خطة التعافي الى الواجهة: ما مصير المودعين؟

مع استئناف لجنة المال والموازنة عملها وعلى جدول أعمالها أوّلاً التشريعات المتصلة بخطة التعافي مثل مشروع الموازنة ورفع السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف وغيرها، عادت بنود خطة التعافي التي أقَرّتها الحكومة بعد التفاوض مع صندوق النقد الدولي الى الواجهة، وبدأت الملاحظات حولها والاعتراضات عليها تصل تِباعاً الى مجلس النواب.

تعتبر المصارف انها ليست مسؤولة لوحدها عن الأزمة، لكي تُحَمّل الجزء الاكبر من الخسائر المالية وتحميلها بالتالي الى المودعين، مع العلم انّ حماية صغار المودعين ومعاقبة كبار المودعين كما تنص عليه الخطة، لم تلقَ تأييداً من أي جهة كانت واعتبرت غير منصفة في حقهم كون الدولة هي الدائن الاكبر وعليها تحمّل أكبر نسبة من الخسائر يليها مصرف لبنان فالمصارف.

في هذا الاطار، أوضح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود انّ الحكومة تسعى الى كسب «رضى» صندوق النقد الدولي من خلال صياغة خطة التعافي، لأنها لا تملك خياراً سوى جذب العطف الدولي عبر صندوق النقد الذي يعتبر بوابة العبور الى الاسواق المالية العالمية، مشيراً لـ«الجمهورية» الى انّ الدول تلجأ الى صندوق النقد الدولي بعد «خراب بصرة» اي بعد ان تصبح في حالة غير منتظمة وفي عجزٍ تام عن إتمام الاصلاحات المطلوبة لعودة انتظام الدولة.

ولفت حمود الى ان الاصلاحات المطلوبة مكلفة إن على الصعيد السياسي او المعيشي او الشعبوي، وليس صندوق النقد الدولي على خطأ في شروط الاصلاحات المطلوبة، «لأن الاصلاح ضروري بغضّ النظر عن حاجتنا للصندوق». ولكن الأزمة التي يمرّ بها لبنان تختلف عن كافة ازمات الدول التي تعامل معها صندوق النقد، لأن مشكلة صندوق النقد الدولي مع اي بلد ساعَده في العالم، كانت مرتبطة بالمالية العامة والدين العام والموازنة حيث يتدخل الصندوق مطالباً بتنفيذ الاصلاحات من اجل انتظام المالية العامة والدين العام وميزان المدفوعات.

وقال حمود انه يؤيد كافة الاصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي لتصحيح المالية العامة ووضع الدين العام على مسار مُستدام، «لكنني لا أتوافق مع خطة الحكومة فيما يتعلّق بودائع الناس والقطاع المصرفي. وهذا ما لم يختبره صندوق النقد الدولي في اي دولة في العالم تعاني من تدهور القطاع المصرفي وضياع المال العام بسبب تعامل المصارف مع البنك المركزي. هذه ظاهرة لم تحصل في اي دولة في العالم، «أزمة لبنان فريدة من نوعها».

ورأى انّ اسلوب تعاطي خطة التعافي بالموضوع النقدي المصرفي مع صندوق النقد دولي يشوبه شوائب كبيرة جدّاً.

أضاف: كيف يمكن لحكومة ان تقول انها غير معنيّة بكبار المودعين بل فقط بحماية صغار المودعين؟ أي قطاع مصرفي يمكن ان يقوم من دون كبار المودعين؟

وكيف ستُعاوِد جَذب الودائع إن لم تَحم كبار المودعين؟

وتابع: بكل وقاحة يقولون انّ مَن حوّلَ أمواله من الليرة الى الدولار بعد 17 تشرين غير مؤهّل eligible لحماية ودائعه. ألا يدرك هؤلاء انّ تلك الودائع كانت بالدولار أساساً وتم تحويلها الى الليرة بسبب الاغراءات والفوائد المرتفعة التي كانت تمنحها المصارف والبنك المركزي؟

