بدأت مخاطر التغير المناخي تظهر على شاشات رادار المستثمرين في بعض جوانب عالم المال، في حين ظلت الكوارث الطبيعية مبعث قلق مستمر طوال عقود في سوق سندات البلدية، التي تقدر قيمتها بـ3.8 تريليون دولار.
في أعقاب إعصار كاترينا عام 2005، خفضت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف مدينة نيو أورليانز، بحيث تراجعت لثلاثة مستويات، حتى وصلت إلى مستوى السندات الرديئة، ولم تستعد تصنيفها الممتاز الاستثماري حتى مايو (أيار) 2007. كذلك عانت مدينة جوبلن بولاية ميسوري في مايو (أيار) 2011 من أقوى إعصار أميركي شهدته الولايات المتحدة منذ 6 عقود، فبعد مرور عامين كان لا يزال نصف الطلبة بها، البالغ مجموعهم 7.500 طالب، في صفوف دراسية مؤقتة، لكن كان هناك تقدم في إنشاء مدارس جديدة بفضل الناخبين الذين وافقوا على أكبر عملية بيع لسندات في تاريخ المدينة. وفي أغسطس (آب) 2014 ضرب مقاطعة نابا في ولاية كاليفورنيا أقوى زلزال منذ 25 عاماً، تبادل حاملو السندات جزءاً ضخماً غير مسبوق من الديون المستحقة عليها خلال الأيام التالية، بسبب مخاوف من احتمال تأخر سدادها نتيجة ذلك الدمار. ولا تزال القائمة طويلة.
مع ذلك في كل الأمثلة السابقة، كان توقع واكتشاف الخطر غامضاً ومراوغاً بالنسبة إلى سوق سندات البلديات، التي تعرف باتساعها على نحو متفرق. لدى الولايات المتحدة أكثر من 90 ألف «وحدة حكومية محلية»، حسب بيانات أحدث إحصاء سكاني، ورغم عدم قيامها جميعاً بإصدار سندات، فإن البلديات التي تفعل ذلك تميل نحو الاقتراض من خلال مجموعة مختلفة من السندات المحفوظة حتى تاريخ استحقاقها وبعائدات متنوعة. وفي الوقت الذي يأتي فيه ذكر التغير المناخي في العديد من الوثائق الخاصة بالأوراق المالية، تقوم المصارف الاستثمارية، والمستشارون القانونيون بعمليات تحرٍ جيدة شاملة حول هذا الأمر، ففي النهاية لا توجد أدلة كثيرة على أن المخاطر تمثل جزءاً أصيلاً من أسعار السندات.
من ناحيتها، اتخذت شركة «ريسك إنكوربوريشين» الناشئة في بوسطن مؤخراً خطوات جعلت منها منافساً كمصدر لمشتري سندات البلدية، نظراً لتقييمها لاحتمالات تسبب التغير المناخي والكوارث الطبيعية في عرقلة عمل أي حكومة محلية، أو إدارة تعليمية، أو مستشفى، أو نظام مرافق. تجمع الشركة في جوهرها بين علوم المناخ، ونمذجة الكوارث، وتكنولوجيا تعلم الآلة الخاصة بالجغرافية المكانية، وكذلك تصنف المخاطر المناخية استناداً إلى الاحتمالات الخاصة بنوع خطر ما، سواء كان حريق غابات أو فيضاناً أو إعصاراً، إلى جانب «التكييف المناخي» الذي يضع في الاعتبار المتغيرات التي من شأنها زيادة احتمالات حدوث كارثة طبيعية. وتقسّم الشركة الولايات المتحدة إلى شبكة مكونة من خلايا على مساحة مائة متر مربع، وتحدد بوضوح عاملين متغيرين، هما الخطر على قيمة العقار والإضرار بإجمالي الناتج المحلي. وتتسم الشبكة بمرونة تمكنها من جمع المخاطر المناخية عبر الحدود؛ كبيرة كانت أم صغيرة.
