متابعة قراءة الصين تبقى على أسعار الفائدة الرئيسية للإقراض دون تغيير
الأرشيف الشهري: مارس 2022
أسعار الذهب ترتفع مع استمرار الأزمة في أوكرانيا
أسعار النفط ترتفع نتيجة ضغوط من الصراع الأوكراني وقلة المعروض في السوق
عقلانية العقوبات الغربية
العقوبات الاقتصادية أداة للدبلوماسية القسرية، وهي أحد أقسى التحركات غير العسكرية التي تُمارَس على الدول لتغيير سلوكياتها. والأمثلة على العقوبات الاقتصادية في العصر الحديث تمتد من كوبا إلى فنزويلا وكوريا الشمالية وإيران، وغيرها من الدول التي طُبقت العقوبات الاقتصادية في حقها بمستويات مختلفة.
والعقوبات الحالية على روسيا هي الأقوى من نوعها، فهي على دولة من دول مجموعة العشرين، وعلى اقتصاد يحتل الترتيب الحادي عشر في العالم، لدولة هي الثالثة في إنتاج النفط. فما هي تبعات هذه العقوبات؟ وهل صُممت لهدف استراتيجي محدد؟
أول ما سيتأثر من هذه العقوبات هي تجارة السلع؛ سواء كانت السلع نفطية أو أغذية أو غيرها. هذا التأثر قد يكون على إنتاجية السلع نفسها، كحصاد القمح أو عمليات التعدين واستخراج الموارد الطبيعية، أو غيرها من الأنشطة الاقتصادية التي ستتأثر في روسيا بفعل الحرب نفسها، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية. كما أن السلع ستتأثر في نقلها بفعل التعثر الحاصل في الشحن؛ سواء بسبب عدم رغبة شركات الشحن في الدخول في غمار العقوبات، أو عدم القدرة على دفع أو تسلُّم المبالغ بفعل العقوبات على النظام المالي الروسي.
وقد تأثرت السلع فعلياً بسبب تعثر القطاع اللوجستي وسلاسل الإمداد بفعل الجائحة، والذي اصطدم بالحرب قبل أن يفيق من أثر الجائحة التي تناساها العالم بفعل هذه الحرب الدامية.
وبالحديث عن النظام المالي، فروسيا الآن تعاني من هذه العقوبات بسبب تجميد أصولها الخارجية، وفرض العقوبات على بنكها المركزي، إضافة إلى إيقاف خدمات نظام «سويفت» عنها. هذه العقوبات أثَّرت سلباً على العملة الروسية، وأعاقت الحكومة الروسية عن تسييل احتياطياتها وأصولها الخارجية التي استثمرت فيها طويلاً استعداداً لأزمات شبيهة.
ولكن تجب الإشارة هنا إلى أن هذه العقوبات –على الرغم من خطورتها على الاقتصاد الروسي– فإنها قد لا تتسبب في انهيار للاقتصاد الروسي؛ ذلك أن روسيا منذ اجتياحها لجزيرة القرم عام 2014، أدركت مدى قدرة الدول الغربية على التأثير في اقتصادها عند تكاملها مع الاقتصاد العالمي. ولذلك فإن روسيا وبشكل تدريجي تمكنت من عزل اقتصادها ونظامها المالي عن الاقتصاد العالمي والاعتماد على الدولار منذ ذلك الحين. فعلى سبيل المثال، انخفض التبادل التجاري بالدولار بين روسيا والصين من 97 في المائة في عام 2014 إلى أقل من 33 في المائة في الوقت الحالي.
وللدول الغربية سلاح إضافي ضد روسيا، وهو سلاح التقنية، فالصناعات الروسية تعتمد على أشباه الموصلات التي تُصنع في الدول الغربية أو في دول حليفة لها، وفي حال مُنعت هذه المنتجات عن روسيا فسوف تتأثر صناعاتها. وقد تطبق الحكومة الأميركية عقوبات على شركات التقنية الروسية، تماماً كما فعلت مع شركة «هواوي» الصينية إبان رئاسة دونالد ترمب؛ حيث منعت عنها خدمات «غوغل» والمعالجات الحاسوبية، وغيرها.
