س : لا شك انك لاحظت من تصرفات المتعاملين أمورا إيجابية واخرى سلبية تجمع بين البعض منهم . هل لك أن تحدثنا عن أكثر ما لفت نظرك في هذا المجال ؟
ج : المتعاملون فريقان : رابحون وخاسرون . كلّهم بشر يخضعون في تصرفاتهم لنفس القواعد ويتأثرون بنفس المؤثرا ت عاطفية شعورية ، أو عقلية فكرية .
أشعر احيانا انني لا اتعامل مع افراد معينين رغم كوني قد حفظت حتى الان أسماء كل الاخوة الذين يرافقونني في عملي اليومي . أشعر وكأنني امام كتلتين بشريتين تقفان على طرفي نقيض . كتلة تربح في تجارتها ، وأخرى تخسر في مغامرتها .
س : وهل الموازنة بين التجارة والمغامرة عمل صدفة ؟ ام ترى يرمى بها إلى شيء ؟
ج : بل يرمى بها ، ويرمى الى أشياء وأشياء . أستطيع أن اؤكد أن كلّ ، أو لنقل معظم ، الذين يتاجرون يربحون . واستطيع أن أؤكد أيضا أن كلّ ، أو لنقل معظم ، الذين يغامرون يخسرون . الرابحون متشابهون في اساليب عملهم ، وفي ردات فعلهم ، وفي طريقة كلامهم ، وفي كلّ ما يبدر منهم أو يظهر عليهم . والخاسرون متشابهون ايضا ، في كل مغامراتهم ، وفي خيبات آمالهم ، وفي اسراعهم الى تبرير ما حصل ، وفي الهروب من المسؤولية ، وكذلك في كلّ ما يبدر منهم أو يظهر عليهم .
كلنا بشر ، نفرح لما يسرّ القلب ، ونحزن لما يكمد الفؤاد . ينشرح صدرنا لربح ، فنشكر الله على نعمته ونميل الى ذواتنا فننمي بها مشاعر الفخر، والى انفسنا نغذي بها أحاسيس الاعتزاز . وتنقبض أنفاسنا لخسارة ، فنسارع الى ايجاد التبارير الكفيلة بنزع اللوم عن ذواتنا ، ورميه على أي مخلوق سوانا ، إرضاء لانانيتنا ، ودغدغة للأنا اللعينة الكامنة فينا .
س : وهل من أمور معينة لفتت نظرك يمكن التطرق اليها ؟
ج : لفت نظري أمر يجمع بين شريحة غير قليلة من المبتدئين المتعاملين بحسابات صغيرة ، معظم هؤلاء المتعاملين يدخلون هذا العمل بشعور القادم الى الربح المؤكد ، فان بدأوا عملهم بصفقة خاسرة ، فوجئوا بما حصل ، وانعكس الامر تعكرا في مزاجهم وتوترا في تصرفاتهم ، وفشلا في عملهم . والتوتر هذا يشتد أكثر فأكثر ان كان المتعامل قد ادخر مالا قليلا من مهنة يشقى بها ، وجاء الى تجارتنا هذه عاقدا العزم على مضاعفة هذا المبلغ ، وممنيا النفس ان يحصل هذا الامر في وقت قريب ، وقريب جدا ، لا لشيء الا ، لتتم له الامنية الثانية ، وبأسرع ما يمكن : أمنية إضافة الربح المحقق الى رأس المال الأصلي ، ومضاعفتهما كليهما مرة جديدة .
هذه الفئة من المتعاملين متشابهة بقدر كبير ، أكاد أن أقول أن الاشخاص هنا يتبدلون ولكن المتعامل واحد .
نصيحتي لاصحاب الحسابات الصغيرة المكونة من الف من الدولارات ، ألا يغامروا بالعمل بهذا المبلغ الا ان كانوا يمتلكون عشرة أضعاف ما يغامرون به . والا يبدأوا بالعمل الا بعد أن يكونوا قد طرحوا على انفسهم السؤال الكبير القائل : هل انا مستعد لخسارة الالف دولار هذه ؟ وألا يبدأوا بالعمل الا ان كانت كل جارحة من جوارحهم تهتف لهم بكلمة نعم .
