زمن التحولات الاقتصادية الكبرى في الشرق الأوسط

يطوي العالم ومنطقة الشرق الأوسط عامهما الثاني في مواجهة أزمة صحية واقتصادية عالمية غير مسبوقة على وقع تحديات جديدة كتداعيات تفشي الموجات المتكررة من الجائحة وآخرها متحور «أوميكرون» وظهور تحولات اقتصادية مستجدة، كارتفاع معدلات التضخم وتزايد أوجه عدم اليقين حول المستقبل الاقتصادي. وفي ختام هذه السنة الحافلة بالأحداث وحيث أضحى الأفق الاقتصادي ملبداً بالغيوم، من المفيد العودة إلى أهم التطورات التي شهدتها المنطقة هذا العام واستشراف الآفاق الاقتصادية للسنة المقبلة.

اتسمت سنة 2021 بعودة التعافي التدريجي للمنطقة مع تحقيق العديد من بلدانها تقدماً ملحوظاً بعد الأزمة الاستثنائية التي أدت إلى انكماش غير مسبوق في الناتج المحلي خلال العام الماضي.

ففي حصاد هذا العام، تمكنت دول المنطقة، وإن بنسب متفاوتة، من احتواء الصدمات الاقتصادية المتأتية عن أزمة الجائحة وهي تتطلع إلى تحقيق نمو بنسبة 4.1 في المائة هذا العام. في المقابل، يتسم التعافي الحالي بالتباين بين مسارات الدول في ظل معاناة البعض منها من تداعيات اقتصادية واجتماعية عدة، على وقع بطء عملية التطعيم، وخصوصاً تلك التي تواجه تحديات عدم الاستقرار أو تعاني أعباء النزاعات والتقلبات السياسية. من ناحية أخرى، شهدت سوق النفط تحسناً كبيراً هذا العام مع وصول سعر البرميل إلى أكثر من 84 دولاراً أميركياً في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) بالمقارنة مع مستويات متدنية جداً شهدها سعر النفط العام الماضي، إذ انخفضت إلى ما دون عتبة 25 دولاراً أميركياً للبرميل في شهر أبريل (نيسان) 2020، كذلك تمكنت دول المنطقة من المحافظة على قدرتها التمويلية من الأسواق المالية العالمية، وقد أسهم في ذلك الدعم المقدم من صندوق النقد الدولي الذي قارب 60 مليار دولار، من خلال التمويل الذي بلغ نحو 17 مليار دولار، بالإضافة إلى تخصيص حقوق السحب الخاصة (SDR) بـ42 مليار دولار في أغسطس (آب) من هذا العام.

وفي خانة الإنجازات، أسهمت أزمة الجائحة في تسريع مسارات التحول الاقتصادي، حيث أحرزت دول عدة تقدماً في مجالات الاستثمار في التكنولوجيا وتطوير الاقتصاد الرقمي، بالإضافة إلى تكييف أنماط الإنتاج لتتلاءم مع التحولات العالمية وسلاسل التوريد. وشكلت الاستفادة من المسارات الجديدة مناسبة لتطوير البرامج الاجتماعية. وتؤدي التكنولوجيا والتحول الرقمي دوراً أساسياً وتُعتبران عَصَب أي استراتيجية موجهة نحو بناء المستقبل. كذلك ستكون لنشاطهما أهمية بالغة في دعم شبكات الأمان الاجتماعي، واستحداث قطاعات جديدة رافدة للنمو، وضمان تنافسية المنطقة عالمياً.

أما لجهة التحديات الجديدة، فقد ارتفعت نسب التضخم في بلدان المنطقة، حيث من المتوقع أن تلامس حدود 13 في المائة في عام 2021، بالتوازي مع ارتفاع الأسعار عالمياً، مصحوبة بارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة، يشكل مصدر قلق لجهة تأثيره السلبي على الأوضاع المعيشية لأصحاب الدخل المحدود والفئات الأكثر ضعفاً. كل ذلك ينذر بمخاطر نشوء اضطرابات اجتماعية، لا سيما في البلدان المنخفضة الدخل والاقتصادات الهشة. ومن شأن ذلك أن يزيد أيضاً من التحديات أمام البلدان التي تعاني عجزاً مرتفعاً في ماليتها العامة. وبوجه أشمل، باتت آفاق الاستقرار الاقتصادي أكثر تعقيداً في الكثير من البلدان، مع ارتفاع مخاطر تعرضها لتداعيات تشنج الأوضاع المالية بصورة مفاجئة.

