أدب التشوّف والكشف ، أو فن اتخاذ القرار

أدب التشوّف والكشف ، أو فن اتخاذ القرار    11th June  2005

 

 

التجارة شطارة !
قبل تعريف التجارة ، أما وجب تحديد الشطارة ؟
الشطارة نبالة ، أم نذالة ؟
الشطارة تشوفٌ وكشفٌ ، وكل ما سوى ذلك فانتهازية وحقارة !
التشوف والكشف يُفرَض أن يكونا أشرف آداب التجارة على الإطلاق ، لأن كل نتيجة متحققة ، سلبية كانت أم إيجابية ، إنما هي بلوغ لرسم تمّ تخطيطه ، وخلاصة لتدبير تمّ اعتماده .
التشوف والكشف يُفرَض أن يحملا أبعاد كل حقيقة ، وأن يكشفا كل مستور ، وأن يبلغا بمن نجح في إدراك مرماهما مبلغا هو الى نواة الامور لأدنى بل الى  الرؤيا لأقرب .
إن كل من امتلك أدب التشوف والكشف ، إنما هو قد امتلك أدبا يجرد التجارة ( وبخاصة تجارة سوق المال ) عن مفاهيم خاطئة التصقت بها في عصرنا التصاقا جعلها الى الانتهازية والشعوذة أقرب منها إلى الذكاء الصافي والفهم النقي والبلوغ الفكري الصادق .
إن كل من امتلك أدب التشوف والكشف ، إنما هو قد اختبر بعد معاناةٍ ، وأوقن بعد شكٍ ، وأدرك بعد اختبارٍ ، أن التجارة ( وبخاصة تجارة سوق المال ) ليست شطارة ، وليست لباقة ، وليست لعبا على الحبال ، كما يحلو للبعض ان يصورها .
التجارة ليست شطارة ، ولو أن الشطارة النبيلة المهذبة الايجابية الراقية الشريفة هي خيط من خيوطٍ مكونةٍ لنسيج شخصيةِ كلِ من عمل في التجارة .
 
التجارة في سوق المال تشوفُ أبعادٍ ، وكشفُ أسرارٍ ، وسبرُ أغوارٍ ، وبُعدُ رؤىً .
التجارة في سوق المال سياسة وسلوك وتدبير .
التجارة في سوق المال تشوف وتكشف .
التجارة في سوق المال خطة طريق .
نعم ، هي خطة طريق !!
 
التجارة في سوق المال فنٌ .
هو فن اتخاذ القرار .
هنيئا لمن بلغ  فن اتخاذ القرار .
اذ به ، وبه فقط ، بلوغ المُراد ! 
————————————
 كيف يكون اتخاذ القرار ؟
كيف أحدد ان كنت ناجحا أم فاشلا ؟
كم يجب علي أن أحقق من الربح حتى أصنف من الناجحين ؟
هل هناك استراتيجية محددة يجب ان أتبعها حتى ابلغ النجاح ؟
ما دور توصيات الخبراء في ذلك ؟
اين تكمن خطورتها ؟
اين هي ايجابياتها ؟
الباب الضيق الذي يوصل الى النجاح . اين هو ؟
كيف تكون تجارة أسواق المال مقامرة ؟
كيف تكون تجارة أسواق المال أرقى المهن  ؟
هل تجارة أسواق المال هي للعامة أم للنخبة ؟
من هي النخبة ؟
ان كانت للنخبة هل أستطيع أن أكون من النخبة ؟
هذه وغيرها من الاسئلة التي تدور في خلد كل راغب في دخول هذا العالم سيصار الى مقاربتها وبحثها في مقالات متتابعة إن شاء الله وأذن .
 
 
 

 

 

أدب الجلوس إلى الخوان ، أو فنّ اللا ” يوفوريا ” ا

أدب الجلوس إلى الخوان ، أو فنّ اللا ” يوفوريا ” –   27th May  2005

 

 

أدبُ تناول الطعام . أدبُ ترتيب المائدة والجلوس اليها . أدبُ الدخول في السوق . أدبُ الاشتراك في واحدة من أرقى التجارات .
أوجهُ الشبه عديدة ، ألمقاربة بين الحالتين قد تبسط الامور وتجعلها أكثر جلاء ووضوحا ، نظرا لاشتراك العوام من الناس في الوجه الأول ، وتوقِ البعض من نُخبهم إلى امتلاك فنون الوجه الثاني .
 
كنت منذ فترة غير وجيزة قد عقدت العزمَ على كتابة هذا الفصل والعمل على مقاربة فن دخول السوق من أدب الجلوس الى المائدة . وكأن الصدفة شاءت أن تضع قبالة نظري مشهدا تلفزيونيا يؤدي فيه واحدٌ من كبار نجوم السينما المصرية دور واحد من الباشوات الأكولين أمام مائدة امتدت عليها أطباقٌ حوت كل ما لذ وطاب .
كان الباشا يوشك أن يباشرَ بتناول الطعام ، وكانت عيناه قد جحظتا ، أو كادتا . كان ينظرُ إلى الفراخ المحمرة وقد تملكت وعيَه شهوةٌ جارفة ، وأخذت من جوارحه لذةٌ جامحة ، بحيث إن كل ملمح من ملامح وجهه عكس خشيته العارمة من أن ينبتَ الريش في هذه الفراخ المشوية ، وتعودَ لها الحياة ، ، فتهبّ من الطبق مصفقة بجناحيها ، ناجية بنفسها ، مفوتة عليه ما كان قد منى النفسَ به من شعور بالتلذذ والتنعم والشبع .
 
إستوقفني المشهدُ – وقد برع الممثل في تأديته خير براعة – فخفت ألا تتركَ عينا الرجل من الأطباق لفمِهِ نصيبا . قررت أن أتابع ما تبقى فكان العجبُ .
 
يدان تحملان ما قُدر لهما أن تحملاه ، ثم تعملان على إفراغ حمولتيهما في فم يصعب عليه استيعاب ما أُلقي فيه ، فاذا به يمضغ مقدارا ويبتلع مقدارا ، وهو بين المضغة والمضغة يرمي بقية الأطباق بنظرات تفضحُ كل ما يجول في نفسه من بقية لاحاسيس شهوانية فارغة من كل ما هو غير الطمع والشراهة والنهم والفجع .
أطلت عليك صديقي القارئ في أمر قد تراه غير ذي علاقة بما يفيدنا هنا في موضوعنا ، وأراه غير بعيد عما يشغَل بالك ويشغل بالي على وجه سواء . أطلتُ عليك ولكني لأصدقك القول أني ما فعلت إلا لكون أهمية هذا المشهد بالنسبة لي ليست قائمة بذاتها ، ولكنها كائنة بما يمثل من إقبال مفرط على الشيء ، وشراهة متطرفة في امتلاكه ، ونهم طريف في التهامه ، حتى ولو قارب ذلك حد الضرر ، وانعكاس النتيجة المرجوة  توعكا أو مرضا أو علة أو خسارة أو دمارا . إن أهمية هذه المقاربة تكمن أيضا في ما يمثل الأمرُ من مشابهة حية ظريفة كوميدية ، لحالة من حالات التصرف المحظورة في إدارة شؤون المحافظ التجارية في سوق المال الذي نحن من صلبه وهو هدفنا ومنانا .
 
ثق صديقي القارئ ، وأنا ما توجهت اليك إلا وقد صدقتك القول ، ثق إن آداب تجارتنا لا تقل أهمية عن آداب حياتنا في مختلف وجوهها . فكما أن هذه كفيلة بتمييز عضو إجتماعي عن أعضاء آخرين ، ورفعه الى درجة تفوقهم قيمة وعزة ، وقدرة على التاثير ، إن هو ألم بكل تفاصيل هذه الآداب ، وعمل على احترام كل دقائقها ، وتطبيق كل أوامرها ، وتحاشي كل نواهيها ؛ فكذلك إن آداب السوق كفيلة أيضا ، إن هي أُوليت ما تستحق من الاهتمام والإحترام ، كفيلة بتمييزه عن غيره من جمهرة المتعاملين العاديين ، المتعثرين في خطوات طمعهم ، المتدثرين بعباءات فشلهم .
 
وكما للجلوس الى الخوان آداب كفيلة برفع الجالس الى مصاف المختارين من الحضر ، أو بخفضه الى درك الهمج المتخلفين عن امتلاك أصولَ اللياقة والذوق السليم ؛ فإن للدخول في السوق آدابا كفيلة برفع الداخل الى مصاف الفالحين الناجحين الواصلين ، أو بخفضه الى مصاف الفاشلين الخائبين اليائسين .
وكما أن عينَ الآكل لا يجوز لها أن تلتهم الطعام قبل فمه . وكما ان تناولَ الطعام ومضغَ الادام يختلف عن الافتراس والإلتهام . فكذلك لا يجوز لعين المتعامل أن تقبل على السوق ملتهمة كل ما فيه ، مهللة للربح قبل حصوله ، محولة الأمنية حقيقة قبل تحققها ، بانية الأمجاد قبل الشروع فيها ، محتلة مكانا مخصصا لغيرها ، عارفة بكل شيء الا بذاتها ، سليمة من كل آفة إلا من أشدها خطرا : عنيت ال ” يوفوريا ” .
 
وكما أن يدَ الآكل يجب أن تكونَ رفيقة بمعدته رحيمة لها ، تحملها ما بوسعها ، وتوفر عليها عبء الضار من الاحمال ، فلا تدفع الى جوفها ما لا تتسع اليه ، وما ليس للجسم حاجة به ؛ فكذلك ترى المتعاملَ الحضاريَ مضطرا لأن يقيس بمقياس العقل ما يمكن أن يكون هو محتاجا اليه ، قادرا عليه ، وان يزين بميزان الحكمة ذلك الحد الفاصل بين ما يكفيه ، وبين ما تتسبب به قرارات جشعه  ونبؤات طمعه ، من أحمال ،لا وسع لأعصابه ولا حيلة لحسابه على تحمل تبعاتها . إن على كل داخل في هذا السوق أن يُحسن التفريق بين ما هو له ، وما هو لسواه  ؛ بين ما يمكن أن يكون له مفيدا ، وما يمكن أن يكون به ضارا ؛ بين حِمل يمكنه القيام به والسير فيه بتؤدة الى الهدف ، وحملٍ يتحول عبئا عليه ، فيَحُول بينه وبين ما خطط له . إن على كل داخل الى هذا العالم التجاري الفائق الأهمية أن يحسنَ تحاشي ال ” يوفوريا ” وكل ما تستتبعه من كوارث ، وأن يتمكن من فن اللا ” يوفوريا ” فيستوعبه كلية، ويجعل منه بندا أساسيا من بنود دستوره ، وقانونا رئيسيا في شرائع سياسته .
 
وكما أن آداب الجلوس الى المائدة تحتم على الآكل أن يأكل بموجب الحكمة الذهبية القائلة ” علي أن آكل لأعيش لا أن أعيش لآكل ” ؛ فإن آداب الدخول الى السوق ، وفن اللا ” يوفوريا ” يحتمان على كل متعامل أن يعمل بهدي مقولة مماثلة ، أراها من الأهمية بحيث انها تستحق أن تكتب بغير حبر ، وعلى غير ورق ، وأن تعلق حيث لا يغيب نظر . عنيت : ” إن قانون اللا  يوفوريا يحتم علي أن أتاجر لأعيش ، لا أن أعيش لأتاجر ” . والفارق شاسع بين الحالتين ، ولا أظنه يغيب عن كل لبيب . ومَن غير اللبيب من الإشارة يفهم .
 
 
وكما أن آداب المائدة تفرض على الآكل ، أو المشارك في الطعام ، إن هو اخطأ في المضغ لتعجلٍ أو ارتباكٍ ، فعض طرف لسانه ، ألا يثور ويغضب ، فيقلب الطاولة على الجالسين بمعيته ،  أو يعكر صفو الجلسة بولولة وشتم وتهديد . فإن فن اللا ” يوفوريا ” تفرض على المتعامل ألا يغذي مشاعر الحقد على السوق إن هو اُصيب بخسارة ، أو وقع في مأزق ، وأن لا يسعى بأية حال الى الإنتقام  منه في محاولة يائسة تهدف الى استرداد ما يعتبره حقا سليبا . وإن هو انزلق الى هذا الدرك فانما يعرض نفسه الى هزيمة نكراء مزدوجة ، والى خسارة شوهاء مضاعفة لن تكون له من السهل القيامة منها ، لان معاداة السوق لا تورث الى الخسارة ، ولان المندفع وراء إرادة الانتقام والثأر فإنما هو قد حكم على عقله بالتجمد ، وعلى أعصابه بالشلل ، وعلى إرادته بالتوقف ، وعلى مصيره بالفشل .
 
وكما أن آداب المائدة تفرض على الآكل ، أو المشارك في الطعام ، أن لا يجلسَ على المائدة إلا بعد أن يكونَ قد اهتم بنظافة يديه وفمه وكل ما يدخل اليه من غذاء ، حرصا على سلامة جسمه ومكونات بدنه ؛ فإن آداب دخول السوق تفرض على المتعامل أن لا يقاربَ جهاز عمله وأن لا يباشرَ نشاطه – حتى ولو كان يمارس عمله من جهاز في غرفة نومه – إلا إن هو عمد الى ايفاء جسده حقه ، وإن هو لبس رداء العمل النظيف ، نظرا الى كون النظافة الخارجية تعطي صاحبها شعورا خفيا بالنظافة الداخلية ، و لما في ذلك من إضفاء لحيوية وإدخال لفرح وإفاضة لبهجة  على النفس والروح ، ومن تيقظ للعقل ومن توقد للفكر ومن تحفيز لشدة الانتباه ودقة الملاحظة وقدرة المقارنة وصوابية الحكم ، من خلال ما يوفر للاعضاء من راحة ومناخ .
 
وكما ان آداب الاكل أن لا يُدخل الآكلُ طعاما على طعام فلا يأكلُ إلا عند إحساسه بالجوع ، ولا يشربُ إلا عند إحساسه بالعطش ، كي لا يُفسدَ نظام جسده ، السائر وفق وتيرة تأليف مبدع في سمفونية موسيقية تنسجم فيها كل اعضاء الجسد مؤدية لوظائف محددة . فإن آداب الدخول في السوق تقضي كذلك عدم الأفراط في الهجوم على السوق ، بصفقات قد تصيب المتعامل بتخمة ترهق اعصابه ، وتتعب فكره ، فيضل في غياهب لا يجد لنفسه منها نجاة . ومن هنا فالوصية هي إعطاء النفس فترة من الراحة بعد كل صفقة سواء كانت صفقة ربح أو خسارة ، لتهدأ الأعصاب وتستقيم دورة الدم ويصير الفكر مهيئا لمعاودة التخطيط والتحليل . هذا هو النظام الطبيعي السليم ، وكل ما سواه إنما يصنف ضمن قانون ال ” يوفوريا ” البغيض .
 
وإذا كانت النباتات والأزهار  ، بما تفوح به من روائح زكية ومناظر مريحة ، تُدخل على المائدة جوا مؤنسا لطيفا يساعد النفس على الانشراح ، ويساهم في تسهيل عملية الافادة مما يتناوله الجسم من طعام كثيف بتمرير جزيئياته الى ألطف اللطيف من الاعضاء ؛ كما أن ذلك صحيحا ، فإن تزيين مكان العمل بلوحات فنية مشرقة ، وتخصيصه بزهيرات وردية وأخرى سماوية أو بيضاء نقية ، يُدخل الفرحَ الى النفس ، والمرحَ الى الطباع ، فيتم التغلب على آفة ال ” يوفوريا ”  ويحضر روح الخير مرفرفا على المكان ساكنا فيه .  ولا يخفى ما لروح الخير من أثر في جعل البركة تحل والنعمة تُطل ، فتفتح أبوابُ الرزق ، وتُشرع نوافذُ الخير .
 
ولا يستهينن أحدٌ بما تقدم ، فإن مداواة العلة غالبا ما تكون بلمسة تحمل الشفاء ، أو بهمسة تطرد البلاء ، أو ببسمة تستدرج قبسا من النور المحيي . ومَن غيرُ النور المحيي قاهرٌ لظلمات النفس التائهة ، وملقنٌ لفنٍ اسمُهُ : فن ال ” لا ي و ف و ر ي ا ” .
 
