الذهب يقفز أكثر من 2% مع هبوط الدولار في أول جلسة تداول في 2021

بدأت أسعار الذهب العام الجديد بقفزة تزيد على 2% الاثنين 4 يناير لتصل إلى أعلى مستوى في حوالي شهرين بدعم من هبوط الدولار قبل انتخابات إعادة لشغل مقعدي ولاية جورجيا في مجلس الشيوخ الأميركي بينما دفعت مخاوف بشأن المعروض البلاتين إلى أعلى مستوى منذ أغسطس آب 2016 .

وفي أواخر جلسة التداول، كان الذهب في السوق الفورية مرتفعا 2.04% عند 1936.80 دولار للأونصة، بعد أن قفز في وقت سابق إلى 1944.11 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ التاسع من نوفمبر تشرين الثاني.

وقفزت العقود الآجلة الأميركية للذهب 2.4% إلى 1940.70 دولار للأونصة بعد أن سجلت عند أعلى مستوى لها في الجلسة 1948.70 دولار.

وثارت الشكوك حيال تعافي الاقتصاد العالمي سريعا بعد أن أظهر مسح لقطاع الأعمال أن وتيرة النمو في القطاع الصناعي في الصين تباطأت في ديسمبر كانون الأول.

وهبط الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في عامين ونصف، وهو ما يجعل الذهب أقل تكلفة لحائزي العملات الأخرى.

ويترقبت المستثمرون انتخابات الإعادة في جورجيا التي ستجرى غدا الثلاثاء وستقرر أي الحزبين سيسيطر على مجلس الشيوخ الأميركي.

ومن بين المعادن النفيسة الأخرى، سجل البلاتين أعلى مستوى له منذ أغسطس آب 2016 عند 1127.82 دولار للأونصة قبل أن يتراجع عن مكاسبه وينخفض 1.1 بالمئة إلى 1056.00 دولارا.

وصعدت الفضة 2.5% إلى 27.04 دولار للأونصة بعد أن لامست أعلى مستوى لها منذ الخامس عشر من سبتمبر أيلول عند 27.55 دولار.

وهبط البلاديوم 3.06% إلى 2373.30 دولار للأونصة.