على الصعيد الاجتماعي، لا تزال معدلات التوظيف ضعيفة في نهاية هذا العام، وأوجه عدم المساواة إلى ازدياد بين فئات المجتمع. فقد ارتفع معدل البطالة في المنطقة بنحو 1.5 في المائة منذ اندلاع الجائحة حيث بلغ 11.6 في المائة في العام الماضي – وهي نسبة تفوق بكثير تلك التي كانت سائدة أثناء الأزمات السابقة. كما أن فئتي الشباب والنساء كانتا الأكثر تضرراً. فعلى سبيل المثال، تراجعت مستويات توظيف الشباب بنحو 10 في المائة مقارنة بـ4.3 في المائة للبالغين، كما شهد توظيف النساء انخفاضاً بنسبة 6.1 في المائة في عام مقارنة بانخفاض 3.9 في المائة للرجال. من ناحية أخرى، تواجه نحو 15 في المائة إلى 25 في المائة من المؤسسات الصغيرة احتمال إعادة الهيكلة أو التصفية. كما لم يؤمن القطاع غير الرسمي، على عكس فترات الركود السابقة، درعاً في مواجهة الصدمات، حيث أدت إجراءات التباعد الاجتماعي إلى إغلاق الكثير من مؤسسات هذا القطاع وفقدان العاملين فيها وظائفهم.

أما بالنظر إلى عام 2022، فيمكن تسميته عام التحولات الاقتصادية الكبرى، حيث يدخل الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة تتسم بالضبابية والترقب لأسباب عدة؛ منها: عودة تفشي موجات جديدة من الجائحة وتأثيرها على الحركة الاقتصادية والتنقل، واستمرار التشنجات في سلاسل الإنتاج والتوريد التي تعزز مخاطر استمرار التضخم وتجذره، وتداعيات احتمال تراجع الطلب في بعض الاقتصادات الكبرى مثل الصين، بالإضافة إلى احتمال تعديل سياسة الفوائد وما لها من تأثير على حركة الاستثمارات العالمية ومخاطر خروج رؤوس الأموال من بعض الأسواق الناشئة وبالتالي الضغط على عملاتها. كذلك سيؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى جعل الاقتراض أكثر تكلفة في كل أنحاء العالم، ما يجهد المالية العامة.

هذه التطورات العالمية المرتقبة في العام المقبل ستضع الكثير من بلدان المنطقة في مواجهة مفاضلات دقيقة على صعيد القرارات الاقتصادية، نظراً لانحسار هامش الحركة والاتساع المستمر في الفوارق الاجتماعية. من هنا تبرز أهمية الإدارة الحكيمة للسياسات الاقتصادية والتي إن نجحت ستساعد على التعامل بدقة مع المفاضلات الصعبة. لذا، من المهم أن يتسم مسار السياسات الاقتصادية في العام المقبل بالمواءمة ما بين اجتياز التحديات الداهمة والعمل على تحويل هذه الأزمة قاعدة انطلاق لتحقيق تعافٍ صلب يؤمن العبور نحو نمو احتوائي مستدام.

في البداية، لا تزال إدارة المرحلة الراهنة تستدعي العمل للحفاظ على استقرار الدورة الاقتصادية وحماية الاقتصادات من أي صدمات جديدة في عام 2022، ذلك بالإضافة إلى الجهود المطلوبة لمواجهة الموجات المتكررة من الجائحة التي تشكل الأولوية الأكثر إلحاحاً، إذ تُعتبر عملية التطعيم الوسيلة الفضلى لحماية حياة المواطنين، فالإسراع في التطعيم يسهم في تحفيز النمو والحد من أوجه عدم المساواة بين فئات المجتمع. ومن الضروري التذكير هنا بالأهمية القصوى لتوثيق أطر التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي في تأمين اللقاحات وضمان توزيعها على جميع شرائح المجتمع.