من هذه العقوبات ما يؤثر على روسيا وحدها، مثل العقوبات على الشركات التقنية، إلا أن بعض العقوبات قد تتعدى روسيا إلى دول لا ناقة لها ولا جمل في هذه الحرب. فلو تأثر الإنتاج الروسي للقمح فستتأثر دول عديدة، وقد تواجه دول خطراً فعلياً على أمنها الغذائي على المدى القصير. كما ستتأثر بعض الدول الأوروبية بسبب استيرادها لمعادن من روسيا تدخل في صلب صناعاتها. وقد وصل أثر هذه العقوبات إلى أستراليا التي تعتمد على روسيا في الشحن الجوي؛ حيث تستأجر الدول الغربية وأستراليا الطائرات من شركة «فولغا-دبز» الروسية، ومن هذه الطائرات طائرة «أنتونوف-24» وهي إحدى أكبر طائرات الشحن العسكرية والتي يمكنها نقل الطائرات المروحية. اعتماد الشركات على الطائرات الروسية يعني ارتفاعاً في تكلفة النقل الجوي، والذي سوف يؤثر بلا شك على دول عديدة.
إن تدافع الدول الغربية على فرض عقوبات على روسيا قد لا يبدو مدروساً بشكل شامل، فكل دولة تفرض عقوبات لا تؤثر على اقتصادها، دون النظر بشكل متأنٍّ إلى الآثار غير المباشرة التي قد تترتب عليها، وفي حُمّى العقوبات والاستنكارات التي يشهدها العالم الآن، قد يكون من الصعب على أي دولة الاحتجاج على العقوبات التي قد تضر باقتصادها المحلي.
والمتأمل في العقوبات الغربية على روسيا، قد يصعب عليه إيجاد منطق عقلاني لبعضها، فبعضها امتد ليضر أندية محلية لأن مالكها روسي، والآخر بدأ في مصادرة القصور والأملاك واليخوت لأن ملاكها أثرياء روس. والعذر الغربي هو عدم تمويل «آلة الحرب» الروسية، فكيف لمصادرة يخت في حوض البحر الأبيض المتوسط أن تضر بتمويل الجيش الروسي؟ أما النكتة الحقيقية فهي معاقبة القطط الروسية، فما هو الهدف الاستراتيجي من ذلك؟ وهل يجعل ذلك السلوك الغربي أقرب إلى ما يصفه عمرو بن كلثوم، بقوله في المعلَّقة: ألا لا يجهلنَّ أحد علينا… فنجهل فوق جهل الجاهلينا؟
د. عبد الله الردادي
مسؤول سابق في صندوق النقد: آخر فرصة للبنان قبل الانهيار الكامل
مع انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات مع فريق صندوق النقد الدولي الاسبوع المقبل، حذّر مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، المعنيين في لبنان، من أنه إذا لم يتوصلوا إلى اتفاق مع الصندوق قريباً في شأن برنامج تمويل، فإن البلاد ستواجه انهياراً اقتصادياً كاملاً.
رغم انّ أمله ضئيل بأن يأخذ السياسيون اللبنانيون ومستشاروهم بالاعتبار، خطورة ودقّة المرحلة قبل بدء الجولة الثانية من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أبدى المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي محمد الحاج ملاحظاته حول الاسباب الفعلية للأزمة وسبل إنقاذ البلاد التي تعيش مراحلها الاخيرة قبل الانهيار الشامل.
واعتبر في حديث لـ«الجمهورية» انه بعد تعدّد التحليلات والتقارير حول أسباب الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، يجب أن يكون واضحاً للجميع أن الأزمات التي يواجهها لبنان حالياً هي محلية الصنع، وقد زرعت بذورها في أوائل التسعينات حيث كانت سياسات الاقتصاد الكلي غير متّسقة ومشوّهة، وكان الفساد لا يزال واسع الانتشار.
قال: منذ عام 1992، تدخّل السياسيون في إدارة السياسات النقدية وسياسات الصرف الأجنبي، بشكل مخالف لقانون النقد والتسليف الذي يمنح مصرف لبنان الاستقلالية المالية والإدارية، وهو الامر الذي شكّل انحرافًا واضحًا عن الدور الذي لعبه مصرف لبنان منذ أن بدأ عملياته في العام 1964.