نصيحتي لمن لا يمتلك الا مبلغا لا يزيد على الالف دولار أن يتروى كثيرا قبل أن يتاجر بها أو حتى بنصفها . المبلغ هذا لا يكفي لتحقيق الربح المعقود العزم عليه . المبلغ هذا قد يكفي ، وقد لا يكفي لتعلم الدروس الاولى التي لا بد لكل وافد الى نادينا أن يتعلمها . المبلغ هذا يجب ان لا نمني النفس كثيرا بانه قادر على نقلنا الى سلم المجد . أنا لا أنكر أن هناك من انطلق منه ونجح ، ولكنني لا أستطيع تعميم هذا الامر .
س : أخبرنا عن تجارب تضحك وتفيد .
ج : احببته دون أن اعرفه ، خفيف الظل ثقيله . يريد أن يربح ولا يربح . هو معي من زمن بعيد . لم يزد حسابه عن ال 500 دولارا ولم ينقص عن الخمسين . ان بلغ حسابه خمسين دولارا دعمه بمئة جديدة . وجد وعمل ورفعه ال مئات قليلة . ويحتاج الى مئة دولار لامر طارئ . يسحبها من حسابه . يدفع تكاليف الحوالة اربعين دولار ا ليسحب مئة . وهكذا تسير اموره .
يكون اليورو على حدود ال 1.2280 . ارسل توصية تقول : نبيع اليورو ان بلغ ال 1.2310 . ولا تمضي ثوان على ذلك حتى ، يبلغني منه سؤال طريف : بيع أم شراء يا استاذ ؟
أحس بغيظ يفاجئني . أمسك اعصابي . تمرّ لحظات كأنها دهرٌ . اقول : بيع .
أظنّ ان المسرحية قد انتهت ، ولكن بعد أقل من دقيقة يرميني بالسؤال التالي : هل تقصد الان ابيع يا استاذ ؟
أحاول تمالك أعصابي . لا أقوى على ذلك . اضرب كفا بكف . أثور عليه . أقسوه بالكلام . أهدده أحيانا .
يمكث برهة لا يجيب . أقول : بما تراه يفكّر . تدور في رأسي تساؤلات كثيرة . ألوم أناي على ما فعلت . أستسمح ربي على قسوتي . أخشى أن أكون قد آذيته . وفي هذه اللحظة بالذات . وكأنها بمشيئة القادر العظيم . تصلني منه رسالة . أتلهّف لقراءتها . أفتحها .
كلمة يتيمة : السموحة .
أضحكُ ، واضحكُ ، وأضحك .
وهكذا تستمر لعبة الهرّ والفأر . لعبة شبه يومية . لا تنقطع إلا ، عندما يفلس صديقي لفترة ، بانتظار وصول الدعم للحساب : المئة دولار .
إضحك انت ايضا يا عزيزي . إضحك انت ايضا . صار الرجل من حياتي . أضيق به احيانا ، ولكنني أفتقده ان غاب يوما ، ما استطعت له كرها ، أحببته رغما عني .
س : وبكلمات تفصل بينها قهقهات : ماذاعن مشتركاتنا ؟
ج : لهنّ مني كل التقدير والاحترام . عددهنّ ينقص طبعا عن أعداد المشتركين ، ولكن عدد الناجحات بينهنّ يزيد على عدد المشتركين ، إن نحن نظرنا الى الامر من الزاوية النسبية العددية . روح الميل الى المغامرة عندهنّ تكاد أن تكون معدومة . هنّ يستحقنّ المزيد من الوقت المخصص لهنّ . وسيكون ذلك مستقبلا باذن الله . لا اميز معهنّ بين صاحبة حساب كبير أو صغير . أجرب ان ابلسم جراحهنّ إن حصلت . أنجح أحيانا . أحاول ان أعوض لهنّ ما تلحقه بهنّ مجتمعاتنا من غبن . هنا يلزمنا فعل الكثير .
س : يشكو بعض المشتركين من عدم حصولهم على جواب يطرحونه احيانا .
ج : هم يشكون بمعنى يتأففون ؟ ام يرفعون الشكوى الرسمية عليّ ؟
ج : لا الاصح انهم يطالبون بما يعتبرونه حقا لهم .