من ناحية أخرى، يستدعي التضخم المتصاعد عالمياً متابعة وثيقة من قبل البنوك المركزية في المنطقة، وقد تظهر الحاجة إلى رفع معدلات الفائدة من منطلق احترازي في حال استمرار ارتفاع توقعات التضخم عالمياً. كذلك ستتعين المواءمة بين الدعم المقدم من خلال السياسات المالية والنقدية على المدى القصير وبين الجهود المبذولة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي. ويكتسب تعزيز أطر السياسات أهمية بالغة، للحفاظ على مستوى الديْن في حدود مستدامة وتعزيز الصدقية في قدرة البلدان على الاستجابة بفاعلية لمتطلبات الاستقرار والنهوض. فقد أدى تراكم الديون في عام 2020 إلى زيادة كبيرة في الاحتياجات التمويلية المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن تصل خلال فترة 2021 – 2022 إلى 1075 مليار دولار، مقارنة بـ784 مليار دولار في 2018 – 2019. ويمثل عدد صغير من البلدان الجزء الأكبر من حاجات التمويل الحكومية.

على صعيد آخر، ثمة حاجة لاتخاذ خطوات جريئة لمعالجة أوجه عدم المساواة، وتوفير فرص عمل، وتخفيف المخاطر الاجتماعية. وتبرز فرصة مهمة لتحويل اهتمامات المنطقة باتجاه دعم قطاعات الصحة والتعليم، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لبناء منظومة اجتماعية جديدة. ومن شأن تحسين فرص التأهيل المهني وتقديم حوافز للتوظيف أن يساعدا العمالة في الانتقال إلى قطاعات أكثر إنتاجية، ودعم فرص العمل للشباب ومشاركة أكبر للنساء في النشاط الاقتصادي.

وفي مسار موازٍ، تحتل الجهود الرامية للتكيف مع التغير المناخي أهمية قصوى لبلدان المنطقة وذلك بالنظر إلى ازدياد وتيرة الكوارث المناخية والتكاليف المرتبطة بها، فهي مرشحة لمزيد من الارتفاع في العقود المقبلة. ومن الأهمية بمكان استكمال عملية التكيف مع متطلبات محاربة التغيير المناخي من خلال استثمارات جيدة الاستهداف تساعد على استحداث وظائف جديدة ومستدامة للأجيال المقبلة.

إن العبور نحو غد أفضل يبقى الهدف المركزي للسياسات الاقتصادية لدول المنطقة في عام 2022، وذلك من خلال بناء اقتصاد أكثر تقدماً وصلابة واحتواءً لجميع فئات المجتمع، وجعل هذا التعافي لحظة تحول مفصلية بالنسبة للمنطقة. إن عدم التحرك الاستراتيجي والسريع سيكبد شعوب المنطقة أعباءً كبيرة ويحرم الأجيال الطالعة فرصة تاريخية للنهوض والازدهار، لذا فإن العام المقبل سيكون عام التحولات الاقتصادية الكبرى، التي في حال حسن استخدامها، يمكن أن تشكل محطة فارقة في مسار بناء مستقبل اقتصادي واعد ومزدهر.

د. جهاد أزعور

* مدير دائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى

في صندوق النقد الدولي

لا اتفاق مع الصندوق بلا كابيتال كونترول

من المفترض ان تكون الحكومة منشغلة في تهيئة الارضية لعقد برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي، في حين انّها أشبه بوضعية تصريف أعمال، وسط شلل يصيب انعقاد جلساتها، خصوصاً انّها بعثت برسالة إلى الصندوق عبّرت فيها عن اهتمامها بوضع برنامج تمويل معه.