وسأل: بأيّ حق تقوم خطة الحكومة بالتمييز بين المودعين؟ ماذا عمّن سحب امواله او سدّد من خلالها قروضاً مصرفية على سعر صرف الـ1500 ليرة، هل يجب ان يعيدها أم انه مُعفي؟

وفيما اعتبر حمود انّ خطة الحكومة ليست بالمستوى المطلوب، اشار الى انه يجب اعادة تكوين قطاع مصرفي سليم وليس اعادة هيكلة القطاع المصرفي، لأنه لا يمكن ان نتعاطى بالاطار المالي الاقتصادي والنقدي والمصرفي قبل ان نُعيد تكوين قطاع مصرفي حقيقي يشعر المودعين الحاليين بالطمأنينة حول إمكانية استرداد اموالهم ولو بعد فترة، «وهذا الامر لا يرتبط بضمانة ولا بِرَهن عقاري او صندوق سيادي لأنّ جميعها «كذبة».

وأوضح انّ الحلّ البديل هو تكوين مصارف سليمة good banks برساميل جديدة وفقاً للقوانين الجديدة والتشريعات الجديدة تستقطب شركاء اقليميين ودوليين.

«لا نستطيع التسليم بأنّ المصرف الذي لا يقوم بأعمال التسليف ولا يسدد للمودع امواله ولا يلتزم بالنسَب المالية والمعايير الدولية هو مصرف قابل للاستمرار محلياً ودولياً. ولكي يعود المصرف مصرفاً صحيحاً يجب ان يعتمد اصول العمل المصرفي من ربحية وسيولة ومَلاءة ورافعة وحوكمة. ولكي ندفع بالمصارف الى الالتزام الكلي بالمعايير من خلال السلطة الناظمة اي مصرف لبنان، يجب إزالة الاسباب الآتية من السلطة الناظمة ليعود البنك المركزي سلطة نقدية وسلطة ناظمة بيدٍ حرة مطلقة ويعود المصرف مسؤولاً وملتزماً بالمعايير الدولية من دون اعفاءات او مرونة».

اضاف: «لأجل ذلك، يكون الحل ان يقوم مصرف لبنان بتأسيس مصرف محلي ليس له رابط دولي يقوم بشراء ودائع الافراد والمؤسسات والشركات غير المالية من المصارف بالعملة الاجنبية مع سجل حركتها منذ 2019 باستثناء الودائع الجديدة، ويحرّر المصارف من الاعباء وخطر التعرض لحالات التوقّف عن الدفع. بالطبع هذا التحرر لا يعني عطاء مجانياً بل تدفع المصارف كلفته التصحيحية، ويُصار الى تغطية هذه الودائع المحولة من خلال تَملّك المصرف الجديد موجودات المصارف وفقاً للسلم التالي:

– ايداعات المصارف لدى المراسلين باستثناء صافي الودائع الجديدة.

– سندات اليوروبوند وفقاً للقيمة الدفترية.

– صافي الودائع لدى مصرف لبنان بالعملة الاجنبية على اساس القيمة الحالية بما فيها التوظيفات الالزامية.

– الاصول العقارية تحت المادة 153 و154 والعقارات بالتخصيص بالسعر العادل او الدفتري أيّهما اعلى.

– العجز يغطّى بقرض من المصرف الجديد.

– يبقي المصرف محفظة القروض بكافة العملات والودائع بالليرة ويكوّن مراكز خدمة لعمليات التصفية للمصرف الجديد.

– يلتزم المصرف ان يقوم خلال سنة بما يلي:

أ – تسديد العجز لصالح المصرف.

ب – ضخ رأسمال جديد بنسبة 10 % من الاصول على ان لا تقل عن 100 مليون دولار.

ج – الالتزام بنسبة ملاءة 18 %، نسبة سيولة 150 %، رافعة مالية 10 % وحَوكمة تفصل مجلس الادارة عن الادارة التنفيذية.

د – عدم السماح بتكوين مركز قطع مدين او تجاوز المركز الدائن الموقوف بتاريخ التحويل.

