أزمة لبنان: إستحقاق آذار…«شُبهة» تهزّ الحكومة

تحوّل استحقاق اليوروبوند في 9 آذار المقبل الى ملف خلافي، ليس على مستوى السلطة السياسية فحسب، بل انتقل الى الاوساط الشعبية، وصارت قضية دفع هذا الاستحقاق في موعده ملهاةً جديدة رائجة في مراكز القرار السياسي، كما في البيوت والمقاهي والساحات العامة…

ندفع أو لا ندفع… وتحوّل الاستحقاق الى ما يشبه «نتف» أوراق زهرة بابونج «بتحبني… ما بتحبني»!

هل الى هذا الدرك وصل مستوى اللاوعي واللامسؤولية في مقاربة ملفات من نوع وحجم ملف اتخاذ قرار في شأن كيفية التعاطي مع دينٍ عام، تحوّل الى مصيبة وطنية بكل ما للكلمة من معنى، وأدّى الى تفقير الناس وتشريدهم وتهجيرهم، وربما قد يؤدّي الى أزمة وجودية؟

لم تعد قضية استحقاق اليوروبوند في 9 آذار، وقيمته مليار و200 مليون دولار مقبولة على مستوى المنطق واحترام الذات. والتعاطي الرسمي مع هذا الاستحقاق لا يبشّر بالخير، لجهة الميوعة في حسم موضوع بهذه الحساسية. ومن غرّد على «تويتر» يقول: «بعد في ستّي ما عطيتِ رأيها اذا مندفع او ما مندفع»، عبّر بشكل جيد عن حقيقة المشكلة. إذ نجح اللاقرار في تحويل الموضوع الى ما يشبه لعبة شعبية، ينقسم حولها الناس، من يعرف منهم في شؤون المال والاقتصاد، ومن لا يعرف، يتناقشون ويتجادلون ويحلّلون: ندفع أو لا ندفع!

في هذه الاثناء، تعاطت المؤسسات الدولية وصناديق التحوّط (hedge fund) بجدّية ومثابرة مع الملف، وشهدت بيروت منذ تشارين 2019 زيارات كثيفة لوفود استطلاعية تمثّل هذه الجهات، بعضها مستثمر في السندات اللبنانية بالدولار، وبعضها الآخر غير مستثمر ويبحث عن فرص استثنائية للاستثمار.

الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن ننسبها الى السلطة السياسية في هذا المجال، وهي ايجابية غير مقصودة طبعاً، انّ معظم الوفود الأجنبية المستطلِعة غادرت البلد من دون أن تفهم ماذا سيقرّر لبنان الرسمي: يدفع أو لا يدفع.

في الفترة الأخيرة، قرّرت بعض الجهات شراء قسم من سندات اليوروبوند المستحقة في آذار، ودفعت مقابل هذه السندات بين 78 و80 سنتاً للسند. (سعره الاصلي دولار واحد). وهذا يعني انّها ستحقّق ارباحاً نسبتها بين 22 و24% في شهر واحد تقريباً، في حال قرّرت الدولة اللبنانية دفع الاستحقاق في موعده.

لكن هذا التطور دفع الى طرح السؤال التالي: هل تأكّدت الجهات الأجنبية التي اشترت السندات، انّ الدولة اللبنانية قرّرت ان تدفع الاستحقاق في موعده لكي تقوم بهذه المجازفة؟ ومن المعروف، انّه في حال قرّرت السلطات اللبنانية أن تؤجّل دفع الاستحقاق، وبصرف النظر عن الطريقة التي ستعتمدها في التأجيل،(سواب انتقائي، أو إعادة جدولة عامة للدين)، فإنّ أسعار هذه السندات التي تُباع اليوم بأقل بـ20% من قيمتها، سوف تخسر من قيمتها الحالية بنسبة كبيرة، بحيث تقترب من سعر سندات اليوروبوند استحقاق 2030 و2037، والتي تدنّت الى ما دون الـ40 سنتاً للسند الواحد. بما يعني انّ المستثمرين الأجانب الذين اشتروا اليوم لتحقيق ربح كبير وسريع، سيمنون بخسارة كبيرة وسريعة قد تصل نسبتها الى 35 أو 40%.

