إنها القصة التي طبعت بداية العام: ففي خلال جلسات تداول قليلة، ارتفعت قيمة سهم متاجر ألعاب الفيديو “GameStop” بوتيرة مذهلة، في حدث أججته مجموعة من المستثمرين الآتين من خارج الأوساط التقليدية المتمثلة بالشركات الكبرى.
ورغم تكبد السهم في جلسة يوم أمس خسائر بنحو 44% بسبب تقييد عمليات شراء السهم من قبل منصة “روبن هود”، إلا أنه السهم في تعاملات ما بعد الإغلاق قفز بنحو 61%. ومنذ مطلع العام الحالي حقق سهم الشركة مكاسب بنحو 927%.
وتثير هذه القصة أسئلة حول الصراع بين المستثمرين الصغار وأباطرة المال، بعد نحو 10 سنوات من حركة “احتلوا وول ستريت”.
– كيف زاد مستخدمون للانترنت قيمة “GameStop”؟
الاسم يعرفه جيداً هواة ألعاب الفيديو، لكنّ مجموعة “GameStop” بعيدة كلّ البعد عن تقديم نموذج مشرق للنمو في مرحلة يطبعها التسوّق عبر الإنترنت وعمليات التحميل الالكتروني والألعاب عن بعد، على حساب معاملات البيع والشراء المادية.
وبسبب هذه الصعوبات المالية، صار سهم المجموعة من أكثر الأسهم المستهدفة في بورصة وول ستريت في العمليات المعروفة بـ “البيع المكشوف”.
وهذه العمليات الشائعة بالنسبة إلى صناديق الاستثمار الضخمة، تقوم على اقتراض أسهم ثم بيعها تحسباً لانخفاض أسعارها بغية إعادة شرائها لاحقاً بقيمة أقل وتحقيق ربح كبير.
بيد أنّ مجموعة من صغار المستثمرين المتحمسين للرهانات المالية المحفوفة بالمخاطر، عمدت إلى مواجهة الأسماء الكبيرة في المجال من خلال إتمام عمليات شراء أسهم “GameStop” على نطاق واسع بهدف رفع السعر.
ويعدّ منتدى “wallstreetbets” التابع لموقع “Reddit”، حيث يتفاخر مستخدون للانترنت بإنجازاتهم أو في الغالب بانتكاساتهم في البورصة، الأداة الرئيسة لهذه الحركة غير المسبوقة.
النتيجة: الجمعة الماضي، ارتفعت قيمة سهم “غايم ستوب” (في بورصة نيويورك) بأكثر من 50%.
ولم يعكس هذا الارتفاع المفاجئ سوى بداية قصة غير معقولة.
– ماذا تعني “التصفية القسرية”؟
في ظل هذا الارتفاع المفاجئ، اضطرت الصناديق التي راهنت على انخفاض قيمة سهم “GameStop” إلى إعادة شراء أسهم للحد من خسائرها، ما تسبب ب”تصفية قسرية” (شورت سكويز) أدت بدورها إلى ارتفاع السعر.
على هذه الخلفية، ارتفعت قيمة “غايم ستوب” بنسبة 18% الإثنين، ثم 93% الثلاثاء وبلغت 135% الأربعاء.
ابتهج أعضاء “وول ستريت بتس” بهذه الحركة المبهرة التي نظِر إليها على أنّها إهانة للصناديق الكبيرة. حتى إن بعض وسائل الإعلام الأميركية تحدثت عن “تمرد” على النظام القائم.
بالنسبة إلى جيمي روغوزينسكي الذي أنشأ المنتدى عام 2012 قبل أن يبتعد عنه لاحقاً، فإنّ المراهنين “نجحوا في فعل ما لم تفعله حركة – احتلوا وول ستريت – وإنما بطريقة مختلفة جذريا”.
وأوضح أنّ “حركة احتلوا وول ستريت كانت تحتج إزاء واقع أن الصغار لا يستطيعون المشاركة في (البورصة)، والآن وجد الصغار سبيلاً لتجاوز النظام من الداخل”.
وبعدما قررت تقييد الوصول إليها، عاد منتدى “وول ستريت بتس” عن قراره وصار متاحاً أمام الجميع مجدداً.
– هل يمكن لـ “شرطي البورصة” التدخل؟
أشارت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية المعروفة بكونها شرطي البورصة، مساء الأربعاء إلى أنها أخذت علماً ب”تقلّب” الأسعار وقالت إنّها “تقيّم” الوضع، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
بالنسبة إلى المحامي جاكوب فرنكل الذي كان سابقاً مدعياً لدى هذه الهيئة، فإنّ التقلّب الشديد لقيمة السهم من شأنه أن يبرر تدخّل شرطي السوق.
وقال فرنكل “يتم تعليق التداول لمدة 10 أيام لضمان وصول جميع المستثمرين إلى معلومات دقيقة ومحدثة”، مشككا في الوقت نفسه بإمكانية اتخاذ خطوة مماثلة.
ويمكن للهيئة أيضاً إجراء تحقيق حول التلاعب بسعر السهم.
وقال المستثمر أندرو ليفت من مركز “سيترون ريسرش” إنّه تعرض لمضايقات الأسبوع الماضي بعدما توقع سقوط “غايم ستوب”، مشيراً إلى عزمه اتخاذ إجراءات قانونية.
ومن جانب الإدارة الأميركية، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إنّ “فريقنا الاقتصادي، بما في ذلك وزيرة الخزانة (جانيت) يلين، يراقب الوضع”.
– والآن؟ –
ما زالت قصة “غايم ستوب” بعيدة عن نهايتها. مساء الثلاثاء، نشر رئيس شركة تسلا إيلون ماسك الذي غالباً ما يهاجم “النظام القائم”، رابطاً في موقع تويتر يقود إلى “وول ستريت بتس”، ما ساهم في ارتفاع السعر الأربعاء.
ومن جانبه، كشف الخبير المالي تشاماث باليهابيتيا شراءه 50 ألف سهم للمجموعة وأعاد بيعها بعد ظهر الأربعاء، متعهداً تقديم أرباحه إلى منظمة تساعد الشركات المتضررة من جرّاء الركود الذي تسببت به الأزمة الصحية.
أما مستخدمو موقع “رديت” فقد حوّلوا اهتمامهم صوب شركات أخرى، بينها سلسلة دور السينما “آي بي سي” (+301%)، وبدرجة أقل، صوب شركة بلاك بيري (+33%) المصنّعة لبرمجيات المؤسسات.