عن مواعيد مهمة لهذا الاسبوع

من المتوقع  أن يعلن  الفيدرالي عن رفع سعر الفائدة لأول مرة منذ 2018 يوم الأربعاء
ومن المتوقع أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة مرة أخرى هذا الأسبوع.
وستعقد البنوك المركزية في اليابان وتركيا والبرازيل اجتماعات بشأن السياسة النقدية.

 الفيدرالي

أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي بوضوح إلى أنه ينوي رفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة  يوم الأربعاء، لمكافحة التضخم المرتفع، والذي يبلغ 7.9٪ .

ولم يعد رفع معدل الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية مطروحًا  منذ أن أثار الغزو الروسي لأوكرانيا حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية. .

كما سيصدر بنك الاحتياطي الفيدرالي “مخطط النقاط” المحدث الذي يتتبع توقعات أسعار الفائدة، مع حرص المستثمرين على رؤية كيف تؤثر الحرب على توقعات السياسة النقدية.

كما سيراقب المستثمرون أي توجيهات بشأن خطط الميزانية العمومية للبنك المركزي التي تبلغ قرابة 9 تريليون .

بنك انجلترا

من المتوقع أن يرفع بنك إنجلترا أسعار للمرة الثالثة منذ ديسمبر بعد اجتماعه يوم الخميس، ولكن من المتوقع أن يختار المسؤولون زيادة أخرى بمقدار ربع نقطة مئوية فقط.

وكما هو الحال مع بنك الاحتياطي الفيدرالي، سيراقب المستثمرون تقييم البنك لكيفية تأثير الحرب في أوكرانيا على توقعات أسعار الفائدة.

وضعية السلع

من المحتمل أن يستمر الارتفاع الهائل الأخير في أسعار السلع الأساسية لفترة طويلة.

وتقف أسعار القمح والنحاس بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق.

وقد دعا مسؤولون في الحكومة الأمريكية المنتجين المحليين والعالميين إلى زيادة إنتاج النفط لتعويض صدمة العرض .

وضعية الأسهم

سجل انخفاضه الأسبوعي الثاني على التوالي الأسبوع الماضي .

أدت المخاوف بشأن الأزمة الروسية الأوكرانية إلى تعميق عمليات البيع التي غذتها في البداية مخاوف بشأن عوائد السندات المرتفعة مع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية. وانخفض مؤشر إس أند بي 500 بنسبة 11.8٪ حتى الآن في عام 2022.

وفي حين وافق المستثمرون على أن الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ على الأرجح في رفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، لا يزال هناك نقص في الوضوح بشأن مدى وسرعة تحرك الاحتياطي الفيدرالي من هناك”. رويترز يوم الجمعة.  وقد لا يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التحرك بهذه السرعة. ومع ذلك، فإن وتيرة التضخم ستكون المحرك الرئيسي لتغييرات السياسة في الجزء الأفضل من هذا العام. “

البنك المركزي الياباني

من غير المتوقع أن يعلن بنك اليابان عن أي تغييرات في السياسة النقدية عندما ينتهي اجتماعه الذي يستمر يومين يوم الجمعة.

قريباً في لبنان… خبز “أبيض” وخبز “أسود”

يوماً بعد يوم، يتظهّر عُمق التداعيات التي ستخلّفها الحرب في أوكرانيا، على كل اقتصاديات الدول، وعلى الأمن الغذائي، وعلى مستويات النمو والمعيشة. ويبدو انّ التداعيات على الوضع اللبناني ستكون أقسى، بسبب نقاط ضعف غير موجودة لدى دول أخرى.