ضمن هذه المعادلة تُطرح الاسئلة التالية:

اولاً- هل تستحق نسبة الربح في السندات التي قد تتأمّن جرّاء التسديد في الموعد المحدّد، القبول بهذا النوع من المجازفات ما دامت نسبة الخسارة المحتملة هي ضعف نسبة الربح المحتمل؟

ثانياً- هل حصلت هذه الجهات على تأكيدات أنّه سيتمّ دفع الاستحقاق، وانّ شراء السندات اليوم صفقة مضمونة وليست مجرد مجازفة، خصوصاً انّ هذه المؤسسات تشتري السندات لمصلحة مستثمرين زبائن لديها (بعضهم قد يكون لبنانياً)، وهي مسؤولة عن نِصحهم وإرشادهم الى الصفقات الرابحة، بما يعني انّ هؤلاء اقتنعوا بالشراء ووافقوا عليه؟

ثالثاً- لماذا أقدمت مصارف لبنانية تحمل هذه السندات الى بيعها بخسارة اكثر من 20% من سعرها؟ هل انّ المعلومات التي تملكها المصارف المحلية تختلف عن المعلومات التي تملكها الجهات الاجنبية المستثمرة؟ وهنا، يمكن استبعاد فرضية انّ المصارف اللبنانية تحتاج الى سيولة، لذلك وافقت على البيع، لأنّها اذا كانت تعرف انّ الاستحقاق سيُدفع في موعده تستطيع أن تنتظر لشهر واحد للحصول على 20% أكثر كإيرادات من هذه السندات.

هذه التساؤلات التي تبدو غريبة بعض الشيء، وتدلّ الى وجود قطبة مخفية في مكان ما، تسمح باستنتاج من نوع آخر. إذ انّ المؤسسات المالية الأجنبية ليست مُطّلعة اكثر من المصارف اللبنانية على القرار الذي ستتخذه الدولة. وفي الاساس يمكن الجزم، أن لا قرار حتى الآن في الحكومة حول الدفع أو عدم الدفع. وأصحاب القرار أنفسهم قد يغيّرون مواقفهم في اللحظات الأخيرة، بسبب ضغوط سياسية أو بسبب تغيير قناعاتهم، لأنّه من الواضح ان لا وجود لقرار عقلاني عميق يستند الى حقائق ودراسات تسمح باتخاذ قرار والثبات عليه.

وبالتالي، قد يكون رهان المؤسسات الأجنبية التي اشترت اليوروبوند، على ما يلي: اذا دفعت الدولة اللبنانية الاستحقاق في موعده نضمن أرباحاً خيالية في فترة قصيرة. واذا تخلّفت الدولة عن الدفع من دون موافقتنا نذهب الى التقاضي والرهن وتحصيل الحقوق بالقانون. وهناك أصول كثيرة للدولة يمكن الحجز عليها. أما اذا فاوضت الدولة اللبنانية للحصول على موافقة حاملي هذه الحزمة من السندات لتتمكّن من اعادة جدولة شاملة للدين، يستطيع المفاوض الاجنبي أن يتحكّم بالقرار، خصوصاً هذا الاستحقاق بالذات، إذ يحمل الاجانب 33% منه. وقد زادت هذه النسبة بعد عمليات الشراء، بما يعني انّ لبنان لن يتمكّن من الحصول على موافقة 75% من حملة السندات لإعادة جدولة دينه. وهذا الوضع يجعل حاملي السندات في هذه الحزمة بالذات التي تستحق في آذار، مثل الوزير الملك في حكومات الوفاق الوطني في لبنان، وحده قادر على التحكّم بمصير الحكومة لجهة سقوطها أو بقائها.

انطوان فرح.