وليست شركة «ريسك إنكوربوريشين» هي الجهة الوحيدة المزودة للبيانات الجغرافية المكانية المرجعية، فكما ذكرت كل من أماندا أولبرايت، وماليكا ميترا من وكالة «بلومبرغ نيوز»، في بداية الشهر الحالي، تزايد عدد الشركات الاستثمارية التي أوضحت أنها قد بدأت في التركيز على المعلومات المستقاة من مصادر مثل «غوغل إيرث» كطريقة لتقييم المخاطر المناخية. وقامت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني بتحليل مرافق المياه الأميركية على أساس بيانات من بعثات القمر الصناعي بوكالة أبحاث الفضاء الأميركية «ناسا». يقول كريس غولغاسيان، مدير أبحاث المناخ في شركة «ويلينغتون مانجمنت»: «بوجه عام، نرى المال في شكل أعمدة وصفوف في صفحة على برنامج (إكسيل)، لكن التغير المناخي ليس كذلك».
ويشكك كريس هارتسهورن، كبير المديرين التجاريين في شركة «ريسك» في ذلك، حيث أعلنت الشركة خلال الشهر الماضي عن إقامة شراكة مع «إنتركونتيننتال إكستشينج» تقوم بموجبها الشركة بتوفير بيانات عن المناخ؛ وتتواصل «إنتركونتيننتال» معها بشأن سندات محددة، بحيث يستطيع المستثمرون تحليل أوراق مالية أو محافظ استثمارية كاملة ومقارنتها، ويعني ذلك العمل باستخدام صفحات «إكسيل».
أوضح هارتسهورن أن المنتج المناخي بات مطروحاً منذ 3 فبراير (شباط)، ومرّ باختبارات عملية خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019 من خلال التعامل مع 10 كيانات مختلفة و140 مستخدماً. وتحظى شركة «ريسك» بدعم لها داخل السوق من خلال توم دو، رئيس ومؤسس «مانيسيبال ماركت أناليتيكس»، التي كانت في وقت ما شركة ناشئة في سوق ديون الولايات والحكومات المحلية. وتعد تلك الشركة حالياً أشهر شركة بحثية مستقلة في هذا المجال. وقال دو، خلال مقابلة، إنه أعجب وتأثر كثيراً بكتاب «الأرض غير الصالحة للسكن»، وخلص إلى أن «المناخ سوف يكون عنصراً معرقلاً ومدمراً في سوق سندات البلدية». وقد راقب عن كثب كيف ضرب إعصار (فلورنس) ولاية كارولاينا الشمالية عام 2018. ويقول: «ألن يكون الوضع كارثياً إذا كانت لديك مجموعة كبيرة من السندات الممتازة، وتحولت إلى سندات رديئة بسبب بعض الظروف؟ هل يمكن أن يتسبب المناخ في ذلك الأمر؟»، وقد رأى أن الإجابة هي نعم.
وكان دو من بين من أخبروا قيادة شركة «ريسك» بضرورة ربط ما لديها من بيانات خاصة بالمناخ بسندات محددة، حتى يقبل على شرائها مديرو الاستثمار، وهو من بينهم. وقد عكف هارتسهورن وغيره من أعضاء مجلس الإدارة على العمل في هذا الاتجاه، وساعدهم دو بتعريفهم بالأشخاص المناسبين في «إنتركونتيننتال إكستشينج».
ومع توفير هذا المنتج يكون السؤال البديهي هو ما مدى أهميته بالنسبة إلى أسعار السندات. كما كتبت مؤخراً، تشهد البلديات ارتفاعاً في الأسعار مع اقتراب عائدات سندات ذات العشر سنوات المعفاة من الضرائب من الانخفاض إلى مستوى غير مسبوق، وتتدفق النقود على صناديق التحوط الأسبوع تلو الآخر.
ليس لدى مديري المال ككل رفاهية الاختيار فيما يتعلق بسنداتهم، سواء كانت في مدينة فلوريدا الساحلية المعرّضة لأعاصير، أو منطقة في كاليفورنيا معرضة لحرائق الغابات. أيضاً من المرجح أن يتم النظر إلى أي جزاء بشأن تلك المخاطر كفرصة شراء أفضل.
قال هارتسهورن: «سيكون لدى كل مستخدم استراتيجياته وآراؤه وسيناريوهاته الخاصة، ونحن لا نريد تهميش الأذكياء من المستخدمين، بل نريد منحهم الأدوات والوسائل التي تمكنهم من اتخاذ قراراتهم الخاصة مع الوضع في الاعتبار المناخ بطريقة يرونها منطقية».
براين تشابتا.