عالم ما بعد 2020

انطوت صفحات سنة الجائحة العاتية والركود العالمي وزيادة الفقر والجوع والبطالة وتفاقم الديون. ولما تضمنته هذه السنة المنصرمة من لحظات فارقة ستبقى في الذاكرة يؤرخ بها لما كان قبلها وما سيأتي بعدها، فقد جرى فيها في بضعة أيام وأسابيع ما كان معتاداً أن يستغرق سنوات من التغيرات والحوادث المؤثرة في حياة عموم الناس وأسباب معيشتهم.
وقد جاءت الأزمات  بتيارات كاشفة ومعجلة ومنشئة. ففي تياراتها الكاشفة ما أظهر قدرات المجتمعات ونظمها واقتصاداتها على التعامل مع الصدمات واحتوائها فارتبكت دول غنية في تعاملها مع الوباء، وقد كان ينظر لها على أنها من ذات البأس الاقتصادي والقدرة المؤسسية، في حين صمدت دول أخرى بعضها أقل دخلاً وثراءً، ولكنها كانت أكثر تنظيماً والتزاماً، وحظاً أيضاً. وفي تياراتها المعجلة برزت أنشطة تكنولوجيا المعلومات والرقمنة وحملت لشركاتها أرباحاً غير مسبوقة ونمواً كان من المفترض أن تمر سنوات قبل تحقيقه، كما انزوت أنشطة أخرى عجّلت الأزمة بنهايتها، التي كانت آتية حتماً؛ إذ كانت تصارع من أجل البقاء في العصر الرقمي رغم افتقادها لمقومات الصمود والمنافسة فيه مع بدائل أقل تكلفة وأعلى كفاءة من خلال المنصات الرقمية، خاصة في مجالات تجارة السلع الاستهلاكية والمنزلية، مع تسارع في معدلات زيادة التجارة الإلكترونية المستعينة بقواعد البيانات الكبرى والذكاء الصناعي، مع تحول تدريجي من تجارة اعتمدت على الحاويات إلى الاستعانة بالطرود على النحو الذي تسير عليه شركة «أمازون» الأميركية ونظيرتها الصينية «علي بابا»؛ وهو ما دفع شركات أخرى مثل «وول مارت»، عملاق تجارة التجزئة التي بلغت إيراداتها العام الماضي نصف تريليون دولار، للدخول بقوة في مضمار التجارة عبر الإنترنت بعد عهود من النمو تقليدياً من خلال فروعها المنتشرة في أميركا وحول العالم. ينبغي بطبيعة الحال التفرقة بين أنشطة تتعرض لمشكلات سيولة عارضة بسبب الأزمة وأخرى تعترضها أزمات هيكلية معوقة لاستمرارها.
أما وأن الأزمات التي شهدها عام 2020 منشئة أوضاعاً جديدة، فهو ما ستسفر عنه الأشهر المقبلة من العام الجديد؛ ومن ملامحها المبكرة ما يجعلنا متطلعين إليها باستبشار لا يغفل ضرورة التحوط والحذر في عالم شديد التغير. وجدير بنا النظر إلى المستجدات الخمسة التالية وتطوراتها ونحن نتحسس الخطى الأولى في عام 2021:
1 – نشر اللقاح وعوارضه الجانبية: أحدث الإعلان عن تطوير لقاحات من جهات أميركية وصينية وأوروبية وروسية عدة اطمئناناً لإمكانية السيطرة على الوباء المستشري. وتشير الأرقام إلى أن من إجمالي ما سيُنتج العام المقبل من جرعات اللقاح حجزت الدول المتقدمة منها 3.5 مليار جرعة لتلقيح مواطنيها، في حين لم تقم آلية «كوفاكس» التي تديرها منظمة الصحة العالمية لإتاحة اللقاح في الدول الأقل دخلاً بتدبير أكثر من 200 مليون جرعة، وتتفاوض للتعاقد مع 500 مليون أخرى، وهو ما لا يكفي بحال لتوفير اللقاح في الدول النامية، خاصة أن هذه الآلية تعاني عجزاً يقترب من 85 في المائة من إجمالي احتياجاتها التمويلية المقدرة بنحو 38 مليار دولار. وفضلاً عن مشكلة التمويل فهناك مخاوف تتعلق «بتسييس اللقاحات» بما يحد من سهولة انتقالها عبر الحدود. وفي تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» تتوقع ألا يصل اللقاح لمواطني الدول النامية كافة قبل عام 2024. وهذا هو ما يقصد هنا بالآثار الجانبية للقاح، فيما يتجاوز الأبعاد الطبية على متلقيه، حيث سيتسبب هذا التفاوت في مدى إتاحة اللقاح إلى مزيد من عدم العدالة في توزيع الفرص والدخول حول العالم بتأثيرات سلبية على قطاعات الإنتاج والنمو والتشغيل وقيود متباينة على حركة السفر والسياحة وانتقال العمالة بين الدول.