وأسِف الحاج أنه عندما كانت الدول حول العالم منشغلة ببناء مؤسسات اقتصادية قوية واقتصادات قوية وتحسين مستويات المعيشة لسكانها، كان السياسيون اللبنانيون منشغلين ببناء إمبراطورياتهم داخل القطاع العام وتوظيف مؤيديهم في المؤسسات الحكومية لتصميم وإدارة السياسة العامة. مشيرا الى انه «لسوء الحظ، أصبحت سياسات مصرف لبنان ركيزة مهمة للحفاظ على النظام الاقتصادي الفاسد الذي تأسس في أوائل التسعينات. إن وجود مصرف مركزي مستقل، كما كان الحال في لبنان قبل عام 1992، بإدارة فريق اقتصادي قوي على دراية بالمفاهيم الأساسية لاستدامة الاقتصاد الكلي، كان ليتوقف عن تمويل الحكومة ويؤكد على الحاجة إلى تعويم سعر الصرف منذ فترة طويلة».
أضاف: «لقد فشل صانعو السياسات أيضا بشكل بائس في إدارة الأزمات منذ تشرين الاول 2019، حيث كان من الممكن تجنّب الانهيار الاقتصادي منذ ذلك الوقت، لو كانت الحكومة وصنّاع السياسات مستعدّة لمعالجة السبب الجذري للأزمات من خلال برنامج إصلاح شامل. لكن، بدلاً من ذلك، وكما جرت العادة منذ أوائل التسعينات، تمّ اعتماد تدابير اقتصادية مالية مجتزأة وغير منسقة أدّت إلى المزيد من الهدر والفساد. كان يجب على صانعي السياسات ومستشاريهم أن يَعوا أنه عندما حاولت البلدان حول العالم التي واجهت أزمات اقتصادية ومالية أقل حدة ولديها مؤسسات أقوى بكثير من لبنان، معالجة مشاكلها الاقتصادية بمفردها، لم تنجح. وفي معظم الحالات، انتهى بها الأمر بالذهاب إلى صندوق النقد الدولي بعدما لحق المزيد من البؤس والفقر بالسكان. وهذا ما حصل ويحصل في لبنان الآن.
وشدد الحاج على ان لبنان يمرّ بمنعطف حرج للغاية ولم يعد لديه الوسائل أو الأدوات الاقتصادية الفعالة لامتصاص أي صدمات اقتصادية أخرى. مصرف لبنان مفلس وسرعان ما سينفد الاحتياطي القابل للاستخدام لدعم الليرة اللبنانية. إن الوضع المتردي الذي يواجهه لبنان يأتي في وقت تتزايد فيه التوترات السياسية العالمية وترتفع أسعار السلع بشكل كبير. وتشير جميع المؤشرات الاقتصادية بوضوح إلى أن لبنان هو حاليا في المرحلة الأخيرة قبل الانهيار الاقتصادي الكامل. مما يعني، استمرار سعر صرف العملة المحلية بالانهيار، ومواصلة نسَب التضخم والبطالة بالارتفاع بشكل كبير، والمزيد من الانكماش الاقتصادي، والمزيد من حالات الإفلاس، ونقص في السلع الأساسية، وإغلاق المصارف وانهيار نظام الدفع، والمزيد من الجرائم…
واعتبر ان هناك بديلا لسيناريو الاصلاح غير المنظّم الذي يتبعه لبنان حالياً، «وهو برنامج إنقاذ منظّم يدعمه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سيعمل على استقرار الاقتصاد ويتضمن خارطة طريق متسقة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي مع مرور الوقت. وبموجب برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي، ستكون عملية الاصلاح أقل صعوبة بكثير مما شهدته البلاد منذ تشرين الاول 2019». مشددا على ان برنامج صندوق النقد سيتضمّن حتماً شبكة الأمان الاجتماعي.
