محاربة التضخم تعني الاستيلاء على الشركات

منذ زمن إدارة كارتر، كانت السياسة النقدية هي الأداة الرئيسية التي يستخدمها الرؤساء للحد من التضخم الذي كان في ارتفاع: ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.8 في المائة في العام حتى نوفمبر (تشرين الثاني)، فيما يعد أسرع وتيرة منذ عام 1982، وتبنى رئيس مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، سياسة نقدية أكثر صرامة بإعلانه عن خطط لتقليص مشتريات البنك المركزي من السندات ورفع أسعار الفائدة العام المقبل.
ومع ذلك، فإن التضخم لا يرتفع، وينحسر فقط بسبب السياسة النقدية، وذلك نتيجة للخيارات التي تتخذها الشركات. ويظهر التاريخ أن الرؤساء لديهم القدرة على كبح جماح التضخم من خلال الاستيلاء على سلطة الشركات، إذا اختاروا ذلك.
ففي حين اشتهر فرانكلين روزفلت بتوسيع نطاق الصفقة الجديدة لشبكة الأمان الاجتماعي، فقد قام أيضاً بحماية الأميركيين من التضخم في زمن الحرب. فخلال الحرب العالمية الثانية، فرض مكتبه المتحكم في إدارة الأسعار سقوفاً للأسعار على ثلاثة ملايين شركة وأكثر من ثمانية ملايين سلعة. كما وضع المكتب سقوفاً للإيجارات في 14 مليون منزل يسكنها 45 مليون ساكن وأصدر طوابع تموينية لسلع مثل اللحوم لإدارة الإمدادات. ووفقاً «لاستطلاعات رأي غالوب»، فقد فضل أكثر من ثلاثة أرباع الجمهور توسيع نطاق السيطرة بعد الحرب.
عندما خسر هاري ترومان معركة مريرة في الكونغرس لتنفيذ ذلك، كانت هناك عواقب وخيمة. وعندما حل السلام، واجه الأميركيون المتحمسون لإنفاق مدخراتهم المخزنة نقصاً في الإمدادات: فقد كان على المصنعين العودة مرة أخرى إلى الإنتاج في زمن الحرب.
في صيف عام 1946، قفزت تكلفة المعيشة من دون ضوابط. ففي يوليو (تموز)، تضاعفت أسعار اللحوم إلى 70 سنتاً للرطل. وفي انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، فقد الديمقراطيون السيطرة على الكونغرس لأول مرة منذ عام 1932.
في عام 1948، مع بلوغ معدل التضخم 7.7 في المائة، أدان ترومان الجمهوريين «الذين لا يفعلون شيئاً» الذين ألقوا باللوم في ارتفاع الأسعار على القوة النقابية الجديدة. وفي حملته لإعادة انتخابه في ذلك العام، وعد ترومان بتوسيع الصفقة الجديدة وواجه قوة الشركات. وقال في ذلك العام: «الجمهوريون لا يريدون أي تحكم في الأسعار لسبب واحد بسيط: فكلما ارتفعت الأسعار، زادت أرباح الشركات».
عند توقف حملته في مدينة كنتاكي في أكتوبر (تشرين الأول) 1948، انتقد تومان الرابطة الوطنية للمصنعين، وهي مجموعة ضغط تجارية عارضت تحديد الأسعار، لتورطها في «مؤامرة ضد المستهلك الأميركي». ودعا الكونغرس إلى جلسة صيفية خاصة لإعادة ضبط الأسعار، لكن هذا الجهد باء بالفشل.
عاد الديمقراطيون إلى صناديق الاقتراع، وأعطى عمال السيارات ترومان 89 في المائة من أصواتهم، ما ساعده على تأمين إعادة انتخابه في منافسة متقاربة. وكان أحد مفاتيح نجاحه هو تشديد الخطاب الحازم ضد التضخم ودعم البرامج الليبرالية لرفع مستويات المعيشة للأميركيين العاديين.
وبدءاً من رئاسات ترومان إلى ليندون جونسون، تمسك الديمقراطيون بالبرنامج. وشأن ترومان الذي ذهب إلى حد طلب الاستحواذ على مصانع الصلب في البلاد عندما أعلن رفع الأسعار، قام جون كينيدي وجونسون أيضاً بتوبيخ المسؤولين التنفيذيين في صناعة الصلب علناً بسبب ارتفاع الأسعار.