2 – إعادة تشكيل معالم العولمة: لن تندثر العولمة الاقتصادية بسبب صدمة «كورونا» وتعطيلها خطوط الإمداد، ولكنها ستعيد النظر في مساراتها؛ فالعولمة بمكوناتها الأساسية المتمثلة في حركة التجارة ورؤوس الأموال والعمالة وتبادل المعارف والتكنولوجيا ستستمر، ولكن بمزيد من الاعتبار لدور متنامٍ للأقاليم الجغرافية الاقتصادية. ففي استقصاء إحصائي لشركة الاستشارات «ماكينزي» أجرته على عدد من المديرين التنفيذيين لشركات عالمية في شهر مايو (أيار) الماضي، أعلن 93 في المائة منهم عن عزمهم على تأمين مدخلات إنتاجهم وسلعهم الوسيطة بجعلها أكثر قرباً من مراكز التوزيع ومقراتهم الرئيسية، وذكروا من مخاوفهم تأثير الحروب التجارية، وكذلك الأبعاد الخاصة بالبيئة ومعايير تشغيل العمالة. وقد شهد العالم من قبل نزوعاً لترتيبات إقليمية كلما تعثرت العولمة. وقد نرى أمثلة لهذه التوجهات الإقليمية للاتحاد الأوروبي بعد «بريكست»، وأيضاً الاتفاق الإقليمي الأكبر في شرق العالم بين دول الآسيان والصين وكوريا واليابان وأستراليا ونيوزيلاندا، وكذلك اجتهادات أفريقية لتيسير التجارة بين دول القارة. ومع زيادة حركة التجارة الإقليمية تترافق حركة رؤوس الأموال وربما انتقال العمالة أيضاً إذا تيسرت شروط الهجرة التي لطالما تعرضت لقيود أكبر نسبياً من تلك المفروضة على التجارة ورؤوس الأموال. وفي كل الأحوال سيتزايد الوزن النسبي لشرق العالم الآسيوي، وسيزداد نزوح مركز الجاذبية الاقتصادية تجاهه، رغم محاولات ستبذل لتعويق هذا النزوح.
3 – تعافٍ غير متوازن للاقتصاد العالمي: بعدما انكمش الاقتصاد العالمي بنحو 4.4 في المائة جراء الجائحة وما صاحبها من مربكات للأنشطة الإنتاجية، فمع السيطرة على الوباء ونتيجة لضخ حزم التمويل المساندة سيعود الاقتصاد العالمي لنمو في حدود 5 في المائة في المتوسط. ولكن هذا النمو سيكون أكبر في الصين والهند بمعدلات تقترب من 8 في المائة، ونصف هذا الرقم في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي حدود 3 في المائة في الدول العربية والأفريقية؛ وسيتباين أداء القطاعات الاقتصادية التي سيتأخر بعضها في معاودة نشاطه لحساسيته للأبعاد الصحية والتخوف من العدوى.
4 – استثمارات ذكية مستدامة: تراجعت الانبعاثات الضارة بالبيئة والمناخ بنحو 7 في المائة، ولكن كأثر جانبي لتعطل جزئي في النشاط الاقتصادي وحركة النقل والسفر. ومع عودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس مع الإدارة الجديدة وضخها لتمويل ضخم يبلغ تريليونَي دولار في مشروعات للبنية الأساسية متوافقة مع هذه الاتفاقية. وقيام الاتحاد الأوروبي بربط تمويل إفاقة الاقتصاد البالغ 750 مليار يورو بشروط الاستدامة وتدعيم البنية الرقمية، وتبني دول مثل كوريا واليابان برامج مماثلة ترتكز على التحول الرقمي ومقاومة تغيرات المناخ؛ مع هذا كله ستكون الاستدامة والتحول الرقمي فرسَي انطلاق للاستثمارات العامة والخاصة. ويستلزم هذا منظومة متكاملة لمعايير الإفصاح للتحقق من مدى الالتزام بالتعهدات.
5 – بورصات مالية صاعدة بشروط: من المتوقع أن تستمر أسعار الفائدة على العملات الرئيسية في مستوياتها المنخفضة لفترة لتعين التعافي الاقتصادي من حالة الركود الراهنة بما سيؤثر إيجاباً على البورصات العالمية، والتي ستستمر في الاستفادة أيضاً من حزم التمويل الممنوحة للشركات والأفراد من الموازنات العامة. كما سيقبل المستثمرون على أسهم الأنشطة المستفيدة من الأزمة كشركات التقنية واللقاحات وغيرها. ولكن ينبغي التحوط ضد مخاطر مؤثرة على الأسواق المالية كالتوترات الجيوسياسية، وما يعرف بالأمن السيبراني وتأثيره على شبكات المعلومات، وكذلك تأثيرات تقلب أسعار السلع الأولوية وأوضاع الديون، خاصة في الدول النامية والأسواق الناشئة.
وفي كل الأحوال، مع الإقبال على عام جديد يحسن بنا التفاؤل بما فيه الخير والاستعداد الدائم لعالم شديد التغير، أما عن التوقعات ومساراتها وما يتحقق منها فكما قال نيلز بوهر عالم الفيزياء الدنماركي الحائز جائزة نوبل «إن التوقع أمر في غاية الصعوبة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستقبل!».