قبل ان تبدأ الحرب ببضعة ايام، وكان معروفاً انّ احتمال اندلاعها صار مُرجّحاً، طالعتنا وزارة الاقتصاد بأن لا داعي للهلع، لأنّ الوزارة أعدّت خطة (A) وخطة (B) وخطة (C). والحديث هنا عن القمح حصراً. ليتبيّن بعد اندلاع الحرب، أن لا وجود لخطط حقيقية، وكل ما قيل عراضات اعلامية للادّعاء انّ الوزراة تعمل وتستعد وتعرف ماذا يجري حولها. أما وزارة الطاقة، وهي المعنية بالشق الأساسي المتعلق بالمحروقات، فكانت أصدق مع نفسها ومع الناس: لا خطة ولا من يخطّطون، وعندما نصل اليها نصلّي عليها. وهكذا صار وصلنا اليها، ومشهد الطوابير عاد بقوة رغم كل التطمينات.

 

في كل الأحوال، التحضير لمواجهة تداعيات حرب، بحجم الحرب في أوروبا، ليست مسؤولة عنه وزارة بعينها، بل الحكومة مجتمعة، ومعها مجلس النواب الذي يملك حق وواجب الحثّ والرقابة والمتابعة والمساءلة.

بصرف النظر عن مشهد اللادولة، لماذا قد تكون التداعيات عندنا اكثر خطورة من دول أخرى، وما هي مكامن هذه المخاطر؟

من سوء حظ اللبناني انّ الحرب اندلعت في توقيت أكثر من حساس بالنسبة الى الوضع المالي في الداخل، وضمن المعطيات التالية:

 

اولاً- دولة مفلسة توقفت عن دفع ديونها، وهي تنفق من اموال الناس بالكامل منذ نهاية العام 2019. وقد أهدرت حتى الآن حوالى 20 مليار دولار، من دون ان تتمكّن من تثبيت ولو خطوة واحدة في مسار المعالجة للخروج من هذا الوضع.

 

ثانياً- مع اقتراب الانتخابات النيابية، وبعدما وصل سعر صرف الدولار الى 33 الف ليرة، وكان مقدّراً له أن يواصل الارتفاع، ومع اهتزاز الأمن الاجتماعي وتحرّك الشارع، لجأت الحكومة، وبقرار منفرد من رئيسها، الى العودة الى دعم الليرة. وهذا يعني كسر قرار التوقّف عن الإنفاق من الاحتياطي المتبقي، وهو القرار الذي كان بدأ ينفّذه مصرف لبنان من خلال وقف القسم الأكبر من دعم السلع والخدمات، والاكتفاء بالدعم القادر على تأمينه من دولارات السوق فقط.

 

ثالثاً- لم يعد واضحاً اليوم ما هو حجم الاحتياطي المتبقّي في مصرف لبنان، خصوصاً انّه يتمّ اعتماد اسلوب تأجيل دفع الفواتير، بما يعني انّ المبلغ الحقيقي المتبقّي، إذا ما تمّ تسديد الفواتير، أقل بكثير من المبلغ المُصرّح عنه رسمياً من قِبل المصرف.

 

رابعاً- ليس معروفاً حجم الخسائر التي يتكبّدها المركزي جراء دعم الليرة، لكن ما هو مؤكّد انّ هذه الخسائر سترتفع بسبب تداعيات الحرب، بحيث انّ الكلفة ستصبح أكبر لاستيراد كل السلع، وفي مقدّمها المحروقات للقطاع العام وللقطاع الخاص، لأنّ الليرة باتت مدعومة، ويتمّ شراء الدولار بسعر اصطناعي.

 

هذه الحقائق تقود الى استنتاج انّ البلد امام مشهد جديد اشدّ سوداوية من المشهد المأساوي القائم منذ اعلان الإفلاس في آذار 2020. وسيكون الضغط كبيراً على ما تبقّى من دولارات في المركزي. والانتخابات تحول دون اتخاذ قرارات عقلانية في مواجهة هذه الكارثة، وبالتالي، من المرجّح ان يتمّ اعتماد الإجراءات الأسهل، ولكن الأكثر كلفة في المرحلة المقبلة. وليس مستبعداً ان نكون اقتربنا من مشاهد الفقر المزمن. إذ انّ المشكلة، على سبيل المثال لا الحصر، ليست في فقدان القمح، بل في مصدر الدولارات لشرائه بسعر مرتفع. وكذلك المحروقات، وكل السلع الغذائية الأخرى.

