الذهب: المؤثرات تتوزع بين مخاطر الفيروس وارتفاع الدولار والاجواء الجيوسياسية والتجارية.

تم تسجيل ارتفاع ملموس بالمدى القصير، وهو اليوم الثلاثاء مترافق مع تراجع واضح لاسواق الاسهم الذي وقع تحت تاثير التحذير الذي صدر عن شركة أبل حول تراجع مبيعاتها.

من ناحية أخرى ، هناك رسالة مفادها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يفكر في فرض قيود جديدة على تصدير التكنولوجيا الحديثة إلى الصين. ذكرت ذلك وكالة أنباء بلومبرج ، نقلاً عن أشخاص على دراية بهذه المسألة. هذا امر يعيد إحياء مناخ الخلافات التجارية بين البلدين في وقت تعاني الصين بقوة من مضار فيروس كورونا على اقتصادها.

ايضا لا يمكن التقليل من اهمية تقدم الدولار مقابل بقية العملات الرئيسية وتاثيره السلبي الضاغط على الذهب. ارتفاع الدولار يمكن اعتباره نتيجة للطلب عليه بصفته الملاذ الامن الامثل في مثل هذه الازمات، وكذلك نتيجة لتراجع العملات الاخرى المواجهة له ،لكون اقتصادياتها متأثرة بتعرضها لاثار الفيروس الصيني اكثر من الاقتصاد الاميركي.

وماذا تقول التقنيات على المديين البعيد والقريب؟

النظرة المستقبلية التقنية  للذهب على المدى الطويل تعتبر محايدة طالما السوق يتحرك داخل اضلع المثلث.

يبدو أن السوق لم يحسم أمره منذ بداية العام. تراجع تصعيد التوترات بين واشنطن وطهران عامل مهدئ للانفعالات النفسية للمتداولين وبالتالي مساعد على تهدئة الاندفاعة الصعودية التي شهدها الذهب في الاسابيع الماضية. ولكن من جهة اخرى فان السوق تبقى مدعومة بالشكوك الاقتصادية التي يفرضها وباء الفيروس التاجي الذي لا تزال افاق تطوراته غير واضحة . نتيجةً لذلك ، شكل أونصة الذهب مثلثًا متماثلًا ولا يزال يتحرك ضمنه حتى الان.

إذا وضعنا التحليل الأساسي جانباً ، يمكننا أن نتوقع أن اتجاه الخروج من المثلث سيشير إلى اتجاه السوق الجديد على المدى المتوسط ​​والطويل. من شأن الخروج من أعلى المثلث أن يعطي احتمالات صعودية إلى أعلى مستوى في العام عند 1616 دولار. بالمقابل ، فإن الخروج من القاع يعطي احتمالية هبوطية إلى أدنى مستوى خلال العام عند 1،535 دولار.

من الناحية النظرية ، الخروج من القمة هو النتيجة “الأكثر ترجيحًا” لأن الاتجاه السابق كان صعوديًا. وبالتالي ثمة حاجة إلى انتظار الخروج من المثلث.

آفاق قصيرة الأجل مختلطة بين التحليل الفني والشعور

على المدى الأقصر ، فإن النظرة متفاوتة ، لأنه على الرغم من أن سعر الذهب قد عاد إلى المقاومة المائلة للمثلث ، فإن رجحان المعنويات في السوقترجح كفة  الميل  الصعودي لأن عدد صفقات المضاربة للمدى القصير  زادت بشكل حاد في الجلسات الأخيرة.

من الوجهة التقنية يصح اعتبار ال 1535 كمحطة دفاعية مهمة ولا بد من مراقبتها.
كمقاومة تبقى العين على ال 1600د. للاونصة.

