أمام بريطانيا أشهر صعبة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وذلك لإيجاد البدائل الاقتصادية بعد التغييرات المتوقعة لبريكست. وبريطانيا بدأت قبل حتى خروجها الرسمي بالبحث عن هذه الدول البديلة، فكانت أستراليا ونيوزيلندا من البدائل المحتملة وذلك للتقارب الثقافي، واليابان نظراً للتقارب الاقتصادي بينهما ووجود الحاجة المتبادلة، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال البديل الأكبر للاتحاد الأوروبي، خاصة مع تقارب التوجه السياسي بين دونالد ترمب وبوريس جونسون.
والولايات المتحدة حالياً هي الشريك الاقتصادي الأكبر لبريطانيا من دول خارج الاتحاد الأوروبي، فنحو 19 في المائة من الصادرات البريطانية تذهب للولايات المتحدة، و11 في المائة من الواردات إلى بريطانيا تستورد من أميركا. أما الناحية الاستثمارية، فقيمة الاستثمارات الأميركية في بريطانيا تربو على 750 مليار دولار، وعدد البريطانيين الذين يعملون في شركات أميركية في بريطانيا يزيد على مليون ونصف المليون موظف. ولم تخف هذه الشركات توجسها من بريكست وأثره المتوقع على الاقتصاد البريطاني، الذي سيكون سلبياً على الأقل في السنوات القليلة القادمة.
إلا أن إرادة الإدارتين البريطانية والأميركية ترحبان – ظاهرياً على الأقل – بمفاوضات اتفاق تجاري ضخم، يتمكن من خلاله البلدان بالتوصل إلى اتفاق تجاري نافع للطرفين، خاصة التقارب السياسي والثقافي وحتى التقارب النسبي الجغرافي. إلا أن عدداً من القضايا قد تسبب تعثراً في هذا الاتفاق، ولعل آخرها هو إعلان بريطانيا الاتفاق مع شركة هواوي الصينية لبناء شبكات الجيل الخامس في بريطانيا. ومعروف عن الولايات المتحدة عداءها لهذه الشركة الصينية، واتهامها بالممارسات غير الأخلاقية سواء تسريب المعلومات أو التجسس ونقل التقنية القسري وغيرها. وسخرت الولايات المتحدة نفوذها في عدة دول لمحاربة الشركة الصينية، وكان أشهر ما حدث في ذلك اعتقال المديرة المالية لهواوي على الأراضي الكندية ومحاولة نقلها للسجون الأميركية لمحاكمتها هناك. وقد نشرت «الفاينانشال تايمز» مؤخراً تصريحاً حصرياً، بأن الرئيس الأميركي بدا في شدة الغضب بعد معرفة هذا الاتفاق، وما أكد ذلك هو تصريح نائب الرئيس الأميركي بأن هذا الاتفاق قد يعرض المفاوضات البريطانية الأميركية للخطر.
وتحول بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة قد يستدعي تغييرها للعديد من توجهاتها؛ فعلى سبيل المثال، تطبق بريطانيا سياسة بيئية صارمة مستهدفة معايير بيئية طموحة في عام 2050، وبريطانيا إحدى الدول التي وقعت على اتفاقية باريس المناخية عام 2015، إلا أن الولايات المتحدة انسحبت من هذه الاتفاقية في الأول من يونيو (حزيران) 2017، ولم تبد أي اهتمام بها، لا سيما بعد التجاهل التام الذي أبداه الرئيس الأميركي دونالد ترمب للقضايا البيئية. وفي حال أرادت بريطانيا تسهيل دخول الاستثمارات الأميركية إليها، فقد تواجه خيارات شديدة الصعوبة تجاه القضايا البيئية. أما في القضايا السياسية، فيجب على بريطانيا البدء في توضيح مواقفها السياسية بشكل منفصل عن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة تترقب هذا التوجه خاصة تجاه إيران. وقد تضطر بريطانيا إلى اتخاذ الموقف الأميركي نفسه تجاه العقوبات ضد إيران في حال أرادت تسهيل المفاوضات التجارية.
وعلى الجانب التجاري، فإن بريطانيا تطمح إلى تقليل الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة، إن لم تكن تطمح إلى أكثر من ذلك وهو إلغاء هذه الرسوم تماماً كما كان الحال مع دول الاتحاد الأوروبي. على الجانب الآخر، لا تبدو الولايات المتحدة مستعدة لهذه التضحية، وهي التي استخدمت سلاح التعرفة الجمركية ضد الصين في حربها الاقتصادية حتى مع ضخامة التبادل التجاري بينهما، وهو وضحه الرئيس الأميركي بكل فخر في وسائل التواصل، كما استخدمت أميركا ذات السلاح تجاه المكسيك وكندا قبل التوصل إلى اتفاق، وصعدت الرسوم الجمركية مع الاتحاد الأوروبي قبل ذلك.
إن العلاقة التجارية بين بريطانيا والولايات المتحدة على المحك، فبريطانيا تحتاج إلى حليف يقف معها في هذا الوقت، والولايات المتحدة لا تبدو بحاجة إلى هذا الاتفاق بقدر حاجة بريطانيا، وقد تحاول استغلال هذه الفرصة لمصلحتها من نواحٍ قد تتعدى النواحي الاقتصادية. ولذلك فقد تضطر بريطانيا إلى تقديم الكثير من التنازلات للولايات المتحدة حتى تستطيع تعويض الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولا يبدو أن الوقت يسمح للكثير من المفاوضات، فبنهاية هذا العام، تنتهي الفترة المحددة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وتنتهي كذلك الفترة الأولى لرئاسة دونالد ترمب، وهو ما يجعل هذا العام حاسماً للعلاقة البريطانية الأميركية.
د. عبدالله الردادي.