د. محمود محي الدين.

تخفيض الدينار العراقي ليس الحل… بل حزمة إصلاحات متكاملة

أقدمت الحكومة العراقية على تخفيض قيمة العملة المحلية الدينار مقابل الدولار؛ إذ وصل سعر الصرف بحدود 1460 ديناراً لكل دولار تقريباً. إن تخفيض قيمة العملة المحلية هو خفض سعر الصرف الرسمي لتلك العملة مقابل عملة دولية مرجعية، حيث يقل عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة من العملة الوطنية، وهو يختلف عن انخفاض سعر الصرف الخاضع لآلية العرض والطلب في السوق.
إن العلاقة بين تخفيض قيمة العملة والحد من عجز الميزان التجاري وتحفيز الاقتصاد الوطني ليست علاقة آلية، وإنما علاقة مشروطة بعوامل ومحددات عديدة، فإن تخفيض العملة ينطلق من محاولة تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة بسبب تنامي النفقات، وإن العوامل والمحددات في هذه الحالة تكون أكثر وأوسع، وتختلف طبيعة ومحتوى آثارها؛ فقد يكون لهذا التخفيض تأثيرات عكسية وسلبية، وقد تقود إلى الانكماش بسبب الضغوط التضخمية التي تنتج من ارتفاع أسعار الموارد الأولية والمستوردة، وفي ظروف ضعف المؤسساتية، واضطراب الأوضاع العامة، فإن تخفيض قيمة العملة يكون له تداعيات سلبية، وهذا ما سيحصل مستقبلاً في الاقتصاد العراقي.
إن هدف التخفيض في حالة العراق يأتي لتخفيف عجز الموازنة العامة من خلال شراء الدولار من وزارة المالية بسعر صرف أعلى، وهو أمر تتم معالجته أولاً من خلال إصلاحات هيكلية تهدف إلى زيادة إيرادات الدولة والسيطرة على النفقات غير المنتجة ومعالجة العديد من أوجه الخلل والقصور في السياسات العامة الاقتصادية، التجارية، المالية والاستثمارية قبل اللجوء إلى خيار تخفيض قيمة الدينار العراقي. ترتبط عملية تخفيض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية على جملة من العوامل، أهمها، حالة ميزان المدفوعات، وتأثير التخفيض على أسعار المستهلك، وتأثير التخفيض في زيادة النمو الاقتصادي والتجارة، وتأثير التخفيض على الدين العام، تأثير التخفيض على الثقة بالعملة المحلية، وقدرة السياستين المالية والنقدية على مواجهة الآثار والتضخم.
إن تخفيض قيمة الدينار العراقي في الوقت الحاضر لا يبدو ضرورة ملحة؛ إذ إن السياستين النقدية والمالية غير قادرتين على اتخاذ الإجراءات الكافية لكبح الضغوط التضخمية الناتجة من تخفيض سعر صرف العملة المحلية بسبب عدم فاعلية أدوات السياستين لأسباب سياسية واقتصادية ومالية؛ ما يسبب حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي بسبب طبيعة سلوك السوق المالية والمصرفية والقطاع الأهلي، كما أن قرار تخفيض قيمة العملة الوطنية في الظروف غير المستقرة قرار ذو آثار سلبية مضاعفة ويخلق توقعات لمزيد من التخفيض؛ ما يربك أوضاع السوق وزيادة الطلب على العملة الأجنبية مع ضعف الثقة بالعملة الوطنية، كما يؤدي تخفيض قيمة العملة المحلية إلى ضغوط تضخمية، يتحمل معظم المواطنين آثارها السلبية نتيجة لخفض القدرة الشرائية للمواطنين، علماً بأن استقرار سعر الصرف يلعب دوراً مهماً في تدفقات الاستثمارات الأجنبية، ويعطي خيار اللجوء إلى تعديل سعر الصرف إشارة سلبية للمستثمرين.