ضحك طويل ثم :
ج : قد يحصل أن اغلق نافذة بالخطأ فيضيع سؤالها . قد يحصل أن يتوقف المسنجر ايضا وتضيع أسئلة . لكنها هي حالات قليلة جدا . حالات اخرى لعلها الأهم ، تتمثل بأسئلة لا يمكن ايجاد جواب لها ، إلا على طريقة الدليل الصحفي في القدس قبل العام 1967 . والامر يوجز بالتالي :
مجموعة من السيدا ت الاميركيات ، يحججن الى القدس . بعضهنّ تعرفا ، وبعضهنّ حجا ، وكلهنّ سياحة وترفيها .
دليل سياحي فلسطيني برفقة السيدات . ذكيّ ، حريصّ ، سريع البديهة ، يقظ الذهن ، والى كل ذلك ، معجب بمقولة لكل سؤال جواب . طبعا ، رجل من القدس لا يجوز ان يجهل أمور القدس بكل تفاصيلها .
سيدة من الجمع ، اضافت الى الحشرية التي تروى عن عنصر النساء ، حشرية ناشئة من تقدم العمر ، حيث يصير المرء مكثارا للسؤال ، محبا لمعرفة جزئيات لم يعرها اهتماما في شبابه . ربما خوفا من مغادرة هذا العالم تاركا فيه ما يجهله .
الجمع في متحف للمخزونات القديمة . السيدة ترى جمجمة صغيرة في إحدى الخزائن فتسأل : لمن هذه الجمجمة ؟
يفاجأ صاحبنا بالسؤال . لم يسبق ان طرحه أحد عليه . جمّع ما بقي من جرأة . سبق احمرارا كان سيظهر على وجهه . قال : هي لشيشرون . ( امبراطور روماني كبير الشان )
السيدة التي كانت على شيء من الاطلاع تستغرب الجواب معترضة : ولكننا نعرف أن رأس سيدنا شيشرون كان كبيرا ، فهل يعقل أن تكون جمجمته صغيرة ؟
ولم يكن حال صاحبنا أمام الهجوم الثاني بأحسن مما كان عليه أمام الاول . ولم تكن مقدرته على المناورة في الجواب الثاني بأضعف مما كانت عليه في الاول . قال : نعم سيدتي ، أنت محقة في ذلك ، ولكنّ هذه جمجمة شيشرون عندما كان لا يزال ولدا .
وقبلت السيدة الجواب . ونفذ العقل العربي من مكيدة …
ويرتفع الفرنك السويسري 20 نقطة ، ويردني سؤال ملح يقول : ما السبب وراء ارتفاع الفرنك ، ارجو الإجابة ؟ وهل يمكن أن نجد سببا لكل تحرك ناتج عن مضاربات طبيعية مستمرة في سوق يعيش على المضاربات .
جوابي واحد أقوله هنا على كل سؤال من هذا النوع : السوق يتنفس ، شهيق وزفير ، ان توقف عن التنفس مات . هذا سر من اسرار وجوده . وان أغرق في الشهيق ايضا يموت ، وان أغرق بالزفير أيضا يموت . لا بد من الفعلين متلازمين متلاحقين متساويين او متفاوتين بحسب ما يحتاج السوق من ضخ لدم الى أعضائه . هذا الضخ وهذه الحاجة هي التي تحدد قوة اندفاع أو ضعفها . لا شك انه من المفيد ان نعرف سببا لحالات تحرك معينة . ولكننا لا يمكن باي شكل من الاشكال ان نعمد الى معرفة سبب تحرك مفاجئ حصل . والا سيكون عملنا مخصصا لما حدث ولن نقوى على التفكير بما سيحدث .
ويدخل مشترك الى السوق بعد أن انهى وظيفته ، وقبل ان يتناول وجبة غدائه ، فينقض علي انقضاض الصقر بسؤال من امثال : ماذا أشتري الان ؟
وان كان من جواب فلن اقول الا : من الافضل أن تذهب الى ماكدونالد . لا وجبات جاهزة عندي ، جعبتي تفتقر للتوصيات المعلبة ، نصيد السمكة عندما ترد محيطنا .
ولا اجيب احيانا . ويحرد السائل .
السموحة … !!
المعذرة ثم المعذرة ، هناك امور لا أجد لها جوابا .
دليل السياحة يكذب .
شيشرون لم يمت مرتين .
