أخطاء معرفية مضرّة بالاقتصاد اللبناني

الأزمة التي يمر بها #لبنان لم يشهد ما يماثلها في تاريخه منذ الاستقلال حتى اليوم، والتعليقات الكثيرة من معلقين سياسيين واختصاصيين اقتصاديين تضيف الى مناخ اللاقرار أبعاداً مخيفة.
نريد أن نعرض في هذا المقال أخطاءً شائعة أصبحت تمثل قناعات اللبنانيين العاديين غير الملمّين بالشأن الاقتصادي.
أولى هذه الشائعات وأسوأها أن الدخل القومي أصبح على مستوى 22 مليار دولار أي ما يساوي 40% من مستوى الدخل القومي المقدَّر عام 2018 بـ55 مليار دولار.

سبب الخطأ في التقدير يعود الى أن دراسة الإحصاءات الحيوية لا يجريها معلقون سياسيون كما لا يحتسب الاقتصاديون حجم الاقتصاد غير الرسمي وتأثيره على مستويات الدخل وعلى مستويات الكفاية وكيف يمكن حقيقةً إنجاز تقدير للاقتصاد غير الرسمي، ونحن نقدّره بنسبة 30% من الدخل القومي لأن هذا الاقتصاد يشمل اقتصاد إنتاج وتجارة المخدرات، يشمل استيراد وتصدير #المشتقات النفطية على مدى سنتين أو ثلاث ودعم هذه المستوردات ومن ثم تصديرها الى سوريا، وقد أعطينا في مقال سابق عن تقدير حجم تسريب المشتقات استناداً الى الإحصاءات العامة غير القابلة للتلاعب الرقمي. فمستوردات لبنان من المشتقات بلغت عام 2013 حوالى 4.8 مليارات دولار، وعام 2014 بلغت 8.8 مليارات دولار، ولم يكن هناك مبرّر لارتفاع أسعار المشتقات في ذلك التاريخ يفسّر هذه الارقام، وقد أشرنا إليه في جلسة مع خبراء البنك الدولي وتمنينا على ممثلهم في السنتين المذكورتين أن يستوحي من كبار تجار المشتقات أسباب التفاوت، وحينما استعلم خبراء البنك الدولي عن السبب بلغهم الجواب بأن الفارق في الأسعار يعود الى استمرار استيراد الكميات ذاتها ومن ثم تصدير 35-40% منها الى سوريا.

 

إضافة الى تسريب المشتقات المدعومة حينذاك الى سوريا، الضغط على ميزان المدفوعات اللبناني كان كبيراً لاستيراد الكمّيات ذاتها لكن العائد من بيع نسبة 30-40% لم يتوافر للبنان وإن كان جزء منه توافر لأن أحد كبار تجار النفط في سوريا كان يملك 20% من أسهم بنك في لبنان كان يتفاخر كل سنة بأنه البنك الذي يفتح أكبر الاعتمادات لاستيراد النفط.

اليوم نشاهد مظاهر التلاعب في الأرقام عبر برامج مخصصة لبحث الشأن الاقتصادي. معلوم أن محطة MTV أصبحت بتنوّع برامجها الأولى على صعيد الإعلام المرئي والمسموع، وأصحاب المحطة يبادرون الى مساندة الشأن العام بحملات التبرّع للمصابين بأمراض تستوجب العلاج في الخارج ويسهمون مع وزارة الاشغال بطمر الحفر التي تضر بالسيارات وتعوق حركة السير.

لقد أدخلت الـMTV برنامجاً اقتصادياً تقدّمه لفترة 5 دقائق كل يوم سيدة محتشمة أنيقة الثياب وحركة اليدين تحاول تبيان أسباب تردي الاقتصاد، وهي لا تعلم عن الاقتصاد سوى ما يسطره لها موظفو المحطة وبالتالي تقع في أخطاء تضر بالسامعين وصاحبة البرنامج. فعلى سبيل المثال قبل فترة قريبة أوردت أرقاماً عن المستوردات وأرقاماً عن الصادرات والتفاوت بينهما، ومن هنا استنتجت أن الدخل القومي انحسر بقوة، وكأن المستوردات والصادرات تشكلان عناصر تحديد الدخل القومي، وهي تجاوزت تأثير نفقات القطاع العام التي توازي 70% من الرقم الذي وفرته للدخلالقومي. وفي الوقت ذاته لم تتذكر أو هي تجاوزت ذكر تأثير التحويلات المالية والاستثمارية التي كانت دائماً السند الاساسي للاقتصاد اللبناني.

