وحده مؤشر القطاع العقاري سجّل نمواً إيجابياً خلال العام 2020، فمنذ شهر آب 2019 حتى تشرين الأول 2020 بيعت حوالى 60 ألف وحدة سكنية أفرغت السوق، في حين كان يسجّل في السنوات السابقة بيع حوالى 30 الف وحدة سنوياً. فماذا بعد؟ وكيف سيتحرّك السوق العقاري في المرحلة المقبلة؟ وهل من خطر لانهيار عقاري او مضاربات؟
ساهم الانهيار المالي الذي بدأ في الفصل الأخير من العام 2019 في إنقاذ القطاع العقاري اللبناني الذي كان يعاني ركوداً قاتلاً أدّى الى تعثّر بعض المقاولين. وبتهافت المودعين على شراء عقارات لتحرير جزء من ودائعهم المصرفيّة نتيجة القيود المفروضة على السحوبات النقديّة بالعملات الأجنبيّة، تخلّص تجار البناء والشركات العقارية من ديونهم تجاه المصارف فباعوا عقاراتهم مقابل الشيكات المصرفيّة. لكن، وبعد تسديد ديونهم توقّفت الغالبية الساحقة منهم عن القبول بالشيكات المصرفية وباتوا يطالبون بدفع نسبة من ثمن العقار بالدولار الطازج، بدل الشيك المصرفي.
إزاء هذا الواقع أسئلة كثيرة تُطرح عن مستقبل هذا القطاع، فهل سيعود مجدداً إلى حالة الركود؟ وهل هناك خشية من حصول مضاربات عقارية في السوق في المرحلة المقبلة بهدف تسييل العقار للحصول على دولارات طازجة؟
يقول أمين سر جمعية مطوري العقار في لبنان REDAL مسعد فارس لـ»الجمهورية» انّ القطاع العقاري في المرحلة المقبلة هو خليط من كل هذه الاحتمالات، ففي العام 2020 تهافت المودعون على شراء العقار وقلّة قليلة لا تزال تَنوي شراء العقار. فالمودع الذي اشترى عقاراً بمبلغ صغير بهدف إخراج أمواله من المصرف أحسَنَ بخطوته لأنه حافظَ بهذه الطريقة على قيمة أمواله بدل إبقائها في المصرف، لكن هذا المودع او المستثمر الصغير هو أول من سيحاول بيع عقاره في المرحلة المقبلة لأنه سيكون بحاجة أكثر الى الأموال مقارنةً مع المستثمر الكبير الذي، على سبيل المثال، اشترى شقة او ارضاً بقيمة 4 او 5 ملايين دولار، فهذا لن يحتاج الى الأموال قريباً وبالتالي لن يُقدم على البيع في الفترة المقبلة.
وتابع: الوضع اليوم شبيه بالعامين 1995 و1996 عندما عرضت اسهم سوليدير للبيع فتهافت الناس لشرائها، لكن ما لبث صغار المستثمرين أن عرضوها للبيع لحاجتهم الى الأموال. وقال: لو انّ الوضع الاقتصادي اليوم بخير ما كنّا لنتوقع توجّهاً لبيع العقار، لكنّ سوء الأوضاع الاقتصادية سيدفع بالبعض مُجبَراً الى بيع العقار للحصول على الأموال لأغراض معيشية بحتة. لذا، نتوقع في المرحلة المقبلة وخلال السنتين المقبلتين ان تحصل بيوعات عقارية كثيفة.
وعمّا اذا كانت هذه البيوعات ستخفّض من سعر العقار؟ يقول فارس: يتراجع سعر العقار في حال هجم المستثمرون دفعة واحدة على البيع، بحيث يصل مجموع قيمة المعروض العقاري الى ما بين 30 الى 40 مليون دولار. الّا انّ هذا الامر مُستبعد.
وتابع: بما انّ من اشترى عدة أراضٍ بملايين الدولارات لن يُقدم على البيع في الفترة المقبلة لأنه لن يحتاج الى سيولة قريباً، سيبقى سعر هذا النوع من العقار متماسكاً ولن يتبدّل. أمّا من اشترى شقة صغيرة بسعر مقبول وأراد ان يعرضها للبيع لتسييلها فلن يحقق ربحاً من هذه العملية إنما سيحافظ على قيمة امواله، إذ إنه بعد ان اشتراها بشيك مصرفي سيُطالب عند البيع بجزء من ثمنها نقداً والجزء الآخر عبر شيك مصرفي.
وتوقّع فارس أن تصبح السوق العقارية في المرحلة المقبلة سهلة، وستحصل الكثير من عمليات البيع والشراء مرجّحاً ان تكون غالبية المشترين من خارج لبنان، لا سيما من المغتربين، لأنّ الشقة او العقار المقدّر بمليون دولار سيشتريه المغترب بـ 300 ألف دولار نقدي، بما يعني انّ العقار سيصبح متاحاً أكثر وبسعر أرخص لمن يملك الأموال الطازجة.
ورداً على سؤال، اعتبر فارس انّ التغييرات في السوق العقاري ستبدأ بعد حوالى عام ونصف العام من الآن، لافتاً الى انه لا يزال هناك طلب على القطاع العقاري من قبل المودعين، خصوصاً انه لا يزال هناك ما بين 20 الى 30 مليار دولار من الودائع التي تبحث عن مخرج لها من المصارف. لكنّ المشكلة تكمن في قيام غالبية المطورين بتسديد ديونهم الى البنك، وبالتالي ما عادت هناك حاجة للبيع، فالمطوّر غير المديون بات يطلب من الشاري «لبن العصفور»، مثل تسديد ثمن العقار نقداً.
وعمّا اذا كان من المتوقع ان يتراجع سعر العقار في الفترة المقبلة، يَجزم فارس انه لن يحصل انهيار في القطاع العقاري اللبناني إنما من المرجّح بعد حوالى عام ونصف العام ان يصبح السوق العقاري في لبنان مَرناً من قبل الطرفين البائع والشاري، لأنه ستصبح هناك حاجة للبيع وللأموال النقدية، فإذا طلب المطور 320 ألف دولار ثمن العقار يمكن ان يحسّن سعره للشاري ويخفّضه الى 300 الف دولار مثلاً، على عكس ما يحصل اليوم، بحيث يمكن وصف السوق العقاري بالصعب، فالمطوّر غير المديون للمصرف يفرض أسعاره على الشاري ولا يتراجع.
النمو الايجابي
في الأرقام، أظهرت إحصاءات دائرة السجل العقاري انّ المؤشّر الوحيد الذي سجّل نمواً إيجابياً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2020 هي المبيعات العقارية التي زادت 112.7% على أساس سنوي لتبلغ 10.077 ملايين دولار. فقد ارتفع عدد المبيعات العقاريّة بنسبة 55.81% على صعيدٍ سنوي إلى 68,811 معاملة مع نهاية شهر تشرين الثاني من العام 2020، وتحسّنت قيمة معاملات المبيع العقاريّة بأكثر من الضعف إلى 12.27 مليار د.أ. كما ارتفع متوسّط قيمة المعاملة العقاريّة الواحدة 37.20% على صعيدٍ سنويّ إلى 178,296 دولار من 129,949 دولار في الفترة نفسها من العام السابق.
ايفا ابي حيدر