجع مؤشر هانج سينج الرئيسي لبورصة تايوان للأوراق المالية قبل زيارة جينجريش، لكن سرعان ما ارتفع المؤشر بعد الزيارة، والآن تراجعت بورصات الصين وهونغ كونغ وتايوان قبل زيارة بيلوسي.
وأوضح أن التدريبات العسكرية الصينية بالقرب من تايوان “قد تبقي المستثمرين على أهبة الاستعداد، لكن الأسواق ستتعافى بمجرد انتهاء التدريبات العسكرية”.
د.ب.أ