الجمجمة لا يمكن أن تكون له عندما كان ولدا .
وهي ليست له عندما مات كهلا .
هذا مستحيل .
س : ويبقى ان أعرف جوابا على فضول : ما أشد ما كرهت ؟
ج : ما كرهت شيئا كرهي لهذا الاندفاع السريع الى التخوين ، لهذا الوقوع الغير إرادي في فخ الشك غير المبرر .
هي سمة رهيبة ألحظها في كل مقلب من مقالب حياتنا اليومية . أذكر على سبيل المثال لا الحصر :
بداية متعكرة عند الصباح ، يفتح واحدنا البرنامج ولكنه يعصى عليه . السوق باحسن حال ، الشورت الان في هذه اللحظة يجب ان يكون ، هو يعرف ذلك .
يحاول مجددا مع البرنامج ، ولكن هذا يستمر بالعصيان .
شركة نصابة ، اقفلوا البرنامج في وقت يعرفون ان الربح فيه سهل .
ويعمد الى الرسائل ، هو يستفسر أولا بادب وحشمة ، طمعا بالحصول على حل . واذ يسمع ان البرنامج يعمل بشكل طبيعي ، يثور ، يكاد ان يشتم : عندي لا يعمل . خدمات سيئة ، الشركة تنصب تقفل البرنامج عندما تشاء وتفتحه عندما تشاء . سأفضحكم على المنتديات .
وأضحك وأضحك … ( وسيكون لنا في هذا الموضوع يوما نقد وبناء )
واستعوذ بالله من الشيطان الرجيم . الا يمكن ان تكون قد اخطات في كتابة حرف من حروف كلمة السر ؟
لا طبعا انا احفظها جيدا ، هي تاريخ مولد ابني الوحيد وزيادة عليه حرفين من اسم زوجتي .
ألا يمكن أن تكون قد غيرت أو عدلت هذه الكلمة ، ثم نسيت ما فعلت ؟
وينقطع صاحبنا عن الاجابة .
وبعد لحظات يبدأ باجراء الصفقات .
ويظن صاحبنا انني لم افهم . ولكنني فهمت :
غيّر صاحبنا كلمة السر التي تخوله الدخول الى برنامج التعامل عند المساء ، تحسبا لقرصنة ما . عمد بعدها الى تناول وجبة دسمة من ذوات الحساب . إشتدت عليه الاحلام ليلا الى درجة بلوغها حد الكوابيس . نسي في صباحه ما أقدم عليه في مسائه ، فعمد الى التخوين .
واسترسلُ في التفكير . لا ألومُ صاحبي هذا . هو معذور .
نعيش في بعض من عالمنا العربي علاقات يومية مشوهة بين الفرد والسلطة . بين القانون والمجتمع الاهلي . بين الحاكم والمحكوم . هذه العلاقات الشبه قبلية حيث السلطة تملك وتعطي . حيث لا بد للناس من ان يكونوا مطيعين ، ومطيعين فقط .
علاقات متسمة بالمحسوبية والزيف والغش . علاقات ناشئة عن ثقافة اسمها ثقافة الفساد .
هذه الثقافة هي المسؤولة عن كل تصرف من هذا النوع . انساننا يعيش حالة شك مستمر بكل ما هو حوله ، حالة استنفار مستمر للحفاظ على ما هو له ، على حق مهدد بان يؤخذ منه .
انساننا يعيش حالة وسواس رهيب . لا بد من الشك في كل شيء ، لا يمكن تصديق أي شيء ، الغش يحيط بنا من كل صوب ، النضال مطلوب على مدار الساعة للحفاظ على الملك .
محسوبية ، زيف ، كذب ، غش ، طاعة ، أمر واقع ، توريث جمهوريات ، تمديد رئاسات ، تعيين برلمانات ، ثقافة فساد ، وساويس تخوين .
كل ذلك باسم الانسان ، وباسم صاحبنا الذي لم يفتح معه برنامج التعامل بالعملات . فهل لا يحق له أن يتهم أو يشك ؟
بلى له كل الحق في ذلك ، بلى وألف بلى ، ولكن !!
يا ليته ، ويا الف ليته ، يوفر ذلك عليّ ، ويوجه سهامه الى حيث مستحقيها !!!
|