 

وبالتالي، قد نكون اقتربنا من مشهد رغيف الجمعية ورغيف الميسورين. بمعنى، انّ الدعم الذي ستعجز الدولة عن تأمينه، قد يضطرها الى استيراد نوعية قمح سيئة ورخيصة. وبالمقابل، سيستورد القطاع الخاص كميات صغيرة من القمح الجيد غير المدعوم، بحيث يصبح رغيف الجمعية ذو النوعية السيئة، وغير الموضّب في أكياس من نصيب المواطنين الفقراء، وهم اكثرية ساحقة، والرغيف الجيد من نصيب الميسورين. وقد ينسحب ذلك على مواد غذائية أخرى. وهذا الامر قائم في دول كثيرة كانت تعاني الفقر، بحيث يوجد خبز «اسود» مدعوم للفقراء، وخبز «ابيض» للميسورين.

 

انّه لبنان الجديد الذي نتجّه نحوه بخطى ثابتة، بفضل التخطيط المميز الذي تتّبعه السلطة. ومن البديهي، انّ السؤال بعد ذلك عن خطة الإنقاذ، ومصير الودائع، ومصير الناس، يصبح في غير محله.

انطوان فرح

التمويل والبحث عن نظام دولي جديد

يبدو أنه في ظل حالة اللايقين المتزامنة مع الجائحة الصحية والتهديدات بالحرب واحتدام أزمة المناخ، تتجه الرؤى إلى احتواء هذه الكوارث وتحويلها إلى أزمات يمكن إدارتها. فهناك أمل تصحبه جهود صحية من خلال نشر اللقاحات لكي تنخفض حدة الجائحة المنتشرة لتصل لمرحلة الوباء محدود الانتشار، ثم لحالة مرض مُعدٍ يمكن السيطرة عليه. وهناك آمال، تتضاءل فرصها، في أن يخفّ قرع طبول التهديد بالحرب، التي تتعالى عبر قنوات الأثير في أثناء كتابة هذه الكلمات، وأن تبقى التطورات في حدود التوترات الجيوسياسية دون أن تتفاقم شراً، ولكن هيهات. كما أن هناك أهدافاً طموحة لحماية العالم من تغيرات المناخ، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الفقر المدقع، عوّقت مسارات التقدم فيها مربكات متوالية ليس أقلها شراً الجائحة وأشباح الحرب.
وبينما ينشغل العالم في التصدي لتبعات الجائحة الصحية، ومحاولة التعافي من آثارها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، لا يمكن تجاهل تأثيراتها المؤقتة منها والمستمرة على أوضاع الديون، المحلية منها والدولية. فقد أتت الجائحة على عالم يعاني أصلاً من تزايد الديون شجّع على تراكمها انخفاض شديد في أسعار الفائدة العالمية في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 فتبارى كل من لديه، أو ظن أن لديه، قدرة على الاقتراض فتزايدت الديون المستحقة على الحكومات والشركات والأفراد فيما يعرف بالموجة الرابعة للديون. وللذكرى فإن الموجات الثلاث السابقة لتراكم الديون لم تنتهِ أي منها إلا بأزمة، فكانت الأولى في أميركا اللاتينية في الثمانينات والثانية في جنوب شرقي آسيا في التسعينات والثالثة عالمية نبعت من أزمة الرهون العقارية. على النحو الذي ناقشتُه في هذه الصحيفة الغراء، ونشرتُه في كتاب صدر حديثاً تحت عنوان «في التقدم: مربكات ومسارات».
وقد صدر منذ أيام تقرير من مجموعة البنك الدولي عن التنمية في العالم، مركّزاً في تحليله على أربع رسائل عن المخاطر المالية لعالم ما بعد الجائحة:
