شظايا الحرب الأوكرانية

ما إن اندلعت نيران الحرب الأوكرانية، وظهرت طلائع العقوبات الإقتصادية على مختلف القطاعات الإنتاجية وأركان السلطة في روسيا، حتى اشتعلت الأسواق العالمية. برميل النفط قفز فوق عتبة الـ105 دولارات للبرميل، وارتفعت بشكل موازٍ أسعار المواد الأولية والإستهلاكية، وسط تقلبات حادة في الأسواق المالية نتيجة احتدام الصراع الأكبر في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. المؤشرات كلّها تدلّ على أن الإقتصاد العالمي متّجه إلى مزيد من التضخم، لا سيّما أن ارتفاع الأسعار كان العنوان الأبرز عشية اندلاع الحرب وطيلة فترة ما بعد كورونا، كونه النتيجة الحتمية لسياسات الضخ الكمّي. أما السؤال اليوم، فهو ما أثر هذه الأزمة على اقتصاد لبنان المأزوم وهل من إمكانية لتلافي بعض التداعيات وتخفيف آثارها على المستويين الإقتصادي والإجتماعي؟

أخطر آثار هذه الحرب الأوكرانية على لبنان هو ارتفاع فاتورة الإستيراد بشكل عام نتيجة ارتفاع الأسعار عالمياً، وارتفاع سعر النفط بشكل خاص، بعدما تبيّن أنه ارتفاع مستدام. فالمؤشرات المتوفرة تفيد أننا لسنا في صدد حرب خاطفة أو غيمة صيف عابرة، إنما أمام صراع طويل الأمد، يرخي بظلاله على سوق الطاقة العالمية. وليس صدفة أن يُلقى على هذه الحرب منذ لحظة احتدامها اسم “حرب الغاز”. المراقبون يشبّهون المرحلة بمرحلة عام 2008 حيث ارتفعت أسعار النفط نتيجة سياسات الضخ الكمّي لاستيعاب الأزمة المالية العالمية عام 2008. ويتوقعون أن يقفز سعر برميل النفط إلى حدود الـ120$.

إن صحت هذه التوقعات، فهذا يعني أن فاتورة استيراد المحروقات والتي تشكل العبء الأكبر على الخزينة كما وعلى ميزان المدفوعات، سترتفع بنسبة تقارب الـ100%، وقد تتجاوز الـ7 مليارات دولار، أي ما يقارب 33% من الناتج المحلي. والخطير في الموضوع أن ارتفاع أسعار النفط عالمياً سوف يفاقم عجز ميزان المدفوعات بنسبة موازية. هذا يعني طبعاً مزيداً من الضغط على الليرة، لن تقدر على امتصاصه تعاميم مصرف لبنان “الإستثنائية” ولا سياساته القصيرة الأمد، التي تقضي بضخّ ما تبقّى من احتياطي بمصرف لبنان من دون أي مقابل على مستوى رفع الإنتاجية أو تخفيف الهدر.

وليس من المبالغة القول، إنما من الحكمة الإعتراف، أننا أمام احتمال كبير لتفاقم النزيف في ميزان المدفوعات وأثره القاتل على اقتصاد يحتضر. نزيف لن توقفه سوى عملية جراحية إصلاحية، على مستويين: أولاً، على مستوى ترشيد استعمال الطاقة، وهذا يعني الشروع بالإصلاحات التي تحدّ من الهدر التقني وغير التقني، وثانياً، التحول الفوري إلى إنتاج الطاقة الشمسية واستعمال ما تبقّى من احتياطي أو أي مساعدات مقبلة، لبناء ليس فقط محطات إنتاج الغاز التي أتت على ذكرها كل خطط إصلاح قطاع الكهرباء التي توالت منذ عقدين، إنما أيضاً وأولاً لتطوير إنتاج الطاقة الشمسية. إنه التحدي الأول لمن يريد لجم الإعصار الآتي، ويحرص فعلاً على السيادة اللبنانية.

