سباق السيارات الكهربائية

في عام 1996، بدأت جنرال موتورز إنتاج السيارات الكهربائية بشكل تجاري، بطموح الريادة في سوق السيارات الكهربائية. إلا أن هذا الإنتاج توقف في عام 1999، لتسحب الشركة سياراتها المبيعة والمؤجرة من السوق بحلول عام 2002. لم تكن محاولة عملاق السيارات الأميركي مشجعة، لأسباب منها أن السوق لم تكن جاهزة لاستقبال هذا النوع من السيارات، أو لأن السيارات نفسها لم تكن منافسة لمثيلاتها التقليدية. وبعد إقفال المشروع بسنة واحدة، وفي عام 2003، تأسست شركة تيسلا، الرائدة اليوم في عالم السيارات الكهربائية، ذات الحصة السوقية الأكبر من سوق السيارات الكهربائية في العالم، والتي يعد مالكها (إلون ماسك) أثرى أثرياء العالم اليوم.
صارت سوق السيارات الكهربائية مشجعة اليوم، ولربما بدا كذلك لسنوات قليلة ماضية، هذا التغير في السوق دفع بالتوجه العالمي للحفاظ على البيئة والتخلص من السيارات التقليدية المعتمدة على الوقود. كما زادت جديتها بعد أن اتضح أن دولا عدة بدأت في تبني محاربة السيارات التقليدية، ومنها بريطانيا التي يتوقع أن تصدر قرارا بمنع بيع السيارات المعتمدة على الوقود النفطي بحلول عام 2030.
ولذلك يلاحظ أن العديد من الشركات بدأت في الإعلان عن الاستثمار في السيارات الكهربائية، كان آخرها جنرال موتورز التي عادت مرة أخرى لفتح خط إنتاج السيارات الكهربائية بعد نحو عقدين من إغلاقه، وأعلنت الشركة في مارس (آذار) الماضي أنها ستستثمر نحو 20 مليار دولار في السيارات الكهربائية، لتزيد هذا الرقم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 27 مليار دولار. ووقعت جنرال موتورز مع شركة كندية قبل أيام لفتح مصنع لسيارات النقل الكهربائية بعقد زاد على 780 مليون دولار، وهو ما يعني أن الشركة الأميركية دخلت هذه السوق بالفعل. وصرح مسؤول في الشركة أن جنرال موتورز لا تسعى لأن تكون شركة مصنعة للسيارات الكهربائية فحسب، بل تسعى لأن تكون الرائدة في هذا المجال، موضحا أنها تسعى لأن تطلع أكثر من 30 طرازا من السيارات الكهربائية بحلول عام 2025.
وسوق السيارات الكهربائية بدت جاذبة للغاية، لدرجة أن شركة «أبل» قد تستثمر في هذه السوق. وخلال السنوات الماضية، ظهرت إشاعات أن عملاق الهواتف الذكية بدأ في البحث في إمكانية إنتاج السيارات الكهربائية، إلا أن الأسابيع الماضية شهدت أحداثا أكدت هذه الإشاعات، فقد أعلنت شركة «هيونداي» الكورية – وهي الخامسة في مبيعات السيارات عالميا – عن بدء محادثات مع شركة أبل لبناء تحالف لتصنيع السيارات الكهربائية بحلول عام 2027، وهو ما رفع أسهم الشركة 20 في المائة خلال يوم واحد. وبدا من خلال هذا التحالف أن «هيونداي» سوف تتولى تصنيع السيارات والبطاريات، بينما تتولى أبل التمويل والدعم التقني لهذا المشروع الطموح. وتمتلك «أبل» احتياطيا ضخما من النقد يزيد على 200 مليار دولار، ولهذا المخزون قابلية للزيادة السنوية بنحو 70 مليار دولار. ومع أن أبل أعلنت أن هذا التحالف لن يتم بسبب تسريب «هيونداي» لهذه الأخبار، إلا أن اهتمام أبل بإنتاج هذه السيارات تأكد وبشكل كبير. هذا الاهتمام دعا المدير التنفيذي لـ«فولكس فاغن» الألمانية للتصريح بأن أكبر منتجي السيارات الكهربائية في عام 2030 سيكونان «أبل» و«تيسلا».
والمتأمل في سوق السيارات الكهربائية اليوم يلاحظ أمرين، أولهما أن الاستثمار فيها متزايد، وهذا الاستثمار يستهدف وبشكل رئيسي تذليل العقبات المرتبطة بالسيارات الكهربائية وخاصةً سعة البطاريات المستخدمة فيها. الأمر الآخر هو الهيمنة المنتظرة للشركات الأميركية على هذه الصناعة، فبعد أن سيطرت الشركات الأميركية على صناعة السيارات خلال معظم القرن الماضي، خسرت الشركات الأميركية حصتها السوقية إلى الشركات اليابانية والكورية والألمانية خلال العقدين الأخيرين. ولكن هذه السيطرة في طريقها للعودة مع التوجه نحو السيارات الكهربائية، فمن بين المنتجين والمهتمين بإنتاج السيارات الكهربائية، تظهر تيسلا في مقدمة هذه الشركات وبدون منافس حقيقي حالي، متنافسة مع شركات مثل نيسان وفولكس فاغن. إلا أن استثمارات الشركات الأميركية في هذه السيارات، وبقيادة أبل وجنرال موتورز وفورد وغيرها يجعل الكفة تميل نحو الولايات المتحدة.
قد لا تبدو فكرة السيارات الكهربائية منطقية اليوم، خاصةً مع الفروقات الكبيرة بينها وبين السيارات التقليدية والتي تعطي الأخيرة ميزات من ناحية الأداء. إلا أن العديد من الابتكارات لم تكن مناسبة ومريحة في بداياتها، ومنها السيارات التقليدية نفسها التي استمرت في التحسن حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم. والسيارات الكهربائية مدفوعة اليوم بالتوجهات البيئية، وحتى التوجهات السياسية، والتي لا تريد للنقل والخدمات اللوجيستية الاعتماد على المصادر النفطية. ولذلك فإن التطور السريع في السيارات الكهربائية متوقع وبشكل كبير خلال السنوات الخمس القادمة، وهيمنتها على أسواق السيارات غير مستغربة خلال العقدين القادمين.

