منذ بداية عام 2022، لا يزال الدولار الأميركي عند أعلى مستوياته منذ عام 2000، فقد ارتفع بنحو 22% مقابل الين الياباني، وبنسبة 13% أمام اليورو، وبنسبة 6% مقابل عملات الدول الناشئة. ومما لا شك فيه، تسبب ارتفاع الدولار في تداعيات اقتصادية ملحوظة على أغلب دول العالم مع الأخذ في الاعتبار هيمنة العملة الأميركية على حركة التجارة الدولية.
وبرغم تراجع حصة الولايات المتحدة في صادرات البضائع العالمية من 12% إلى 8% منذ عام 2000، إلا أن حصة الدولار في الصادرات بلغت 40%.
وفي ظل معاناة الدول من ارتفاع التصخم، فإن ضعف عملاتها مقابل الدولار أدى لتفاقم المشكلة خاصة في الاقتصادات الناشئة التي تعتمد على الواردات بالعملة الأميركية.
ويتردد صدى ارتفاع الدولار أيضاً في موازنات الدول نتيجة الاقتراض وإصدار السندات الدولارية، وهو ما يعني تراكم الديون على كاهل الدول النامية والناشئة، وبالتالي، زيادة حالات التعثر في السداد.
ماذا يحدث؟
لا يجب إغفال تعرض العالم لبعض الصدمات المتتالية أبرزها جائحة كورونا وما تسببت فيه من تعطل في سلاسل الإمداد والتوريد وضعف نشاط الاقتصاد العالمي.
كما أن الصدمة العنيفة التي تلقاها العالم بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا وما ارتبط بها من أزمة نقص موارد الطاقة أدت إلى المزيد من الضغوط على كاهل الاقتصاد العالمي.
وبالتزامن مع ذلك، يعاني العالم أيضاً من زيادة مطردة في معدلات التضخم تطلبت سياسات تشديد نقدي بلجوء البنوك المركزية وعلى رأسها الاحتياطي الفدرالي الأميركي إلى رفع الفائدة عدة مرات لكبح جماح التضخم.
كل ذلك أدى بالتبعية إلى تقوية مراكز الدولار الأميركي في الأسواق العالمية باعتباره أحد الملاذات الآمنة.
وبالنظر إلى الجانب المشرق، فإن ارتفاع التضخم، أي زيادة أسعار السلع والخدمات، قد يقلل الواردات مما يساعد بدوره في الحد من تراكم الديون الخارجية.
كيف يمكن التصدي لقوة الدولار؟
في الأوقات المماثلة للظروف الحالية، تلجأ بعض الدول إلى التدخل في سعر الصرف بدعم عملاتها أمام الدولار، لكن ذلك يلتهم من احتياطياتها النقدية الأجنبية التي تحتفظ بها في أوقات الضرورة.
ويرى خبراء أن التدخل في سعر الصرف لا يجب أن يكون بديلاً عن إحداث تعديلات في سياسات الاقتصاد الكلي وأن يكون التدخل مبرراً ومؤقتاً لعدم التسبب في حالة من عدم الاستقرار المالي أو أضرار في قدرة البنوك المركزية بشأن الحفاظ على استقرار الأسعار.
كما يجب استخدام السياسة المالية لدعم الفئات الأكثر ضعفاً دون تعريض أهداف التضخم للخطر، وهناك حاجة أيضًا إلى خطوات إضافية لمعالجة العديد من مخاطر الركود التي تلوح في الأفق.
الأهم من ذلك، أننا قد نشهد اضطرابات أكبر بكثير في الأسواق المالية ، بما في ذلك فقدان مفاجئ في الشهية لأصول الأسواق الناشئة مما يؤدي إلى تدفقات كبيرة لرأس المال إلى الخارج، حيث يتجه المستثمرون صوب الأصول الآمنة.
وفي هذه البيئة الهشة، من الحكمة تعزيز المرونة. على الرغم من أن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة قامت بتخزين احتياطيات الدولار في السنوات الأخيرة، مما يعكس الدروس المستفادة من الأزمات السابقة ، فإن هذه الاحتياطيات محدودة ويجب استخدامها بحكمة.
بالتبعية، يجب على البلدان الاحتفاظ باحتياطياتها من العملات الأجنبية الحيوية للتعامل مع الأزمات والاضطرابات التي يحتمل أن تكون أسوأ في المستقبل، وكذلك وضع سياسات لإدارة الديون لتسهيل أوضاع السداد.