يستمر تفشي المرض في الولايات المتحدة مع ظهور عشرات الآلاف من الحالات الجديدة وحوالي ألف حالة وفاة يومياً، وهو ما يجلب معاناة اقتصادية بسبب بقاء الناس في منازلهم خوفا من الفيروس. لكن بحلول الخريف القادم ستتاح للولايات المتحدة فرصة أخرى. فبفضل تقنية الاختبار الجديدة، قد تكون فرصة التغلب على فيروس «كوفيد 19» المسبب للمرض وبدء الانتعاش الاقتصادي أفضل هذه المرة حال نجحت الدولة في حشد الإرادة السياسية اللازمة والكفاءة الحكومية.
الخطوة الأولى للتغلب على الوباء هي فرض استخدام الأقنعة في الأماكن العامة، حيث ثبت علمياً وعملياً أن ارتداء الأقنعة وسيلة فعالة لإبطاء انتشار فيروس «كورونا»، لكن بعض الأميركيين ما زالوا يرفضون القيام بواجبهم بارتداء الأقنعة في الأماكن العامة. ويحظى التكليف الوطني بإلزام المواطنين بارتداء الأقنعة بشعبية كبيرة، إذ يدعمه أكثر من 8 من كل 10 أميركيين.
ثانياً، يجب أن تنخرط الدولة بأكملها في برنامج إغلاق مُستهدف بدقة يشمل حظر المطاعم والحفلات، حتى المنزلية منها، والفعاليات الأخرى التي تخلق اتصالاً داخلياً طويلاً. ويجب إنقاذ الشركات التي تعاني جراء استمرار الحظر طوال فترة الوباء.
على الكليات أيضاً إبقاء طلابها بعيداً عن الحرم الجامعي في فصل الخريف. فالمشكلة أن العديد من الكليات التي تحرص على عدم خسارة عائداتها دعت الطلاب إلى العودة إلى إسكانهم الجامعي واستئناف فصولهم الدراسية رغم كل المخاطر المعروفة، وهو ما دعا مسؤول في جامعة «ييل» إلى تحذير الطلاب من «انتشار العدوى وربما ترقب الوفيات».
إلى جانب كل هذه الإجراءات، تحتاج الولايات المتحدة بشدة إلى تحسين قدرتها على اختبار فيروس «كورونا». ففي بداية الوباء، أخطأت «إدارة الغذاء والدواء» ومراكز الحد من الأمراض في بدء الاختبارات على نطاق واسع. وفي النهاية، بدا أن الوضع يتحسن، حيث قفز عدد الاختبارات إلى حوالي 800 ألف اختبار يومياً في يوليو (تموز).
لكن هذه الأرقام المثيرة للإعجاب لم تروِ القصة كاملة، حيث يجري التعامل مع معظم الاختبارات في الولايات المتحدة بواسطة مختبرات خاصة تقوم بإرسال العينات إلى معامل المعالجة المركزية، وهو ما يستغرق وقتاً طويلاً، مما يعني الانتظار لأسبوع أو أكثر للحصول على النتائج. ومن أسباب التأخير أيضا النقص الحاد في مستلزمات الكشف الكيميائية والمواد الأخرى اللازمة للاختبار.
يمكن القول إن الاختبارات البطيئة لا تساعد في احتواء الفيروس من خلال تتبع جهات الاتصال، حيث يعتمد نهج الاختبار والتتبع على القدرة على الاتصال بسرعة بالأشخاص الذين تعرضوا لفرد مصاب ومطالبتهم بعزل أنفسهم.
لحسن الحظ، قد تكون الحلول التكنولوجية لمشكلة الاختبار البطيء متاحة الآن. وأحد الخيارات هو اختبار «المستضدات» والذي تظهر نتيجته في غضون ساعة أو نحو ذلك بدلاً من أسبوع، وهناك طريقة أخرى هي اختبارات اللعاب التي تتطلب ببساطة من شخص ما أن يبصق على قطعة من الورق. واختبارات اللعاب أرخص بكثير ويمكن أن تظهر نتيجتها بسرعة أكبر بكثير من اختبار مسحة الأنف المعتاد. وقد جرت الموافقة على اختبارات المستضدات للمرة الأولى من قبل «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية في مايو (أيار)، فيما جرى السماح بإجراء اختبارات اللعاب مؤخراً.
القلق بشأن هذه الاختبارات هو مدى دقتها، إذ إن كلا النوعين من الاختبارات السريعة أقل دقة من اختبارات مسحة الأنف البطيئة، مما يعني أنه إذا كانت نتيجة الاختبار سلبية، فهناك فرصة صغيرة ولكنها حقيقية لإمكانية إصابتك بالعدوى. وتنجح اختبارات اللعاب، على سبيل المثال، في تحديد الإصابة في 90 في المائة من الحالات. ولذلك فإن الأشخاص الذين جاءت نتائج عيناتهم سلبية في اختباري المستضدات المضاد واللعاب سيحتاجون إلى تأكيد التشخيص باختبار تقليدي أبطأ.
لكن اختبارات المستضد واللعاب يمكن أن تكون فعالة للغاية في تتبع الاتصال، وحتى نسبة دقة في المائة تكفي لتحديد غالبية الأشخاص الذين تم الكشف عنهم من خلال الاتصال الشخصي.
كما أن التكلفة المنخفضة جداً لاختبارات اللعاب يمكن أن تجعل الاختبارات الجماعية ممكنة، ويمكن اختبار العمال الأساسيين والفئات الضعيفة مثل كبار السن يومياً، مما يقلل من الحاجة إلى تتبع الاتصال ويسمح باحتواء تفشي الفيروس بسرعة كبيرة.
كذلك ستسهل الاختبارات السريعة من إجراء التجارب السريرية لعلاجات «كوفيد 19» المسبب للمرض. وتعتبر علاجات مثل الأجسام المضادة «وحيدة النسيلة» واعدة كعلاجات محتملة لفيروس «كورونا»، ومن المحتمل أن تكون متاحة في وقت ما قبل التوصل إلى لقاح. لكن تجارب هذه العلاجات تعطلت بسبب بطء الاختبارات الأميركية، إذ يتعين على الأشخاص المصابين تناول الدواء في غضون أيام قليلة من الإصابة، ولذلك إذا لم يجر اختبارهم في الوقت المناسب، فلن يجدي الاختبار نفعا. يمكن أن تحل الاختبارات السريعة هذه المشكلة حال سمحت الهيئات التنظيمية بذلك.
إذا كان السلوك السابق يمثل دليلاً، فمن غير المرجح أن تبذل إدارة ترمب جهداً وطنياً لنشر الاختبار السريع. ولكن الآن بعد أن سمحت «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية بإجراء مثل هذه الاختبارات، فسيكون بإمكان حكومات الولايات والمنظمات الخيرية بذل قصارى جهدها لجعلها متاحة لجميع الأميركيين. وليس هناك أمل أفضل لوقف الفيروس الخريف القادم بغير ذلك.
نوح سميث