الاجتماعات مع وفد الصندوق والجهات الدولية كافة والخطط التي تضعها الحكومة في الكواليس، ولا تعلن عنها، حول نظرتها للخروج من الأزمة، لا يمكن ان تتبلور في حال بقي الجمود السياسي على حاله، وفي حال عدم تطبيق الحدّ الأدنى من الإصلاحات المطلوبة للحصول على التمويل، إن عبر الادارات الرسمية او عبر المنظمات غير الحكومية، أوّلها قانون الكابيتال كونترول الذي لم يبصر النور لغاية اليوم، والذي استوجب نصّ مسودات واقتراحات عديدة للقانون، لم يفلح المسؤولون في الاتفاق على واحدة منها منذ اندلاع الأزمة في 2019. هذا العقم أدّى الى تعميق المشكلة، وخروج مليارات الدولارات من البلاد، ساهمت في مفاقمة الوضع المالي والنقدي، وسرّعت في الانهيار، مما استوجب بعدها، انشاء لجان تحقيق في الاموال المهرّبة بالاضافة الى اقتراح قانون يرمي الى استرداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحولة الى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019 والذي ناقشته لجنة المال امس.

 

بالاضافة الى الاموال التي تمّ تحويلها الى الخارج نتيجة عدم اقرار قانون الكابيتال كونترول في الوقت المطلوب، تتعرّض المصارف لغاية اليوم، وبسبب غياب قانون الكابيتال كونترول، الى دعاوى قضائية من قِبل مودعين لبنانيين واجانب لتحرير اموالهم، آخرها قرار الغرفة التاسعة للمحكمة القضائية في باريس، والذي قضى بتسديد جميع المبالغ المودعة، بما يعادل 2.5 مليون يورو، من قِبل مواطن سوري أقام في فرنسا لمدة 45 عاماً، من قِبل بنك سرادار. وكان هذا القرار متوقعاً بسبب وجود معاهدة ثنائية لحماية الاستثمار بين فرنسا ولبنان، والتي تُلزم البنوك اللبنانية إعادة الأموال إلى الأشخاص المقيمين في فرنسا.

 

في هذا الاطار، تساءل مسؤول مالي دولي، عمّا إذا كان معظم النواب اللبنانيين على دراية بالأهداف وراء إقرار قانون الكابيتال كونترول، «لأنّهم لو يعلمون، لكانوا أصدروا قانوناً مؤقتاً بحالة الطوارئ، في تشرين الاول 2019 عندما كان مصرف لبنان يملك حوالى 30 مليار دولار من احتياطيات العملات الاجنبية». وقال لـ»الجمهورية»: «إذا لم يتمكنوا من الاتفاق على قانون لضبط رؤوس الاموال بعد ما يقرب من عامين من النقاش، هل يعتقدون أنّهم سيكونون قادرين على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذ؟».

 

اضاف: «عادة ما يتمّ تطبيق قوانين ضبط رأس المال بشكل سريع ومؤقت في بداية الأزمات الاقتصادية والمصرفية، لحماية المودعين وإدارة ظروف الاقتصاد الكلي في البلاد».

 

واعتبر انّ صياغة مثل هذا القانون للبنان في هذه المرحلة، أمر معقّد، لأنّ مصرف لبنان يفرض في الحقيقة اقتطاعاً كبيراً على الودائع ويفرض ضوابط غير رسمية على رأس المال. كما أنّ جميع التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان منذ تشرين الأول 2019 تعقّد صياغة مثل هذا القانون. «وبالتالي لا يسعنا سوى الاعتقاد انّ التأخير في صياغة مثل هذا القانون منذ العام 2019، متعمّد، لأنّه سمح للسياسيين والأفراد النافذين بتحويل الأموال إلى الخارج دون انتهاك قانون الكابيتال كونترول».

 

وختم المسؤول الدولي مؤكّداً، انّ اقرار قانون فعّال لضبط رأس المال في 2019 كان من الممكن أن يحدّ من الانهيار السريع في قيمة الليرة اللبنانية والى احتواء الهجوم الذي حصل على المصارف الى حين استعادة الثقة.

