الممثل الأميركي المشهور مات ديمون سوّق في 28 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي للعملات المشفرة، في إعلان مدفوع لموقع Crypto.com. وقرن ديمون الاستثمار بالعملات المشفرة بأحداث وشخصيات غيّرت مجرى العالم مثل اختراع الطائرة، واستكشاف الفضاء، في رسالة واضحة إلى أن المخاطرة تؤتي أُكلها، وأن الطموحات تحتاج للإقدام، مختتماً الإعلان بمقولة «الثروة تفضّل الشجعان». ما لم يذكره ديمون أن المخاطرات غير المدروسة تُفقر كذلك، فمن انساق خلفه في هذا الإعلان المدفوع خسر إلى اليوم أكثر ثلثي استثماره، ففي تاريخ الإعلان كان سعر «بتكوين» أكثر بقليل من 60 ألف دولار، وانخفضت الآن إلى مستويات دون 20 ألف دولار.
والدروس هنا واضحة، وإن كان الكثير لا يحب الاستماع لها، وهي لا تتعلق بأي حال بأسواق العملات المشفرة فحسب، بل تشمل الاستثمار بشكل عام. أول هذه الدروس هو عدم الانسياق خلف هذه الإعلانات لأسباب منها أن أمثال ديمون لا يفقهون في الاستثمار البتة. فإسداء النصائح في الاستثمارات التقليدية (مثل أسواق الأسهم) صعب للغاية على المتخصصين، حتى مع وجود بيانات تاريخية ومنمذجة اقتصادياً توضح سلوك السوق والمستثمرين وتقارنه بعدد ضخم من العوامل الاقتصادية والسياسية وغيرها. إن كان هذا هو الحال في أسواق الأسهم، فماذا عن العملات المشفرة وهي التي لم يتضح حتى الآن سلوكها، وهي التي تتأثر بتغريدة من إيلون ماسك!
ثانيها أن الاستثمارات الخطرة لا تناسب الجميع واتّباع المشاهير فيها مغامرة، فالمشاهير يملكون أموالاً طائلة (تبلغ ثروة ديمون 170 مليون دولار)، ونسبة استثماراتهم الخطرة قد لا تُذكر من محفظة استثمارية ضخمة يملكونها، وفي حال خسارة هذه النسبة فهم يتقبلونها بالنظر إلى مدى خطورة الاستثمار. هذا الأمر قد لا ينطبق بكل حال على صغار المستثمرين الذين باندفاعهم قد يضخّون أموالاً قد تسوء حياتهم إن خسروها.
ثالثها أن هذه الإعلانات مدفوعة الثمن، والنصوص المكتوبة فيها مدروسة بعناية، ويحفظها المشهور عن ظهر قلب تماماً كما يحفظ نصوص الأفلام والمسلسلات، لتوضح وجهة نظر المُعلن. والشركات المعلنة تحرص على أن تقال هذه الكلمات من المشاهير لقبولهم وتأثيرهم لدى الناس. وأوضحت دراسة نُشرت هذا الشهر أن المستثمرين في أسواق الأسهم يتأثرون بشكل كبير بإعلانات المشاهير، ويعدّون هذه الإعلانات إشارات من الشركات إلى مستقبل الشركة. ولذلك فإن التشريعات المالية في الكثير من الدول تمنع هذا النوع من الإعلانات للشركات المدرجة. فإذا كان الأمر كذلك في أسواق الأسهم وهي التي تحكمها القوانين لحماية المستثمرين، فماذا عن العملات المشفرة التي تكاد تنعدم فيها قوانين حماية المستثمر.
رابعها، إدراك ما في هذه الإعلانات من تعارض للمصالح، فالإعلان عن منتج يختلف تماماً عن الإعلان عن استثمار، ففي الأول يحصل المشهور على ثمن الإعلان دون أي مكاسب أخرى على الأغلب، أما في الإعلان عن الاستثمار فإن المشهور قد يستفيد من ضخ أموال المتأثرين بهذا الإعلان، ولو اشترى المشهور العملة المشفرة أو السهم قبيل الإعلان وكان أثر الإعلان إيجابياً فإنه سيستفيد بكل تأكيد من ارتفاع سعر العملة أو السهم. ولذلك فإن الكثير من الدول تفرض على المشاهير الإفصاح عن المصالح قبل الإعلان، كانت الهند آخر هذه الدول حيث أقرت هذا الإفصاح الأسبوع الماضي ضمن إصلاحات قوانين حماية المستهلك.
خامسها أن الإعلانات عن الاستثمارات محط شك في الكثير من الحالات، فتباين المعلومات بين المستثمرين هو أحد أهم أسباب تحقيق الأرباح، ولو كانت المعلومة متوفرة لجميع المستثمرين لاختلفت الربحية كثيراً. والفرص الاستثمارية لا تتوفر معلوماتها في الإعلانات المصوّرة، ولا يتم تلميعها كما حدث في إعلان ديمون.
الإعلانات قوت المشاهير، وفيما غصّت مواقع التواصل الاجتماعي بالشماتة بالممثل ديمون، موضحين أن من أخذ بالإعلان خسر ثلثي استثماره. فإن ديمون قد قبض بالفعل ثمن الإعلان، ولم يتضرر من انهيار العملات المشفرة إلا إذا كان قد استثمر فيها بالفعل. وفيما قد تعود العملات المشفرة للارتفاع مرة أخرى، مظهرةً ديمون في موقف المنتصر، فإن هذا الانتصار معنوي لا يغيّر شيئاً في حقيقة أن من أخذ بنصيحته خسر الكثير من المال. والأمر لا يتعلق بانخفاض أو ارتفاع العملات المشفرة، فهذه تقلبات السوق التي تحدث بين الحين والآخر والتي ينتفع منها مستثمرون ويخسر منها آخرون. بل يتعلق بالاستفادة من هذا الدرس الذي وضّح أن إعلانات المشاهير يجب ألا تكون أبداً عاملاً للدخول في الاستثمارات.
د. عبد الله الردادي