هذا ما ينتظرُ لبنان في صندوق النقد

مع بداية التواصّل الخجول بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، هناك مزيج من التوجّس والارتياح على المستوى الشعبي، في انتظار الاتجاه الذي سيسلكه هذا التواصل، والى أين يمكن أن يؤدّي. هل هو بداية انفراج، أم مجرد سراب؟

يكثر الحديث في هذه الحقبة عن الشروط القاسية التي قد يفرضها صندوق النقد الدولي بالتعاون مع البنك الدولي، في حال قرّرت الحكومة اللبنانية طلب خطة إنقاذ من هاتين المؤسستين الدوليتين التابعتين للأمم المتحدة. لكن، في الموازاة، ليسوا كثراً من يتحدثون عن طبيعة الخطة التي قد يتمّ وضعها، ماذا تشمل وكيف تعمل وما هي الأسس التي تُبنى عليها. كذلك، هناك من يتحدث عن احتمال تعرّض السيادة اللبنانية للخرق من قِبل هذه المؤسسات الدولية من خلال فرض شروط يُفترض انّها تدخل ضمن مفهوم السيادة التي ينبغي ان تبقى فوق أي مسٍ بها.

لا بدّ للمتابعين أن يعرفوا أنّ مفهوم المساعدة التي يقدّمها صندوق النقد أو البنك الدولي تغيّرت عبر السنين. وهناك مراحل كثيرة مرّت بها عمليات إنقاذ الدول المفلسة والفقيرة، تبدّلت في خلالها، الاساليب المُعتمدة من قِبل هاتين المؤسستين في دعم الدول. وما هو ايجابي في هذا التطوّر، يرتبط بأنسنة هذه المساعدات. ومنذ العام 1999 أدخل البنك الدولي في مفهوم عمله، وبمبادرة من رئيسه في ذلك الحين جيمس وولفنسون، ما يُعرف بـ«استراتيجية الحد من الفقر» (Poverty Reduction Strategy Paper).

هذه الاستراتيجية تقضي بإلزام الدول التي تحصل على حزمة مساعدات إنقاذية من صندوق النقد ومن البنك الدولي، بتوقيع خطة لمساعدة الطبقة الفقيرة في المجتمع في موازاة دعم الاقتصاد. وتطبيق هذه الاستراتيجية اصبح جزءاً من الشروط التي على أساسها يمكن استكمال دعم الدول. وقد بدأت دول عدة في تطبيق هذه الاستراتيجة، التي أثبتت حتى الآن جدواها في تخفيف الضغط على الطبقات الدنيا، في فترات تنفيذ برامج إنقاذية غالباً ما تكون قاسية لجهة ما تطلبه من تضحيات يقدّمها المواطنون.

لكن الاهتمام بحماية الطبقات الفقيرة، لا ينفي وجود شروط قاسية ينبغي الالتزام بها للحصول على حزمة مساعدات دولية.

على المستوى الاقتصادي، لا توجد وصفات جامدة، كما يدّعي المعترضون، لكن هناك اساليب مُجرّبة ومبادئ عامة يتمّ اعتمادهما. ولأنّ صندوق النقد، مثل اي مُقرض في العالم، يسعى الى ضمان استرداد امواله، فإنّه يركّز على هدف خفض العجز في الموازنة، من خلال إجراءات مضمونة النتائج في توقيتها. لذلك يتمّ التركيز على تطبيق مبدأ رفع الدعم عن كل السلع، لتخفيف الضغط عن الموازنة.

ومن هنا تنطلق نظرية تحرير سعر صرف العملات، على اعتبار انّ سعر أي عملة ينبغي أن يعكس وضع الاقتصاد على حقيقته. وفي حالة تثبيت سعر الصرف اصطناعياً، فهذا يعني انّ الدولة، عبر المصرف المركزي، مُضطرة الى دعم العملة عندما يتراجع وضع الاقتصاد. وهكذا تصبح العملة بسعرها الاصطناعي أقوى من الاقتصاد، ويؤدي هذا الخلل، الى مشاكل متنوعة، لا تخدم فكرة خفض العجز في الموازنة العامة.