ه – كل من يتخلّف تُشطب رخصته ويُصار الى تصفيته قضائيا وفقا للقانون 2 / 67 او ذاتياً من خلال تملّك البنك الجديد للموجودات وابقاء اعضاء مجلس الادارة مسؤولين عن العجز.

و – يحافظ مصرف لبنان على الاحتياطي الأجنبي ومخزون الذهب لغاية سداد الودائع ويمكن استعمال العقارات العائدة له لتخفيض حساب البنك الجديد في دفاتره.

الطاقة على مفترق طرق: تغير الأولويات

صدر عن دورية «فورين أفيرز» مقال يشرح بإسهاب التحولات الكبرى في أولويات سياسات الطاقة على ضوء حرب أوكرانيا، بالذات بروز أولويات الحرب وأمن الطاقة المحلي لتشارك أهمية التغير المناخي.
تمت كتابة المقال من قِبل جاسون بوردوف، مساعد الرئيس باراك أوباما لشؤون الطاقة والتغير المناخي في مجلس الأمن القومي الأميركي خلال عهد الرئيس أوباما ومؤسس ورئيس مشارك لمركز دراسات سياسات الطاقة الدولية في جامعة كولومبيا؛ وميغن أوسيلفان أستاذة العلاقات الدولية في معهد كيندي في جامعة هارفرد وكاتبة في شؤون الطاقة.
لماذا مفترق طرق؟ لقد حولت الحرب أولويات الدول والرأي العام. فهناك مخاوف رجال الأعمال من احتمال اضمحلال نظام العولمة والولوج في مرحلة من الكساد التضخمي. ويتخوف الأكاديميون العودة إلى الحروب لحل النزاعات السياسية في ظل عودة الصراع الغربي – الشرقي من جهة وتقوية اواصر العلاقات ما بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى.
كما تراجع معظم الدول، على ضوء الحرب، مختلف سياساتها: التجارية والموازنات والتحالفات العسكرية.
وضع بند أمن الطاقة ضمن أولويات الساسة، إلى جانب مكافحة التغير المناخي.
ومن المتوقع، أن يشكل هذان البندان تحولاً في تطلعات الدول نفسها؛ إذ ستولي الدول اهتماماً أكثر بمشاكلها الداخلية والمحلية، كما ستولي الاهتمام والأولويات لإنتاج الطاقة المحلي والتعاون الإقليمي خلال المسيرة المرحلية لتحقيق تصفير الانبعاثات.
سيؤدي هذا التحول في الأولويات والاهتمامات إلى انكماش الدول في تكتلات جغرافية وسياسية. الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تفكك عصر تحالفات الطاقة العالمية القائم حالياً.
السؤال «كيف ستتجاوب الدول مع التحديات الجديدة الناتجة من غزو روسيا لأوكرانيا؟ فمن خلال هذا التجاوب سيتبلور نظام الطاقة الجديد لعقود مقبلة».
تشكل النتائج المترتبة على الحرب: انهيار العولمة وبروز القومية الاقتصادية؛ وغموض نظام الطاقة المقبل لكثير من المراقبين. كما يتوقع تضخم دور الحكومات في قطاع الطاقة الجديد بحجم وشكل غير مسبوق.
فبعد أربعة عقود من المحاولات والسياسات لتخفيض دور الحكومات في قطاع الطاقة، نجد اليوم أن الحكومات الغربية تعترف بالحاجة إلى لعب دور واسع في جميع مراحل الطاقة من تشييد البنى التحتية للوقود الأحفوري، إلى تبني السياسات الدقيقة للتأثير على شركات الطاقة لتقليص الانبعاثات من خلال تسعير الكربون، ومراجعة مدى الدعم الحكومي للشركات لتبني الطاقات المستدامة، وتحديد القواعد والمقاييس التي يتوجب تبنيها في إنتاج الطاقة.