وفيما أوضح الحاج أنّ الشرط المسبق للتفاوض في شأن برنامج إصلاح ناجح مع صندوق النقد الدولي هو وجود التزام سياسي واضح بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، سأل: هل سيضع السياسيون اللبنانيون خلافاتهم جانبا ولو لمرة واحدة وينقذوا البلاد من الانهيار الاقتصادي الكامل المتوقع، أم أن كراهيتهم واستياءهم تجاه بعضهم البعض سيمنعانهم من اتخاذ الخيارات الصحيحة؟
رنى سعرتي
الأهداف المتوقعة والنتائج المترتبة على حظر النفط الروسي
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، إثر الغزو الروسي لأوكرٌانيا، حظراً مباشراً على استيراد النفط الخام، والمنتجات البترولية، والغاز المسال، والفحم من روسيا. لكن تستمر السوق الأوروبية المشتركة حذرة من الآثار الاقتصادية المترتبة على مقاطعة الأعضاء في السوق المشتركة للبترول الروسي.
تهدف العقوبات إلى تقليص الطاقة الإنتاجية البترولية الروسية لحرمان موسكو من أهم مصادرها للحصول على العملات الصعبة؛ وتقليص النفوذ الذي تستمده موسكو من كونها أهم مصدر بترولي لأوروبا (تزود روسيا 2.7 مليون برميل يومياً من النفط الخام ونحو مليون برميل يومياً من المنتجات البترولية لأوروبا، ما يشكل 30 في المائة من الاستهلاك النفطي الأوروبي. كما تزود أوروبا 40 في المائة من إمدادات الغاز الطبيعي عبر مجموعة من أنابيب البترول)؛ حظر العمل المشترك للشركات النفطية الغربية مع الشركات الروسية لمنع إيصال التقنيات الحديثة للصناعة النفطية الروسية وإيقاف المساهمات المالية التي تقدمها الشركات الغربية للصناعة الروسية، كما في حال مشروع «نورد ستريم – 2» حيث أقرضت الشركات الغربية المشتركة في المشروع قرضا بنحو 11 مليار دولار لشركة «غازبروم» المسؤولة عن تشييد وتشغيل الأنبوب الغازي.
هناك ثلاث أسواق نفطية كبرى عالمياً: الولايات المتحدة وأوروبا والصين. تختلف كل سوق عن الأخرى.
أصبحت الولايات المتحدة بعد عام 2015 مع إنتاج النفط والغاز الصخري دولة نفطية مصدرة. كما أنها تستورد كميات ضئيلة جداً من النفط الروسي، نحو 1.5 في المائة من مجمل استيرادها النفطي. وبإمكانها الطلب من الشركات زيادة الإنتاج الصخري الأميركي والسحب من المخزون الاستراتيجي لتعويض النفط الروسي. كما أصبحت الولايات المتحدة واحدة من ضمن مجموعة أكبر الدول المصدرة للغاز المسال. فهي لا تستورد الغاز.
يختلف الوضع كلياً مع أقطار السوق الأوروبية المشتركة، حيث إن النروج المنتج النفطي الأكبر. لكن طاقتها الإنتاجية الفائضة محدودة نسبياً، فإمكان زيادة إنتاجها بسرعة أمر صعب. من جهة، ركزت الأقطار الأوروبية مؤخراً على تطوير الطاقات المستدامة وقلصت كثيراً استثماراتها الهيدروكربونية كجزء من سياستها لتصفير الانبعاثات. من جهة أخرى، بدأت أوروبا منذ منتصف عقد الثمانينات تستورد كميات ضخمة من الغاز الروسي. اعترضت واشنطن منذ عقد الثمانينات على الاعتماد الأوروبي الكبير على الغاز الروسي. وما اعتراضها الآن إلا جزء من هذه الاعتراضات الجيوسياسية. لكن لم تتوفر الإمكانية عندئذ لتعويض الغاز الروسي. أما الآن، فقد أصبح هذا ممكناً: الولايات المتحدة، قطر، النرويج، الجزائر، ونيجيريا.
تكمن المشكلة في محاولة أقطار السوق تنويع مصادر الغاز؛ والفترة الزمنية المتطلبة والاستثمارات اللازمة للتحويل لمصادر متعددة.