د. عبدالله الردادي.

ازمة لبنان المالية: الى أين يتجه العقار بعد فورة 2020؟

وحده مؤشر القطاع العقاري سجّل نمواً إيجابياً خلال العام 2020، فمنذ شهر آب 2019 حتى تشرين الأول 2020 بيعت حوالى 60 ألف وحدة سكنية أفرغت السوق، في حين كان يسجّل في السنوات السابقة بيع حوالى 30 الف وحدة سنوياً. فماذا بعد؟ وكيف سيتحرّك السوق العقاري في المرحلة المقبلة؟ وهل من خطر لانهيار عقاري او مضاربات؟

ساهم الانهيار المالي الذي بدأ في الفصل الأخير من العام 2019 في إنقاذ القطاع العقاري اللبناني الذي كان يعاني ركوداً قاتلاً أدّى الى تعثّر بعض المقاولين. وبتهافت المودعين على شراء عقارات لتحرير جزء من ودائعهم المصرفيّة نتيجة القيود المفروضة على السحوبات النقديّة بالعملات الأجنبيّة، تخلّص تجار البناء والشركات العقارية من ديونهم تجاه المصارف فباعوا عقاراتهم مقابل الشيكات المصرفيّة. لكن، وبعد تسديد ديونهم توقّفت الغالبية الساحقة منهم عن القبول بالشيكات المصرفية وباتوا يطالبون بدفع نسبة من ثمن العقار بالدولار الطازج، بدل الشيك المصرفي.