 

رنى سعرتي

إما توحيد سعر الصرف… إما الدولرة الرسمية

لا نزال نعاني يومياً تدهوراً متواصلاً وضربات موجعة ومؤلمة للعملة الوطنية، لأسباب عدة، منها نقدية وإقتصادية، داخلية، وأخرى مشبوهة وحتى إقليمية ودولية.

في مواجهة هذه الأزمة الكارثية التي تزيد الفقر والإنهيار، لا يوجد لدى المسؤولين أي خطة ولا إستراتيجية، على المدى القصير، المتوسط والبعيد. أمام هذا الإنزلاق المرعب، نشهد إصدار «خلق» تعميم تلو الآخر، لا نكاد نقرأ ونفهم الأول، ليُلحقوننا بالتالي، من دون خطة واضحة ولا رؤية لهذا الضباب الحالك السواد.

بالتوازي، نشهد تضخماً خطراً على الإقتصاد اللبناني، وعلى نحو متصاعد، في ظل تعاظم الكتلة النقدية في السوق المحلية، حيث الليرة اللبنانية تنهار يوماً بعد يوم، فيما يصعب إنقاذها بعد اليوم.

إنّ الخيارات لم تعد كثيرة لإعادة الدورة الإقتصادية. فالحل الأول، إما توحيد سعر الصرف وفق المنصة الرسمية، مع مراقبة دقيقة وضوابط، وإما الدولرة الرسمية للتعامل والتبادل النقدي.

أما الحل الثالث، فهو ترك اللبنانيين تحت رحمة السوق السوداء، والتي لا نعرف مَن هو وراءها ولا مّن يُديرها، ولا مَن يتلاعب بمصير اللبنانيين وحياتهم.

فإذا كان القرار هو التمسّك بالليرة الوطنية، فإنّه لا يُمكن أن يتحقق ذلك من دون الإتفاق الموحّد على توحيد المنصّة الرسمية، وحتى إذا كان السعر والتداول عائماً، لكن تحت مراقبة وضوابط مالية ورسمية، عوضاً عن المنصّات المدمّرة والمتفلتة والعشوائية والمشبوهة.

أما في حال عدم إتخاذ هذا القرار البديهي، فلنذهب إلى سوق مدولرة بإمتياز رسمياً، وتحويل كل المداخيل والتبادل التجاري، وجزء من الودائع إلى عملات صعبة، والتحول رسمياً إلى سوق مدولرة والتي لا هروب منها، وتصبح حقيقة يوماً بعد يوم شئنا أم أبينا.

في هذه الحال، تتحول الرواتب والأجور شيئاً فشيئاً إلى الدولار، وتُثبّت أسعار السلع الضرورية بالعملة الأجنبية، من دون تضخّم. وترجع العملة الصعبة للتداول الرسمي في جيوب اللبنانيين، وحتى في المصارف. وتُعود الدورة الإقتصادية الى العملات الصعبة، آملين في إعادة النمو لتحسين نسبة العيش.

أما في القطاع العام، فيُخلق صندوق مدعوم من البلدان المانحة والصديقة، لدفع أجور القوى العسكرية والأمنية والجيش بالعملات الصعبة، وأيضاً صندوق للقضاء والقضاة، لتوفير مداخيلهم من صناديق الدعم الدولية. أما باقي مؤسسات الدولة، فعلينا أن نُحولها إلى شركات خاصة على طريقة الـ BOT – BUILD OPERATE TRANSFER والتي تعني البناء، والتشغيل والتحويل، من قِبل شركات خاصة، والتي ستستثمر وتقدّم الخدمات المنتجة والبنّاءة للشعب اللبناني، حيث تبقى الملكية للدولة اللبنانية.

في المحصلة، هناك خيارات عدة لمواجهة الأزمة ومحاولة إعادة النمو، لكننا نتعايش مع الخيارات الأسوأ، وهي قرارات عشوائية لن نفهم أساسها ولا تطبيقها، والتي تدعم السوق السوداء وتضرب الإقتصاد أكثر فأكثر وتزيد مخاطر على اللبنانيين.

نتمنى خطة وإستراتيجية واضحة وشفافة على المدى القصير، المتوسط والبعيد، وفي حال عدم سلوك هذه الطريق، فإننا نكون في مرحلة زيادة المخاطر والإنهيار.