 
 
 
 
 
 

 

 

أدب الرفق بالأعصاب (3) أو فن منع الخسارة

أدب الرفق بالأعصاب (3) أو فن منع الخسارة .   11th April  2005

 

 
حتى ولو سعى الكلّ لتضليلك ، بإخفاء ما دسُم وسما ، وإبراز ما وَضُع وتفه ، فأنا لن أفعل .
حتى ولو راوغ الجمعُ في ما ينصحون ، وكُذِبَ الكلّ في ما يصرّحون ، فصدّقني .
أنا لم أصرّح إلا بما خبرت ، ولن أبلّغ إلا بما عملت .
هذا السوق يبدوللكثيرين – إن لم أقل للجميع – غامضة حقائقه ، مبهمة تفاسيره  ، مشفرة مفاتيحه ، مرصودة أبوابه ، عميقة لججه ، خطرة مراكبه .
هذا السوق يبدو لي – وللكثيرين غيري – جليّة صفحاته ، بهيّة طلعاته ، حريريّة لمساته ، ورديّة بسماته ، محمولة عثراته ، مقبولة صفعاته ، مأمونة مواعيده ،  مأمومة موارده .
أنت وهو ، أنتم وهم ، الكلّ قادرون على أن يكونوا حيث أنا ، ليس في الأمر استحالة ، إن في الأمر لدقة .
المتعاملون في هذا السوق – من حيث الهدف الذي يسعَون اليه –  فريقان ، لا ثالث لهما .
يسعى الفريق الأول ، ومنذ يومه الأول ، وفي خطوته الاولى ، إلى التعجيل في إجراء ضربة العمر ، ضربة تنيله المبتغى كلّ المبتغى ، وتميزه عن أقرانه  كلّ أقرانه ، وتحمله الى النعيم ، والغنى ، والثروة ، والجّاه ، والعزّة ، والنفوذ ، والسّلطان .
 ضربة العمرِ ، ويا لها من كذبةٍ مُخمليّةٍ ندّاها إبليسُ بعطورٍ جناها من بستانٍ مَكرِه ، وحبكها بشِباكٍ حاكها من أحابيل مُغرياته .
ويسعى الفريق الثاني ، إمّا منذ يومه الأول ، أو، بعدَ أن يكون قد استخفّ بالنصيحة ، وتلقى الصفعة ، وتلقن الدرس ، وفهم السرّ ، وفكّك الرموز ،  وأدرك الأحجية ، وأشرك العقل ، وعطّل الجنون .
يسعى الفريق الثاني هذا الى تحويل العمل من مراهنة الى تجارة ، يسعى الى اتخاذ هذه التجارة مهنة أساسية ، يمتهنها ، يتقنها ، يمارسها ، يكسب رزقه منها . 
يسعى الفريق الثاني هذا الى رزقه كلّ يوم ، راضيا بما قسمه الله له من رزق ، مُوسّعا كان أو مُقترا عليه به ، فترى الواحد راضيا بالدينار ، وممتنا للقنطار ،قانعا بالقليل  ، راغبا بالكثير .
الى الفريق الثاني أتوجّه بحديثي ، واليه أسِرّ خفايا قلبي .
ألفريق الأول لا أعرفه ، أنا براء مما يفعل . أمقت غنى الظروف والمناسبات . أحِبّ جَنى فكري . أستلذ رغيفا دوّرته يداي .
 
أن تكون البورصة مهنتك ، يعني نجاحَك في أن تؤمن دخلا ثابتا لك منها ، دخلا يكون ثمنا لمجهود فردي فكري وروحي في آن ، دخلا يتراوح بين القلة والكثرة بحسب ما منّ الله عليك من رصيد مادي ، وما وسّع عليك به من حنكة ودراية وذكاء .
أن تكون البورصة مهنتك ، يعني بكل بساطة أن تكسب منها رزقا . ولتكسب منها رزقا ، لا بد أن تحقق منها ربحا . ولتحقق منها ربحا ، لا بد أن تمنع عن نفسك الخسارة .
 
نعم أخي المتعامل . لكي تنجح في تحقيق الربح في هذا السوق الهائل العجيب ، يجب أن تبدأ من حيث انتهى غيرك – قصدت من حيث فشل – ، يجب أن تهتمّ في الدرجة الأولى بمنع الخسارة . كلّ خسارة ، كبيرة كانت أو صغيرة . فإن نجحت في ذلك ، فقد نجحتَ في المرحلة التالية ، عنيتُ تحقيق الربح .
 
نعم أخي المتعامل . إليك سرّي :” إنّ تحقيق الربح يبدأ من النقطة التي لا يجوز أن تصل إليها ، وليس من النقطة التي يجب أن تصل إليها .”
 
إنّ السواد الأعظم من المتعاملين يبدأون عهدهم مع هذا السوق بالبحث عن الوسيلة المثلى التي تحقق لهم الربح . انهم يسعون الى دراسة كل المؤشرات المتوفرة ، الكل يبدأ بالبحث عن وسيلة تؤمن له فهم أسرار الدفاع والمقاومة السحرية . ألكل يريد ان يشترك بسباق باريس داكار . ألسواد الأعظم من المتسابقين يسعون الى امتلاك أفضل سيارة توصل الى الهدف . ألسواد الأعظم يسعى الى ال IBM او ال APPLE . ألسواد الأعظم  يفخر بال WINDOWS XP او ال NT . ألسواد الأعظم يفضل اليوم الشاشة المسطحة FLAT DISPLAY . ألسواد الأعظم ينطلق من باريس ويريد بلوغ داكار قبل غيره . ألقلة تهتم بكل المعوقات التي يمكن أن تحول دون الوصول الى الهدف . ألقلة انكبت قبل ساعة الصفر على هذه المعوقات وأوجدت حلا لكل منها . هذه القلة هي المؤهلة بالوصول الى الهدف . هذه القلة هي التي وصلت فعلا . هذه القلة بوسعها ان تصير هي الكثرة .
 يصل الى الهدف من أدرك موقع المنعطف ولم تنحرف سيارته عن الطريق . من استبق وجود حفرة ولم ينزل فيها متسببا بعطل يحتاج الى ساعات من التأخير . من لم يتجاهل عن قصد وعورة مسافة يعرف مخاطرها . من لم يركب مراكب هوسه وسار على رمال متحركة .
في السوق سباق ولا أمرّ . ليس بالضرورة أن يكون النصرُ من نصيب الأسرع . النصرُ هو غالبا من صنع الاذكى ، ألأدهى ، . ألحظ يمكن أن يكون من نصيبك مرّة لكنّ عقلك وفطنتك معك دوما . 
اخي المتعامل . إن روحَ نخوتنا العربية ، وأعرافَ فروسيتنا العربية ، وذهنية بطلنا عنترة ، لا فائدة لها في هذا المكان . نصحت واحدا من محدثيّ مرة بشعر عربي شاع واشتهر الى أن صار مثلا ، قلتُ :
ألعقل قبل شجاعة الشجعان ———  هو أوّل ٌ وهي المحلّ الثاني .
أعجبه كلامي كقول ، أثنى عليه ، أيدني في ما أرى ، هنأني على مبدأي . مضت دقائق خمس ، خاطبني بقوله : راهنت على صفقة كبيرة ضد الدولار ، في الصباح اكون قد خسرت كلّ ما في حسابي ، أو اكون قد ضاعفته . سألته : هل راهنت ضد الدولار ؟ أم تراك بعت الدولار ؟ أدرك صاحبي ما رميت اليه . لم يجبني . خفت عليه .
 عاد في الصباح  ليقول : ليتني عملت بما أشرت عليّ . لم أفاجأ بما أسرّ إليّ . واسيته . أمِلت أن يفلح في التغلّب على هَوَسِهِ .
 
مُحدّثي كنت قد حدّثته بمشهد قلّ من لم يشاهده على شاشة التلفاز . غزال يرعى في مرج أخضر ، هو يتلذذ عشبا طريا ساهيا عن كلّ ما سواه . على مسافة غير بعيدة أسدٌ يتربص اللحظة المناسبة للإنقضاض ، هو يمني النفس بلحم طري منصرفا عن كلّ ما سواه . في السماء جماعة من الكواسر تبحث عن حصّة في رزق قد يكون المولى ادخّرهُ لها في جعبة كرمه وإحسانه .
اللحظة دنت . ألأسد ينقضّ . الغزال ينهار . جماعة الاسود تشارك . جماعة الطير تنزل إلى الأرض . تتجمع على بعد امتار قليلة . هي تعرف قدرها . تعرف انها غير مدعوة . تقدّر الخطر .
البعض منها يغلبها طمعها ،  تسيطر عليها شهوة غريزية ، تندفع الى المغامرة ، تحبّ المخاطرة ، تقترب من الفريسة مستغفلة شبلا ، تلتقط حينا ما تستطيعه من رزق ناجية من شرّ انتقام  ، وتقع حينا في وزر جنونها فما تصيب إلا جروحا في عنق أو جناح عوضا عن نصيب في وليمة .
ألطيور المجرّبة تتصبر وتنتظر . هي تعرف أن ساعتها لم تأتِ بعد . هي تراقب بدقة العالم الفهيم . هي تدرك أنها ستصيب من الغذاء ما تحتاج اليه . هي لا تطمع بأكثر مما تحتاج اليه .
دقّت الساعة . شبعت الأسود . انصرفت عن المكان . تسابقت الكواسر الى الفريسة . نالت كلها ما تحتاج اليه ، كل بحسب قدرته وحاجته .
 
أخي المتعامل . إن شئت أن تلقى نصيبك في هذا السوق ، عليك :
1 – بالدرجة الاولى أن تسعى بكل ما أوتيت من حيلة وقدرة وحنكة ، حتى لا تكون الغزال .
2 – بالدرجة الثانية أن تقتنع بكل جوارحك ، وتدرك بكل مداركك ، أنّه ليس باستطاعتك أن تكون الأسد ، هذا دور غيرك من اللاعبين .
3 – بالدرجة الثالثة أن تعرف أنه قدّر لك أن تكون الطير الكاسر في هذا السوق ، فتشكرَ الله على نعمته ، وتراقبَ بدقة جماعة الطيرفي هذا المشهد التلفازي ، وتركزَ على كل حركة من حركاتها ، وتعملَ على التمثل بها ، وتقليد كل تصرّفاتها .
إن غامرت فكن طائرا سريع الحركة ، يحسنُ الإستعانة بجناحيه إن خانته قدماه ، كن حريصا على منع الخسارة ، أو  في أسوأ الأحوال على تقليلها . وإن لم تغامر فانتظر ساعتك ، إذ لن يفيدك بشيء أن تلبس جلد أسد . ألأسود تعرف بعضها .
أخي المتعامل . إن كنت مبتدئا في السوق فاعلم !
إنّ اول شرط لتحقيق الربح في هذا السوق هو تحاشي الخسارة ، التقليلُ منها ، منعُها كليا إن أمكن . وكن على ثقة ، إن نجحت في ذلك ، فإن نصيبك من الربح لا بد ان يكون محفوظا .
أخي المتعامل .
أخبرني أحدُ معارفي قال : لقد سمعت نشرة الأحوال الجويّة في الصباح ، كانت تبشر بيوم ربيعي مشمس . بعد ساعتين رأيت الغيوم الدكناء تغطي صفحة السماء . هي تتكاثر بحيث انها حجبت كلّ نورٍ من الشمس . ظللت واثقا بأن خطر العاصفة بعيد . ألم يؤكد مذيعُ الأخبار في الصباح إن النهارَ سيكون ربيعيا بامتياز ؟  لقد كنت أحمقا ، وما عرفت ذلك إلا بعد أن تبللت ثيابي ، وعدت الى منزلي في منظر جُرَّذٍ يخرج لتوّه من بركة ماء آسنة .
كُن  شديدا في التنبّه ، سريعا في القرار ، حازما في التنفيذ . إيّاك والعناد ! . إيّاك وبلادة الذهن !
 
أخي المتعامل .
إن مصير صفقتك يتحدّد فور فتحها ، بل قبلَ فتحِها . إعلم – وبخاصة إن كنت مبتدئا – إن فتحت صفقة ودخلت بها السوق دون أن تكون قد حدّدت كل ما يحيط بالصفقة من مخاطر، ومن حظوظ ، فانت قد ارتكبت أشدّ الأخطاء ، ووقعت في أخطر المحظورات .
 إعلم – وبخاصة إن كنت مبتدئا – إن قدرتك الذهنية تكون حرّة من كلّ قيد ، متحرّرة من كل ضغط ، قادرة على كل قرار ، عارفة بكل قاعدة ، واعية لكل خطر قبل أن تفتحَ الصفقة وتصيرَ داخل اللعبة . فإن فعلت ، فاعلم – وبخاصة إن كنت مبتدئا – إن قدراتك العقلية هذه يختلف مردودُها ، فهي لا تلبث أن تصيرَ أسيرة المشاعر المدمّرة ، ولا يمكن لها أن تلبيَ النداء ، إن انت شعرت بحاجة ماسة لعونها .
خطّط لصفقتك قبل فتحها ، حدّد مسالكَ الكرّ ، أرسم مخارجَ الفرّ ، واحرص على ان يكون هدفك الأول في كلّ ذلك : منعَ الخسارة بأي ثمن .
 
أخي المتعامل .
هذا غيضٌ من فيضٍ . ولنا في الأمر كلامٌ وفير . أرجو لك التوفيق كلّه والخيركلّه . 
 
 
 

 

 

أدب الرفق بالأعصاب . ( 2 ) أو فن تحقيق الربح

أدب الرفق بالأعصاب . ( 2 ) أو فن تحقيق الربح . 

   14th March 2005

 

ألأعصاب ! وما أدراك ما الأعصاب !

إن نحن بحثنا في المكونات البشرية البيولوجية والشعورية ، وسعينا الى كشف المستور من أبواب التمييز، وفصل المرئي من عناصر التمازج بينهما ، فلقد يتبين لنا أن الأعصاب من أقرب الكثيف الى اللطيف ، في ما يكوّن هذا المخلوق البديع الذي نسميه إنسانا . بل هي أقربها على الإطلاق .

والمتعامل في أسواق المال ، هو أشدّ الممتهنين لأية تجارة أخرى  حاجة لإدراك هذه الحقيقة ، والغوص في أعماقها ، والعمل على تدريب طباعه ، لتكون أكثر تناغما مع حقائقها ، واستفادة من مسلّماتها .

ما من شكّ على الإطلاق ، في كون كل متعامل في هذا السوق  يسعى من خلال تجارته الى تحقيق ربح ، وتسجيل نصر ، وإدراك فوز . ولا يختلف امرؤ مع امرئ على كون الربح مبعثا للّذة ، ومصدرا للفرح ، ومنبعا للسعادة ، يستلذه كل من حققه ، ويفرح به ، ويسعد لامتلاكه . ومن لم يظفر بتحقيق مراده ، فما نصيبه الا النقيض : ألم ومرارة وشعور بالإنخداع .

هنا بدأت لعبة الأعصاب ، وإن هي بدأت ، فلن يكون لنهايتها من مجال . 

 

وإن بدأت لعبة الأعصاب ، فلن يكون من السهل بلوغ المراد ، ولن يكون من المستساغ تذوق لذة الإنتصار .

وكيف يمكن منع لعبة الأعصاب ، والحؤول دون انطلاقتها ؟ وهل لهذا من سبيل ؟

أنا ، علمتني الأيام انه ما من سبيل الى تحقيق أي ربح في هذا السوق ، إلا بعد إقفال كل الأبواب ، أو معظمها ، على لعبة الأعصاب المؤذية ، وكرّة الإنفعالات المدمرة .

أنا ، علمتني الأيام ألا أنخدع باللذة الخارجية ، معتقدا إنها قائمة في الأشياء المحيطة بي ، بما فيها الربح .

أنا ، علّمتني الأيام أن لا أنجذب إلى لذّة  ممتطيا جواد جهلي ، متمثلا بحشرة تمّ وضع قطعة صغيرة من الزبدة فوق أنفها ، فتندفع في كل اتجاه ، باحثة عن مصدر هذه الرائحة ، مفترضة وجودها في كلّ مكان ، في كلّ مكان ، إلا حيث هي .

أنا ، علمتني الأيام أن ابحث عن اللذة في كلّ مكان إلا خارج ذاتي ، وبعيدا عن نفسي . اللذة في داخلي ، والسعادة في وجداني ، والفرح في قلبي .

أنا ، لم أستطع تحقيق ربح ، أو تسجيل نصر ، إلا بعد أن ادركت كلّ بارقة فكر في أنوار مفكرتي ، واقتنعت كلّ نبضة حياة في نسيج وجودي ،  بأنه لا جدوى ، لا جدوى على الإطلاق من البحث عن الفرح ، واللذة ، والسعادة ، والنشوة ، والنصر ، والتميز ، في الربح الذي أسعى لتحقيقه .

أنا ، لم أستطع تحقيق ربح ، أو تسجيل نصر ، إلا بعد أن تمّت لي الحقيقة كاملة : أن إفرح بالخسارة ، وأقبلها ، وهلّل لها ، ورحّب بها ، وأوسع لها مكانا في صدرك ، بالتمام ، كما أنت فاعل بالربح !

نعم أيها الأكارم . أنا ، ما إن تمّت لي هذه الحقيقة ، حتى بدأت أحقق الربح ، وراء الربح ، دون أن أستشعر فيه  لذة ، ودون أن انجذب إليه باشتهاء .

نعم أيّها الأكارم . أنا ، ما إن تمت لي هذه الحقيقة ، حتى زالت لعبة الأعصاب عن مسرح عملي ، وسقطت من مفردات علمي ؛ فاذا بحلبة المصارعة مع السوق التي كنت أعيش عليها ، تتحول من تلقاء ذاتها الى فضاء فسيح  تتناغم  فيه الأصوات والألحان ، بحيث لا يمكن ان يكون مصدرا للفرح  ، أو ينبوعا للسعادة ، لأنه هو الفرح عينه ، والسعادة عينها .

نعم أيها الأكارم . أنا ، ما ان تمت لي هذه الحقيقة ، حتى أمسيت محققا للربح في الغالب ، وللخسارة في النادر ؛ دون أن أفرح به ، أو أحزن لها .

نعم أيها الاكارم .

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتمّ ، إلا ان ساوينا بين الربح والخسارة وقبلناهما على أرض سوية ، وتحت سقف سويّ  .