 

إزاء هذا الواقع أسئلة كثيرة تُطرح عن مستقبل هذا القطاع، فهل سيعود مجدداً إلى حالة الركود؟ وهل هناك خشية من حصول مضاربات عقارية في السوق في المرحلة المقبلة بهدف تسييل العقار للحصول على دولارات طازجة؟

يقول أمين سر جمعية مطوري العقار في لبنان REDAL مسعد فارس لـ»الجمهورية» انّ القطاع العقاري في المرحلة المقبلة هو خليط من كل هذه الاحتمالات، ففي العام 2020 تهافت المودعون على شراء العقار وقلّة قليلة لا تزال تَنوي شراء العقار. فالمودع الذي اشترى عقاراً بمبلغ صغير بهدف إخراج أمواله من المصرف أحسَنَ بخطوته لأنه حافظَ بهذه الطريقة على قيمة أمواله بدل إبقائها في المصرف، لكن هذا المودع او المستثمر الصغير هو أول من سيحاول بيع عقاره في المرحلة المقبلة لأنه سيكون بحاجة أكثر الى الأموال مقارنةً مع المستثمر الكبير الذي، على سبيل المثال، اشترى شقة او ارضاً بقيمة 4 او 5 ملايين دولار، فهذا لن يحتاج الى الأموال قريباً وبالتالي لن يُقدم على البيع في الفترة المقبلة.

 

وتابع: الوضع اليوم شبيه بالعامين 1995 و1996 عندما عرضت اسهم سوليدير للبيع فتهافت الناس لشرائها، لكن ما لبث صغار المستثمرين أن عرضوها للبيع لحاجتهم الى الأموال. وقال: لو انّ الوضع الاقتصادي اليوم بخير ما كنّا لنتوقع توجّهاً لبيع العقار، لكنّ سوء الأوضاع الاقتصادية سيدفع بالبعض مُجبَراً الى بيع العقار للحصول على الأموال لأغراض معيشية بحتة. لذا، نتوقع في المرحلة المقبلة وخلال السنتين المقبلتين ان تحصل بيوعات عقارية كثيفة.

وعمّا اذا كانت هذه البيوعات ستخفّض من سعر العقار؟ يقول فارس: يتراجع سعر العقار في حال هجم المستثمرون دفعة واحدة على البيع، بحيث يصل مجموع قيمة المعروض العقاري الى ما بين 30 الى 40 مليون دولار. الّا انّ هذا الامر مُستبعد.

 

وتابع: بما انّ من اشترى عدة أراضٍ بملايين الدولارات لن يُقدم على البيع في الفترة المقبلة لأنه لن يحتاج الى سيولة قريباً، سيبقى سعر هذا النوع من العقار متماسكاً ولن يتبدّل. أمّا من اشترى شقة صغيرة بسعر مقبول وأراد ان يعرضها للبيع لتسييلها فلن يحقق ربحاً من هذه العملية إنما سيحافظ على قيمة امواله، إذ إنه بعد ان اشتراها بشيك مصرفي سيُطالب عند البيع بجزء من ثمنها نقداً والجزء الآخر عبر شيك مصرفي.

 

وتوقّع فارس أن تصبح السوق العقارية في المرحلة المقبلة سهلة، وستحصل الكثير من عمليات البيع والشراء مرجّحاً ان تكون غالبية المشترين من خارج لبنان، لا سيما من المغتربين، لأنّ الشقة او العقار المقدّر بمليون دولار سيشتريه المغترب بـ 300 ألف دولار نقدي، بما يعني انّ العقار سيصبح متاحاً أكثر وبسعر أرخص لمن يملك الأموال الطازجة.

 

ورداً على سؤال، اعتبر فارس انّ التغييرات في السوق العقاري ستبدأ بعد حوالى عام ونصف العام من الآن، لافتاً الى انه لا يزال هناك طلب على القطاع العقاري من قبل المودعين، خصوصاً انه لا يزال هناك ما بين 20 الى 30 مليار دولار من الودائع التي تبحث عن مخرج لها من المصارف. لكنّ المشكلة تكمن في قيام غالبية المطورين بتسديد ديونهم الى البنك، وبالتالي ما عادت هناك حاجة للبيع، فالمطوّر غير المديون بات يطلب من الشاري «لبن العصفور»، مثل تسديد ثمن العقار نقداً.