 

 

د. فؤاد زمكحل

مؤشر Dow Jones يسجل أعلى مستوياته بالتوازي مع انخفاض طلبات إعانة البطالة

ارتفعت الأسهم الأميركية يوم الخميس بعد أن وصل مؤشرا S&P 500 وDow Jones الصناعي إلى مستويات قياسية جديدة في الجلسة السابقة.

وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 110 نقطة، أو 0.3%، فيما ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 0.1% وارتفع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.1%.

يُذكر أن الخميس هي الجلسة قبل الأخيرة لتداول لعام 2021.

نهاية العام هي فترة قوية تاريخيًا للأسهم، والتي أطلق عليها اسم “مسيرة سانتا كلوز”.

وارتفع مؤشر S&P 500 خلال الفترة – آخر خمسة أيام تداول من العام تليها الجلستان الأوليان في يناير – 78.5% من الوقت منذ عام 1928 ، وفقًا لبنك أميركا.

وعلى صعيد البيانات، جاءت بيانات إعانة البطالة الأسبوع الماضي أقل من المتوقع، حسبما ذكرت وزارة العمل يوم الخميس.

حيث بلغ إجمالي المطالبات الأولية 198000 للأسبوع المنتهي في 25 ديسمبر ، بينما توقع الاقتصاديون الذين شملهم الاستطلاع من قبل داو جونز 205000.

ويوم الأربعاء، سجل S&P 500 إغلاقًا قياسيًا الـ70 لهذا العام.

وشهد هذا العام ثاني أعلى عدد من الإغلاق القياسي للمؤشر القياسي خلال السنة التقويمية، متخلفًا فقط عن أعلى مستويات الإغلاق القياسية في عام 1995 والتي بلغت 77.

و أغلق مؤشر داو جونز أيضًا عند أعلى مستوى له منذ نوفمبر وشهد جلسته الإيجابية السادسة على التوالي

ما سرّ تفاؤل بعض «الزوار» بحلّ الأزمة؟

توحي المؤشرات بأنّ مسار الدولار التصاعدي الذي شهدناه في الشهرين الأخيرين من العام 2021 قد توقف، وانّ الدولار سيُنهي السنة على سعر قريب من سعره الحالي. لكن السؤال، كيف سيكون وضع النقد في العام 2022، وهل ينبغي ان نتوقّع عاماً اسوأ، على المستويين المالي والاقتصادي؟

بدأت مفاعيل التعميم 161 تظهر بوضوح في سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ويبدو انّ التجديد لهذا التعميم قد يستمر شهراً بعد آخر وصولًا الى موعد الانتخابات النيابية في ايار المقبل. وهناك احتمال، وفي حال الوصول الى اتفاق إطار مع صندوق النقد الدولي في نهاية شباط، كما يأمل السفير بيار دوكان، والذي نقل رغبته هذه الى المسؤولين اللبنانيين عندما التقاهم في بيروت، ان يُصار الى وقف العمل في التعميم، استناداً الى المراهنة على العوامل النفسية الإيجابية التي قد تساهم في حينه، في تخفيف الضغط على الليرة.

لكن التعميم 161، ورغم إفادة الموظفين من مفاعيله، الّا انّه قد لا يكون كافياً، وستكون هناك حاجة الى مواصلة تعزيز مداخيل موظفي القطاع العام، ومن ضمنهم العسكر، لضمان الصمود المجتمعي في المرحلة الفاصلة عن تغيير المشهد، والانتقال الى مسار التعافي بعد الانتخابات، إذا حصلت. والرهان على الانتخابات لا يعني انّ المنتظرين يتوقعون سقوط ما يُعرف بالمنظومة، بل يكفيهم سقوط الأكثرية الحالية من بين يدي «حزب الله»، وتكوين كتلة من الوجوه المستقلة القديمة والجديدة، بحيث تصبح هذه الكتلة بيضة القبان، قادرة على منح الأكثرية النيابية الى الفريق الذي تميل اليه. وبالتالي، سيطمئن المجتمع الدولي الى انّ أي اتفاق مع صندوق النقد سيُنفّذ، ولن يُعلّق ويتعرقل في مجلس النواب، بدفعٍ من قوى لا ترفض الاتفاق علناً، لكنها تعمل ضمناً على إجهاض أي برنامج يموّله الصندوق.