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتمّ ، إلا ان عملنا من أجل العمل ، ومن أجل العمل فقط ، عنيت : ليس من أجل الربح . 

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتم ، إلا ان عملنا من أجل الربح ، أو – أقول أو – من أجل الخسارة على السواء .

إن تحقيق الربح لا يمكن أن يتم ، إلا ان امتلكنا آدابا جليلة رفيعة سامية ، أسّها أدب الرفق بالأعصاب .

 

 

 

أدب الرفق بالاعصاب

أدب الرفق بالاعصاب .  

   14th February 2005

 
مقالتي اليوم هي وليدة صدفة نتجت عنها زحطة لسان في حديث جمعني مع عزيز .
قلت : عليك ان تمتلك وأن تتشبث بفنٍ ، إسمه فن التعامل مع الأعصاب ، فتحافظَ بذلك على كلّ فلس تحققه في تجارة البورصة وتزيد عليه .
ما ظننت أن كلمتي ستفعل في نفسه ما فعلت ، ولا ستقع منها حيثما وقعت ، إذ طالعني في اليوم التالي بقول حرّك في نفسي رغبة بالكتابة .
قال : كلمتك بالإمس أنبتت فيّ بذرة كانت لا تزال غافية ، وهي تتنامى ، وأنا أتنعم بفيئها .
طربت لما سمعت من العزيز ، كعادتي عندما أسمع من عزيز قولا يوحي بانه نجح ، بطريقة ما ، في زيادة لبنة ولو واحدة على ما يبني .
أدركت أهمية الكلمة ، واستشعرت إهمالا مني بعدم تفصيلها حتى اليوم . غفرت لنفسي الإهمال وسمّيته تأخيرا ، لكوني كنت قد نويت كتابة سلسلة مقالات عنوانها  ” أدب البورصة ” ، وكان هذا المقال ليحتلّ مكانه في السلسلة المذكورة دونما شك . وها أنا ، ولأن الحادثة حرّكت فيّ رغبة بالتقاط قلمي ، والبحث عن ورقة ، أراني قد بدأت بالحديث عن واحد من فصول ” أدب البورصة ” قبل أوانه ، إيفاء بوعدي ، وإرضاء لأنانية الرغبة في الكتابة ، وإفادة لمن يهمه هذا الامر .
وعدت العزيز بكتابة مقال أعنونه ” فن التعامل مع الاعصاب ” ، وها أنا أشعر برغبة في تعديل العنوان ليكون ” أدب الرفق بالأعصاب ” ، ظناً مني بأهليته في نقل أبعاد وأعماق ، وفي غرس بذور لأحاسيس ونبضات ، ما كان ليستطيعَها العنوان الأول .
هدفي كان ، وسيبقى ، شيئا من التنوير في درب مَن هدف الى اتخاذ العمل بالبورصة مهنة له . وما انحرافي الآن الى بعض اللقطات المعبّرة المقتبَسة من المسرحية السياسية التي يجري تمثيلها حاليا على المسرح السياسي اللبناني ، إلا رغبة في إلقاء الضوء على كيفية تحاشي الأخطاء ، توفيرا لتحمّل عبئا لا بد أن تورثنا اياه .
اقتبس لقطات من المسرحية السياسية لشدة قربها من حياتنا ، نحن العرب . نحن سياسيون بالفطرة . كلنا سياسيون . نهتم بالسياسة ونعمل بها ونتلهّف لها ، بطريقة تختلف كليا عن عمل وتلهف أهل الغرب ، هي خبز يومي لنا .
نحن كلنا سياسيون ، فإلى إيضاحاتنا التي لا أرمي منها إلى انتقاد ، ولا إلى نصرة فئة على أخرى ، من الفئتين المتصارعتين على مسرح الساحة اللبنانية الحالية ، مع تقديري ومحبتي لهم جميعا ، ومع إعجابي وذهولي بهم جميعا ، لما يتمتعون به من لياقة ، في الأبدان  بتحويلهم المسرح الى حلبة ، وفي الأذواق بامتلاكهم كلّ آداب السياسة وفنون الحكم الراقي والمعارضة الخلاقة .
اقتباسي لمشاهد من المسرحية اللبنانية هذه ، ليست انتقاصا من المسرحيات الأخرى التي يقوم بها ممثلون آخرون في أمكنة أخرى من عالمنا العربي . أرجو التكرم بالنظر اليها من زاوية الأهمية البالغة لما يجري اليوم على المسرح اللبناني ، واختصاره المعبّر لما يجري على المسرح العربي عامة . افتباسي هذا له علاقة ايضا بقناعة كون لبنان في قلب كل مواطن عربي ووجدانه .
أطلنا ، ولنعد الى صلب ما نحن فيه . ألأعصاب وفن التعامل معها ، مسجلين الآتي :
في السجال الدائر منذ فترة حول الأكثرية والأقلية في تكوين نسيج المجتمع اللبناني ، أسجل دعوة أحد الاقطاب الفاعلين في السياسة اللبنانية الى إجراء استفتاء عام حول القضايا المختلف عليها . أسجل أن هذه الدعوة بحد ذاتها كانت إنفعالية الى حدّ ما لكونها غير متناسبة مع الواقع اللبناني الطوائفي .
في رد على الدعوة المذكورة ، إنبرى إبن أحد الاقطاب المعارضين الكبار ، وهو ورث السياسة عن جدّه ، وسار على خطاه ، ويتدرب حاليا على يد أبيه . إنبرى ليقول :  “الكلمة ليست للأكثرية الكميّة ، بل للأكثرية النوعيّة “.
الكلمة هذه خير مثال على عدم إتقان الرجل فنّ التعامل مع الأعصاب واللطف بها ، ممّا أثار في وجهه عواصف من الردود والإتهامات ، إضطرته أخيرا الى محاولة التوضيح لما قصد من كلامه ، دون أن ينجح في ذلك . الكل فهم أن مقاصده هي نفسها ما كان جده يعمل بموجبه ، ويُختصر بالقول أن المسحيين متفوقون على المسلمين في لبنان بامتلاكهم الثقافة الغربية ، رغم تفوق المسلمين بعددهم حاليا . صاحبنا لم يسمع بعد بحقيقة التحولات الأخيرة والتي جعلت من المسلمين في العقود الثلاثة الماضية ، قوّة ثقافية وعلميّة شمولية لا تقلّ عن قوّة المسيحيين الفاعلة . يبدو انه لم يستطع التخلص من المعادلة التي كانت سائدة في السبعينات والتي سمعها من جدّه في طفولته ، وهو في لحظة فلتان لغرائز معينة ، وفي ظل غياب ” فن الرفق بالاعصاب وأدب التعامل معها ” ، أوقع نفسه في مأزق كبير وخسارة كبرى ، أظن أنها ستلازمه تعييرا طيلة حياته السياسية . هذه الحالة من الفلتان لغرائز معينة ولغياب لحالة  ” الرفق بالاعصاب وفن التعامل معها ” ، هي ذاتها التي توقع التاجر في البورصة في مآزق تسبب له الكثير من الإحراج والأسف والندم . وما كان كلامنا عن السياسة ، إلا توسلا للوصول الى النتيجة التي تهمنا في تجارتنا .
 
رئيس حكومة لبنان الحالي عمر كرامي ، وبعد اشتداد الضغوط عليه من طرف المعارضة ، بان عليه التوتر والإنفعال ، قال في تصريح مقتضب : ” باليومين القادمين منفرجيهم ” يقصد المعارضة . الصحف تندرت كلها على دولة الرئيس – الديمقراطية وحريّة الرأي في لبنان تسمحان بذلك – الكلّ انتظر نهاية اليومين ، دولة الرئيس نسي تهديده عندما هدأت أعصابه .  الرأي العام لا يرحم  . لم ينس تصريح دولة الرئيس . الصحف تذكره به بين الحين والحين ، هي تعرف انه لن يجيب ، هو يعرف انها لا تريد جوابا . المسرحية تجري  ، نحن في الصالة نضحك ، إضحكوا معنا . ما يهمني من الأمر هو أن دولة الرئيس في لحظة مهمة من لحظات حياته السياسية ، غابت عنه لفتة الى فصل أساسي من فصول قاموس آداب السياسة ، ما كانت لتغيب عن أخيه الرشيد رحمة الله عليه . هذا الفصل له عنوان متكرّر : ” أدب الرفق بالأعصاب ” . صفقة رئيس حكومة لبنان كانت خاسرة .
 
وزير الداخلية وفي مواقف عديدة ، خرج عن المألوف في الحديث ، ووصل الى حد الشتم بكلام غير لائق . ألكل أجمع على كون معاليه متوتر الاعصاب ، والبعض استرسل في نصحه بوصفات طبية شعبية مختلفة . رئيس طائفته أنبه ناعما . معاليه افتقد في تلك اللحظات ” فن التعامل مع الأعصاب ”  . أخطأ وكان خطأه كبيرا . هذا أمر سيعيره به الكثيرون ، وسيستغله أخصامه ، إن هو ترشح آجلا أو عاجلا الى رئاسة الجمهورية . صفقته كانت خاسرة .
 
زعيم معارض كبير في معرض اندفاعه اتهم حزبا ذا نفوذ مميز بقتل والده قبل ثماني وعشرين سنة ، دون أن يملك برهانا على ذلك . ألأمر ورّطه بدعاوى قضائية  أقامتها عليه الجهة المُتهَمَة . الزعيم المشهود له بالحنكة أخلّ في عمله هذا بقانون أساسي يقضي بالتناغم الدائم مع ميزان الاعصاب الشديد الحساسية . صفقته كانت خاسرة  .
 
كفانا انتقادا ، وللقوم حسناتهم أيضا ، هيا بنا اليها .
 
في قراءتي اليوم لاخبار أمس السبت الموافق ل 12 فبراير 2005 ، لحظت موقفا إيجابيا يستحق رئيس الحكومة التهنئة عليه  .
الخبر التالي قرأته في إحدى الصحف : ” السلطة أقدمت أمس على احتجاز أربعة ناشطين من جمعيات خيرية في العاصمة من الصباح لتفرج عنهم في التاسعة ليلاً، بححة التحقيق معهم في قضية إقدام “جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية” على توزيع صفائح من الزيت على العائلات المحتاجة”.
والمجهود القضائي الذي تبذله النيابة العامة التمييزية وقسم المباحث الجنائية المركزية على هذه القضية لم يتوقف عند هذا الحد، بل تمّ استدعاء الناشطين الأربعة الى التحقيق مجدداً، غداً الاثنين.” انتهى الخبر .
التوقيف كان بتهمة رشوة الناس لاغراض انتخابية . اي اطعام الناس زيتا ليصوتوا في الانتخابات النيابية القادمة التي ستجري بعد شهرين مع الجهة التي تطعمهم اليوم وهي جمعية خيرية تابعة لمؤسسات الرئيس رفيق الحريري .
ليس هذا ما يهمني بالخبر وهو لا علاقة له ببحثنا .
المهم أن القضية تطورت ، نواب جبهة الرئيس الحريري قصدوا قصر العدل لمقابلة المحتجزين . تمّ منعهم من ذلك .  مما دفع بمفتي الجمهورية اللبنانية للاتصال برئيس الحكومة تعبيرا عن رفضه لمنع ايصال الزكاة الى مستحقيها تحت أي ذريعة .
سماحة المفتي اتصل مرة ومثنى وثلاث ورُباع وخُماس ، ورئيس الحكومة لا يجيب . في المرة السادسة وُفق في ذلك . حصل على وعد بالتدخل وإجراء اللازم . 
أيضا ليس هذا ما يعنيني في الأمر . ما يعنيني أنا فيه هو أن الرئيس كرامي قد نجح هذه المرة بامتلاك ” فنّ التعامل مع الاعصاب ”  فأعطى نفسه المهلة الكافية بتأخير المحادثة وتاجيلها والمماطلة بها ، ريثما تكوّنت لديه القدرة النفسيّة الإيجابية ، وريثما تجمّع عنده المخزون الفكري اللازم ، لمواجهة صاحب السماحة بما يمليه عليه الأمر من توازن في الحديث ورصانة في التعبير ، فوفّر على نفسه ردّة فعل متسرعة من نوع : ” منفرجيهم باليومين القادمين ” . رئيس الحكومة أجرى بتصرفه هذا صفقة رابحة .
مع تسجيلي للرئيس عمر كرامي حكمته وحسن امتلاكه هذه المرة – وبايحاء من روحية أخيه المرحوم رشيد – ل ” أدب الرفق بالأعصاب ، وفن التعامل معها ” ، أدعو أعزائي المتعاملين في تجارة البورصة الى التشبه به ، بتأجيل الهواتف التي تأتي في أوقات غير مناسبة داعية بفتح صفقة معينة ، إن سيطر على المتعامل جوّ من انعدام الشفافية ، وكثافة الضبابية في الرؤية ، وبالأخص ان كان الهاتف الداخلي ملحاحا على القول : ” ماذا تنتظر يا هذا ، إشترِ ! ها قد بلغ النهار نصفه ، وأنت لم تعقد صفقة واحدة الى الآن . “
وطالما إني قد سجلت لرئيس حكومة لبنان الحالي هذه الحكمة ، وأقريت له بهذا الأدب السياسي الملتزم ، فلا بدّ من الإتيان على ذكر ما طالما أُعجبت به من مواقف للرئيس السابق لحكومة لبنان . مواقف توحي بأن الرجل يمتلك أدب الرفق بالأعصاب وفنّ التعامل معها بامتياز .
لقد حاولت أن أسجل عليه موقفا أو زلة تساويه هو بغيره ، وتجعلني انا بعيدا عن الانحياز في بحث موضوعي  ، فما استطعت . ما وجدت هذه الزلات على الأقل في المسرحية السياسية التي تدور رحاها الآن على المسرح اللبناني ، والتي بدأت بفصل تعديل الدستور في سبتمبر الماضي .
فن الرفق بالأعصاب الذي يمتلكه رفيق الحريري قد يكون عنصرا مهما وأساسيا من عناصر نجاحه الفائق سياسيا وماليا واقتصاديا . وهو الراوي عن نفسه : ” كانت أمي تجري لنا – أنا وأخوتي – حمامنا الأسبوعي في اللكن المعدني ، وفي نفس الغرفة التي نجلس وننام فيها . وفي صباي عملت صانع دكان يبيع الحلوى ، وهو ما زال موجودا الى الآن ويثير فيّ ذكريات طيبة “. “
أنا على ثقة بأن امتلاك الرجل أدب الرفق بالأعصاب كان ولا يزال من أهم العوامل التي حققت له هذه النقلة النوعية على جميع المستويات .
أخي المتعامل ، لقد أطلت في أمثلة أرجو أن تكون على شيء من التعبير الكافي لتجعلك مستعدا لتفادي مخاطر الاستخفاف بما يجب ان أن يُجَلّ في مهنتنا هذه . وعدي أن نُتبع بحث اليوم بآخر يوسع ما يعنينا نحن في السوق من هذا الموضوع . رجائي من الله أن يفتح ما قد يكون موصدا في وجهك من أبواب تقود الى المزيد من النجاح . ولا نجاح بدون معرفة .
 
 
 

 

 

بائعو التوصيات استنادا الى تحليلات خاصة

2

  –  بائعو التوصيات استنادا الى تحليلات خاصة .    30th January 2005

 
وما أكثرهم !
وما أشق التفريق بين الغثّ والثمين منهم !
وما أصعب من إصدار حكم لهم ، أو عليهم !
كلّهم يتوخون الربح ، كما كلّ واحد في هذا السوق الهائل . فماذا تُراهم يكونون ؟  طهاة مهرة ، أم رماة مكرة ؟
ألاتهامات لهم كثيرة كثيرة ، وقد تختصر في واحدة يرددها الكثيرون : لو كان هؤلاء فعلا طهاة مهرة ، فعلام يلجأون الى بيع توصياتهم ؟ ألا يكفيهم أن يطبقوها بيعا وشراء ، فيحققوا بذلك ثروات طائلة ؟
تهمة سمعتها من أكثر من مصدر ، وفي أكثر من مناسبة ، فلنحاول التأني والتبصروالتدقيق ، ثم نعمد الى إصدار المناسب من الأحكام .
 
في بادئ الأمر ، وقبل كلّ طرح لإشكال ، وقبل كل تعميم لتساؤل ، وقبل كلّ تدقيق بأمر ،  وقبل كل إصدار لحكم ؛ لا يجب الأغراق ، ولا يجوز الغوص في غياهب الشك الذي إن تكاثرت خيوطه بدون رادع علمي منهجي موضوعي ، تحولت الى حبال خشنة تلتف حول أعناقنا وتحوّلنا الى دمى مؤتمرة لكل ما هو ضلال وضياع .  ، إلى ذلك لا يسمح الإنصراف أيضا ، ولا يصحّ الإغراق أيضا في نظرية المؤامرة الغريبة الدائمة التي تحاك ضدنا ، من خصوم نعرفهم حينا ، ونجهلهم أحيانا ، فنحارب ضدهم ،حتى ولو كانت معركتنا ضد طواحين الهواء . الشكّ المتطرف هو مدخل الى سراديب الضلال ، والدخول الى غياهب الضلال خسارة لا منجاة منها ، ولا منقذ من تشعباتها .
 