 

وعمّا اذا كان من المتوقع ان يتراجع سعر العقار في الفترة المقبلة، يَجزم فارس انه لن يحصل انهيار في القطاع العقاري اللبناني إنما من المرجّح بعد حوالى عام ونصف العام ان يصبح السوق العقاري في لبنان مَرناً من قبل الطرفين البائع والشاري، لأنه ستصبح هناك حاجة للبيع وللأموال النقدية، فإذا طلب المطور 320 ألف دولار ثمن العقار يمكن ان يحسّن سعره للشاري ويخفّضه الى 300 الف دولار مثلاً، على عكس ما يحصل اليوم، بحيث يمكن وصف السوق العقاري بالصعب، فالمطوّر غير المديون للمصرف يفرض أسعاره على الشاري ولا يتراجع.

 

النمو الايجابي

في الأرقام، أظهرت إحصاءات دائرة السجل العقاري انّ المؤشّر الوحيد الذي سجّل نمواً إيجابياً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 هي المبيعات العقارية التي زادت 112.7% على أساس سنوي لتبلغ 10.077 ملايين دولار. فقد ارتفع عدد المبيعات العقاريّة بنسبة 55.81% على صعيدٍ سنوي إلى 68,811 معاملة مع نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2020، وتحسّنت قيمة معاملات المبيع العقاريّة بأكثر من الضعف إلى 12.27 مليار د.أ. كما ارتفع متوسّط قيمة المعاملة العقاريّة الواحدة 37.20% على صعيدٍ سنويّ إلى 178,296 دولار من 129,949 دولار في الفترة نفسها من العام السابق.