مؤخراً تناولت أرقام صندوق الضمان الاجتماعي وقد بادرت الى القول إن موارد الصندوق تتحصّل من الاشتراكات التي يدفعها أرباب العمل عن عمالهم، والجزء الذي يتوافر من العمال، ولم تشر الى أن الدولة مجبرة على تغطية نسبة ملحوظة من أكلاف فرع المرض والامومة الذي هو الفرع الاكبر في عدد المنتسبين إليه، كل ما قالته أنه يستحق على الدولة 5000 مليار ل.ل دون أن تذكر أن هذه اشتراكات أساسية من نظام الضمان ودون أن تذكر أن فرع المرض والامومة يغطي حوالى 1.5 مليون لبناني ولبنانية فيما تعويضات نهاية الخدمة لا تغطي أكثر من 150 ألف لبناني ولبنانية.

إن تعليقات من النوع المشار إليه بالغة الضرورة لأنها لا تبيّن حقيقة الالتزامات المالية ونسبة المستفيدين منها، والأمر المثير للعجب إدخال البرنامج وكأنه طُوّر لتغطية نقص في الإعلام الاقتصادي علماً بأن محطة MTV لديها أفضل مقدمة للشؤون الاقتصادية في لبنان وكانت حصلت على خبرة كبيرة في العمل في تلفزيونات #الخليج العربي.
ولا ننسى أن برنامج مارسيل غانم يطرح أحياناً القضايا الاقتصادية الاساسية ويحوز عدداً من المعلقين، بعضهم يستحق السماع إليه والبعض الآخر يستحق المعاقبة بالإرسال الى كليات لتعليم شؤون الاقتصاد والاعمال… واللبناني المستمع يتحمّل شظايا أغلاط اللااقتصاديين.