الأمر يختلف بالنسبة لاستيراد النفط؛ فمعظم الطاقات الإنتاجية الفائضة هي في دول الخليج العربي، السعودية والإمارات. السؤال: هل ستقاطع السوق الأوروبية البترول الروسي؟ هل هذا عملي، وممكن؟ وماذا عن السياسة الأوروبية للمضي قدماً بتطوير الطاقات المستدامة على حساب الوقود الهيدروكربوني؟ هل ستستمر هذه السياسة بنفس الاندفاع ما قبل حرب أوكرانيا؟ أم هل ستتغير الأولويات الآن؟
تصدر روسيا النفط للصين والهند ودول آسيوية أخرى. وهناك خط أنابيب بطاقة 1.50 مليون برميل يومياً من روسيا إلى الصين. تشكل آسيا السوق النفطية الأكثر توسعاً، على عكس السوق الأوروبية حيث تراجع الاستهلاك النفطي.
من ثم، من المحتمل أن تتوجه الشركات الروسية إلى الأسواق الآسيوية لإمكانية استيعاب نفطها. لكن يطرح هذا الافتراض أسئلة عدة: من يزود أوروبا في حال المقاطعة؟ هل ستتحول الصادرات من آسيا إلى أوروبا لاستيعاب النفط الروسي. هذه قرارات مهمة للصناعة النفطية العالمية، بالذات بعد سنوات من الجهود للتواجد في السوق الآسيوية. والسؤال للمصدرين إلى آسيا حالياً، هو لماذا التحول من سوق نفطية متصاعدة النمو والانتقال إلى السوق النفطية الأوروبية المتقلصة؟
إن القرارات التي ستتخذ بهذا الصدد ستصب في صلب مستقبل الصناعة النفطية؛ إذ إن الشركات النفطية الخليجية تعمل منذ سنوات على تطوير علاقاتها البترولية في الأسواق الآسيوية، كبديل عن تقلص الأسواق النفطية الأوروبية والاكتفاء الذاتي للسوق الأميركية. وبعض الشركات النفطية الخليجية لها عقود طويلة المدى لإمداد المصانع البتروكيماوية والمصافي الآسيوية.
ستكمن النتائج المترتبة على حظر النفط الروسي في محاولة الإسراع في إعادة استيعابه في الأسواق الدولية، نظراً لمكانته في السوق النفطية الدولية (10 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي). وهذا سيعني مراعاة الاعتبارات الجيوسياسية والدبلوماسية لمختلف الأطراف من الدول المنتجة والمستهلكة. فبدون النفط الروسي، سيستمر ارتفاع الأسعار والتضخم العالمي ومن ثم الاضطرابات الاجتماعية، بالذات مع الصعوبات في إمدادات القمح. ستؤدي الاتفاقات النفطية الجديدة ما بين الدول المنتجة والمستهلكة والتبعات اللوجيستية لهذه القرارات إلى تحولات كبرى في الصناعة النفطية مستقبلاً.
تدل تجارب المقاطعات النفطية السابقة، على أن تبعات الحظر النفطي تستمر لسنوات. ويتبعها مشاكل عودة الإمدادات النفطية إلى الأسواق بكامل طاقتها، كما أن هناك تساؤلات عن دور روسيا الهام في مجموعة «أوبك بلس» واستقرار الأسواق خلال فترة الحظر.
وليد خدوري
ماذا سيفعل المركزي بلائحة المودعين «المشبوهين»؟
بعد مرور حوالى 19 شهراً على صدور التعميم 154، والذي كان يهدف في عنوانه العريض الى البدء في ورشة «تطبيع» العمل المصرفي، «استفاقت» هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان على واقع انّ التعميم لم يُطبّق كما ينبغي، وأصدرت قراراً يهدف الى متابعة تطبيق الجزئية المتعلقة بالـPEP.
تساؤلات كثيرة طرحها القرار الذي أصدرته هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، والذي طلبت فيه من المصارف تزويدها لائحةً بأسماء الـPEP (الأشخاص المكشوفون على السياسة)، تشمل الذين التزموا بتطبيق التعميم 154، والذين لم يلتزموا. هذا الطلب أثار موجة من التساؤلات، من أهمها:
اولاً- ما سرّ توقيت القرار الذي جاء بعد مرور حوالى 19 شهراً على صدور التعميم؟ (آب 2020).