ايفا ابي حيدر

عن نشر اللقاح ودراهم الوقاية وقناطير العلاج

انتصر العلم الحديث فسبق أكثر التوقعات تفاؤلاً، وطور لقاحات عدة لمواجهة وباء كورونا في زمن وجيز. فما كان مقدراً له أن يستغرق ما لا يقل عن ثمانية عشر شهراً، تم إنجازه قبل أن تنتهي سنة الجائحة المشهودة بأسابيع.
ولم يكن غريباً أن تخرج هذه اللقاحات من معامل وأوساط علمية شهدت استثمارات ضخمة في عمليات البحث والتطوير المنظمة والموجهة لمهام محددة في الولايات المتحدة وأوروبا والصين وروسيا. ومما يميز هذه الاستثمارات سياسات المساندة لها، وعمل مؤسسي داعم للعلماء والباحثين، ومشاركات بين مراكز البحث العلمي والحكومات والشركات، وتعاون دولي فعال بين هذه الأطراف بما يشجع على استمرار هذه الجهود عالية الإثمار.
فتهديد الوباء ما زال مستمراً مع تزايد أعداد المصابين والضحايا، كما يشكل تحوره تهديداً جديداً لزيادة احتمال التعرض لمخاطره يستوجب إسهاماً مطرداً للعلم في مطاردته. وليحقق العلم وثماره نفعاً لعموم الناس يحتاج الأمر إلى نظم فاعلة وموارد كافية على النحو الذي أكد عليه تقرير مجلس متابعة الاستعدادات العالمية لمكافحة الأوبئة؛ وهو المجلس نفسه الذي حذَّر من الوباء قبل اندلاعه بشهور؛ انتفاعاً بخبرة التعامل مع أوبئة سابقة؛ ولم تؤخذ التحذيرات بجدية فصدق توقع التقرير بأن العالم حيال الأوبئة بين إهمال في الاستعدادات الواجبة قبلها، وهلع وارتباك بعد حدوثها. ونفهم من تقرير المجلس الأخير تحت عنوان «عالم مضطرب» خمسة دروس جاءت متناغمة مع توصيات تقريره السابق: أن على القيادة مسؤولية كبرى في ألا تجعل حماية حياة الناس في تعارض مع أسباب معيشتهم؛ وأن الاستعدادات الفاعلة ضد الأوبئة لا تقتصر على ما تقوم به الحكومات لحماية الناس، بل تعتمد على ما يقوم الناس لحماية بعضهم بعضاً؛ وأن أثر الأوبئة يتجاوز الأضرار الصحية إلى أبعاد اجتماعية واقتصادية تنوء بأثقالها الفئات الأشد فقراً وعرضة للمخاطر؛ وأن ما بُذل من جهد في التوقي من الجائحة لم يكن كافياً بالاعتبارات الصحية والاجتماعية أو بما يكفي الاستجابة الملائمة؛ وأن العائد على الاستثمار في تأمين النظام الصحي عالمياً شديد الارتفاع.
وتأتي تقديرات العائد على الاستثمار في نظم الوقاية على ما يجري به المثل العربي الشائع بأن «درهم وقاية خير من قنطار علاج»، فما خسره العالم بسبب الجائحة كان كافياً للإنفاق على التوقي منها لفترة لا تقل عن 500 سنة، هكذا باعتبار أن تكلفة التصدي للجائحة تجاوزت 11 تريليون دولار حتى إعداد التقرير المذكور، يضاف إليها 10 تريليونات أخرى من الإيرادات المفقودة بسبب الوباء؛ في حين أن تكلفة الاستعدادات الوقائية لم تكن لتتجاوز 5 دولارات للشخص الواحد سنوياً وبإجمالي 39 مليار دولار سنوياً لسكان العالم. ويبدو أن دروس الجائحة لم تترسخ بعد؛ إذ تواجه آلية «كوفاكس» التابعة لمنظمة الصحة العالمية، والتي تستهدف إتاحة اللقاحات في الدول النامية، عجزاً بلغ 85 في المائة من إجمالي تمويلها البالغ 38 مليار دولار منذ تأسيسها العام الماضي.
بجانب علاج معضلة التمويل من المهم التأكيد أيضاً على أن الاستعدادات العالمية المطلوبة للتوقي من الوباء والتعامل معه ليست مجرد حاصل جمع لمبادرات فردية هنا وصفقات هناك؛ فالتعامل مع الوباء كصدمة عالمية ينبغي التعامل معه بمنظومة واحدة متكاملة. فالمنظومة الصحية تقاس قوتها بمدى صلابة أضعف حلقاتها، ومن الأخطاء الفادحة مجرد الظن بأن مشكلة العالم مع الوباء ستنتهي إذا ما تحصن القادرون فيه بلقاحات وتدابير مانعة من الاختلاط بغيرهم. فالدافع لتوفير اللقاح للكافة، بما في ذلك الفقراء في الدول الأقل دخلاً، يحتمه مفهوم الحفاظ على المصلحة الشخصية، هذا إذا لم يكن كافياً دوافع وقيم أولى بالاتباع بالتراحم والتضامن في مواجهة أعتى أزمة إنسانية واجتماعية واقتصادية تواجه البشرية في العصر الحديث. وهذا النهج البسيط للتضامن الدولي، والذي لا يغيب عن المفهوم العام بالضرورة، تعوق تطبيقه ممارسات، كتسييس اللقاحات وفقاً لبلد المنشأ أو البلد المستفيد، أو المبالغة في حجز لقاحات بما يتجاوز الاحتياجات الفعلية في الدول القادرة على تدبير التمويل اللازم، أو التراخي في مساندة الدول الأكثر فقراً.
لتيسير مواجهة الجائحة في الدول النامية، بما في ذلك الدول العربية والأفريقية، ينبغي منع تقويض جهود التصدي والاستجابة لتداعياتها الصحية والاجتماعية والتعافي من آثارها الاقتصادية. ومن سبل المنع أن يُحال بين هذه الدول والوقوع في أزمات في السيولة بسبب تراجع النمو، وما تعرضت له الاقتصادات من انكماش، أو الدخول في أزمة مديونية، خاصة في ظل تصاعد بوادر لما يعرف بالموجة الرابعة لتراكم الديون التي تأتي في أعقاب موجات ثلاث على مدار العقود الخمسة الماضية، انتهت بأزمتين في دول نامية، ثم الأزمة المالية العالمية في عام 2008 التي جاءت في أعقاب الموجة الثالثة. وقد تزايدت المخاوف من الموجة الرابعة للديون بعدما ارتفعت القروض بمقدار 7 في المائة سنوياً قبل الوباء، وتزايدت بعدها إلى نحو 9 في المائة، وفقاً لتقرير أخير للبنك الدولي.
لقد أتت الجائحة والعالم العربي، باستثناءات محدودة، يعاني من عقد مفقود للتنمية بسبب تدني معدلات النمو وتراجع الاستثمارات العامة والخاصة والتصدير، فضلاً عن معاناة عدد من الدول العربية من صراعات واضطرابات داخلية، بما جعل هذا الإقليم الوحيد بين الأقاليم كافة في العالم التي تتزايد فيها نسبة الفقر المدقع. تعرضت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضم أغلب البلدان العربية لانكماش اقتصادي بحدود 5 في المائة في العام الماضي لن يعوضه نمو محدود يقدر بنحو 2 في المائة في العام الحالي بما يستوجب ضبط أولويات الإنفاق العام لمساندة التصدي للجائحة وتدعيم نظم الضمان الاجتماعي، والدفع باستثمارات عامة حيوية تجذب وتمهد الطريق لاستثمارات خاصة محلية وأجنبية تفتح مجالات للتشغيل.
إذا كان من شأن استثمارات عامة في دول متقدمة وأسواق ناشئة بمقدار 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أن تزيد الاستثمارات الخاصة بنحو 10 في المائة بما يزيد من النمو وفرص العمل، فإن تقديرات مماثلة للعلاقة الإيجابية ينبغي إجراؤها لتوجيه الاستثمارات العامة بما يحفز النشاط الاقتصادي في فترة ما زال الاقتصاد العالمي يعاني فيها من ركود يُخشى تحوله إلى كساد مع استمرار انحسار الطلب في ظل تبعات الجائحة. ومن المجالات ذات الأثر الإيجابي على عموم الناس والاقتصاد الاستثمارات المستدامة المتوافقة مع البيئة وتغيرات المناخ والاستثمارات الذكية التي تدفع بالتنافسية في العصر الرقمي. مثل هذه الاستثمارات الحيوية هي للاقتصاد ومستقبله كما الدراهم المذكورة في شأن الوقاية التي تغني عن قناطير العلاج.