يعتمد غالبية المواطنين على تقاضي رواتبهم وأجورهم من الحكومة، وتخفيض قيمة العملة يكون بمثابة ضريبة تستقطع من دخولهم بنسبة التضخم، إلا إذا قامت الحكومة بزيادة الرواتب والأجور لمواجهة التضخم، أي تعويضهم مقدار الانخفاض في قدراتهم الشرائية، وعندها تكون الحكومة قد خصصت نسبة كبيرة مما حصلت عليه من فرق سعر الصرف لتعويض الموظفين والمتقاعدين. تكمن دواعي التوجه نحو تخفيض سعر صرف الدينار العراقي في محاولة تغطية عجز الموازنة العامة للدولة بسبب ضعف السيطرة على النفقات العامة والإخفاق في تعظيم الإيرادات غير النفطية، وهو خيار يجدونه سهلاً، في الوقت الذي ينبغي معالجة الخلل وضعف الانضباط المالي وإعادة بناء الموازنة العامة للدولة في إطار متطلبات الاقتصاد الكلي، وفي ضوء متطلبات السياسة المالية والسياسة النقدية، وفي ضوء الفرص الواسعة والمتاحة لتعظيم إيرادات الدولة (من غير النفط)، وفي ضوء ضرورات إعادة النظر بهيكل مؤسسات الدولة التي تعاني من الترهل الخطير والفساد.
يلجأ العراق إلى تخفيض العملة من أجل سد عجز الموازنة العامة بسبب تزايد النفقات، ومع ذلك فإن هدف تحسين الميزان التجاري إذا كان مستهدفاً، فإن تخفيض سعر صرف الدينار لا يحقق هذا الهدف بالمستوى المطلوب؛ إذ إن القطاعات الحقيقية، الصناعة والصناعات التحولية والزراعة والخدمات في أدنى مستوياتها، ونسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي منخفضة، وإن صادرات العراق غير النفطية قليلة جداً، ولا تشكل أي نسبة في الميزان التجاري، والقطاع الخاص غير فاعل أيضاً، والنهوض بهذه القطاعات سيستغرق سنوات طويلة مع وجود خطط وسياسات فعالة، وعادة يجري تخفيض قيمة العملة المحلية في الدول التي لها قدرات تصديرية عالية، كما أن السياسة الجمركية غير فاعلة في الوقت الحاضر، وهي تمثل الأساس لحماية المنتوج المحلي لتحفيز الإنتاج.
إن فوضى الاستيرادات وفقدان السيطرة والرقابة على المنافذ الحدودية وحجم التزييف والفساد والتهريب، تتسبب في استباحة السوق العراقية وإغراقها بالسلع الرخيصة التي تكبح محاولات الارتقاء بالإنتاج المحلي، وينبغي قبل اللجوء إلى خيار تخفيض قيمة الدينار تصحيح تلك الأوضاع بما يؤمّن تطبيق القوانين الجمركية وحماية المنتج المحلي ومكافحة الإغراق، وحماية المستهلك.
إن الهدف من التخفيض يستهدف تحسين المركز المالي للحكومة، وسد عجز الموازنة العامة بسبب الزيادة المستمرة في نفقات الموازنة؛ إذ ينبغي قبل اللجوء إلى خيار تخفيض قيمة الدينار، استنفاد الحلول الأخرى، وقد تبين من خلال دراسات عديدة أن التخفيض لا يحقق هدف سد العجز في الموازنة إلا بقدر قليل جداً لا يقارن بالتأثيرات السلبية العديدة التي يمكن أن تحصل من تخفيض العملة، وإن الإصلاح الشامل يحقق أهدافاً تصحيحية، هيكلية توفر استدامة مالية، وتكون له آثار إيجابية، اقتصادية ومالية واجتماعية.

د. ثامر العاني.
* أستاذ الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد – مدير إدارة العلاقات الاقتصادية السابق بجامعة الدول العربية