انا لا اريد ان أتخذ موقفا مسبقا من الأمر قبل الشروع ببحثه ، فيكون مَثلي مَثلُ الطبيب الذي وصف الدواء ، ثم عاد للكشف على المريض وارسال عينات دمه الى المختبر . أنا لا أريد أن أعمل ما أكره ، وأن أسلك مسالك التعصب لرأي في سعي للبحث عن الحقيقة ؛ لكنني لا أخفي سرا إن أنا صرحت بحقيقة تملك عليّ نفسي ، وتشغل كل ذرة في كياني . أنا لا أستطيع أن أرمي الإتهامات جزافا ، أنا أكره الظلم موجها إليّ وأمقته موجها لغيري . فلنسلك دروب الحقّ في بحثنا الدؤوب عن الحقيقة ، ولنا في ذلك من الله العون والتوفيق ، إن هو شاء وأذن .
 
أن يكون بين بائعي التوصيات المنتشرة بين البنوك والمؤسسات والأفراد أناس متطفلين على هذه المهنة ، أو حديثي الوجود فيها ، او أصحاب مصلحة في توجيه القراء من خلال تبليغهم لتوصيات معينة ، لهو أمر من المسلمات الأكيدة التي لا يمكن لصاحب عقل راجح ان ينكر وجوده أو أن يدافع عن نقيضه ، دون أن يكون كلامه موضع شكّ وريبة . إننا نشهد كلّ يوم ، ونتعرف كلّ أسبوع على محلّل جديد  للسوق ، أو مقدم حديث  لخدمة التوصيات أو غيرها ، ثمّ لا يكاد وقت ينقضي ، فنتعرف بطريقة ما على الشخص المذكور ، فنعرف أنّه حديث العهد بهذه المهنة ، وقليل الخبرة فيها ، فهو في الأمس القريب كان لا يزال يسأل عن معاني كلمات من أمثال : ” ترند ”  و ” دفاع ”  و  ” مقاومة ” و ” مؤشر” . وهو في الامس القريب كان لا يزال يستفسر عن الفارق بين كلمتي  ” ترايدر ”  و ” بروكر”  ، وعن الفارق بين هاتين الكلمتين وكلمة  ” ترند “.
نعم يا سادة ، إنّ هؤلاء الأخوة موجودون على كثير من المواقع المستحدثة ، يصولون ويجولون ، يتحفون القراء بنصائح لا تحصى ، يهاجمون من طاب لهم مهاجمتهم ، ويثنون على من طاب لهم الثناء عليه ، وكل ذلك في إطار مصلحتهم الخاصة ، فهم إما قد قرروا ان يصيروا مقدمي مساعدة في الفوركس ، او إنهم قد نظموا أمورهم ، وتمكنوا بكلفة لا تزيد عن الألف من الدولارات ، أن يفتحوا لانفسهم موقعا على الانترنت ، وأن يصيروا مستضيفين لجملة من المهتمين في هذه الأمور . وها هم الآن يتبارون في إصدار الفتاوى ، ويتسابقون في التحريم والتحليل ،  فهذا بنظرهم صليبي متآمر لا يجوز السماع له أو التحدث إليه ، وذاك بنظرهم يصدر توصيات خدمة لبروكر معين وليس مساعدة للمتعاملين ، وذانك برأيهم فاشل عديم الفائدة ، لأنهم لم يسمعوا بعد أن أحدا قد نجح في تحقيق ثروة من توصياته المزعومة .
نعم يا سادة ، إن سيئي السمعة ، حديثي العهد ، قليلي الحظ هؤلاء قد جربوا في بادئ الامر حظهم في التداول وفشلوا  – أقول جربوا حظهم ، وأنا اعني ما اقول ، وما من داخل لهذا المجال تجربة لحظ إلا وقد لاقى الفشل  –  جربوا حظهم ففشلوا ، وها هم يتحولون الآن الى عمل آخر ، ومهنة أخرى ، لقد صاروا صيادي عملاء . إنهم يرمون  شباكهم على كل ماء ، وينصبون فخوخهم على كلّ برّ ، لا همّ لهم  سوى اصطياد عميل  دسم ، ويا للحظّ إن كان العميل غرّا ، كبير الثروة ، كثير المال ، وفير الخير ،  قليل الخبرة ، نادرالتجربة ، لم يفقه الكثير بعد من أسرار هذه المهنة وخفاياها ، فهو سريع في تصديقه ، قليل في سؤاله ، سهل إغراؤه ، متيسر إغواؤه  .
وهذه الفورة المستجدة في نشر المواقع على شبكة النت ، هذا الكمّ الهائل من البائعين والموصين والخادمين ، يستأهل وجودهم حالة من التيقظ والتنبه ، لا أنكر ذلك .
أذكر في هذا المجال رجلا تعرّف على العمل بالفوركس من فترة لا تزيد على السنة ، وهو قد اتصل بي منذ أيام متفاخرا . قال : أنا أملك اليوم أربع مواقع على النت ، وأقدم عليها خدمة الفوركس للمتعاملين . دعائي له : زاده الله من خيره ، وفتح له كنوز الأرض وأبواب المجد .
صاحبنا هذا ، لن يحتاج في حال سقوطه إلى أكثر من إلغاء مواقعه هذه إن اصيب بخيبة ، ثم المبادرة الى فتح مواقع جديدة ، بأسماء جديدة ، وحلية جديدة .
تصل الى مسامعي في كل يوم أخبار مستجدين من الذين ينشرون توصيات على منتديات عربية وأجنبية ، تُطرح علي الأسئلة حول ما اقول فيهم وفي توصياتهم . رأيي واحد : قد يكون بينهم الغثّ ، وقد يكون بينهم الثمين . إن من يفشل بينهم ، لن يكون مضطرا لأكثر من تغيير اسمه ، والاشتراك مجددا بإسم مستحدث ، وإطلاق موجة من التوصيات والتحاليل جديدة ، مجربا لحظه ، ومغامرا على حساب غيره .  
نعم يا سادة ، أمام واقع من هذا النوع لا بد من التحفّظ والتيقظ ، لا بد من التنبه والتفقه ، ولكن حذار من التعميم وإلا بتنا مرضى أوهام تكبّلنا ولا نقدر على الإفلات منها .
وإن نحن عدنا الى صلب موضوعنا ، ودققنا النظر في القول القائل : لو كان بائعو التوصيات طهاة مهرة ، فعلام يبيعون توصياتهم ؟ إن تطبيقها على السوق لكفيل بتوفير الثروة لهم . فماذا ترانا نقول ؟
نقول إنه كلام خطير ، واتهام جائر ، إن هو عُمّم بشكل قطعي .
إذا نحن عممنا القول بأن مقدم التوصيات ، أو بائعها ، لا يرمي من فعلته هذه إلا الكسب  والربح المادي فقط ، فهذا بدء الخطأ ورأس الضلال .
أحبائي !
هل يصحّ أن ننظر الى العتيق المجَرّب الذي حقق نجاحا واضحا في هذا السوق وكوّن خبرة عميقة عبر سنوات طويلة ، هل يصحّ أن ننظر اليه ونحاول الحكم على دوافع تصرفه بعين المبتدئ الباحث عن وسيلة للربح أو الإثراء ؟
هل يصحّ الظن أن نفس الأحاسيس التي تتملك الثاني في تعامله اليومي مع السوق ، هي نفسها وعينها الاحاسيس والدوافع والاهداف التي تملأ وجدان الأول ، فتكوّن مبررات اتصاله بالعالم المحيط به والمتكوّن من متعاملين قديمي العهد او حديثي الدخول في هذا السوق ؟
هل يصحّ الاعتقاد بأن هدف كلّ من نجح في رسم الدرب المؤدي الى النجاح ، وفاز في ترجمة هذا السبيل الى مال تحقق بصورة ربح مادي حقيقي ، هل يصحّ الأعتقاد بأن هدفه مقتصر ، أو يجب أن يكون مقتصرا على تحقيق الربح فقط ؟
 ألا يمكن تصوّر وجود أناس يرغبون في مدّ يد العون لغيرهم من المبتدئين ، لا طمعا باستفادة مادية يحققونها ، بل خضوعا لأنوار شمس أشرقت في نفوسهم ، وتجاوبا مع أحاسيس خير ملأت عليهم قلوبهم ،  فقللت نسبة الأنانية فيها  بقتل سوسة الأنا المسيطرة على النفس البشرية ، وأحلّت محلها رغبة لذيذة  في نشر المعرفة وتعميم العلم وزرع بذور الخير ؟
هل يصحّ الظنّ انّ هذه الفئة من البشر غير موجودة ، لمجرّد كوني أنا ، أو ربما أنت ، أخي القارئ ، غير منتمين لها ؟
أحبائي !
لنعد قليلا الى الوراء ونتبصر في حقائق الامور ، انطلاقا من تساؤلات قد تفتح لفكرنا آفاق علم جديد ، وتزرع فيه بذور قناعات خيّرة .
ماذا لو أنّ أبقراط أو ابن سينا أو غيرهم من آباء الطبّ الاوائل قد قرروا يومها الاحتفاظ بعلمهم لانفسهم ، وحملوا ما حققوه من نجاحات واكتشافات معهم الى القبر ؟
 ماذا لو ان هؤلاء قرروا ألا يختاروا نخبة من المميزين ليكونوا تلامذة لهم يحملون الراية بعدهم ويكملون الطريق ؟  لو أنّ هؤلاء العظماء قرروا الإصغاء الى صوت الأنا دون غيره ، هل كنا لنعيش اليوم ما نعيشه من إنجازات في عالم الطبّ الحديث ؟
ماذا عن بيتاغور وعلومه في الرياضيات ؟ ماذا عن جابر بن حيان ؟ ماذا عن الخوارزمي ؟ ماذا عن مريديهم ومساعديهم وتلامذتهم ؟ ماذا لو أنّ هؤلاء العمالقة قد بخلوا على الانسانية بما علموا ؟
إخواني !
أعذروا تبسطي في ما قد يكون مملا لمن يريد ان يلقى جوابا مختصرا ، جوابي : حذار من الوقوع في فخوخ المدّعين للعلم وهم فيه هواة . هؤلاء كانوا موجودين منذ القدم وسيبقون موجودين الى الازل . هم يعممون ما يعرفون ، ولا يعرفون إلا القليل .
ولكن هل يجوز أن نطلب من كلّ مُصدر لتوصيات ، أو كلّ مُحلل لسوق ، أن يكون قادرا على تحقيق ثروة من توصياته ؟
جوابي على الامر واضح ومختصر : لا يمكن أن نطلب منه ذلك بشكل تعميمي مطلق . قد يستطيع وقد يصطدم بمعوقات تمنعه من ذلك .
ان محلّل السوق قد يكون ناجحا في جمع المعلومات اللازمة لاصدار الحكم الصحيح ، وإصابة الهدف بدقة كاملة ؛ ولكنه لسبب من الاسباب ، نفسيّ أو عصبيّ أو ماديّ ، قد لا يستطيع النجاح في تنفيذ مايراه ، وتحويل علمه ومعرفته وتحليله الى نجاح مادي مترجم بربح مال من صفقات يعقدها بشكل يومي .
 إن محلل السوق هذا قد لا يمكنه وضعه المادي من تأمين المال الكافي للمتاجرة وتحويل علمه الى ربح . ومن أمثال هؤلاء أعرف الكثيرين .
 إن محلل السوق هذا قد لا يمكنه وضعه النفسي من المتاجرة الفعلية ، فهو يعرف ولا يستطيع . ومن أمثال هؤلاء أعرف الكثيرين .
وكما هو الحال في ساحة المعركة ، قد يفشل القائد إن هو تحوّل الى جنديّ  فلا يستطيع تنفيذ الخطة التي كان قد وضعها ، ويستحيل طبعا على الجنديّ أن يضع الخطة اللازمة لتحقيق النصر . هنا ايضا ، لا أشترط على المنفذ ان يكون قادرا على إصابة العمق في التحليل والدراسة كما يستطيعه الخبير المجرّب . ولا أشترط على الخبير المحنّك أن يكون قادرا ، وبكلّ حذاقة ، أن ينفذ كلّ خطة وضعها بنفسه ، كما قد يستطيعه مساعد له ، او تلميذ عنده ، أو متعامل واثق بعلمه ومتلق لرأيه .
والخبير المُحلّل والمُجَرّب ، هل أطلب منه أن يقدم لي كمتعامل ما أراه أنا في السوق ؟
لا طبعا ، هو سيقدم ما يراه هو من أمور .
والخبير المحلل والمُجَرّب ، هل عليّ أن التزم بما يراه بشكل أعمى ، وأنفذ دون اعتراض ؟
هذا يعود لي كمتعامل ، ولنسبة الخبرة التي تكونت عندي ، ولنسبة الثقة التي أوليه إياها . قد أنفذ ما يقول ، وقد أستنير فقط  بما يقول .
والخبير المُحلل والمُجَرّب ، هل أطلب منه أن يقدم لي كمتعامل توصية مصيبة في كل يوم وفي كل ساعة ؟
لا طبعا ، هو سيصيب في آن ، وسيخطئ في آن . المهم أن يصيب في كثير من الأحيان .
إخواني !
إن كلّ هذه الأمثلة التي ورد ذكرها ، إنما هي متواجدة على كل ساحة ، وفي كل بلد ، وفي كل لغة ، ولا يقتصر وجودها على لغتنا العربية أو مواقعنا العربية . بائعو التوصيات ومصدروها ، بينهم الطهاة المهرة ، وبينهم الرماة المكرة ، نرجو الله أن يمنّ علينا كلنا بنعمة البحث والتدقيق ، منجاة من الفخوخ ، ووصولا الى ما تصبو اليه النفس ويتمناه الفؤاد . 
 
 

 

تساؤلات اضافية مشروعة لا يقصد منها الا التنوير

ج – تساؤلات اضافية مشروعة لا يقصد منها الا التنوير

!!!   17th January 2005

 
وبعد كل ما تقدم ، فقد وقفت مليا أمام آحصاء بلغني من قبل أحد المهتمين بواحد من البرامج التي اسهبنا في الحديث عنها في المقالتين السابقتين ، ودققت النظر في النتائج التي حققها هذا البرنامج والتي تشمل سنتين اثنتين من العمل ، فلفتت نظري أمور عديدة لا بدّ من التوقف عندها .
1 – ان واحدا من هذه البرامج – وهو يعتبر من أشهرها ويصح أخذه نموذجا عنها كلها – قد حقق على اليورو دولار :
 في العام 2003  نتيجة قاربت ال 3000 نقطة .
 في العام 2004 نتيجة قاربت ال 2000 نقطة .
 بينما حقق على اليورو  ين نتيجة :
 في العام 2003 بلغت ال 2000 نقطة .
 في العام 2004 نتيجة بلغت 1800 نقطة .
نعم ،أخي المهتم بهذا  الآلي العبقري . ان أخذت نتيجة السنتين لليورو دولار تجد انها بلغت 5000 نقطة . وان انت حولتها الى عملة تكون 50.000 دولارا بعقد واحد فقط يحتاج للانطلاق به حسابا يمكن ان يقتصر على 2000  دولار فقط .
لا شك أنها مغريات هائلة ، وهي قد تصح . ولكن !
ان انت حوّلت هذه النتيجة الى نتيجة شهرية يتبين لك ان ما تحقق في الشهر وبالحساب النسبي كان 200 نقطة فقط .
وان انت عدت الى اليورو ين ، لوجدت ان النتيجة الشهرية كانت 150 نقطة فقط .
150  او حتى 200 نقطة في الشهر ، لفظة أقل لمعانا ، وأخف تأثيرا ، وأضعف آغراء من لفظ ال 5000 . هذا لا شك فيه على الاطلاق .
والنقاط المذكورة هذه  ، سواء كانت 200 او 150 نقطة ، هي أقصى ما يمكن لهذا البرنامج تحقيقه . هذا ما لا يجب أن ننساه أبدا . إن انت نجحت ، أخي المتعامل ، في فتح كل الصفقات التي حدّدها خلال الشهر ، وبالتالي خلال السنتين . أي بمعنى آخر : قد تحقق نتيجة أقلّ من هذه المعلنة بكثير ، ولا يمكن لك باية حال أن تحقق نتيجة أفضل من هذه المذكورة .
والنقاط هذه ، أخي المتعامل ، سواء كانت 200 او 150 نقطة ، يسهل عليك أنت ، كما يسهل على كل واحد أن يحققها  ، إن هوعمل على صقل قدراته الذاتية ،  وتنمية امكاناته الفكرية ، وتطبيق قناعاته المنطقية ، واحترام معطياته الموضوعية ، وترويض انفعالاته العاطفية ، ولجم اندفاعاته المتسرعة .
والنقاط هذه ، أخي المتعامل ، سواء كانت 200 او 150 نقطة ، يسهل عليك أنت ، كما يسهل على كل واحد أن يحققها  ، إن هو ابتكر لنفسه برنامجا ميكانيكيا بسيطا ، مرتكزا على أي مؤشر من المؤشرات التقنية كمثل :
التقاطع بين خطين متوسطين انسيابيين كخط ال 10 وال 50 وحدة  ، او كخط ال 20 وال 100 وحدة  ايضا ، على سبيل المثال لا الحصر .
الاعتماد على مؤشر ال RSI  مثلا في حالات انخفاضه الى قيمة تتجاوز ال 30 ، أو في حالة ارتفاعه الى قيمة تتجاوز ال 70 . أو في حالات التعاكس في الاتجاه بينه وبين وجهة السوق لزوج من الازواج المذكورة سواء كان اليورو دولار او غيره .
الاعتماد على تقنية التحليل المرتكز على أشكال الشموع اليابانية الشهيرة ، واختيار مواضع يصح اعتبارها اشارات شراء او بيع مشجعة .
الاتكال على ال MACD  في حالات التقاطع بين خطيه من الاسفل الى الاعلى ، او من الاعلى الى الاسفل .
أخي المتعامل !
ان تحقيق 150 نقطة شهريا من الوجهة النظرية ، هو أمر يسير حدوثه الى درجة السلاسة ، بالاستناد على أية طريقة من طرق التحليل ، كما بالاستناد على أية طريقة لم يسبقك أحد غيرك على ابتكارها .
ولكن تحقيق ال 150 نقطة بموجب طريقة نظرية ، لا تعني تحقيق 1500 دولارا في الشهر بطريقة تلقائية تطبيقية .
ان ال 150 نقطة قد تتحول الى 1500 دولارا ، هذا أمر ممكن ، ولكن !
عليك أن تشتري كل الصفقات ( ليلا  نهارا ) . كل الصفقات التي أوحى لك بها البرنامج  – الذي ابتكرته انت او الذي اشتريته من مبتكره –  ، عليك ان تنفذها دون أي تردد ، ودون أي شك ، ودون أي خوف ، ودون أية خشية ، ودون أي طمع ،  ودون أية رجفة يد ، ودون أية رفة جفن ، ودون أية دقة قلب .
 دون أي تشاطر على البرنامج ، ودون أي تدخل في عمله ، ودون أي عطل للانترنت ، ودون أي توقف للجهاز ،  ودون أي انقطاع للتيار .
 دون أي تأخر في تنفيذ صفقة من قبل البرنامج ، ودون أي امتناع عن إجراء طلب من قبل الشركة ( خاصة في وقت صدور البيانات الحساسة ) .
أخي المتعامل !
هل لاحظت معي دقة الموقف ؟
 