د. محمود محي الدين.

ما سرّ سكوت الدائنين… وماذا يُحضِّرون للبنان؟

هل هناك لغز أو أسباب منطقية في ملف الديون الخارجية (اليوروبوند)، حالت حتى الآن دون تحرُّك الدائنين الأجانب، لمطالبة لبنان بمليارات الدولارات العالقة في محافظهم الاستثمارية؟

11 شهراً مرت على اعلان حكومة حسان دياب المستقيلة التوقّف عن دفع الديون السيادية بالدولار، والتي تبلغ قيمتها حوالى 31 مليار دولار موزّعة بين صناديق استثمار أجنبية ومصارف لبنانية ومصرف لبنان، بالإضافة الى نسبة قليلة بين يدي أفراد أجانب أو لبنانيين. ومن المعروف انّ عملية التوقّف عن دفع هذه السندات، أدّت الى خفض تصنيف البلد الى مستوى التعثّر، في حين انّ الامر ليس مماثلاً بالنسبة الى سندات الدين بالليرة، والتي لم تعلن الدولة حتى اليوم التوقّف عن دفعها. وقد بادرت المصارف اللبنانية التي تحمل القسم الأكبر من هذه السندات (بالليرة)، الى الطلب من الدولة عدم اتخاذ أي خطوة في اتجاه اعلان وقف الدفع، وتعهّدت المصارف بتقديم التسهيلات اللازمة لجهة تجميد الفوائد، وتأجيل الاستحقاقات لتسهيل المهمة على الدولة.