ثانياً- لماذا اختيار الجزئية المتعلقة بالـPEP فقط، من دون التطرّق الى المندرجات الأخرى الواردة في التعميم، ومن ضمنها الأشخاص من غير فئة الـ PEP، والذين كان يُفترض ان يعيدوا ما نسبته 15% من الأموال المحولة الى الخارج؟
ثالثاً- ما الهدف الحقيقي من هذا القرار المتأخّر. إذ منذ صدور التعميم كانت علامة الاستفهام الأساسية مرتبطة بكيفية التنفيذ، ومن هي الجهة القادرة على إلزام شريحة الـ PEP، بالالتزام؟ فهل انّ مصرف لبنان صار جاهزاً لتنفيذ تهديداته باتخاذ الإجراءات التي تحدّث عنها، عندما تصبح لائحة المخالفين لديه؟
رابعاً- هل فعلاً انّ المركزي لا يملك اللائحة التي يطلبها من المصارف، لأنّ المعلومات تشير الى انّ المصارف سبق وزوّدت المركزي بالمعلومات حول تطبيق هذا التعميم. والأصح، انّ لجنة من مصرف لبنان سبق وجالت على المصارف واطّلعت ميدانياً على هذه المعلومات؟
خامساً- هل يمكن لأية جهة ان تنفي أنّ اسماء المكشوفين على السياسة شبه معروفة في القطاع المالي، أو هكذا يُفترض ان يكون، بدليل انّ المصارف الأجنبية تملك مثل هذه اللوائح، وتجري عليها التحديثات (Update) المستدامة، خصوصاً انّ أي لبناني دخل المعترك السياسي حديثاً، أصبح اسمه موجوداً على هذه اللوائح، ولم يعد في مقدوره فتح حسابات مصرفية خارج لبنان، وتحديداً في الدول الغربية التي تلتزم معايير الـ (FATF)؟
سادساً- ما دام مصرف لبنان قادراً على تحصيل لائحة كاملة بأسماء المكشوفين على السياسة، فهذا يعني انّ عملية تجميد ودائع هؤلاء الموجودة في لبنان سهلة ومتاحة، بحيث تتمّ مصادرة كل وديعة، ولا يستطيع صاحبها، إذا كان من فئة الـ PEP، استعادتها الاّ أذا أثبت انّها اموال نظيفة مصدرها وراثة مشروعة، ام أرباح ناتجة من أعمال شرعية وقانونية. ومثل هذا الإجراء كفيل بحلّ مشكلة إعادة الودائع المصرفية الى أصحابها، وهو أسهل، لأنّه يتعامل مع وديعة موجودة في لبنان، بدلاً من «تكبير الحجر»، ومحاولة الوصول الى الأموال في الخارج. طبعاً، مثل هذه المهمّة لا يستطيع ان يقوم بها مصرف لبنان بلا قرار سياسي. وهنا تبرز مسؤولية السلطة السياسية، إذ يكفي ان يقرّر رئيس الحكومة، بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وبعد أخذ موافقة رئيس مجلس النواب، تنفيذ قرار «تنظيف» الودائع، وتجميد ما هو غير شرعي منها، حتى يتمّ الأمر. انّها مسؤولية 3 رجال في الدولة يمكن ان تقلب المشهد المالي رأساً على عقب.
في كل الأحوال، قد تصبح كل هذه التساؤلات بلا جدوى، إذا ما تبين انّ الهدف الحقيقي من قرار هيئة التحقيق في مصرف لبنان هو إبراء الذمة، وليس تنفيذ الشق المتعلق بالـ PEP. إذ يبدو انّ الهدف الحقيقي يرتبط بإظهار حسن النيات تجاه مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تقوم حالياً، وحسبما ذكر بيان الهيئة في معرض حديثه عن تنفيذ التعميم 154، بتقويم منظومة مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب في لبنان، والتي تشمل تقويم فاعلية وآليات عمل كل الجهات المعنية ضمن الدولة، ومنها الجهات التنظيمية والرقابية وجهات إنفاذ القانون. وهذا يعني انّ التقويم سيشمل مصرف لبنان، ودوره في مكافحة تبييض الأموال. وبالتالي، وعلى طريقة «اذا عُرف السبب بطُل العجب»، يبدو انّ الهدف الأول والأخير من قرار هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، هو إبراء ذمّة المركزي أمام المجموعة الدولية، وترك الدولة ومؤسساتها لتقلّع شوكها بيديها.
انطوان فرح