في تأملي لنتيجة حققها واحد من هذه البرامج في شهر واحد كمثال على عمله ، تبين  لي انه حقق النتائج التالية :
0 / +40 / + 5 / +165 / + 135 / – 100 / 0 / + 55 / + 85 / -10 / +40 / +10 / – 100 / 0 / +15 /+ 45 / +75 / +181 /  – 110 / 0 / 35 +/ +159 .
ان ما يهمني من هذه النتيجة هي الارقام التالية :
165 / 135 / 181 / 159 .
والسؤال هنا هو :
ماذا لو ان واحدة من هذه الصفقات الاربع فاتتك لسبب من الاسباب ؟
الجواب هو واضح  وأكيد :
لقد تحولت نتيجة الشهر الى الصفر .
وان فاتت هذه الصفقة لسبب ما ، فقد اختلّ اتزانك الفكري ، وتعطلت ثقتك الراسخة ، وشككت بكل شيء سبق واعتمدته كواجب لوجود أكيد . وها أنت تتراجع عن إجراء ما تبقى من صفقات ، فتترك البرنامج . وان انت لم تتمالك اعصابك ، فسترى نفسك منجرا تحت تأثير الصدمة النفسية الى لعن البرنامج  وصاحبه ومعرفك عليه في آن .
 
وقد يقول قائل :
ولكن هناك ال -100 / -100 / -110 / .
فقد يفوتني منها ايضا شيْ  واكون من الرابحين بتوفير الخسارة . وتزداد ثقتي ، وتتقوى قناعتي ، وأبلغ أفضل مما خططتت  له .
الجواب هو واضح وأكيد :
نعم هذا ممكن  . ولكنه نادر الحدوث .
وان هو حدث ، فان تاثيره الايجابي على النفس يبقى قاصرا عن تعويض صدمة سببتها عرقلة في تنفيذ صفقة كان ربحها وفيرا . إن كل تفويت لصفقة رابحة ، تحتاج الى تفويت لاجراء 3 صفقات خاسرة أو اكثر ، لتترسخ الثقة ، ويصفو الوجدان ، وتشتد العزيمة ، وتتزن النفس ،  وتشعر بالاطمئنان الى حسن سير العمل في مثل هذه البرامج .
 
وفي آخر المطاف ، وفي سؤال بدا لي ساذجا ، فضحكت كثيرا له ، وسخرت من نفسي لمجرد التفكير به . ولكنني رغم ذلك لم أقو على طرده من مخيلتي ، فهو لا يزال يراودني ، ويضحكني  .
ماذا لو أن واحدا من هذه البرامج أثبت عبقريته الفائقة ؟
ماذا لو أن اعتماده تم عالميا ؟
ماذا لو ذاع صيت هذا  العبقري  ووصل الى أسماع القيمين على البنوك ؟
ماذا لو قرر هؤلاء الاستغناء عن مئات وألوف الترايدرز المحنكين عندهم ، واستبدالهم بالسيد عبقر ؟
ماذا لو وقع مسؤولو البنوك المركزية في غرام السيد عبقر ، والكل يعرف انهم تجار اساسيون في سوقنا هذا ؟
ماذا لو حصل كل هذا ، اخي المتعامل ؟
هل تعرف ماذا سيحصل إذذاك في سوق العملات العالمي ؟
أنا سأقول لك :
كل المتعاملين سيكونون من الرابحين ، كلهم على السواء ، كبارا وصغارا ، لن يكون هناك خاسرين .
وستنصرف مطابع البنوك المركزية الى طبع العملات  ( ورقا ملونا مزخرفا )  وضخها في السوق ، لتغطية ارباح المتعاملين .
وحدهم سيكونون متضررين : مزورو العملات . فقد سلبتهم الان البنوك المركزية كل حقوقهم ، وها هي تمارس المهنة نيابة عنهم .
وسيعمّ الخير ، وتنتشر النعمة ، ويسيطر السلام على المعمورة .
وستبلغ معضلة فلسطين نهايتها السعيدة ، وكذلك معضلة العراق ، فلا يبقى مبرر للصراع على آبار النفط فالمال أهم من النفط ، والمال بات متوفرا فعلامَ الصراع .
وستتساوى البلدان العربية المنتجة للنفط والمنتجة للفقر .
ولن  يبقى شيئا يستحق الصراع من اجله .
 
ليتك تتساذج معي أخي المتعامل ، ونتضاحك سوية لبرهة .
على ماذا ؟
على كل شيء ، وعلى لا شيء .
على سذاجتي ، وعلى سذاجتك .
 
أخي المتعامل ، تعالى نتضاحك ، ونتساذج ، ونتمازح ، وان شئت تعالى نتساخف !
لا بأس في ذلك ، ولكن !
إياك أن تستخف في الامور المصيرية !
هل تريد تحقيق ربح في هذا السوق ؟
أنت من سيحقق هذا الربح .
لا أحد غيرك .
أنت وهو وأنا .
نحن .
 
 
 

 

 

تساؤلات تثير الشك في امكانية تحقيق المعلن عنه من نتائج

2 – –

تساؤلات تثير الشك في امكانية تحقيق المعلن عنه من نتائج  !!!   10th January 2005

 

غالبا ما نقف في مثل هذه البرامج الميكانيكية التي يروج لها أصحابها على كونها آلة سحرية كفيلة لوحدها بانتاج ما لا يمكن تصوره من ربح  ، غالبا ما نقف في مثلها أمام نتيجة مفصلة تغطي مساحة زمنية تتراوح بين السنة والسنتين ، تمكن البرنامج خلالها من تحقيق ربح لا يقل باية حال عن الاربعة آلاف نقطة في زوج واحد من الازواج المتعددة .
نعم ، في زوج واحد فقط . وأي زوج من الازواج هو ؟
ان كل هذه البرامج تعطينا ربحا قد تحقق على بعض من الازواج الرئيسية الاربعة : اليورو  دولار ، او السترليني دولار ، او الدولار فرنك ، او اليورو ين ياباني ، او الدولار ين ياباني . لماذا يا ترى ؟ وأين تكمن المخاطر في مثل هذا الاختيار ؟
انه من البديهي القول ان الازواج الرئيسية المذكورة تعرف تبادلات يومية عالية بحيث يجعلها مؤهلة اكثر من غيرها لتامين تحركات بالغة الاهمية تكفل تحقيق ربح محترم ان أصاب المتعامل أو البرنامج الميكانيكي في اختيار اللحظة المناسبة لفتح صفقته . ومن البديهي القول بان الفارق بين العرض والطلب على هذه الازواج يكون منخفضا قياسا على الازواج الاخرى مما يشكل عنصرا ايجابيا يصب في مصلحة المتعامل وزيادة نسبة ربحه . كل هذا يعتبر صحيحا ، ولكن أسئلة محددة تبقى مشروعة ، وتبقى الاجابة عليها وحدها كفيلة بازالة التشكك ، أو إثبات أحقية المخاطر المحدقة بالامل المنشود في صورة تحقيق ربح على المدى الطويل اتكالا على هذه البرامج .
السؤال الاول المطروح هو : لماذا اختار مبرمج هذا البرنامج اليورو دولار والدولار فرنك لتطبيق برنامجه عليه ؟
لا يخفى على اي لبيب تابع العمل في هذا السوق ، بان هذين الزوجين متلازمين في حركتيهما تلازما عكسيا  شديدا يبلغ أحيانا حد التطابق . فان نحن اخذنا الرسم البياني للزوج الاول وقلبناه راسا على عقب ، وقارنناه برسم الزوج الاخر ، لوجدنا ان الخلاف بينهما يكاد يكون معدوما الى حد كبير .
ماذا يمكن لهذا الامر ان يعني ؟
بكل بساطة سيعني هذا الامر تقاربا شديدا بالنتيجة المحققة على الزوجين ، تقاربا يسمح بالتقدير بان شراء عقدين اثنين على زوج واحد منهما يمكن أن يحقق نفس النتيجة التي تحققت من خلال شراء عقد واحد على كل منهما .
وبكل بساطة ايضا سيعني هذا الامر ان اختلالا معينا في فترة زمنية ما ، ولسبب مجهول ما ، على نتيجة زوج من هذين الزوجين سيكون مرشحا ايضا للظهور على نتيجة الزوج الاخر وستكون الخسارة مزدوجة ايضا .
السؤال الثاني المطروح هو : لماذا لم يقدم مبرمج البرنامج المذكور لنا النتيجة التي حققها برنامجه على بقية العملات المتداولة في السوق ؟ وهل ان تطبيق البرنامج المذكور عليها كفيل بان يحقق نتيجة ايجابية ايضا ؟
هنا ايضا لا يمكن أن يخفى على اي لبيب بان حركة زوج مثل اليورو فرنك سويسري ، او اليورو جنيه سترليني ، او الدولار استرالي دولار اميركي ، تختلف اختلافا كليا عن حركة العملات المختارة لتطبيق البرنامج عليها واعلان نتائجه . حتى الدولار ين ياباني يعتبر ذا خاصية محددة في الحركة ، أكاد أقول انه يحتاج الى برنامج خاص به ليتمكن من تحقيق الربح المنشود ، رغم كونه واحدا من العملات الرئيسية التي تتمتع بسيولة عالية في التعامل تؤهله لان يصنف بين العملات الرئيسية المثلى .
 ولعل هذا الاختلاف في الحركة هذه ، وفي نسبة الترند المحقق ، تنعكس ولا شك على النتيجة المحققة من قبل البرنامج ربحا أو خسارة ، ولعل هذا الاختلاف هو السبب الكامن وراء اختيار عملات محددة وصرف النظر عن عملات اخرى ، كون الاولى تحقق ربحا بينما لا تحقق الاخرى سوى خسارة .
وهنا قد يقول قائل : وما همنا في ذلك ؟ ان كان البرنامج قد حقق ربحا على زوج محدد ، فعلام لا نطبقه على هذا الزوج ونجني الربح الطائل منه ؟
رويدك اخي ! لا يغرّنّك الاندفاع ، تمهل قليلا ، لا تهمل التدقيق في الامر .
اذا كان البرنامج المذكور قد حقق الربح الوفير على زوج اليورو مقابل الدولار ، ولم يحقق الا الخسارة على زوج الدولار مقابل الين مثلا ، فهل يمكن لمخلوق أن يضمن استمرار اليورو دولار على نفس الوتيرة حركة ونبضا وسرعة وتقلبا ؟
هل يمكن لمخلوق أن يضمن رسما بيانيا لهذا الزوج شبيها لرسمه في السنتين الماضيتين ؟
هل يمكن لنا الحصول على نفس النتيجة على رسم بياني قد يتراوح خلال السنتين القادمتين بين سعرين هما 1.3500 وال 1.2500 مثلا ، كما حصلنا على نتيجة لرسم بياني ارتفع في السنتين الماضيتين من ال 0.8000 الى ال 1.3500 ؟
هل يمكن لاي مبرمج ان يضمن بان لا يتحول اليورو دولار مستقبلا الى حركة شبيهة بما هو عليه اليوم اليورو فرنك مثلا ، او اليورو دولار استرالي مثلا ؟
وقد يقول قائل : ان حصل هذا التحول ننتقل ببرنامجنا الى عملة أخرى .
 رويدك اخي ! لا يغرّنّك الاندفاع ، تمهل قليلا ، لا تهمل التدقيق في الامر .
كيف سيمكنك تحديد الوقت الذي سياتي به هذا التحول ؟  من هي الجهة التي ستنبئك به ؟ هل من برنامج ميكانيكي آخر يمكنه ايضا القيام بهذه المهمة ؟
ان حصل هذا التحول ستكون انت ضحيته الكبرى . في بدايته ستظن أن المرحلة هي مرحلة خسارة مؤقتة لا بد ان تتلوها محطات ربح تعوض فيها ما خسرته ، وستتلو مرحلة الخسارة الاولى مراحل اخرى ، وستزداد الخسارة ، وستزداد معها الحيرة والارتباك ، ولن تجد نفسك الا وقد وقعت في فخ زمن عاد السوق ليسرق منك فيه ما قدمه لك في زمن آخر . ولن تستطيع الا ضرب كف بكف ، والعياذ بالله من الشيطان الرجيم .
وقد يقول قائل : يكفيني ان احقق ربح مرحلة قادمة لفترة سنة او سنتين ثم أحجم عن التعامل حفاظا على ما حققته .
رويدك اخي ! لا يغرّنّك الاندفاع ، تمهل قليلا ، لا تهمل التدقيق في الامر .
ومن هي الجهة التي ستضمن لك ان المرحلة السوداء لن تبدأ الان ؟ أو انها قد بدأت لتوها مع بداية هذا الشهر ، أو هذا الاسبوع ، أو هذا اليوم ؟ وان صح هذا فانت لن تحقق ربحا ولكنك ستبدأ مباشرة بالخسارة . وان طالت مرحلة الخسارة فلن يكون للداء من دواء .
أخي المتعامل !
ان العامل الذي قد يخفف من هذه المخاطر ، يكمن في اطلاعك على ما حققه البرنامج الميكانيكي من نتائج على كل ازواج العملات المتداولة في السوق ، وليس على أزواج معينة ،  ولفترة لا تقل عن سنوات ثلاث . فان كان قد حقق نتيجة جيدة عليها كلها ، وفي نفس الفترة الزمنية ،  فان نسبة التخوف من مطبات قادمة وفخوخ مجهولة تخف ولا شك ، ويكون بالامكان في هذه الحالة الاقدام على هذا العمل بثقة نسبية ، تجعل أحقية الامل راجحة على كفة الخوف والتشكك .
أخي المتعامل !
ان كنت قد عقدت العزم على البدء بالتعامل معتمدا على برنامج من هذه البرامج المطروحة في التداول ، ان كنت قد بلغت هذه المرحلة واتخذت هذا القرار ، فانا لا اسعى لادخال الشك الى نفسك بنسف كل القناعات التي تكونت عندك ، أو إذابة كل الآمال التي بنيتها في نفسك من خلال اتخاذك لهذا القرار . انا أرمي فقط الى التنوير القائم على معطيات موضوعية واحتمالات منطقية ، والتنبيه الى أحداث مستجدة  قد تطرأ في الفترة التي تتعامل انت بها بواسطة هذا البرنامج فتقع انت ضحية مفترضة مع من يقع من المتعاملين . وقد لا تطرأ هذه الاحداث ، فتنجو انت منها مع الناجين ، وتحقق قسما او كلا من الربح الذي أمّلت النفس بها .
أخي المتعامل !
ان نجوت من الفخوخ التي تم شرحها ، وصار الى التنوير عليها في القسم الاول من هذا البحث ، وان نجوت من الفخوخ التي شرحنا أبعادها وفصلنا احتمالات وقوعها في هذا القسم ، وان نجوت من الفخوخ التي سيتم شرحها وتبيان مخاطرها ايضا في القسم القادم ؛ ان حصل كل ذلك ، فأنت ستبلغ مرادك ، ولا شك ، وستحقق الربح المنشود ، أو شيئا منه .
نعم ان ذلك لحاصل .
ولكن ! 
بعد اجتياز الكثير من الحواجز ، وتذليل الكثير من العقبات .
واعلم أنّ لعامل الحظ القسط الوافر في رؤيتك المنارة وبلوغك الميناء . 
أخي المتعامل !
نحن نحقق ارباحنا  في هذا السوق . نحن ، أنت وأنا نستطيع ذلك . ومن أراد استطاع .
لنعمل على تهذيب طباعنا ، وتدريب أنفسنا ، وترويض انفعالاتنا ، والتحكم بقراراتنا . لنعمل على خلق شخصية التاجر المؤهل على الصمود في الساحة هذه . لنسعى الى برمجة شخصيتنا وفكرنا وأعصابنا برمجة موضوعية علمية هادفة .
لنفعل كل ذلك ،  فننجح .
ننجح في ابتكار أفضل برنامج تداول .
هذا البرنامج سيكون اسمه : أنت وأنا .
 
