تحت عنوان العقوبات ترفع كلفة التقاعس عن العمل “sanctions raise cost of inaction”، أصدر “بنك أوف أميركا” تقريره عن تطور الوضع الاقتصادي في لبنان. التقرير تناول ثلاثة عناوين رئيسية تتعلق بالمبادرة الفرنسية والعقوبات الاميركية، إعادة هيكلة القطاع المصرفي والحاجة إلى اقتراض 4.3 مليارات دولار إضافية بسبب انفجار المرفأ.
يرى التقرير ان العقوبات الاميركية قد تغيّر الحسابات السياسية، وتفتح الطريق امام تنفيذ المبادرة الفرنسية ووصول المساعدات الدولية. فالتهديد بفرض عقوبات على القادة السياسيين الرئيسيين قد يؤدي إلى إحداث تغيير في الديناميكيات السياسية المحلية ويخفف الضغط على الحكومة المنوي تشكيلها، ويطلق يدها في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة. إلا ان الامور تبقى بحسب التقرير رهناً بقدرة القادة السياسيين على الإيفاء بوعودهم للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حمل في زيارته الاخيرة خريطة طريق اقتصادية مفروض تطبيقها في فترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر.
“خريطة الطريق” الفرنسية
كما أصبح معلوماً فان الورقة تفترض استئناف المفاوضات سريعاً مع صندوق النقد الدولي، إقرار إصلاحات قطاع الكهرباء وقانون ضوابط رأس المال capital control خلال شهر واحد، إقرار عدد من الإصلاحات الهيكلية والقضائية والمالية ومكافحة الفساد في غضون شهر أيضاً، ومراقبة وضبط الحدود في غضون ثلاثة أشهر. بالاضافة إلى إقرار موازنة 2020 المنقحة في غضون شهر وميزانية 2021 في نهاية العام الحالي.
تنفيذ هذه الاصلاحات بشكل كامل قد يسهل بحسب التقرير عقد المؤتمرين اللذين وعد بهما الرئيس الفرنسي في تشرين الأول لدعم لبنان. أما تطبيق الحد الأدنى من الاصلاحات فسيكون كافياً، من وجهة نظر معد التقرير، لارضاء المجتمع الدولي موقتاً وكسب الوقت قبل الانتخابات الأميركية. حيث قد يكون لأي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران بعد الانتخابات الأميركية آثار إيجابية غير مباشرة على المشهد السياسي المحلي في لبنان، وربما القدرة على إجراء إصلاحات اقتصادية وحشد المساعدات الدولية.
الثقة بالمصارف مفقودة
اللافت في التقرير كان استنتاجه أن تعاميم مصرف لبنان قد تنجح في اعادة هيكلة المصارف، إلا أنها ستفشل في المقابل في إعادة الثقة في القطاع. التقرير ينطلق من تحليلٍ مفصل للتعميم الإشكالي رقم 154 (تعميم يهدف إلى استرداد ما بين 15 و30 في المئة من الاموال التي تفوق الـ 500 الف دولار والتي جرى تحويلها إلى الخارج منذ حزيران 2017. بدء عملية تحويل الودائع إلى أسهم bail in وزيادة رساميل المصارف بنسبة 20 في المئة). معتبراً اياه محاولة لتحقيق الاهداف من خلال التقديرات والإقناع الأخلاقي بدلاً من وضع إطار قانوني مفصل. ما يعني أن التزام البنوك أو المودعين بالتعميم قد يكون جزئياً. وفي جميع الحالات فان الآلية المعتمدة “تفتقر إلى الشفافية وتنطوي على قدر كبير من حرية التصرف من قبل صانعي السياسات. ومن المحتمل أن القطاع المصرفي سيبقى بحاجة إلى رأس مال أكبر لاستعادة الصحة المالية بما يفوق الهدف المعلن من مصرف لبنان”. التعميم يشبه بحسب التقرير “برنامج عفو”. وعلى الرغم من ان مثل هذه التدابير لاقت نجاحاً في بعض الأسواق الناشئة، حيث دعمت الحسابات المالية وحسابات ميزان المدفوعات. إلا ان تطبيقها في لبنان يحتاج لإجماع، وطموح أكبر، وأن يكون قائماً على أسس قانونية واقتصادية سليمة بشكل حازم.