هذا الواقع يعني انّ الكارثة المالية التي حلّت بالبلد، جزءٌ أساسي منها يرتبط بالتوقف عن دفع اليوروبوند. وعندما قرّرت حكومة دياب وقف الدفع، كانت التقديرات تشير الى حوالى 7 مليارات دولار فقط يحملها مستثمرون أجانب، في حين انّ بقية المبلغ كانت في حوزة المصارف التي كان يمكن الاتفاق معها على تسوية تجنّب البلد اعلان الافلاس، مع ما يستتبعه من تداعيات يعرفها أصحاب الخبرة، بناء على تجارب كل دول العالم التي واجهت وضعاً مماثلاً. والمفارقة هنا، انّ سياسة الدعم التي اتُبعت بعد آذار 2020، كلّفت حتى الآن، وفي خلال الـ11 شهراً الماضية، حوالى 7 مليارات دولار، الذي من أجله قرّرت الحكومة اعلان الافلاس!

اليوم، ليس أكيداً ما هو حجم سندات اليوروبوند التي أصبحت في حوزة الأجانب، خصوصاً انّ البعض يؤكّد انّ المبلغ ارتفع بسبب عمليات شراء اضافية قامت بها المؤسسات التي تحمل السندات بأسعار متهاودة، بهدف خفض كلفة السندات، بحيث ينخفض المعدل الوسطي في المحافظ الاستثمارية من 78 سنتاً الى 50. وهو سعر يعتبر المستثمرون انّه يسهل تحصيله مع ارباح عندما يحين موعد التسوية.

لكن المفارقة التي بدأت تثير تساؤلات، ترتبط بسياسة الجمود التي يتّبعها المستثمرون الاجانب حَمَلة اليوروبوند، وهم غائبون عن السمع، لا يدلون بتصريح، ولا يقومون بأي تحرّك. فهل هناك ما يُقلق في هذا الموقف؟

جرت العادة في مواقف مماثلة أن تكون الحكومات هي المستعجلة على فتح قنوات التفاوض مع الدائنين، بهدف الانتهاء من المشكلة للتمكّن من بدء خطة الخروج من المأزق، والعودة الى الاسواق العالمية. فما هي الاسباب والمعطيات التي تدفع حَمَلة اليوروبوند الأجانب الى هذه البرودة في التعاطي مع الملف؟

التفسيرات التي يمكن أن توضح خلفيات هذا الوضع، ترتبط بالاحتمالات التالية:

اولاً- جائحة «كوفيد- 19» التي جمّدت الكثير من التحركات، وأوجدت أزمات قد تكون أكبر وأخطر من ملف متابعة تحصيل دين من دولة مُفلسة. ومن المعروف انّ الجائحة تؤدّي الى تمديد المِهَل على كل الأصعدة، وبالتالي، يمكن اعتبار موقف الصناديق المستثمرة في الدين السيادي اللبناني بمثابة تمديد قسري للمِهَل، ليس إلّا.

ثانياً – حال التخبّط والانهيار في البلد، وعدم وجود حكومة لتحصيل الحقوق، قد يدفع المستثمرين الى التريث، بانتظار ولادة حكومة يمكن التفاوض معها.