ج – وفي البحث القادم تساؤلات اخرى مشروعة ، قد تلقي المزيد من الضوء على الموضوع المطروح .
 
 

 

 

 

بائعو التوصيات استنادا الى برامج ميكانيكية

1 — بائعو التوصيات استنادا الى برامج ميكانيكية ؟

  – 22th December  2004

 
يكثر الحديث في الوقت الراهن عن البرامج الميكانيكية التي يروج لها البعض بكونها تتمتع بمقدرة فائقة على تحقيق الربح الطائل ، دون ان يكلف المتعامل نفسه اي مشقة ولا حتى مشقة البيع والشراء ، ذلك ان البعض منها يصار الى ربطه ببرنامج التداول بحيث يكون بامكانه ان يجري العمليات فتحا واقفالا دون الحاجة لاي تدخل من قبل العنصر البشري الذي تقتصر مهماته على إحصاء ارباحه بحسب زعم المبرمجين والمسوقين . . .
كثرت الاتصالات بنا مؤخرا ، استفسارا واستمزاجا ، حبا بالاستنارة قبل الاشتراك ، ورغبة بالاستنصاح قبل الوقوع في خطأ برامج مجهولة خفاياها على الكثيرين من حديثي المعرفة بهذا الباب . لذلك راينا المباشرة في التدقيق بهذا النوع من التوصيات ، وتقديم بحثه على غيره ، آملين التوفيق من المولى الى ما فيه الحقيقة والصواب .
 
ا – ان أول حجة يلجأ اليها المروجون لهذه البرامج ، هي كونه يوفر للمتعامل حظ التخلص من الانفعالات النفسية ، فلا يلجأ الى اقفال صفقة قبل موعدها ، أو الى فتح صفقة في غير موضعها ، تحت ضغط عامل الطمع بربح أو الخوف من خسارة . فما مدى صحة هذا الزعم ؟
من حيث المبدأ ، ومن الوجهة النظرية الصرفة ، أجد ان الكلام الوارد في هذه الحجة من الصحة بحيث يصعب نكرانه على صاحب القول . فالبرنامج لا أحاسيس له لتتأثر ، ولا مشاعر له ليخاف ويطمع ، بل هو قد لقّم بمعلومات محددة ، يقوم بالاعتماد عليها باتخاذ القرارات وتنفيذها ، بصرف النظر عن الحركة الحاصلة في السوق ، أسبابا ونتائجا ممكنة . وبهذا لا يخفى على احد تميّزه عن الكائن البشري الذي يجد نفسه فريسة لكثير من التجاذبات النفسية التي تعيق عليه دربه وتمنعه من تنفيذ ما خطط له في كثير من الحالات ، سيما ان كان في طور تعامله الاول . البرنامج لا يتردد امام قرار . هو لا يطمع بربح اضافي ، هو لا يعمد الى آغلاق صفقة قبل موعدها ، هو لا يراقب مواعيد البانات ولا يحلل نتائجها ، وهو قبل كل شيء لا يحتاج لقرار مبني على معطيات موضوعية مقنعة ومتخذ بعد تدقيق مبني على خبرة سنوات في هذا العمل الشاق .
رجل آلي بكل ما للكلمة من معنى ، يعمل لك وعنك ، حتى الارباح هو يحصيها ويسلمها لك مكدسة في حسابك . فهل هذا صحيح ؟
نعم ، قد يكون صحيحا ، هو يسلمك الارباح مكدسة في حسابك ، ولكن ، ان هو تمكن من تحقيقها .
وما المعوقات التي قد تمنعه من التغلب على الانفعالات النفسية التي توقع بك انت وتدفعك الى الخسارة ؟
انت هو المعوق الاكبر ، صديقي المتعامل ، واليك الدليل المبني على مثل بسيط :
لقد اشترى البرنامج المذكور صفقة يورو دولار على ال 1.3300 ، ووفق في شرائها بحيث ان السعر بلغ بحركة سريعة غير منتظرة حدود ال 1.3450 ، محققا بذلك ربحا محترما . وانت ّ اين انت في هذه الفترة ؟
انت تجلس أمام الجهاز ، تراقب الوضع بكل امتنان ، تكاد تصفق لهذا العبقري النادر الوجود ، تزيد نبضات قلبك مع كل ارتفاع ، تتناقص الى حد الانعدام مع كل تراجع تصحيحي ، توشك ان تتدخل في عمل العبقري المذكور ، تمسك انفاسك ،  تودّ لو كان باستطاعتك ان تكلمه ، ان تسدي له النصح ، أن تقول له اقفل الصفقة ارجوك . يبلغ الربح القمة التي كنت لتحلم به لو انك تتعامل أنت بنفسك . 150 نقطة . تحولها الى دولارات . هي 1500 دولارا بعقد واحد . وان كانت عقودك 100 فالربح 150.000 دولارا . ربحت 150.000 دولارا ، تريد ان تجني ربحك ، تريد ان تغتنم الفرصة ، وكلك يقين من ان السوق في مثل هذه الحالات قد يرتد على اعقابه ، فيضيع منك ما تحقق . تبدأ بالتكلم مع البرنامج الاصم : اقفل الصفقة ايها المعتوه ، ما تراك تنتظر ؟  انت تريد ان تتدخل ، توشك ان تمدّ يدك لاقفال الصفقة ، ولكن صوتا داخليا يقول لك : دعه هو يعرف عمله . اما هكذا اوصاني بائع البرنامج ؟ اذن لانتظر ، العبقري يعرف ما عليه فعله .
والمعتوه لا يجيب ، هو أصمّ أخرس ، لا يأكل ألا من لون واحد ، ولا يفقه الا لغة واحدة ، لغة لقنه اياها مبرمجه ، وهو لن بتعلم غيرها على الاطلاق .
وما هي الا لحظات ، حتى يرتد السوق متراجعا ، فتضيع النقاط كما تحققت ،  وتوشك ان تضيع ال 150.000 من الدولارات كانت منذ لحظات في يدك ، ها هي تتحول الى ربح هزيل لا يتجاوز ال 5000 آلاف دولارا بدقائق خمس . هنا يفيق الرجل الآلي من ثباته ويقرر اقفال الصفقة . لعنه الله ، غبيّ ابن اغبياء .
وتنتظر الصفقة الثانية فتاتي . انت في حسرة لا يسهل على امرئ تجاوزها ، وفي نقمة لا يمكن لمخلوق تخطيها . يقرر الآلي الشراء . تسير الصفقة في الربح . تبلغ ال 50 نقطة . يتملكك شعور غريب ، يملأ عليك نفسك ، يتحكم بكل خليّة من خلاياك ، يوجه كلّ ذرّة من كيانك . يتحول هذا الشعور الى صوت عميق يقول : لا تدع هذا المعتوه يتحكم بربحك وجنى عمرك ، هيا اقفل الصفقة الان ، وعاود الدخول فيها في التصحيح الاتي ، فتعوض ما سبق له ان ضيعه عليك .
وبحركة لا شعورية ، وبقرار غير متعمد ، تمتدّ يدك الى الجهاز وتقفل الصفقة . ولكن السوق يكمل دربه ، انه لا يصحح ، وتضيع عليك فرصة تحقيق 200 نقطة من الربح كانت لتساوي 200.000 دولارا لو انك لا تزال موجودا في السوق .
وتتملكك الحسرة ، ويملأك الحزن ، ولكن ما قدّر قد كان .
نعم صديقي المتعامل ، برنامجك هذا لا يتاثر بالانفعالات العاطفية والمعوقات النفسية الي تتعرض لها انت . نعم هذا صحيح ، ولكنك انت ستكون انفعالاته ، وستنقل العدوى اليه بتدخلك بين الحين والحين بقراراته . وبهذا ستنتفي حجة المسوقين للبرنامج ، فهو لم ولن يقوى على التغلب على الانفعالات النفسية ، وستكون انت عائقا اساسيا يمنعه واقعيا من تحقيق الربح الذي حققه من الوجهة النظرية ، هذا ان لم تكن انت قادرا على التغلب على انفعالاتك .
نعم صديقي المتعامل ، لا تعول على هذه النقطة ، ولا تصنفها في مصاف الايجابيات ، الا ان بتّ على يقين تام بقدرتك على امتلاك اعصابك ، وامتناعك عن التدخل في عمل عبقريك هذا . وان انت استطعت ، فيجب ان تكون قادرا ايضا على توجيه انفعالاتك النفسية حتى في الصفقات التي تبرمجها انت وفقا لاستراتيجية عمل ترسمها بنفسك . اما ان لم تستطع فعل ذلك ،  فتكون الحجة الاولى والاهم قد تعرضت لازمة ثقة كبيرة ، تجعل الفرق بين الموعود وبين التطبيق شاسعا ، وهي بذلك تشكل عاملا مهما من العوامل التي ستحول دون قدرتك على تحقيق الربح الذي حققه – او يدعي انه حققه – مسوق البرنامج المذكور .
 
ب – 
 
 وفي الاجزاء القادمة للبحث معوقات اخرى سنعمد الى بحثها تفصيلا ، ان شاء الله وأذن .  
 
 
 
 
 

 

 

بائعو التوصيات : طهاة مهرة ، أم رماة مكرة ؟ا

بائعو التوصيات : طهاة مهرة ، أم رماة مكرة ؟

  – 11th December  2004

 

إن كان بائع التوصيات عبقريا ، كما يدعي ، فلماذا يعمد الى بيع توصياته ؟ أفلا يكفيه أن يطبقها ويجني منها ربحا هائلا ؟

سؤال يطرحه المهتمون في هذا النوع  من العمل ، منذ ان كان هذا العمل ، وسيستمرون في طرحه الى ما شاء الله .  

رويدك اخي ! لا تتعجل في الحكم ، إنّ لبعض الظنّ إثمٌ .

رويدك أخي ! لا تتعجل في التصديق ، إن لفي التدقيق خير من التسرع .

الجملة الاولى في ما تقدم ، تتضمن الكثير الكثير . سنعمد – بحكمة الحكيم ، ودقة العالم ، وذمة القانوني ، والتزام المؤمن – الى بحثها ، والتدقيق فيها ، وتحليل ما يختبئ بين كلماتها ، في محاولة للخروج من كل ذلك بنتيجة ترضي العقل والضمير في آن .

البحث الموعود سياتي على مراحل متتابعة ، والجزء الاول سيكون بمتناول من يهمه هذا الامر قريبا جدا باذن الله .  

 

 

 

إن شئت أن تعمل جمّالاً عليك أن تعلّي عتبة دارك

إن شئت أن تعمل جمّالاً عليك أن تعلّي عتبة دارك  – 27th November  2004

 
مثل عربي معروف ، فيه ما فيه من العبرة والتفكه  . ان ذكره اللبنانيون والسوريون قالوا : البدو يعمل جمّال بدو يعلي عتبة دارو .
خطا الاوروبيون خطوات جبارة في توحيد قارتهم ، وما ان وصلوا الى توحيد العملة حتى اشتدت المخاوف من احتمال الفشل ، وارتفع معيار التحدي ، إذ لا يجوز ل ” مسيو يورو – او – هارر يورو ” أن يكون اقلّ شأنا من ” مستر دولار ” .
قوة العملة هي  ،  ولا شك ، تعبير وانعكاس لقوة اقتصادية ، واستقرار سياسي ، وبحبوحة داخلية ، وثقة خارجية . عوامل تتضافر كلها لتخلق حالة من الهيبة التي يطمئن لها ااخاطر ويطرب بها الفؤاد .
الاوروبيون ، كلّ الاوروبيين في منطقة اليورو، عامة شعب وسياسييين ، طربوا وانتشَوا ، يوم انطلق اليورو مساويا للدولار ثم ارتفع بعد أيام قليلة ليبلغ ما يزيد على ال 1.1500 دولار. ولم يطل الامر على هذه الحالة حتى عاد الى التراجع واستمر فيه الى أن دقّ ابواب ال 0.7000 سنتا . يومها كانت التنهدات تسمع في منطقة اليورو ، وكان الترقب سيّد الموقف . وكان الخوف من الشماتة كبير .
ولاسباب لسنا الان في وارد تفصيلها بدأ  العد العكسي ، وعاد القطار الى المسار بالاتجاه الصحيح ، وها نحن اليوم على ابواب ال 1.3500 . فما ردّة فعل الاوروبيين على ذلك ؟
لا شكّ في أن عامة الناس ينظرون الى الوضع نظرة الافتخار والزهو ، فعملتهم قد تمكنت من التفوق على الدولار وقهره . عملتهم باتت اليوم تاخذ مكانها على المستوى العالمي بسمعة بيضاء نقيّة طاهرة ، هي تطمح ان تحتل المركز الاول عالميا كعملة احتياط . هي على وشك ان تسلب الورقة الخضراء  عرشا تربعت عليها الاخيرة عقودا كثيرة . ” منذ ولادته في العام 1999 ، تمكن اليورو من جذب ما يقارب خُمس  الاحتياط النقدي العالمي . فهو احتوى جزءا ارتفاع من 13.5% عام 1999 الى ال 19.5% العام 2003 ” . انه خبر مفرح ومبشر . ولكنه ياتي في وقت غير مستحب .
عملة احتياط عالمية ، ثقة فائقة باليورو على مستوى البنوك المركزية الدولية ، الكثيرون منهم يشيحون نظرهم عن الدولار ، يخرجون منه ، يميلون نحن عملة القارة الموحدة ، هي تستهويهم بما لها من بريق عذري لم يمَسّ . الروس ، الصينيون ، الكثير من بنوك الشرق الاوسط ، يعون خطورة الموقف . هم يريدون التحول بجزء من احتياطهم النقدي من الدولار الى اليورو . اجل بين ليلة وضحاها بات اليورو عملة احتياط عالمية .
ولكن ما الذي قد يعنيه هذا للاوروبيين ؟
عامة الناس فخورون . هذا نلمسه بالتحدث معهم . هم لا يقدرون خطورة الموقف . السياسيون قلقون ، يحذرون ، يطالبون البنك المركزي الاوروبي بعمل شيء ما . السيد تريشيه يحاول ، هو يحاول بوسائل عدة ، يحاول اقناع الاميركيين بعمل موحد لمنع هذا التحول المفاجئ في اسواق النقد . الاميركيون يشيرون بوجههم عنه . يقولون لا شأن لنا بذلك . لا مصلحة لنا بان نكون عملة الاحتياط العالمية الوحيدة ، شاركونا بهذا الفخر ، هم يقولونها وعلى الشفاه ابتسامة ساخرة .
 يميل السيد تريشه الى الاسيويين ، يريد منهم شراكة فعلية للتدخل في السوق شراء للدولار ، من اجل منع هذا التراجع المتعب للجميع . الآسيويون يفتشون مثله عن دواء ، ولكنهم جربوا الكيّ في الماضي ، أوجعهم الكيّ كثيرا ولم يجدِ نفعا . اليابانيون كلفتهم التدخلات السابقة في السوق ما يقارب المئتي مليارا من الدولارات ، النتيجة كانت خيبة وراء خيبة . في كل مرة كان اليابانيون يتدخلون شارين للدولار ، كان السوق يهلع صعودا بحركة جنونية مرعبة ، ثمّ ، وبكل برودة اعصاب يبرز على الساحة من يعاود بيع ما اشتراه اليابانيون فيعود السعر الى أعماق أكثر آيلاما من السابقة .
ماذا جنى اليابانيون ؟ جنَوا امتلاكهم لمئتي مليار من الدولارات ، اشتروها باسعار يزيد نصفها عن ال    110.10  ، وهم الان يحملونها ، عارفين ان الدولار سيتراجع الى ما دون ال 100.00 ، وعارفين ايضا ان الخسارة التي تكبدوها  لا بد من الانتظار طويلا لتعويضها . لذا لا بد من استبعاد امكانية التفاهم بين الاوروبيين واليابانيين على تدخل مبرمج ومدروس في السوق ، فاليابانيون لن يعرضوا انفسهم للدغ من الجحر مرتين .
ماذا بقي امام السيد تريشه ؟
تخفيض الفائدة . هي حلّ من الحلول المطروحة . ولكن هل سيقوى هذا الحل على وقف ارتفاع اليورو ؟
نعتقد انه سيقوى على تبريد الحماوة الحالية ، ولكنه لن يكون الحل الناجع على المدى المتوسط والبعيد . وهو الى ذلك ينطوي على مخاطر كثيرة ان تم الاقدام عليه وسط اجواء غير تضخمية تستدعيه . اذ لا يضمن احد اذذاك عدم الانزلاق شيئا فشيئا الى باحة الركود الاقتصادي ، فالدواء المعطى لم يكن المناسب للداء الموجود .
وباختصار فان التدخل في السوق مستبعد حاليا ، وتخفيض الفائدة على اليورو مستبعد ايضا ، للامرين محاذير كثيرة ، ولا بد من اخذ الامور بالتروي  .
اجل ، انه لمن المستحب ان يرى المواطنون عملتهم تتحول الى عملة احتياط عالمي . انه لمدعاة للفخر ان يرى الاوروبيون هدفهم و قد تحقق بسنوات قليلة جدا  ، هدفهم المتمثل باعادة شيء من التوازن الى النظام المالي العالمي ، وبانتزاع جزء من العزّ الذي احتفظ به الاميركيون لانفسهم طيلة عقود . انه لمن دواعي السرور ان تتحول العملة الى عملة احتياط دولي وتتدفق اليها الرساميل من كل حدب وصوب ، فتساهم في تمويل العجز ، بل تقف حاجزا دون حدوثه . هذا كان الحلم الاكبر للاوروبيين ، سياسيين  واقتصاديين .
وها هي الامنية تتحقق ، الرساميل تتدفق ، فاذا بها تصير عبئا . تدفقت الرساميل في وقت غير مناسب . الدولار يتراجع بقوة ، الرساميل تتدفق على اوروبا ،  يساعد هذا  على ازدياد تدحرج الدولار . إذن ما كان بالامس أمنية ، صار اليوم عبئا .
والمقلق في الامر ان اليورو يرتفع دون ان يعكس في ارتفاعه وضعا اقتصاديا وسياسيا اوروبيا مطمئنا ، فالنمو الاوروبي لا يشكل الا نصف النسبة الذي يقدر بها النمو الاقتصادي الاميركي .
نعم أراد الاوروبى ان يدخل حلبة النقد الدولية من بابه العريض . فتح له الاميركي اليوم الباب على مصراعيه . دخل ، ويبدو انه يتوه في هذه الارجاء الواسعة . يبدو انه سيستغيث  ، الاميركي يتفرج ، ويبتسم . الاسيوي لن يقوَ على الاغاثة .
كان على الاوروبي أن يعرف ، كان عليه أن يقرأ الامثال العربية : “من يريد ان يعمل جمّالاً عليه أن يعلّي عتبة داره ” .
 