سامي نادر

110 دولارات البداية فقط للنفط

لكل من كان يظن قبل عام من الآن أن وصول النفط إلى 110 دولارات هو ضرب من الخيال، أود أخبارهم بأن هذا ليس إلا البداية فقط. إذا كان هناك أمر اكتشفته خلال الأزمة الحالية، فهو أن أوروبا وباقي الاقتصادات القوية في آسيا، ليس أمامها الكثير من الخيارات.
إن تعطل منتج واحد مثل روسيا أو مقاطعة صادراته من النفط والغاز ليس بالأمر السهل، إذ إن أوروبا ليست كما تدعي، ليست قادرة على الاستغناء عن النفط والغاز، على الأقل خلال السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة.
أمام هذا الأمر، ممكن أن نسأل لماذا لم تتخذ أوبك+ بالأمس قراراً يساعد في خفض أسعار النفط التي وصلت إلى مستويات حرجة للدول المستهلكة واكتفى التحالف بالإبقاء على زيادة الإنتاج حسب ما هو متفق عليه سابقاً؟
أولاً: الأزمة الحالية سياسية وليس على أوبك+ تحملها. ثانياً: الإبقاء على روسيا في الاتفاق أهم من إرضاء الدول الغربية، لأن الاتفاق يهدف إلى استقرار السوق وبدون روسيا لن يكون هناك اتفاق ولا استقرار.
ثالثاً: إذا ما ضحت أوبك+ بروسيا وانتهت الأزمة، هل هناك ضمان بأن الدول الغربية ستحفظ الجميل لباقي دول التحالف؟ لا أظن، ولهذا فإن الحفاظ على روسيا كشريك أفضل من الحفاظ على الدول الغربية التي تغير رأيها كل يوم.
رابعاً: حتى لو أرادت دول تحالف أوبك+ زيادة الإنتاج وتغطية النفط الروسي فما الضمان أن روسيا لن تحاربهم بكل أشكال الحروب مستقبلاً بعد انتهاء الأزمة مع أوكرانيا التي لا يعلم أحد إلى متى ستطول.
خامساً: حتى لو أرادت دول التحالف زيادة إنتاجها فمن هم المشترون الذين سيشترون نفطها؟ هل يتوقع أحد أن الصين ستتخلى عن حليفتها روسيا وتقبل بشراء النفط من الخليج لتعويض النفط الروسي؟ وهل يتمكن المنتجون في الخليج من الوصول إلى أعماق هذه الدول كما تصل روسيا من خلال خطوط الأنابيب؟!
ونعود إلى أسعار النفط ونسأل لماذا إذن لم ترتفع الأسعار قبل هذه الأزمة؟ أولاً إن أسعار النفط لم ترتفع بسبب أزمة روسيا وأوكرانيا، بل إن الأسعار أخذت منحى الصعود منذ العام الماضي، بعد أن اكتشف العالم حقيقة أساسيات السوق.
الطلب على النفط ينمو بشكل مستمر ولكن الإمدادات في العالم لا تنمو بهذا الشكل السريع، وعلى الأرجح لن تنمو بعد انتهاء فورة النفط الصخري الذي كان سبباً لخفض الأسعار خلال السنوات الماضية.
إن العالم يواجه أزمة طاقة بسبب السياسات غير الواقعية تجاه الوقود الأحفوري الذي تتخذها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
هذه الدول هي من دفعت الأسعار نحو ما هي عليه الآن، وإذا ما أضفنا إلى المعادلة انقطاع النفط الروسي فهذا سيزيد الأمر سوءاً.
ماذا سوف يكون مصير العالم عندما يصل السكان إلى 8 مليارات نسمة، ناهيكم عن 9 مليارات؟ نعم المصادر البديلة سوف تنمو وتستمر في الزيادة، ولكن الوقود الأحفوري سيظل مهماً، وفي ظل هذا العالم الذي فقد بوصلته السياسية وكذلك الطاقوية، لا يمكن التكهن سوى بمواصلة الأسعار الارتفاع.

وائل مهدي