ثالثاً – عدم توفّر موجودات واضحة للدولة في الخارج (اذا استثنينا الذهب) تسمح بوضع اليد عليها، قد يندرج في لائحة الأسباب التي تعيق أي تحرّك للدائنين. أما استثناء الذهب، والذي توجد منه كمية في الخارج كافية لتأمين 6 أو 7 مليارات دولار، فيعود الى انّ المعدن الاصفر لا يزال تحت وصاية المصرف المركزي الذي يتمتّع بحصانة لا تسمح للدائنين بمصادرة أي من موجوداته لتعويض دين على الدولة.

رابعاً – انتظار بدء تفاوض لبنان مع صندوق النقد الدولي لتبيان خطوط الخطة الإنقاذية، والمبالغ التي ستُؤمّن للتمويل، لأنّها قد تشكّل مرتكزاً يتمّ الإستناد اليه لتحديد السقف الذي يمكن بلوغه في تعويضات الدين.

خامساً – قد يكون من مصلحة الدائنين تمرير الوقت، طالما انّ الدولة توقفت عن دفع الفوائد على اليوروبوند، وبالتالي سيكون من حق حاملي السندات المطالبة بتعويضات اضافية بدلاً من الفوائد غير المُسدّدة.

سادساً – ليس مستبعداً أن يستفيد حاملو السندات من مرور الوقت، وتراجع قدرة حاملي السندات المحليين على الصمود، بما قد يضطرهم الى بيع المزيد من هذه السندات بأسعار زهيدة جداً، تسمح بالاعتقاد انّ امكانات الربح تصبح أكبر عندما يحين موعد التسوية مع الجهة المُصدِّرة لهذه السندات.

كل هذه الاحتمالات واردة، بعضها أقرب الى المنطق من بعضها الآخر، وقد تجتمع عوامل عدة لتعطي النتيجة نفسها. لكن الواضح انّ الدولة اللبنانية لا تشعر بالضغط، وانّ الدائنين ينامون على دينهم المتعثّر، حتى أنّهم لم ينجزوا بعد الخطوات الاولى المتمثلة بتكوين مجموعات عمل قانونية تمثل الدائنين، ليكونوا جاهزين للتفاوض أو التوجّه الى القضاء عند الحاجة. وليس معروفاً بعد، اذا كان يمكن الاستنتاج انّ البلد محظوظ وانّ موقف الدائنين يُريحه ولو الى حين، ام انّ ما يُحضّر في هذا الملف أخطر من ذلك، وستتضح خطوطه بعد حين.

انطوان فرح.

شيفرون تتحول إلى تكبد خسائر في الربع الأخير بفعل ضعف أنشطة التكرير

تحولت شركة النفط الأميركية العملاقة شيفرون إلى تكبد خسائر في الربع الرابع بلغت 11 مليون دولار إذ طغى انخفاض هوامش الوقود، وتكاليف عمليات استحواذ وتأثيرات العملة الأجنبية على تحسن نتائج أنشطة التنقيب.

ومن المتوقع أن تستفيد شركات النفط من عودة أسعار النفط والغاز للارتفاع بعد تراجع الطلب والأسعار، لكن القطاع لا يزال يعاني من تبعات العام الماضي. وكما أظهرت نتائج الربع الأخير لشيفرون، فقد واصلت قيود السفر بسبب الجائحة الإضرار بالطلب على الوقود.

وسجل ثاني أكبر منتج أميركي للنفط خسائر معدلة بلغت 11 مليون دولار بما يعادل سنتا للسهم. كانت الشركة قد حققت قبل عام أرباحا بلغت 2.8 مليار دولار أو 1.49 دولار للسهم.

وسجل قطاع التكرير والكيماويات في الشركة خسائر بلغت 338 مليون دولار في الربع الرابع مقارنة بأرباح بلغت 672 مليون دولار قبل عام.

وانخفضت مبيعات الوقود 10.55 بالمئة مقارنة بذات الفترة من العام السابق إذ واصلت قيود السفر المفروضة بسبب الجائحة خفض الطلب.

وسجلت الشركة خسائر عن العام بأكمله بلغت 5.54 مليار دولار مقارنة بأرباح بلغت 2.92 مليار دولار في 2019.