 

 

غلطان يا معاند بَحر

غلطان يا معاند بَحر13th October 2004

 

بالمصادفة مّرَ صديقنا خالد في 11\2\ 2004على موقع أراب اون لاين بروكرز ، كان يتمنى دائما أن يُتاجر بالعملات عن طريق الانترنيت لأنه قد سئم التعامل بالطريقة التقليدية مع البنوك لما فيه من تجاوزات كثيرة بحق المضارب، بسرعة البرق طلب استمارة الانضمام إلى هذه الخدمة التي طالما حَلُمَ بها، استقبلَ الاستمارة، دوّن المعلومات ، أرسَلها بالفاكس اتصلَ بسرعة ( أرسلوا لي رقم الحساب لأقوم بالتحويل بسرعة أريد أن اعمل أريد أن احقق رغبتي الموجودة بداخلي منذ 10 سنوات…….. ) .

 

استلم صاحبنا رقم الحساب وهرولَ إلى البنك صباحا ليودع 5000 دولار ليبدأ العمل،  في هذه الأثناء كان يتصل بشكل متكرر للسؤال عن وصول الحوالة.

 

أثناء تصَفح الموقع لاحظ وجود عنوان الترايدر بالمسينجر وتسأل هل احتاج إلى الاتصال بالتريدر ؟ (لااظن انني سأحتاجه إذا طلع السوق بيع وإذا نزل السوق شراء !!! الأمر ابسط مما يسوق له هؤلاء ، هم هكذا دائما أهل البورصة يضخمون الأمور وكأن الوضع يحتاج إلى مُرشد ) .

 

جاء البريد الأول ليبشر صاحبنا بوصول الحوالة، وماهي إلا لحظات دخل بعدها في خضم البحر الهادر يشتري هنا و يبيع هناك ويوجه أسئلته للترايدر هل اشتري هنا ؟ هل أبيع هنا ؟ كم ممكن يوصل الين؟ كيف شايف الاسترليني ؟ هل اشتري بالحساب كاملا ؟ هل …………… ؟

 

جاءه رد الترايدر أن هذا ليس بأسلوب عمل للبورصة فهي تحتاج إلى هدوء وترقب وبحث عن الفرصة المناسبة للدخول وانك بهذه الطريقة سنفقدك قريباً. تعجّب خالد وقال في نفسه ( ما أسوا حظي رماني القدر عند حذر ومتردد، هذا السوق لا يعرف الجبن والحذر يحتاج المغامرين، مقاومة ، دعم ، شارت ، كله كلام فاضي ، فلا نامت أعين الجبناء )….

 

في أول يوم وضع خالد الإسترليني فوق الين والدولار بجوار الفرنك واليورو مع الكندي والاسترالي تحت النيوزلندي يعني باختصار متناقضات جَمَعَها في سلة واحدة….

 

شاءت قدرة المولى عز وجل أن يأتي السوق في تلك الليلة من نصيب خالد فاستيقظ صباحا ليجد أل 5000 دولار أصبحت امامه على الشاشة 12542 دولار !!!!!!!!!

 

جنَّ جنونه ( هذه البيضة التي تبيض ذهباً أين أنا من هذا الكنز كم كنت مغفلا طوال هذه السنين، يجب أن أعوض كل مافاتني بالحياة، 7542 دولار في اليوم يعني 37710 بالأسبوع تصبح 150840 شهريا وبذلك أكون حققت 1810080 دولار سنويا أكثر من مليون وثمانمائة ألف دولار ؟؟؟؟؟؟ )

تسأل بنفسه ( لماذا الترايدر يوبخني على طريقة عملي بالسوق أنا حققت 7542 في 24ساعة )، قال في نفسه ( يبدو أن الترايدر أصابته بيروقراطية العمل الرسمي التي تجعل الإنسان مقيدا حتى في تفكيرة ! هو خائف ربما لا يعشق المغامرات ربما  حذر لأسباب شخصية ؟ )

 

في اليوم الثاني بدأت شمس الحقيقة تظهر وماهي إلا لحظات ويبدأ مسلسل الخسائر يتوالى على صاحبنا حتى أصبح في كل يوم يربح 10000 دولار يخسر في اليوم التالي 15000 دولار وكان لصاحبنا زيارة كل أسبوع لبنكه لإرسال حواله لزيادة الرصيد عل وعسى أن يبعد عنه شبح المارجن كول.

 

كل حوالة تأتي من صاحبنا يربح بعدها بأيام ربحا خياليا ما يلبث أن يقذف به في ثواني بسبب كثرة العقود وبسبب جهله بالسوق، كان الترايدر يحاول كثيرا في تأديب سلوكه بالعمل وكان ينصاع ليوم ويتجاوز ذلك بالأيام الأربعة الباقية من كل أسبوع، كان يبحث عن الانتقام من السوق فيجد أن السوق يزيد من جراحه وينتقم منه أكثر وأكثر….

 

ضل صاحبنا على هذه الحال حتى خسر 47843 دولار من ماله بالإضافة إلى ما يقارب أل 75000 دولار التي ربحها من السوق………………………….

أحس خالد بمرارة الفشل مع خسارة المال، فالفشل أصعب من خسارة المال لأنك إذا وضعت في عقلك الباطني انك فاشل فان ذلك سينقلب على جميع جوانب حياتك وسيطاردك الفشل حتى يصبح جزءاً من حياتك .

 

من أخطاء طريقة عمله وصوله إلى حد الرصيد ( المارجن كول ) ، العقود الكثيرة، الشراء بمواقع خطيرة جدا، تحدي اتجاه السوق، عدم قبول آراء المحللين والعارفين، الجمع بين متناقضين، عدم استخدام وقف الخسارة ،،،،،،،،،،،،،،

 

صاحبنا ألان مصاب بذهول ليس من خسارة المال ولكن من طريقة خسارته وبدأ المحاولة في اعادة التوازن إلى عمله بمساعدة الترايدر وهو الان يسعى لان يحقق طريقة متزنة للعمل بدأً من 1\10\2004 وقال لي أريدك بعد نهاية شهر 7 أن تنقل تجربتي الحقيقية في هذا السوق وقتها سأخبرك بطريقة عملي المربحة لتخبرها لأصدقائك.

خالد طلب مني نقل هذه التجربة نقلتها بأمانة….. وغلطان يا معاند بحر

4\10\2004

 

 

بعد مرور عام على التوصيات . الجزء الخامس

 بعد مرور عام على التوصيات الجزء الخامس  5th October  2004

 

س  :  لا شك انك لاحظت من تصرفات المتعاملين أمورا إيجابية واخرى سلبية تجمع بين البعض منهم . هل لك أن تحدثنا عن أكثر ما لفت نظرك في هذا المجال ؟

 
ج  :  المتعاملون فريقان : رابحون وخاسرون . كلّهم بشر يخضعون في تصرفاتهم لنفس القواعد ويتأثرون بنفس المؤثرا ت عاطفية شعورية ، أو عقلية فكرية .
أشعر احيانا انني لا اتعامل مع افراد معينين رغم كوني قد حفظت حتى الان أسماء كل الاخوة الذين يرافقونني في عملي اليومي . أشعر وكأنني امام كتلتين بشريتين تقفان على طرفي نقيض . كتلة تربح في تجارتها ، وأخرى تخسر في مغامرتها .
 
س  :  وهل الموازنة بين التجارة والمغامرة عمل صدفة ؟ ام ترى يرمى بها إلى شيء ؟
 
ج  :  بل يرمى بها ، ويرمى الى أشياء وأشياء . أستطيع أن اؤكد أن كلّ ، أو لنقل معظم ، الذين يتاجرون يربحون . واستطيع أن أؤكد أيضا أن كلّ ، أو لنقل معظم ، الذين يغامرون يخسرون . الرابحون متشابهون في اساليب عملهم ، وفي ردات فعلهم ، وفي طريقة كلامهم ، وفي كلّ ما يبدر منهم أو يظهر عليهم . والخاسرون متشابهون ايضا ، في كل مغامراتهم ، وفي خيبات آمالهم ، وفي اسراعهم الى تبرير ما حصل ، وفي الهروب من المسؤولية ، وكذلك في كلّ ما يبدر منهم أو يظهر عليهم .
كلنا بشر ، نفرح لما يسرّ القلب  ، ونحزن لما يكمد الفؤاد . ينشرح صدرنا لربح ، فنشكر الله على نعمته ونميل الى ذواتنا فننمي بها مشاعر الفخر، والى انفسنا نغذي بها أحاسيس الاعتزاز . وتنقبض أنفاسنا لخسارة ، فنسارع الى ايجاد التبارير الكفيلة بنزع اللوم عن ذواتنا ، ورميه على أي مخلوق سوانا ، إرضاء لانانيتنا ، ودغدغة للأنا اللعينة الكامنة فينا  .
 
س  :  وهل من أمور معينة لفتت نظرك يمكن التطرق اليها ؟
 
ج  :  لفت نظري أمر يجمع بين شريحة غير قليلة من المبتدئين المتعاملين بحسابات صغيرة ، معظم هؤلاء المتعاملين يدخلون هذا العمل بشعور القادم الى الربح المؤكد ، فان بدأوا عملهم بصفقة خاسرة ، فوجئوا بما حصل ، وانعكس الامر تعكرا في مزاجهم وتوترا في تصرفاتهم ، وفشلا في عملهم . والتوتر هذا يشتد أكثر فأكثر ان كان المتعامل قد ادخر مالا قليلا من مهنة يشقى بها ، وجاء الى تجارتنا هذه عاقدا العزم على مضاعفة هذا المبلغ ، وممنيا النفس ان يحصل هذا الامر في وقت قريب ، وقريب جدا ، لا لشيء الا ، لتتم له الامنية الثانية ، وبأسرع ما يمكن : أمنية إضافة الربح المحقق الى رأس المال الأصلي ، ومضاعفتهما كليهما مرة جديدة .  
هذه الفئة من المتعاملين متشابهة بقدر كبير ، أكاد أن أقول أن الاشخاص هنا يتبدلون ولكن المتعامل واحد .
نصيحتي لاصحاب الحسابات الصغيرة المكونة من الف من الدولارات ، ألا يغامروا بالعمل بهذا المبلغ الا ان كانوا يمتلكون عشرة أضعاف ما يغامرون به . والا يبدأوا بالعمل الا بعد أن يكونوا قد طرحوا على انفسهم السؤال الكبير القائل : هل انا مستعد لخسارة الالف دولار هذه ؟  وألا يبدأوا بالعمل الا ان كانت كل جارحة من جوارحهم تهتف لهم بكلمة نعم .
نصيحتي لمن لا يمتلك الا مبلغا لا يزيد على الالف دولار أن يتروى كثيرا قبل أن يتاجر بها أو حتى بنصفها . المبلغ هذا لا يكفي لتحقيق الربح المعقود العزم عليه . المبلغ هذا قد يكفي ، وقد لا يكفي لتعلم الدروس الاولى التي لا بد لكل وافد الى نادينا أن يتعلمها . المبلغ هذا يجب ان لا نمني النفس كثيرا بانه قادر على نقلنا الى سلم المجد . أنا لا أنكر أن هناك من انطلق منه ونجح ، ولكنني لا أستطيع تعميم هذا الامر .
 
س  :  أخبرنا عن تجارب تضحك وتفيد .

 

ج  :  احببته دون أن اعرفه ، خفيف الظل ثقيله . يريد أن يربح ولا يربح . هو معي من زمن بعيد . لم يزد حسابه عن ال 500 دولارا ولم ينقص عن الخمسين . ان بلغ حسابه خمسين دولارا دعمه بمئة جديدة . وجد وعمل ورفعه ال مئات قليلة . ويحتاج الى مئة دولار لامر طارئ . يسحبها من حسابه . يدفع تكاليف الحوالة اربعين دولار ا ليسحب مئة . وهكذا تسير اموره .
يكون اليورو على حدود ال 1.2280 . ارسل توصية تقول : نبيع اليورو ان بلغ ال 1.2310 . ولا تمضي ثوان على ذلك حتى ، يبلغني منه سؤال طريف : بيع أم شراء  يا استاذ ؟
أحس بغيظ يفاجئني . أمسك اعصابي . تمرّ لحظات كأنها دهرٌ . اقول : بيع .
أظنّ ان المسرحية قد انتهت ، ولكن بعد أقل من دقيقة يرميني بالسؤال التالي : هل تقصد الان ابيع يا استاذ ؟
أحاول تمالك أعصابي . لا أقوى على ذلك . اضرب كفا بكف . أثور عليه . أقسوه بالكلام . أهدده أحيانا .
يمكث برهة لا يجيب . أقول : بما تراه يفكّر . تدور في رأسي تساؤلات كثيرة . ألوم أناي على ما فعلت . أستسمح ربي على قسوتي . أخشى أن أكون قد آذيته . وفي هذه اللحظة بالذات . وكأنها بمشيئة القادر العظيم . تصلني منه رسالة . أتلهّف لقراءتها . أفتحها .
كلمة يتيمة : السموحة .
أضحكُ ، واضحكُ ، وأضحك .
 وهكذا تستمر لعبة الهرّ والفأر . لعبة شبه يومية . لا تنقطع إلا ، عندما يفلس صديقي لفترة ، بانتظار وصول الدعم للحساب : المئة دولار .
إضحك انت ايضا يا عزيزي  . إضحك انت ايضا  . صار الرجل من حياتي . أضيق به احيانا ، ولكنني أفتقده ان غاب يوما ، ما استطعت له كرها ، أحببته رغما عني  .
 
س  :  وبكلمات تفصل بينها قهقهات : ماذاعن مشتركاتنا ؟
 
ج  :  لهنّ مني كل التقدير والاحترام . عددهنّ ينقص طبعا عن أعداد المشتركين ، ولكن عدد الناجحات بينهنّ يزيد على عدد المشتركين ، إن نحن نظرنا الى الامر من الزاوية النسبية العددية . روح الميل الى المغامرة عندهنّ تكاد أن تكون معدومة . هنّ يستحقنّ المزيد من الوقت المخصص لهنّ . وسيكون ذلك مستقبلا باذن الله . لا اميز معهنّ بين صاحبة حساب كبير أو صغير . أجرب ان ابلسم جراحهنّ إن حصلت . أنجح أحيانا . أحاول ان أعوض لهنّ ما تلحقه بهنّ مجتمعاتنا من غبن . هنا يلزمنا فعل الكثير .
 
س  :  يشكو بعض المشتركين من عدم حصولهم على جواب يطرحونه احيانا .
 
ج  :  هم يشكون بمعنى يتأففون ؟ ام يرفعون الشكوى الرسمية عليّ ؟
 
ج  :  لا الاصح انهم يطالبون بما يعتبرونه حقا لهم .
 