أولاً، أن زيادة القروض المتعثرة للأفراد والشركات تستوجب زيادة الشفافية والإفصاح والعمل على تخفيض نسبة هذه القروض المتعثرة في مَحافظ البنوك للإبقاء على سلامتها وقدرتها على الاستمرار في مهامها في منح الائتمان.
ثانياً، أن إرجاء وتسويف علاج القروض السيئة والمتعثرة له عواقب اقتصادية ومالية واجتماعية ويعقّد من إمكانية الحصول على التمويل للمشروعات ويهدر جهود الشمول المالي ويطيل الفترة المطلوبة للتعافي الاقتصادي.
ثالثاً، أن القيود المانعة من الحصول على الائتمان يمكن التغلب عليها من خلال الابتكار والتطور في التقنية المالية والحلول الرقمية التي يمكن الاستعانة بها في إدارة مخاطر الائتمان بكفاءة. وفي إطار سياسة متكاملة للنمو والتنمية من الممكن أن تسهم إجراءات تيسير الائتمان وإدارة مخاطره في مساندة استهلاك الأفراد والقطاع العائلي، وتحفيز جهود قطاع الأعمال في الاستثمار والإنتاج والتشغيل والتصدير.
رابعاً، أن المستويات غير المسبوقة ارتفاعاً للقروض العامة المحلية والخارجية، تستلزم إدارة استباقية لإتاحة الموارد المالية العامة المطلوبة للتعافي. ويحذر تقرير البنك الدولي في هذه الرسالة الأخيرة من عواقب التأخير في إدارة الديون العامة وإبقائها في النطاق الآمن لما في ذلك من آثار ضارة على تراجع الأداء الاقتصادي والركود وارتفاع معدلات التضخم والاضطرار إلى تخفيض الإنفاق العام على التعليم والصحة وشبكة الضمان الاجتماعي.
انتهت الرسائل الأربع لتقرير البنك الدولي الذي صدر تحت عنوان «التمويل من أجل تعافٍ مُنصف». ويجدر بالذكر أن المخاطر المالية شديدة الارتباط رغم تنوعها، ففي وقت الأزمة قد تتحول مديونية القطاع الخاص إلى عبء عام إذا كانت مستحقة لدائنين أجانب. كما تَحول أزمة المديونية العامة دون قدرة الدولة على القيام بالتزاماتها حيث تستغرق تكاليف الأزمة إمكاناتها الاقتصادية وتنهك تبعاتُها قدراتِها السياسية، وبالتالي فإن تجنب الأزمة وتقليل احتمال حدوثها أمر بدهيّ، ولكنه يتطلب تنسيقاً عالياً بين السياسات النقدية والمالية العامة، وتعاوناً دولياً بين جهات التمويل والإقراض.
يتطلب منع أزمات المديونية تعافياً للاقتصاد وعودة ناتجه لمستويات ما قبل الأزمة، وفي هذا تجد أن 40% من الاقتصادات عالية الدخل قد تجاوزت متوسطات دخولها في عام 2019، أي قبل الجائحة، وذلك بما تيسر لها من إنفاق عام رخيص للتصدي للجائحة، وسرعة في توفير اللقاح لأكثر من 70% من سكانها. أما الدول متوسطة الدخل فلم تفلح إلا 27% منذ الأزمة في الارتفاع عن متوسطات دخولها قبلها، أما الدول النامية الأقل دخلاً فلم ينجح منها إلا 20% فقط في تجاوز مستويات ناتج ما قبل الجائحة. وسيكون للأداء الاقتصادي المتراجع في الدول النامية عواقبه، ليس فقط في مدى تحقيق التقارب بينها وبين الدول المتقدمة والأعلى دخلاً، ولكن على مدى قدرتها أيضاً على الوفاء بالتزاماتها تجاه خدمة ديونها الدولية خصوصاً مع ارتفاع معدلات التضخم العالمية والارتفاعات الجارية والمتوقعة في أسعار الفائدة العالمية، وأثر ذلك كله على تكلفة الاقتراض الجديد وكذلك على التدفقات المالية إلى الدول النامية.