تحدثوا جميعاً ضد جهود ويليام ماكيسني مارتن، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لرفع أسعار الفائدة. واشتهر مارتن بتأكيد استقلاليته ورفع سعر الفائدة. كانت وظيفة الاحتياطي الفيدرالي هي «رفع صينية المشروبات بعيداً عن الحضور عندما يشعر أن الحفل يسير على ما يرام»، وهو ما جعل ترومان يصفه بـ«الخائن».
عندما ضرب التضخم في السبعينات، أدرك ريتشارد نيكسون التوقعات التي وضعها مكتب روزفلت لإدارة الأسعار. فبصفته مفتشاً للوكالة في فترة الحرب العالمية الثانية، أصيب نيكسون بالرعب من فكرة قيام البيروقراطيين بالتحقق من قرارات التسعير الخاصة بالشركات الخاصة، واستقال. ومع ذلك، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، لم يتردد في فرض ضوابط على الأسعار رداً على ارتفاع تكلفة لحوم البقر والغاز.
شجب ميلتون فريدمان، خبير اقتصاد السوق الحرة، ومحافظون آخرون، رد نيكسون ووصفوه بأنه ثقيل – وهي رسالة استوعبها خليفته جيرالد فورد. وبدلاً من تحديد الأسعار، تبنت شركة فورد حملة «اضرب التضخم الآن» وطالبت بتقشف الميزانية.
عندما وقع التفكير الاقتصادي الأميركي تحت تأثير فريدمان، فقدت أدوات روزفلت – ترومان فاعليتها. ومع بلوغ التضخم رقماً مزدوجاً (فوق 10 في المائة) في عام 1979، عين الرئيس جيمي كارتر، بول فولكر في مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاستخدام السياسة النقدية لمحاربة التضخم. وعندما تولى رونالد ريغان منصبه، أيّد تحرك فولكر القوي برفع أسعار الفائدة ودفع الاقتصاد إلى الركود لمحاربة التضخم. وتمسك الرؤساء اللاحقون إلى حد كبير بهذا النهج للسيطرة على التضخم.
ووسط الجائحة، أظهر بايدن استعداداً للاعتماد بقوة على الشركات الأميركية وتبني أدوات نمط الصفقة الجديدة لتخفيف الضغوط التضخمية.
كما حذر بايدن شركات تصنيع اللحوم الأربع الكبرى من الممارسات المانعة للمنافسة التي ربما أسهمت في ارتفاع الأسعار، بما في ذلك الضغط على المنافسين. وتعهدت إدارته باتخاذ إجراءات أكثر صرامة بشأن تحديد الأسعار غير القانوني ومكافحة الاحتكار، بينما تعمل على تحقيق المزيد من الشفافية في أسواق الماشية. وبحسب مستشاريه الاقتصاديين، فإن أسعار اللحوم المرتفعة «ليست مجرد عواقب طبيعية للعرض والطلب في السوق الحرة – فهي أيضاً نتيجة لقرارات الشركات للاستفادة من قوتها السوقية في سوق غير قادرة على المنافسة، على حساب المستهلكين والمزارعين ومربي الماشية، واقتصادنا».
في الأسابيع المقبلة، يتعين على بايدن استخدام منبره المتنمر ليوضح للأميركيين أن الشركات تضخ أرباحها بينما تكافح العائلات العاملة خلال فترة الوباء. فقد كان لدى ما يقرب من ثلثي الشركات المتداولة علناً هوامش ربح أكبر بكثير هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، قبل الوباء. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه في عام 2021، شهد ما يقرب من 100 منها ارتفاع هوامش أرباحها بنسبة 50 في المائة على الأقل مقارنة بعام 2019.
إن إظهار الأميركيين العاملين حصولهم على هذه الأرباح سيساعد بايدن على تأكيد اهتمامه، بحسب ما أخبرني خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي جويل بينينسون. وأضاف: «ليست لدينا مشكلة تضخم، لكن لدينا مشكلة جشع الشركات. وعلى الرئيس أن يضع اللوم في مكانه».
نظراً لأن بايدن يعتمد على الشركات الكبرى للتخفيف من ارتفاع الأسعار، فإنه يحتاج أيضاً إلى الضغط بشدة من أجل السياسات التي يكون لها تأثير أكبر بكثير من التقلبات في الأسعار، لذا يحتاج بايدن إلى أن يكون صارماً.

ميغ جاكوبس

* أستاذة التاريخ والشؤون العامة في جامعة برينستون