من هنا، يبدو المشهد في النصف الاول من 2022، شبيهاً بالمشهد الذي شهدناه في كانون الاول من 2021، اي استمرار المراوحة، واستمرار المحاولات لكبح جماح الدولار، ومنعه من التفلّت، ولو انّه سيواصل حتماً ارتفاعه التدريجي، ولو البطيء.

في المقابل، ستكون هناك استحقاقات اخرى حسّاسة الى جانب زيادة الاجور تحت مسمّيات مختلفة (مساعدات او خلاف ذلك)، تتعلق بتحسين المالية العامة للدولة. إذ انّ صندوق النقد يتوقّع إنجاز موازنة يتمّ خفض العجز فيها الى مستويات قياسية. وهذا المطلب، وهو إجراء ضروري لتمهيد الارض لخطة التعافي، يستوجب إلغاء او خفض الدعم عمّا تبقّى من سلع. وباستثناء القمح (الخبز)، سيكون مطلوباً وقف دعم الكهرباء من خلال تحسين الجباية، ورفع التعرفة، خصوصاً وفق نظام الشطور، الى مستويات تحقيق التوازن المالي في المؤسسة لتمكينها من تمويل نفسها.

كذلك سيتحتّم إلغاء ما تبقّى من دعم على البنزين. ومن المتوقّع رفع تعرفة الاتصالات والانترنت. ولن يبقى الدولار الجمركي على تسعيرة 1500 ليرة للدولار، وسيتمّ رفعه على معظم السلع الاستهلاكية.

لكن الامر الغامض في هذا المسار هو التوقيت. هل تُقدِم الحكومة على إجراءات من هذا النوع قبل الانتخابات النيابية، ام انّها ستحاول التملّص من هذه الاستحقاقات بانتظار تمرير استحقاق الانتخابات، تحاشياً لإثارة غضب الناس؟

في الاعتماد على ما يسمعه الزوار من المسؤولين، لن تحول الانتخابات دون اتخاذ اي إجراء ضروري للوصول في اسرع وقت الى خطة التعافي. صحيح انّ الاعتماد على الوعود فيه شيء من السذاجة، بناءً على كل التجارب السابقة، خصوصاً منذ مؤتمر «سيدر» حتى اليوم، لكن الصحيح ايضاً، انّ الزوار الأجانب الذين يبدون تفاؤلّا اكثر من اللبنانيين أنفسهم، يستندون في تفاؤلهم، من دون الإعلان عن ذلك، على العقوبات الجاهزة في وجه اي مسؤول سيتبيّن انّه عرقل مسيرة التقدّم نحو الإنقاذ. ويبدو انّ بعض الزوار أبلغ هذه الحقائق مباشرة الى من يعنيهم الأمر، وانّ المسؤولين يصدّقون هذه المرة انّ التهديدات ستُنفّذ، ولن تبقى مجرد تهويل. انّه الأمل الوحيد الذي قد يدعو الى التفاؤل بأنّ العام 2022، ورغم انّ الظروف المعيشية للناس لن تتحسّن، لكنه قد يكون بداية نقطة التحوّل التي ستقود الى الخروج التدريجي من الهاوية. فهل تصحّ التوقعات، وتنجح العقوبات في إنجاز ما فشلت في تحقيقه كل الإجراءات الأخرى؟

أنطوان فرح

إدارة معلومات الطاقة: مخزونات الخام الأمريكية في الاحتياطي البترولي الاستراتيجي تهبط لأدنى مستوى منذ نوفمبر 2002

متابعة قراءة إدارة معلومات الطاقة: مخزونات الخام الأمريكية في الاحتياطي البترولي الاستراتيجي تهبط لأدنى مستوى منذ نوفمبر 2002