من السيئ حقاً أنه لا يوجد حتى الآن إطار دولي سريع وكفء وعادل يمكن الاعتماد عليه في إعادة هيكلة الديون السيادية. فما تم تقديمه بعد الأزمة من تيسيرات لا يمكن احتسابها نظاماً متكاملاً. فمبادرة مجموعة العشرين لعام 2020 لإيقاف دفع خدمة الديون التي استفادت منها الدول الأقل دخلاً، ورغم أهميتها في تيسير التعامل مع متطلبات الجائحة على هذه الدول، تم إيقاف العمل بها في نهاية 2021، بما يعني أن هذه الدول ستكون مطالَبة بدفع المستحقات السابقة والجارية لخدمة ديونها.
من الاختزال المخلّ تصور إمكانية تطوير نظام متكامل وفعال لمعالجة الديون وإعادة هيكلتها بمعزل عن نظام نقدي ومالي عالمي أكثر كفاءة وعدالة. فبعد كل أزمة دولية يتكرر الحديث عن أهمية إصلاح النظام المالي، وتنتهي الأزمة على ما تنتهي إليه دون تغيُّر يُذكَر في القواعد والترتيبات القائمة، ذلك لارتباطها بنظام اقتصادي وسياسي عالمي وبترتيبات جرى أكثرها في أعقاب الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة.
كما أن ما يُعرف بالإطار الشامل للتعامل مع الديون، والذي دشنته مجموعة العشرين بعد الجائحة للتعامل مع آثارها، لا يمكن وصفه بالشمول فعلاً، فهو لا يتضمن الديون المستحقة على الدول متوسطة الدخل، كما لا يُدخل القطاع الخاص الدائن في التسويات إلزاماً؛ مكتفياً بالدعوة للتعاون، وتتسم إجراءاته مع ذلك بالبطء حتى الآن مثلما حدث مع الدول الأفريقية الثلاث التي طلبت الدخول في إطارها، وهي تشاد وإثيوبيا وزامبيا.
لا أعتقد أن الظروف السياسية الدولية الراهنة تتيح مناخاً مناسباً لتحقيق وثبات في النظام المالي الدولي للتعامل مع الديون أو استحداث آليات أكثر فاعلية وإنصافاً. فهذا يتطلب تعاوناً دولياً وإرادة سياسية. فلم يكن الإخفاق في هذا المضمار لعجزٍ في الحلول الفنية والقانونية، حتى إذا ما أخذنا في الاعتبار أن المديونية الدولية أصبحت أكثر تعقيداً وتشابكاً عمّا كانت عليه في موجاتها الثلاث السابقة. فدور القطاع الخاص ومؤسساته أصبح أكثر أهمية من ذي قبل، خصوصاً مع زيادة نصيب مقرضي السندات الدولية، كما أن هناك نسبة متزايدة للمقرضين السياديين من غير الدول الأعضاء في نادي باريس، بما يعقّد إجراءات عمليات التفاوض لإعادة هيكلة الديون.
وفي عالم شديد التغير بما يشهده من تبدل سريع للأوزان الاقتصادية بين القوى التقليدية وقوى صاعدة، يجدر الاستعداد لمستجدات ستسفر في النهاية عن ملامح نظام جديد؛ عسى أن يكون وهو في طور تكوينه أكثر سلماً مما رأينا مع نظم سابقة من قبل. وفي التعامل مع هذه المستجدات مبادئ محددة نستعرضها في مقال قادم.

