السؤال الاساسي المطروح اليوم: هل ما زلنا نشتري الوقت وهو يداهمنا؟ والكل يعرف، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي والدول المانحة، الى أين وصلت الأمور من فساد بائس ومحسوبية ومحاصصة على مرّ عقود، أمعنت بالبلد خراباً وإنهياراً دون حسيب أو رقيب.
يبدو أنّ جريمة المرفأ أبعدت الشبهات عن المسؤولين الذين أمعنوا بالبلاد سرقة وفساداً منذ ثلاثين عاماً. ولبنان يحتل اليوم مرتبة متقدّمة في قائمة الدول على مؤشر الفساد (من أصل 180 دولة لبنان يحتل المركز 138 في قائمة الدول الأكثر فساداً للعام 2019) مع مؤسسات منحلّة وغياب تام للمسؤولية والمحاسبة وللاصلاح، وكأننا في بلد توزيع غنائم وتوظيف غبّ الطلب ومشاريع عشوائية فقط لأغراض انتخابية لا غير.
الأمر الذي يتبادر الى الأذهان، أين أصبح الاقتصاد حالياً، في ظلّ نظام تقاسم السلطة والمحسوبية. وقد أعاق هذا الحوكمة الرشيدة؟ وما هي وضعيتنا مع صندوق النقد الدولي بعد استقالة الحكومة، وفي انتظار ولادة الحكومة الجديدة؟ وفي الحقيقة، الحكومة المستقيلة لم تعرف يوماً أخذ المبادرة، ولم تفعل شيئاً، ولم تحقق أي إنجاز، عكس ما أفحمنا به رئيسها، وكأننا كنا في فراغ.
لذلك، نرى أنفسنا أمام خيارين لا ثالث لهما.
الأول- أن يأخذوا على محمل الجدّ عملية تأليف الحكومة، على أن تكون من مستقلّين تكنوقراط، حيادية غير ملزمة سياسياً، لتدير شؤون البلاد، ولها صلاحيات استثنائية، كون الوضع بات لا يحتمل المماطلة. فتجلس على طاولة صندوق النقد الدولي، الذي سوف يملي شروطه، وأقلّها، خصخصة قطاع الكهرباء الذي استنزف الدولة، ولا نزال ندفع ثمنه فاتورتين، ووقف الهدر في المشاريع الميؤوس منها.
هذه المرحلة تحدّد المرحلة اللاحقة، والتي ينبغي أن تشمل البدء بالتدقيق في حسابات البنك المركزي والمؤسسات العامة، ووقف الهدر في حسابات الموازنة وميزانيات المؤسسات، من رئاسة الجمهورية إلى أصغر دائرة في الدولة. هذه الأمور سوف تبرهن عن حُسن نيّة لدى الأطراف المعنية، فتُصرف أموال «سيدر» ولكن بحذر، ودون أن يكون للطبقة الحاكمة أي صلة بها. هذه الخطوات سوف تحدّد المرحلة اللاحقة، نجلس فيها على طاولة طائف ثانٍ، ونستمزج آراء الشعب وما يريده من لبنان.
الخيار الثاني- أن يبقى المسؤولون في غيبوبتهم وكأن ما حدث في 17 تشرين الأول وحتى 4 آب لا يعنيهم، بما يعني الانحدار التام في المجهول. وهنا ستكون جهود ماكرون قد ذهبت سدى. فالدول المانحة سوف لن تساعدنا، ومن يراهن على بواخر ايران وفيول العراق سوف يخيب ظنه، مع كل ما يتأتى عن ذلك من فقر وعقوبات وغيرها. مع الاشارة الى انّ الشعب اللبناني لا يريد التوجّه شرقاً، بل يصرّ على البقاء في أحضان الشرعية الدولية ومع دول عربية، أعطتنا الكثير في المراحل السابقة ومستعدة لتعطينا أكثر في المرحلة المقبلة. هذه الأمور تعني في ما تعنيه، أنّه لا صندوق النقد ولا دول مانحة ولا «سيدر»، والأمر الأكيد أنّه لا لبنان بعد الآن.
أما من ناحية الاصلاحات، واذا استمرت الغيبوبة رغم تهديدات ماكرون، فهي لن تحصل. وبالمناسبة نسأل، اين أصبح التغيير والاصلاح، الذي طالما وعدونا به، ولغاية اليوم لم نر سوى محاصصة واقتسام لأموال الشعب وتوظيفات غبّ الطلب. وهنا، لا داعي لعودة ماكرون للمرة الثالثة، إنما الأكيد هو انهيار الكيان.
في جميع الأحوال، الأمور السياسية والاقتصادية متداخلة جداً، والفرضية الأولى تبقى الأحسن، ولكن قد تكون مثالية في غياب أية مسؤولية أو وجود زعيم على مستوى الوطن ليدير البلاد. لذلك تبقى كفّة الحذر، رغم كل جهود ماكرون راجحة، وقد لا يكون المستقبل زاهراً كما يحلم به شباب لبنان.
دكتور غريتا صعب.