أزمة لبنان المالية: ما مصير من يملك أكثر من 500 ألف دولار؟

أوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ المشارك في الاقتصاد في الجامعة الأميركية – بيروت، جاد شعبان، أنه “توجد أمامنا خريطة محدّدة، تمثّل شبكة المصالح الموجودة في الوقت الرّاهن. وهذا المشهد يأتي بمعيّة أمر الواقع الذي يقوم على أن الحكومة الجديدة، ومن خلال انحيازها الى مصالح كبار المصارف، كما تبدو الى الآن، لن تتمكّن إلا من الحفاظ على مصالح معينة، وذلك دون إعادة العجلة الاقتصادية الى دورتها الطبيعية الصحيحة”.

وأشار  الى أن “من الخيارات المتاحة، ما هو مالي نقدي، والتي قد تتعلّق مثلاً بسندات “اليوروبوندز”، أو بأن لا يتمّ أي إعادة هيكلة للقطاع المصرفي مثلاً. كما من الممكن أن تتطلب تلك الخيارات اتّخاذ إجراءات تجمّد السّحوبات بالدولار، وتسمح القيام بها باللّيرة اللبنانية فقط. وبالتالي، توجد لائحة من الإجراءات التي يمكنها أن تحافظ على الأموال”.

ولفت الى أن “البيان الوزاري” يشير الى ما يقول إنه سيتمّ التركيز على هذا الموضوع، وذلك من خلال إعادة جدولة معيّنة للديون مثلاً. ولكن في الوقت نفسه، يبقى هذا البيان مُبهماً كثيراً في موضوع الحفاظ على النقد. فهو لم يتطرق الى ماذا يتوجب على المصارف أن تقوم به للحفاظ عليه (النّقد)، أو كيفية هيكلة القطاع المصرفي”.

وقال شعبان “حُكيَ في “البيان الوزاري” أيضاً عن الإقتصاد المنتج وعن الاستثمارات وغيرها، وهذه كلّها تحتاج الى تمويل، فمن أين ستُموَّل؟”.

وشرح “نحن حالياً في وضع لا مدخول فعلياً فيه يأتي من الضرائب. فضلاً عن أن لا تحويلات خارجية، ولا سياحة، ولا مورد لمدخول معيّن ومحدّد يُمكن الرّكون إليه بالكامل. كما لا يمكننا تنمية الصناعات المنتجة بلا دعم وقروض، أو حتى استثمارات محدّدة”.

وأضاف “هذا كلّه يُظهر أننا ضمن حلقة مفرغة انطلاقاً من كلّ هذا الوضع. ولكن هذه الحلقة نفسها ليست مفرَغَة بالنّسبة الى المصارف التي تطالب بدفع سندات “اليوروبوندز”، لمصلحتها الخاصة، لأن تلك السندات تعود إجمالاً لها (المصارف) ولأصدقائها من المصارف الموجودة في الخارج”.

وشدّد شعبان على أن “مصلحة الناس كلّهم، وليس فقط طبقة الـ 1 في المئة والمصارف، تكمُن بإقرار قيود واضحة جداً على ما يحصل داخل القطاع المصرفي”.

وتابع “هذا المسار يتعلّق مثلاً بعدم حصول سحوبات دون حدّ أدنى، لا أقصى، يتعلّق بها. وهو ما يعني مثلاً إلزام المصارف بتأمين 300 دولار أسبوعياً، للحسابات الجارية، لكلّ المودعين. فالحديث عن تأمين حدّ أقصى للسحوبات من تلك الحسابات، قد يصل الى 500 دولار أسبوعياً، يجعل الأموال المسموح سحبها لكلّ مودع ما نسبته 100 دولار ربما، في أحيان كثيرة”.

وأوضح “بالنسبة الى النّقد أيضاً، ولأن المصارف لديها مديونية كبيرة للمودعين حالياً، يُمكن ويتوجب استرجاع المبالغ الكبيرة جداً من كل المودعين الذين استفادوا منها، من خلال الفوائد المرتفعة التي أُعطِيَت لهم في وقت سابق”.

وشرح “يتوجّب الإسترجاع من الذين يملكون أكثر من 500 ألف دولار في حساباتهم المصرفية، عبر تحويل نصف ما جنوه من الفوائد المرتفعة الى أسهم في شركة “كفالات” مثلاً، أو في أي صندوق سيادي رسمي، لاستثمارها في الشركات الصغيرة وفي القطاعات المنتجة. وهذا الوضع يشابه مسألة فرض الضريبة على كبار المودعين وثرواتهم”.

وأشار شعبان الى أن “هذ الطريقة تؤمّن المال للبنان من الداخل اللبناني، ولا سيّما أنه توجد استحالة للإستدانة من الخارج بغير برامج من “صندوق النقد الدولي” مثلاً ومن غيره، لن يتحمّلها اللبنانيون في ظلّ الوضع الراهن الموجود في البلد”.

وأضاف “اقتطاع ضريبة كبيرة من الناس الذين ربحوا من النظام الاقتصادي الموجود، وخصوصاً من أصحاب كبار الثروات، وإعادة توزيعها على القطاعات المنتجة، هو حلّ محلّي ومنطقي، يحتاج الى إرادة سياسية لتنفيذه”.

وتبع “عدم تصحيح الأوضاع الحاصلة في المصارف سيُضرّ بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، وبطبقة العاطلين عن العمل، بسبب غلاء الأسعار، ولا سيّما إذا وصلوا الى عدم إمكانية شراء حتى أساسيّاتهم. بينما الطبقات الميسورة، وكبار المودعين، لن يتأثّروا، وذلك لأن لديهم حسابات مصرفية في الخارج. وهذا الوضع سيزيد أعداد المحتجّين في الشارع مستقبلاً”.