يتوقع الكاتبان أن تتحول أزمة الطاقة الناتجة من الحرب إلى «أسوأ أزمة طاقة منذ نصف قرن»، لكن هناك فروقاً مهمة عن أزمة الطاقة في السبعينات. إذ يعتمد الاقتصاد العالمي اليوم على كثافة طاقة أقل. فقد سبق النمو الاقتصادي نمو استهلاك الطاقة، بحيث إن العالم يستعمل اليوم طاقة أقل لكل وحدة من ناتج الدخل القومي.
كذلك، تزايد كثيراً عدد الشركات في أسواق النفط عن الماضي من ثم يتم توزيع النفط اليوم من قِبل شركات عدة، وليس حفنة منهم، كالسابق.
والأهم، أن أزمة الطاقة الحالية أبعد وأهم بكثير من النفط. فانعكاساتها أوسع على الاقتصاد. فالحرب تضع بصماتها على مختلف أنواع الطاقة؛ مما سيخلق فوضى كبرى. فروسيا ليست فقط واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط الخام والمنتجات البترولية عالمياً، لكن هي أيضاً أهم مصدر للغاز الطبيعي لأوروبا، كما أنها مصدرة مهمة جداً للفحم الحجري واليورانيوم المنخفض التخصيب الذي يستعمل لتوليد المحطات النووية، هذا بالإضافة إلى سلع تجارية أخرى.
لقد ارتفعت أسعار الفحم والبنزين والديزل والغاز الطبيعي وسلع أخرى، من ثم ستؤدي عراقيل أخرى لإمدادات الطاقة الروسية، إما بمبادرات روسية أو أوروبية، إلى التضخم، والكساد، وتوزيع الطاقة من خلال نظام الحصص التموينية، وإغلاق بعض الشركات.
عانى نظام الطاقة العالمي من الضغوط قبل الحرب. فقد واجهت أوروبا ومناطق أخرى تحديات عدة للحصول على طاقة كهربائية وافية. فقد كانت إمداداتهم الرئيسة من الكهرباء تأتي من إمدادات متقطعة من طاقة الشمس والرياح.
كما عانت بعض شركات الكهرباء سنوات من الخسائر والضغوط المترتبة لمكافحة التغير المناخي، بسبب تخفيض الاستثمارات في الصناعات الهيدروكربونية؛ مما أدى إلى تقليص الامدادات.
وأدى كذلك التأخير والتعديل في سلسلة الإمدادات التجارية العالمية بسبب جائحة «كوفيد – 19» إلى الشح في بعض السلع والضغوط على الأسعار. ففي عام 2021 وأوائل 2022، أدى ازدياد الطلب الضخم للغاز والارتفاع العالي للأسعار إلى إفلاس بعض شركات الطاقة وإجبار الحكومات زيادة دعمها لقطاع الكهرباء.
وكان من المحتمل أن تسوء الأمور لولا ارتفاع درجات الحرارة في حينه إلى أكثر من المعتاد؛ مما ساعد أوروبا وآسيا على تقليص الطلب قليلاً.
ساءت الأمور أكثر منذ نشوب الحرب. فتقلصت إمكانيات توفير القروض؛ مما قلص بدوره السيولة اللازمة لتجارة النفط؛ مما أدى بدوره إلى تحديات بالغة الصعوبة، منها ارتفاع أسعار النقط والغاز إلى معدلات عالية جداً.
رغم كل هذا، فالأسوأ قد لا يزال أمامنا. فالطلب على النفط قد يرتفع مع التخلص من الجائحة في الصين وإنهاء الإغلاقات التامة هناك.
ورغم أنه من الصعوبة تصور حظر أوروبي شامل على النفط والغاز الروسي، فإن الاحتمال وارد. لقد فاز الفحم في هذه المعركة. فالصين بصدد زيادة إنتاجها للفحم الحجري.
والاقتراح، في ظل الأزمات المتتالية، إعادة تقييم الدروس المستخلصة. دور الحكومات والقطاع الخاص، فالاعتماد على قوى السوق قد حافظ على توفير الإمدادات بأسعار معقولة طوال الـ40 سنة الماضية.
لكن الأزمة الحالية تستدعي دوراً أكبر للحكومات «لتجنب بعض إخفاقات السوق». ومن المتوقع في نظام الطاقة المقبل أن يكون «دور وتدخل الحكومات بحجم غير مسبوق في التاريخ المعاصر».

وليد خدوري