مروان اسكندر

عيون الغرب على إندونيسيا

مع نمو الطلب على البطاريات حول العالم، لاستخدامها لتخزين الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة أو في السيارات الكهربائية، زاد الطلب على المعادن المستخدمة في تصنيع هذه البطاريات، ومنها الليثيوم والنيكل والكوبالت. الارتفاع في الطلب أعطى أهمية استراتيجية إضافية للدول ذات الموارد الطبيعية من المعادن. ومن هذه الدول إندونيسيا التي ينظر لها العالم الغربي نظرة مختلفة الآن لأهميتها الشديدة في إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية في العالم، وهي السيارات الكهربائية، والتي يدخل النيكل كأحد أهم العناصر المكوّنة لبطارياتها.
وإندونيسيا هي الدولة الخامسة عالميا في احتياطي النيكل، وهي أكبر مورد لهذا المعدن عالميا، حيث تملك 32 في المائة من السعة التعدينية في العالم. وتبلغ الحصة السوقية العالمية لإندونيسيا من النيكل المعالج نحو 12 في المائة، ولكن الحكومة ترغب في زيادة هذه النسبة، وذلك لزيادة القيمة المضافة لمواردها الطبيعية، ولذلك فقد أصدرت الحكومة قرارا جريئا في عام 2020، منعت بموجبه تصدير النيكل الخام غير المعالج، وذلك لدعم القدرات المحلية لمعالج النيكل، وجذب الشركات الأجنبية للاستثمار في إندونيسيا بدل تصدير المعدن الخام ومعالجته والاستفادة منه خارج إندونيسيا. ويتوقع بعد هذا القرار أن تزيد حصة البلاد من النيكل المعالج لتصير 23 في المائة بحلول عام 2025. وقد بدأت العديد من الشركات الاستثمار بالفعل في إندونيسيا، فتم تأمين استثمارات بقيمة 20 مليار دولار، منها 6 مليارات دولار من شركة كاتل الصينية، كما أعلن عدد من الشركات مثل (فوكسكون) و(إل جي) عن خطط لبناء مصانع بطاريات في إندونيسيا.
واهتمام العالم الغربي بإندونيسيا يأتي لعدة أسباب، أولها أن إندونيسيا دولة محايدة سياسياً، فرئيس إندونيسيا قد يكون هو الوحيد الذي قابل رؤساء أمريكا وروسيا وأوكرانيا والصين هذا العام! وعلى الرغم من استنكار إندونيسيا للعقوبات المفروضة على روسيا، فإنها لم تتصادم مع دول الغرب بهذا الشأن. كما أن موقع إندونيسيا الجغرافي المتميز يدعم موقفها كلاعب قوي في سلاسل إمداد السيارات الكهربائية، وذلك لقربها من الصين واليابان، وسهولة شحن المنتجات منها إلى الولايات المتحدة عبر المحيط. إضافة إلى ذلك، فإن إندونيسيا تبدو كذلك بديلاً مناسباً للغرب عن الصين التي تحتكر صناعة البطاريات بنسبة تبلغ 44 في المائة، ويتوقع أن تزيد خلال السنوات القادمة إلى 52 في المائة، مع انخفاض لحصص بريطانيا واليابان وفنلندا السوقية.
إذن فالغرب يريد أن تتفوق إندونيسيا في صناعات البطاريات حتى لا تكون الصين اللاعب الوحيد في صناعة تبلغ نسبة نموها السنوي 25 في المائة! ولكن الأمر ليس بهذه البساطة ، فالنيكل الموجود في إندونيسيا ليس عالي النقاوة، ولذلك فهو بحاجة إلى معالجة أكثر، هذه المعالجة تأتي من طاقة مولّدة من الفحم، عدو المناخ من وجهة النظر الغربية على الأقل. وعلى الرغم من أن نصف إنتاج النيكل المعالج عالمياً يأتي من هذا النوع من الطاقة، فإن العالم الغربي لا يريد دعم هذا التوجه بطريقة مباشرة، وهذا ما يجعل الشركات والحكومات الغربية مترددة في الاستثمار في البطاريات في إندونيسيا.
على الجانب المقابل فإن الصين تضخ الاستثمارات بشكل مستمر في إندونيسيا دون الدخول في التفاصيل التي تهم الغرب، وتشير الإحصاءات إلى أنه مقابل كل دولار تضخّه الشركات الأمريكية في السوق الإندونيسية، تضخ الشركات الصينية أربعة دولارات! وهذا يعني أن الصين بالفعل بدأت السباق نحو الثروة المعدنية الإندونيسية، بينما لا يزال الغرب متردداً بهذا الشأن محاولا دعم الطاقة النظيفة في إندونيسيا، ثالث أكبر منتج للفحم على مستوى العالم!
إن معرفة إندونيسيا بأهمية مواردها الطبيعية يعطيها قوة لا يستهان بها، فلا غنى للعالم عن النيكل إذا أراد الاعتماد على السيارات الكهربائية في المستقبل، ولذلك اتخذت القرار بمنع تصدير النيكل الخام، على الرغم من اتهام هذا القرار بالشعوبية. ولو استمرت إندونيسيا بهذه الاستراتيجية فإن الاستثمارات الأجنبية ستنهال عليها بكل تأكيد، مما قد يجعلها أحد أكبر عشر اقتصادات بالعالم. أما العالم الغربي فإنه يواجه معضلة في الوقت الحالي بشأن الاستثمار فيها، فهو إن استثمر اتهم بازدواجية المعايير لتصنيع بطاريات للسيارات الكهربائية الصديقة للبيئة باستخدام الفحم الملوث لها، وإن لم يستثمر فإن الصين ستسبقه بلا شك لهذه الصناعة الاستراتيجية، وقد تتضح نتيجة هذا القرار في المستقبل القريب، بعد أن أظهرت الحكومة الإندونيسية رغبتها في أن تنشئ شركة (تيسلا) الأمريكية مصنعا للبطاريات في البلاد.

 

د. عبد الله الردادي