ضحك طويل  ثم :
 
ج  : قد يحصل أن اغلق نافذة بالخطأ فيضيع سؤالها . قد يحصل أن يتوقف المسنجر ايضا وتضيع أسئلة . لكنها هي حالات قليلة جدا . حالات اخرى  لعلها الأهم ، تتمثل بأسئلة لا يمكن ايجاد جواب لها ، إلا على طريقة الدليل الصحفي في القدس قبل العام 1967 . والامر يوجز بالتالي :
مجموعة من السيدا ت الاميركيات ، يحججن الى القدس . بعضهنّ تعرفا ، وبعضهنّ حجا ، وكلهنّ سياحة وترفيها . 
دليل سياحي فلسطيني برفقة السيدات . ذكيّ  ، حريصّ ، سريع البديهة ، يقظ الذهن ، والى كل ذلك ، معجب بمقولة لكل سؤال جواب  . طبعا ، رجل من القدس لا يجوز ان يجهل أمور القدس بكل تفاصيلها  .
سيدة من الجمع ، اضافت الى الحشرية التي تروى عن عنصر النساء ، حشرية ناشئة من تقدم العمر ، حيث يصير المرء مكثارا للسؤال ، محبا لمعرفة جزئيات لم يعرها اهتماما في شبابه . ربما خوفا من مغادرة هذا العالم تاركا فيه ما يجهله .
الجمع في متحف للمخزونات القديمة . السيدة ترى جمجمة صغيرة في إحدى الخزائن فتسأل : لمن هذه الجمجمة ؟
يفاجأ صاحبنا بالسؤال . لم يسبق ان طرحه أحد عليه . جمّع ما بقي من جرأة . سبق احمرارا كان سيظهر على وجهه . قال : هي لشيشرون . ( امبراطور روماني كبير الشان )
السيدة التي كانت على شيء من الاطلاع تستغرب الجواب معترضة : ولكننا نعرف أن رأس سيدنا شيشرون كان كبيرا ، فهل يعقل أن تكون جمجمته صغيرة ؟
ولم يكن حال صاحبنا أمام الهجوم الثاني بأحسن مما كان عليه أمام الاول . ولم تكن مقدرته على المناورة في الجواب الثاني بأضعف مما كانت عليه في الاول . قال : نعم سيدتي ، أنت محقة في ذلك ، ولكنّ هذه جمجمة شيشرون عندما كان لا يزال ولدا .
وقبلت السيدة الجواب . ونفذ العقل العربي من مكيدة …
ويرتفع الفرنك السويسري 20 نقطة ، ويردني سؤال ملح يقول : ما السبب وراء ارتفاع الفرنك ، ارجو الإجابة ؟ وهل يمكن أن نجد سببا لكل تحرك ناتج عن مضاربات طبيعية مستمرة في سوق يعيش على المضاربات .
جوابي واحد أقوله هنا على كل سؤال من هذا النوع : السوق يتنفس ، شهيق وزفير ، ان توقف عن التنفس مات . هذا سر من اسرار وجوده . وان أغرق في الشهيق ايضا يموت ، وان أغرق بالزفير أيضا يموت . لا بد من الفعلين متلازمين متلاحقين متساويين او متفاوتين بحسب ما يحتاج السوق من ضخ لدم الى أعضائه . هذا الضخ وهذه الحاجة هي التي تحدد قوة اندفاع أو ضعفها . لا شك انه من المفيد ان نعرف سببا لحالات تحرك معينة . ولكننا لا يمكن باي شكل من الاشكال ان نعمد الى معرفة سبب تحرك مفاجئ حصل . والا سيكون عملنا مخصصا لما حدث ولن نقوى على التفكير بما سيحدث .
ويدخل مشترك الى السوق بعد أن انهى وظيفته ، وقبل ان يتناول وجبة غدائه ، فينقض علي انقضاض الصقر بسؤال من امثال : ماذا أشتري الان ؟
وان كان من جواب فلن اقول الا : من الافضل أن تذهب الى ماكدونالد . لا  وجبات جاهزة عندي ، جعبتي تفتقر للتوصيات المعلبة ، نصيد السمكة عندما ترد محيطنا .
ولا اجيب احيانا . ويحرد السائل .
 السموحة … !!
المعذرة ثم المعذرة ، هناك امور لا أجد  لها جوابا .
دليل السياحة يكذب .
شيشرون لم يمت مرتين .
الجمجمة لا يمكن أن تكون له عندما كان ولدا .
وهي ليست له عندما مات كهلا .
هذا مستحيل .
 
س  : ويبقى ان أعرف جوابا على فضول : ما أشد ما كرهت ؟
 
ج  :  ما كرهت شيئا كرهي لهذا الاندفاع السريع الى التخوين ، لهذا الوقوع الغير إرادي في فخ الشك غير المبرر .
هي سمة رهيبة ألحظها في كل مقلب من مقالب حياتنا اليومية . أذكر على سبيل المثال لا الحصر :
 بداية متعكرة عند الصباح ، يفتح واحدنا البرنامج ولكنه يعصى عليه . السوق باحسن حال ، الشورت الان في هذه اللحظة يجب ان يكون ، هو يعرف ذلك .
يحاول مجددا مع البرنامج ، ولكن هذا يستمر بالعصيان .
شركة نصابة ، اقفلوا البرنامج في وقت يعرفون ان الربح فيه سهل .
 ويعمد الى الرسائل ، هو يستفسر أولا بادب وحشمة ، طمعا بالحصول على حل . واذ يسمع ان البرنامج يعمل بشكل طبيعي ، يثور ، يكاد ان يشتم : عندي لا يعمل . خدمات سيئة ، الشركة تنصب تقفل البرنامج عندما تشاء وتفتحه عندما تشاء . سأفضحكم على المنتديات .
وأضحك وأضحك … ( وسيكون لنا في هذا الموضوع يوما نقد وبناء )
واستعوذ بالله من الشيطان الرجيم . الا يمكن ان تكون قد اخطات في كتابة حرف من حروف كلمة السر ؟
لا طبعا انا احفظها جيدا ، هي تاريخ مولد ابني الوحيد وزيادة عليه حرفين من اسم زوجتي .
ألا يمكن أن تكون قد غيرت أو عدلت هذه الكلمة ، ثم نسيت ما فعلت ؟
وينقطع صاحبنا عن الاجابة .
 وبعد لحظات يبدأ باجراء الصفقات .
ويظن صاحبنا انني لم افهم . ولكنني فهمت :
غيّر صاحبنا كلمة السر التي تخوله الدخول الى برنامج التعامل عند المساء ، تحسبا لقرصنة ما . عمد بعدها الى تناول وجبة دسمة من ذوات الحساب  . إشتدت عليه الاحلام ليلا الى درجة بلوغها حد الكوابيس . نسي في صباحه ما أقدم عليه في مسائه ، فعمد الى التخوين .
واسترسلُ في التفكير . لا ألومُ صاحبي هذا . هو معذور .
نعيش في بعض من عالمنا العربي علاقات يومية مشوهة بين الفرد والسلطة . بين القانون والمجتمع الاهلي . بين الحاكم والمحكوم . هذه العلاقات الشبه قبلية حيث السلطة تملك وتعطي . حيث لا بد للناس من ان يكونوا مطيعين ، ومطيعين فقط .
علاقات متسمة بالمحسوبية والزيف  والغش . علاقات ناشئة عن ثقافة اسمها ثقافة الفساد .
هذه الثقافة هي المسؤولة عن كل تصرف من هذا النوع . انساننا يعيش حالة شك مستمر بكل ما هو حوله ، حالة استنفار مستمر للحفاظ على ما هو له ، على حق مهدد بان يؤخذ منه .
انساننا يعيش حالة وسواس رهيب . لا بد من الشك في كل شيء ، لا يمكن تصديق أي شيء ، الغش يحيط بنا من كل صوب ، النضال مطلوب على مدار الساعة للحفاظ على الملك .
محسوبية ، زيف ، كذب ، غش ، طاعة ، أمر واقع ، توريث جمهوريات ، تمديد رئاسات ، تعيين برلمانات ، ثقافة فساد ، وساويس تخوين .
كل ذلك باسم الانسان ، وباسم صاحبنا الذي لم يفتح معه برنامج التعامل بالعملات  . فهل لا يحق له أن يتهم أو يشك ؟
بلى له كل الحق في ذلك ، بلى وألف بلى ، ولكن !! 
يا ليته ، ويا الف ليته ، يوفر ذلك عليّ ، ويوجه سهامه الى حيث مستحقيها !!!
 
 

 

بعد مرور عام على التوصيات . الجزء الرابع

 على ماذا تعتمد في قرارك لفتح الصفقات ؟20th September 2004

 
شديد الاهمية سؤالك هذا . فائق الحساسية هو . يوحي برغبة تجسسية هائلة . أقرأ في كلماته غزوة عربية لا رحمة فيها . أخشى الاتهامات بالتكتم على ما قد يكون فضحه مفيدا .  اشعرتني بمسؤولية ضخمة .
 أبغيت مني جوابا مختصرا ، صادقا ، قلّ كلامه ودلّ معناه ؟
أقول : اعتمدت في قراري لفتح صفقاتي على نفسي ، وعلى نفسي دون سواها .
 
أمزاح أم هروب الى الوراء؟
 
لا بل إيجاز ووصول الى الهدف من أقرب الطرقات وأسهل السبل .
أعتمد على نفسي . ونفسي هذه من تراها تكون  ؟
إحص ِ لياليَ لا تحصى ، لياليَ امضيتها في فك رموز شموع ترتسم امامي على ما يسمونه رسما بيانيا . أضف اليها اياما كثيرة عرفتها مقارنا لحالات ألمح في وجوهها شبها ، محاولا إيجاد وجوه خلافها . زد على هذا لحظات شك وخوف وتردد ، لا يمكن لامرئ ان يشعر بأمرّ منها . إجمع الثلاثة إلى حالات خسارة ، تحني ظهرا ولا أصلب . أضف كل ذلك الى عزم ٍ شديد ٍ عنيد ٍ رشيدْ .
إفعلْ كلّ ذلك ، تقعْ على نفسي .
ما من أحدٍ  ولا من شيءٍ , ما من كتابٍ  ولا من برنامج ٍ , ما من مدربٍ ولا من دورةٍ ، يستطيع أن ينفعني ، أو تستطيع أن تنفعك ، في اتخاذي لقراري ، او في اتخاذك لقرارك ، كما تستطيعه نفسي ، وكما يجب أن تستطيعه نفسك .
ونفسي هذه من تراها تكون ؟
نفسي هذه ليست المؤلفات التي عملت على ارتشاف محتوياتها ، وليست المقالات التي انصرفت الى التدقيق بتفاصيلها ، وليست النظريات التي انكببت على تحليلها ، وليست التحاليل التي بدأت باختبارها .
نفسي هذه  ليست الشموع اليابانية ، ولا خطوط الدعم والمقاومة ، ولا خطوط الترند المتصاعد والمتراجع ، ولا القناة المنحصر السوق بين خطيها ، ولا تقسيمات الفيبوناكسي ، ولا موجات اليوت .
نفسي هذه  ليست الخطوط المتوسطة الانسيابية ، وهي ليست مؤشرات ال RSI  أو ال MACD   ولا ال  STOCHASTIC  ولا غيرها الكثير الكثير من امثالها .
نفسي هذه  ليست البيانات الاقتصادية الصادرة عن مؤسسات الاحصاء ، او عن وزارات التجارة والمالية العالمية ، أو عن البنوك المركزية المختلفة .
نفسي هذه ليست مستوى التضخم ، ولا مستوى ثقة أو ائتمان أو سعر المستهلك ، ولا هي الناتج المحلي الاجمالي ، ولا مبيعات التجزئة ، أو السلع المعمرة .
نفسي هذه  ليست قرارات رفع الفائدة او تخفيضها ، هي ليست تصريحات السيد جرينسبن ، ولا بيانات السيد تريشه ، او مناورات غيره من رؤساء البنوك الممتلكة لقدرة التاثير في تحريك السوق صعودا او نزولا .
نفسي ليست واحدا من كلّ ما تقدم  ، فهل تكون نفسي كلّ ما تقدم ؟
نعم قد تكون ، أو قل إنها لكذلك .
إنّ ثمة شيء أعرفه وأؤكده وأتذكره وأحبه وابوح به ولا أخفي سرّه :
نفسي هي عصارة ذلك الكمّ الهائل ، وخميرذلك المزيج الدسم ،  من التعلّم ، ومن التعليم ، ومن التجارب ، ومن الدروس ،  ومن الاخطاء ،  ومن العبر ، ومن الخوف ، ومن الوهم ، ومن الطمع ، ومن القناعة ، ومن الخيبات ، ومن النجاحات ، ومن الرعشات ، ومن البسمات  .
نفسي هي انتفاضة الرماد بعد انكسارة الافلاس ، ومن لم يعرف الافلاس مرة لا يمكن ان يعرف للربح قيمة . نفسي هي انبعاث المارد من قمقم الصياد ، وقرار المنكسر بتحصيل الانتصار .
نفسي هي تلك اللا الصارخة من اعماق اعماقي : هذه صفقة يوسوس لك بها شيطان الطمع  فلا تعمل بمشيئة شيطان الطمع . وتنصاع يدي لإيحاءات نفسي .
نفسي هي ذلك الشعور الناعم الهادئ المدغدغ لرغبة الربح التي لا بد أن يكون قد عرفها وقد احسّها كلّ من يقرأ هذه السطور . هي تلك الوشوشات الصامتة الخفية : الآن ، الآن ، هذه واحدة من الصفقات التي ما ولدت يوما غيرَ ذكر ، وستلداليوم ، توأما من الذكور ( ونحن أقوام لا نزال تفضل ، وللاسف ، وعن غيرحق ، مولودا ذكرا ) وتنصاع يدي الى وشوشات نفسي .
 
س  :  هل تقصد أن امتلاك أسرار التحليل التقني غير كاف للنجاح في تحقيق الربح ؟
 
ج : امتلاك اسرار التحليل التقني هو درجة من درجات المعرفة التي لا تحصى . هي مادة من مواد التعلَم والتخصّص ، يتلقاها طالب الطبّ في سنة من سنوات تحصيله العلميّ . هي مادّة يدرسها وتفيده في كل يوم أثناء ممارسته لعمله بنسبة معينة ودون أن يحسّ بذلك . ولكن في مرحلة من مراحل ممارسته الناجحة ، أراه يصبح ويمسي على قواعد اخرى ، وأسرار اخرى ، هي قواعده هو ، وأسراره هو ، بينما لا تبدو تلك التي درسها في شبابه بجانبها سوى حروف جامدة يابسة ، لا جدوى منها ولا حاجة لها . 
تخيّل طبيبا جرّاحا يعمد الى مراجعة درس سبق وان تعلمه قبل سنوات ، ثم يعود لتطبيق الدرس في عمليته الجراحية .
تخيّل لاعب كرة وقف على ارض الملعب وراح يرسم خطة الهجوم على ورقة يحتفظ بها في جيبه قبل ان ينفذها على الارض .
تخيّل سائق سيارة يفتح الكتاب الذي تعلّم به قيادة سيّارته على المقعد المحاذي لمقعد القيادة ويعود اليه في كل عقبة تلاقيه في سيره .
التحليل التقني هو الكتاب الذي عرّف السائق المبادئ الاولية للقيادة ، وأطلعه على قوانين السير ، وأرشده الى المرغوب فعله ، ولكن قيادة السيارة لا يمكن ان يتم تعلّمه بكتاب .
تخيّل سائق السيارة الذي ما فعل امام الخطر الداهم سوى الضغط بقدمه وبكل ما اوتي من قوة على مكبح السيارة . تخيّله وقارنه بسائق آخر زاد على خفة الضغط على المكبح خفة ذهنية اخرى جعلته وبسرعة البرق ينعطف بسيارته يمينا او يسارا لتفادي المصيبة القادمة . أليس حظ الثاني بالنجاة يضاعف حظ الاول .
امتلاك أسرار التحليل التقني ، هو امتلاك أسرار قيادة الدراجة الهوائية عن طريق كتيب صغير يمكن لكلٍ ان يحصل عليه ، هو امتلاك اسرار قيادة الجماهير في كتيب صغير يمكن لكلٍ ان يشتريه .  نقل هذه الاسرار الى حيز التطبيق الفعلي هو سرّ كلّ الاسرار ، هوخلاصة كلّ الافكار .
ادرس التحليل التقني بكل تفاصيله ، إحفظ عن ظاهر قلب كلّ حرف من حروفه ، ثمّ ، إن دقّت الساعة – ساعة إقفال صفقة مشؤومة اخطات في فتحها – تاخر لحظة واحدة عن اتخاذ القرار وتنفيذه ، وها انت من الخاسرين .
اعتمد على ما عرفته من قواعد التحليل التقني كلّها ، ما وضع منها حديثا ، وما عرف من قرون ، ثمّ ، لا تتحرر من تلك البلادة القاتلة التي ما لازمت فكرا الا وعطّلته ، ولا رافقت يدا إلا وأغلّتها ، إفعل ذلك وما انت إلا من الفاشلين .
امتلاك اسرار التحليل التقني هو امتلاك قواعد الصرف والنحو لاية لغة من اللغات الحيّة ، فهل امتلاك قواعد اللغة يجعل من الممتلك اديبا أو كاتبا أو شاعرا ؟
امتلاك أسرار التحليل التقني هو امتلاك سر استخراج مئات من الالوان من ألوان ثلاثة فقط . فهل كان مازج الالوان يوما رساما فنانا خلاقا  مبدعا ؟
إمتلك أسرار التحليل التقني . أدرسها وتدرب على تطبيقها . لكن ، إيّاك أن تقف عند هذا الحد ، فهو معرفة القليل وعليك بمعرفة الكثير .