د. محمود محي الدين

إستقرار سعر الصرف «تزَعزَع»… هل يمكن ضبطه من جديد؟

كما كان متوقعاً، شهدت سوق الصرف أمس زيادة في الطلب على الدولار، إن كان لدى المصارف تماشياً مع التعميم 161 الذي يجيز شراء الدولارات منها على سعر صرف منصة صيرفة (20200 ليرة مقابل الدولار)، أو لدى الصيارفة، وذلك نتيجة الحاجة الملحّة للاستيراد على مختلف الاصعدة ولدى كافة القطاعات التي تسعى لتأمين مخزون كاف في سباق مع ارتفاع اسعار المواد الاساسية والغذائية والصناعية عالمياً، بشكل صاروخي.

أدّى الواقع المستجدّ الذي فرضته تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا الى «زعزعة» الاستقرار السائد في سعر صرف الليرة والذي نجح مصرف لبنان أخيرا في توفيره منذ حوالى الشهرين، بفضل التعميم 161 الذي أمّن الدولارات من دون سقوف محددة للمصارف من اجل بيعها لكلّ من ينجح في «لمّ» السيولة النقدية بالليرة من السوق. وقد انفردت منصة صيرفة في النتيجة، في تحديد سعر الصرف في الفترة الاخيرة في السوق عند مستويات مستقرّة نوعاً ما عند حوالى 20 الف ليرة مقابل الدولار.

لكنّ هذا الاستقرار تزعزع أمس، مع ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء الى مستوى تخطّى سعر «صيرفة»، عند أكثر من 22 الف ليرة مقابل الدولار، مما أثار بلبلة في السوق، بدأت معها التكهنات بأن مصرف لبنان توقف عن بيع الدولارات للمصارف وأوقف عمل منصة صيرفة، ليُسارع بعدها البنك المركزي في اصدار بيان توضيحي يؤكد فيه ان «خبر توقف منصة Sayrafa عن العمل عار عن الصحة جملة و تفصيلا، كما يؤكد حاكم المركزي ان مصرف لبنان ملتزم بمتابعة مفاعيل التعميم ١٦١ وانه مستمر بتأمين الدولار الأميركي من دون سقف مقابل الليرة اللبنانية على سعر منصة Sayrafa».

في تفاصيل ما أدّى الى تداول وإشاعة هذا الخبر الذي إن لم يكن اليوم صحيحا، قد يصبح بعد شهر واقعاً، ان بعض المصارف لم يستطع تلبية الطلب الكبير على الدولار امس، بسبب نفاد الكوتا المحددة له يوميا، أي الدولارات التي يؤمّنها له مصرف لبنان وفقاً لحجم السيولة النقدية التي يسلّمه ايّاها المصرف المعني في اليوم السابق. وبالتالي، قصد بعض التجار المصارف لشراء الدولارات على سعر منصة صيرفة كالعادة، ليتفاجأوا بأن الدولارات لم تعد متوفرة. ولكن هذا الامر لا يعني ان مصرف لبنان أوقف العمل بالتعميم 161، بل يؤشر، حالياً، الى ارتفاع في الطلب على الدولار، فاق قدرة المصارف على تلبيته امس، ما اضطرّ التجار الى التحوّل نحو السوق السوداء لشرائه، مما ساهم في ارتفاع سعر الصرف ليتخطّى 22 الف ليرة مقابل الدولار.

واوضحت مصادر في مصرف لبنان لـ«الجمهورية» ان البنك المركزي سيواصل بيع الدولارات وفقا للتعميم 161 وان ما حصل امس لا يعدو كونه نفاد كوتا احد المصارف اليومية من الدولارات، واستغلال هذا الموضوع لاثارة البلبلة. وردّا على سؤال حول قدرة مصرف لبنان على مواصلة دعم الليرة وتطبيق وتمديد مفاعيل التعميم 161 بالاضافة الى استمراره في دعم استيراد المحروقات والقمح رغم ارتفاع اسعارها المتواصل، اكدت المصادر انه يتم العمل على آلية للحفاظ على الاستقرار الذي كان سائدا.

في المقابل، أكدت مصادر مصرفية ان بعض البنوك بدأ في «غربلة» التجار، أي في اعطاء الاولوية لتجار المواد الاساسية والحيوية المعنيّة بالأمن الغذائي، حيث تتم تلبية حاجاتهم من الدولارات قبل الزبائن الآخرين او قبل تجار ومستوردي المواد المصنّفة من الكماليات. وتوقعت المصادر ان تؤدي البلبلة التي أثيرت امس الى تهافت على شراء الدولارات من مختلف المصادر، ولو بأسعار تفوق سعر «صيرفة»، نتيجة التكهنات، ولو المغلوطة، في امكانية توقف مصرف لبنان عاجلا أم آجلا عن توفير الدولارات، وبالتالي معاودة سعر صرف الدولار التحليق مجددا الى مستويات قياسية جديدة، سيلحقه حتماً سعر منصة صيرفة.