المعالجة بحسب الحالة
التقرير يشير إلى ان النقاشات مع الخبراء المحليين أفضت إلى ان اعتماد المادة 2 من القانون الصادر العام 1967 بعد أزمة بنك انترا والتي تركز على التعامل مع البنوك كل حالة بحالتها أفضل من اسقاط حل واحد على الجميع. وينقل التقرير عن المراقبين ملاحظاتهم على إطار العمل الذي يترك سلطة تقديرية لمصرف لبنان، في ما إذا كان سيأخذ في الاعتبار البنك الذي يعاني من ضائقة، وما إذا كان سيتم إجباره لاحقاً على الاستمرار أو التصفية. ومع ذلك، فانه من الصعوبة في مكان من وجهة نظر معدي التقرير موافقه مجلس النواب في الظروف الحالية على قانون حل للمصارف. ومن المحتمل ألا تكون هناك حاجة لرفع السرية المصرفية في مثل هذا القانون على مستوى القطاع، حيث يمكن جعل البيانات الأساسية مجهولة الهوية بشكل مناسب، وفقاً لمراقبين محليين.
إحتياطي العملات الأجنبية 13 ملياراً
حجم احتياطي العملات الأجنبية القابل للاستخدام لدى مصرف لبنان ما زال يعتبر بحسب التقريرغير واضح. فالميزانية العمومية النصف أسبوعية لمصرف لبنان اشارت في نهاية آب الماضي إلى أن الأصول الأجنبية لمصرف لبنان، باستثناء السندات الأوروبية وغيرها من الأوراق المالية بالعملات الأجنبية، بلغت 21.4 مليار دولار أميركي. ومع ذلك، تشير التقارير المحلية إلى أن مصرف لبنان ربما قدم قروضاً بالعملة الأجنبية تصل إلى 8 مليارات دولار أميركي للبنوك. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا المبلغ الافتراضي أو جزء منه كان مستحقاً قبل الأزمة. الأمر الذي يجعل من طرح 8 مليارات دولار من 21.4 مليارا تمثل الأصول الأجنبية في المركزي، سيخفض إجمالي احتياطياته من العملات الأجنبية إلى 13.4 مليار دولار أميركي فقط، وهو بالفعل أقل من مستوى متطلبات احتياطي العملات الأجنبية المقدر بحسب الحاكم بـ 17.5 مليار دولار.
الكلفة الهائلة للانفجار
في ما خص كلفة انفجار بيروت على الاقتصاد فقد ذكر التقرير انها تتراوح بحسب تقديرات البنك الدولي بين 3.8 و4.6 مليارات دولار كأضرار مباشرة، وبين 2.9 و3.5 كخسائر اقتصادية. وهو ما يشكل حوالى 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2019. كما ذكر التقرير ان تقديرات البنك الدولي لاجمالي احتياجات القطاع العام للفترة 2020-2021 تتراوح بين 1.8 و2.2 مليار دولار أميركي أي حوالى 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019. أما في ما خص الناتج المحلي لعامي 2020 و2012 فيقدر البنك الدولي ان يتراجع بمقدار 0.8 جزء في المليون و1.9 جزء في المليون على التوالي. وسيكون هذا التراجع مصحوباً بتراجع الايرادات الجمركية بقيمة 0.3 تريليون ليرة لبنانية أو ما يشكل 0.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020 و0.6 تريليون في العام 2021.
الأمل معلق بالإصلاح
في الختام يذكر التقرير ان التحليل الوارد أعلاه هو تحليل جامد. ففي سيناريو يقترن فيه صرف المساعدات الدولية ببرنامج إصلاح موثوق به من صندوق النقد الدولي، سيؤدي إلى تحسين آفاق النمو واسترداد الديون ووضع البلاد في مسار أكثر استدامة. أما في حال غياب الدعم الخارجي السريع، فان بعض الخسائر قد تكون دائمة.