2035 ونهاية ثروات الخليج

هناك ولع لدى الاقتصاديين والمحللين بالأرقام، حتى عندما يتوقعون حدوث كارثة، فإنهم يختارون رقما مميزا للعام الذي ستقع فيه هذه الكارثة، ولهذا هناك سيناريوهات كثيرة تتنبـأ بوصول الطلب على النفط إلى ذروته في عام 2030 أو 2035 أو 2040. ومن النادر أن نرى عام 2037 أو 2031 في هذه السيناريوهات.
عموماً خرج صندوق النقد الدولي بدراسة جديدة يتوقع فيها نضوب الاحتياطيات المالية لدول الخليج في عام 2035، أي بعد 15 عاماً، بسبب تراجع المداخيل من النفط والغاز، وقلة وتيرة الإصلاحات الاقتصادية. وإذا كنت شخصا متشائما بطبعك وتحب سيناريو نهاية العالم فإن عناوين الأخبار يوم الأربعاء الماضي تقول إن بريطانيا قررت حظر مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل ابتداءً من عام 2035، أي قبل خمس سنوات مما كان مخططا له. وبريطانيا ليست إلا دولة من الدول الأوروبية التي تسير في هذا الاتجاه لمكافحة التغير المناخي.
إذن ما هو موقف المواطن الخليجي الذي يقرأ كل هذه الأخبار؟ المواطن الخليجي العادي سوف يشعر بالقلق، ولكن هذا القلق لا يجب أن يكون مبالغا فيه إذ أن هذه السيناريوهات والتوجهات والسياسات لا تعني أن ما يتم تنبؤه سيقع بهذا الشكل السريع والمأساوي.
ودعونا نبدأ في شرح الأسباب وراء عدم اقتناعي بكل ما يقال من حولي. أولاً إن تقرير صندوق النقد الدولي مبني على نظريات ومعادلات اقتصادية (إيكونوميتركس) تتنبأ بسيناريوهات لتراجع الطلب على النفط ووصوله إلى الذروة عند 115 مليون برميل يومياً في 2041 ليبدأ بعدها الهبوط في الطلب، والذي يدعمه تراجع النمو السكاني العالمي من 1.1 في المائة في 2018 إلى 0.6 في المائة بحلول 2046. كل هذا لا بد أن ينعكس على نمو إجمالي الناتج المحلي للفرد، والذي سيهبط إلى 1.8 في المائة في المدى الطويل من 3.2 في المائة في العقد القادم.
وإذا نظرنا إلى تقرير الصندوق الذي يقع في 55 صفحة وإلى كل التحليلات التقنية فيه عن النفط، فإننا ننظر إلى تقرير نظري لأشخاص غير فنيين عندما يتعلق الأمر بالنفط. ولكن هذا لا يعني أننا نرفض هذا التقرير، ولكنه بالنسبة لي مجرد وجهة نظر أخرى تدعو إلى الأخذ بجدية والتفكير في هذه السيناريوهات، ولكن لا أستطيع الجزم بأن ما يذكره هذا التقرير أو غيره عن المستقبل سيقع لا محالة.
وإذا نظرنا إلى الحلول المقترحة، فإن الصندوق ليس لديه سوى حزمة معروفة من الحلول يقترحها لكل الدول في العالم منذ عقود، وقائمة على تحرير الاقتصاد ورفع مداخيل الدولة من الضرائب وتقليل الدعم الاجتماعي. كل هذه الحزم لا يعني بالضرورة أنها مناسبة لدول الخليج. وتظل المخاطر قائمة خصوصاً للدول الخليجية التي لم تتخذ إصلاحات كبيرة، ولا يبدو أنها سوف تتخذ إصلاحات كبيرة في الأعوام الخمسة القادمة. ولكن هناك دول قطعت شوطا كبيرا في رحلة التحول إلى اقتصاد غير نفطي، وهنا أشير إلى المملكة العربية السعودية تحديداً والتي اتخذت حزما كبيرة جداً من الإصلاحات الاقتصادية والتي قد تأخذ وقتاً طويلاً لتؤتي ثمارها نظراً لأن أي تحول اقتصادي يأخذ أعواماً عديدة.
أنا مؤمن أن السعودية على الطريق الصحيح حتى وإن كانت الإصلاحات سوف تأخذ وقتاً، والجميع يرى كيف أن النمو الاقتصادي عاد للتحسن والحركة التجارية تحسنت تدريجياً وميزانية الدولة في وضع جيد رغم تراجع المداخيل النفطية في السنوات الأخيرة. وأصبح الفساد محدوداً بشكل كبير بعد حملة مكافحة الفساد، وهناك ضبط واضح في الإنفاق.
كل هذا حدث مع تضحيات كثيرة وتغيرات كبيرة على المجتمع. وما يزيد تفاؤلي هو تحسن آلية العمل في القطاع العام ووجود معايير لقياس الأداء الحكومي. إلا أن هذا لا يعني أن المملكة وصلت إلى هدفها، ولا يزال العمل الذي تحتاجه جباراً خصوصاً أن القطاع الحكومي لا يزال مليئا بالحرس القديم الذي تعود على قلة الإنتاجية، ولكن كل هؤلاء مصيرهم الخروج من سوق العمل خلال خمس إلى 10 سنوات ليفسحوا المجال للشباب القادمين من الخارج بعد إكمال تعليمهم أو من القطاع الخاص. هؤلاء هم سر نجاح التجربة الاقتصادية السعودية في الأعوام القادمة، وإذا ما أضفنا إلى هذا السياسات الحكومية المتبعة حالياً فإن الوضع مشرق بالنسبة للاقتصاد.
أما مستقبل النفط السعودي، فسيعتمد بشكل كبير على التطور التقني في كيفية استخراجه ومعالجته وتطوير سبل أفضل لإطالة عمر الطلب عليه، وهو ما تعمل أرامكو عليه كذلك مع شركات السيارات العالمية أو من خلال البحث والتطوير لرفع معدلات الاستخلاص للحقول والمكامن. ويبقى الوضع بالنسبة لي غير واضح في باقي دول الخليج، إذ أن هناك دولا القطاع الخاص فيها متضخم ولا يوجد نمو خارج القطاع النفطي وكل عوامل الفشل الاقتصادي المستقبلي قائمة هناك، ولعل هذه الدول عليها العمل أكثر من غيرها والأخذ بتوصيات صندوق النقد الدولي أو غيرها من بيوت الاستشارة. إن القطاع غير النفطي الخليجي لا يزال غير متكامل، ولا توجد شراكات كبيرة بين دول الخليج في مشاريع غير نفطية، ولعل هذا أمر يجب التفكير فيه لخلق سوق خليجية قوية ومرنة.

وائل مهدي