الى ذلك، يسعى صندوق النقد الى تأمين موارد مضمونة للخزينة، ومن هنا فكرة فرض رسم على البنزين، رفع تعرفة الكهرباء، خفض حجم أو رواتب القطاع العام… كل هذه الشروط، لا تعني انّ الصندوق لا يشترط اصلاحات بنيوية، مثل خفض منسوب الفساد والهدر على كل المستويات، ومن ضمنها وقف التهرّب الضريبي، منع التهريب، القضاء على كل اشكال الاقتصاد الرديف، تنظيم الإنفاق خصوصاً لجهة المشتريات الحكومية والمناقصات والتلزيمات… كل هذه الإصلاحات تقع ضمن الشروط، لكن الصندوق، ومن خلال تجاربه مع الدول المنهارة، وحيث نِسب الفساد تكون مرتفعة، ومرتبطة بالمنظومة السياسية، يُدرك انّه لا يمكن الرهان على هذه الإصلاحات لإنقاذ الموازنة، لذلك يصرّ على إجراءات قد تكون قاسية في حق المواطنين، لكنها مضمونة النتائج الفورية. في المقابل، تأتي الإصلاحات، وفي حال تنفيذها بجدية، لتساعد لاحقاً في دعم اضافي للموازنة، ويصبح في الإمكان التخلّي عن بعض الإجراءات اللاشعبية التي أدخلتها خطة الانقاذ.

وهنا ينبغي ان يكون معروفاً أنّ خطة الانقاذ، والتي قد تمتد على 10 سنوات، ليست بلوكاً واحداً. انّها مجموعة بلوكات، كل سنتين أو ثلاث تنتهي حزمة، ليبدأ تنفيذ حزمة أخرى. وفي العادة تكون الحزمة الاولى هي الاقسى، لأنّها تشمل اجراءات موجعة للناس. في حين انّ الحِزم الاخرى، قد تشهد البدء في إلغاء او تخفيف هذه الإجراءات، في حال تمّ الالتزام بالإصلاحات التي تبدأ في اعطاء ثمارها.

وفي هذا الاطار، تندرج خطة البنك الدولي (PRSP) لمساعدة الطبقة الفقيرة في هذه المرحلة في الدول التي تطلب خطط انقاذ مالي.

هل يستطيع لبنان أن يخوض هذه التجربة القاسية؟

عندما تواجه أي دولة أزمة مالية وتصل الى مرحلة العجز عن الدفع، وتطلب من صندوق النقد خطة إنقاذ، يتمّ اجراء تقييم لوضع هذه الدولة لتصنيفها ضمن خانتين:

اولاً- أزمة سيولة، تحتاج الى وقت اضافي لتتمكّن من تسديد ديونها.

ثانياً- أزمة تعثّر، لا تستطيع دفع ديونها لا الآن، ولا في المستقبل.

في الحالة الاولى، (illiquidity) يُصار الى وضع خطة لإعادة جدولة الدين على فترات أطول.

في الحالة الثانية، (Insolvency) تتجّه الامور نحو خطة لخفض حجم الدين، عبر إعادة الهيكلة وإعادة الجدولة.

في الحالة اللبنانية، تبدو المشكلة معقّدة وذات طابع خاص. لأنّ ديون لبنان، في القسم الاكبر منها، تحملها المصارف ومصرف لبنان، وبالتالي، ينبغي البحث عن خطة تراعي هذا الواقع. وهذا الامر مُتاح طبعاً، وقد يستند الى فكرة شراء قسم من هذه السندات من السوق الثانوية بواسطة قرض من صندوق النقد…

الخطط الإنقاذية متنوعة، والقاسم المشترك بينها انّها توصلُ الى برّ الأمان اذا طُبقّت والتزمت بها الحكومات، ولا تؤدي سوى الى مزيد من التعقيدات والأزمات اذا جرى التشاطُّر، ولم يتمّ تنفيذ ما هو مرسوم بجدّية ودقةّ وصدق. وعلى الحكومة اللبنانية أن تختار، أي طريق تريد أن تسلك في هذا المضمار.​

انطوان فرح.