ماذا يحدث للشركات التقنية في عام 2022؟ فالخسائر تتوالى عليها، وتخفيض التكاليف مستمر، ما بين فصل للموظفين وإيقاف للمشروعات. فمنذ عام 2008، وأرباح هذه الشركات مستمرة، ونموّها قياسي مقارنة بنمو الشركات التقليدية، حتى إن شركة «تيسلا» خلال أقل من 15 عاماً تفوقت بقيمتها السوقية على «فورد» ذات المائة عام! ولكن ما يحدث الآن أمر مختلف، فالشركات التقنية تعاني، وقد تكالبت عليها ظروف كثيرة، بدأ بعدها البعض بالتفكير فيما لم يكن متوقعاً على الإطلاق من قبل، وهو أن هذه الشركات يمكن بالفعل أن تفشل وتسقط.
وما يحدث للشركات التقنية ليس بالأمر البسيط، ففي الشهر الماضي، أصدرت «فوربس» تقريراً وضّحت فيه أن مجموع خسائر 7 شركات تقنية في السوق الأميركية بلغ أكثر من 4 تريليون دولار، هذه خسائر القيمة السوقية لشركات «ميتا» و«نتفليكس» و«مايكروسوفت» و«أبل» و«تيسلا» و«أمازون» و«ألفابت». كانت «ميتا» هي أكبر الخاسرين خلال هذا العام، حيث خسرت نحو 70 في المائة من قيمتها السوقية، وجاءت بعدها «نتفليكس» بخسارة نصف قيمتها السوقية، وكان أقل الخاسرين «من ناحية النسبة» هي «أبل» بنحو 15 في المائة من قيمتها السوقية، وهو رقم ضخم لشركة هي الأكبر في العالم من ناحية القيمة السوقية!
أبرز ما حدث للشركات التقنية هذا العام هو انخفاض الإعلانات، وهو مدفوع بعدة عوامل، أولها ما حدث من تنظيم القطاع التقني في أوروبا وغيرها، مثل نظام الخدمات الرقمية، وهي أنظمة تهدف إلى زيادة حماية بيانات المستهلكين. بسبب هذه الأنظمة، خسر كثير من الشركات إعلاناتها الموجّهة التي كانت تستهدف مستهلكين ذوي سلوكيات محددة. وفي صيف العام الماضي، بدأت شركة «أبل» تقييد قدرة المعلنين على تتبع سلوك المستخدمين بتقديم ميزات خصوصية جديدة لمستخدمي نظامها التشغيلي. وقد تأثرت شركتا «ميتا» و«سناب» بشكل كبير بسبب اعتمادهما هذه الأدوات، وقد أعلنت «ميتا» أن العوائد في الربع الرابع من نفس العام انخفضت بنحو 10 مليارات دولار بسبب هذه التغييرات! وقد بدأت «غوغل» بعدها بتغيير نظامها الإعلاني، المعتمد على ملفات الارتباط، حتى لا تتأثر هي في المستقبل.
كذلك تأثرت الشركات التقنية بدخول المنافسين في السوق، ولعل أكبر هؤلاء المنافسين «تيك توك»؛ حيث بدأت الشركات الأميركية بتقليد أنظمة الفيديو التي يتبعها «تيك توك» بسبب ما لاقته من رواج هائل بين المستخدمين، مثل فيديو «الإنستغرام» و«يوتيوب شورتس» حتى «تويتر» بدأت في تقليد هذا النموذج مؤخراً. ولكن هذه النماذج تحتاج إلى وقت حتى تنضج ويلتفت لها المستخدمون بشكل يجعلها جذابة للمعلنين، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
والإعلانات هي قوت الشركات التقنية؛ حيث تشكل الإعلانات 81 في المائة من دخل «ألفابت» وحدها، أي أن أي انخفاض في الإعلانات قد يؤثر عليها. وما حدث أن خيارات المعلنين أصبحت متعددة، وكثير من الشركات التي كانت تعلن لدى الشركات التقنية أنشأت قنوات خاصة بها للإعلانات. ويتوقع أن يكون الإنفاق على الإعلانات على شبكات التواصل الاجتماعي نحو 65 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 3.6 في المائة، وهو نمو أقل 10 مرات على الأقل من نمو العام الماضي، بل إنه نمو يقارب نمو الإعلانات في وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفاز والإذاعة، ولا يبدو أن الشركات التقنية تحبذ أن توصم بأنها شبيهة بوسائل الإعلام التقليدية.
ولا يخفى أن الشركات تأثرت بالعوامل الاقتصادية خلال الفترة الماضية؛ حيث توقعت الشركات أثناء الجائحة أن الجميع سيهجر العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي، فاستثمرت كثيراً بناء على هذا التوقع، لكن العالم لم يتصرف كما كان متوقعاً، فعاد إلى العالم الحقيقي. كما أن الشركات التقنية تعودت خلال العقد الماضي على الديون منخفضة التكلفة، ومع زيادة الفائدة لم يعد بمقدورها الاعتماد على النقد الرخيص كما كان الوضع بالسابق.
إن الشركات التقنية، التي بُنيت أصلاً على الابتكار، تبدو مستكينة لنموذج الأعمال الذي وصلت إليه دون ابتكارات جديدة، ما جعل شركات أخرى تتفوق عليها. فأصبحت الشركات تعتمد بشكل كبير على الإعلانات التي تستند إلى ضعف في حماية المستخدمين، وهو أمر لم يكن غائباً عن أحد طيلة السنوات الماضية، والجميع كان على علم أن الحكومات تحاول تنظيم هذه الصناعة، بما فيه مصلحة للمستخدمين، سواء من حماية الخصوصية، أو منع خطابات الكراهية والمحتويات المسمومة المؤذية نفسياً. وحلّ هذه الشركات هو الابتكار نفسه، إن نظرت هذه الشركات إلى مشكلاتها الحالية على أنها فرصة لتغيير نماذج أعمالها، التي اتضح جدياً أنها لن تؤدى بنفس «رتمها» خلال العقد الماضي.
د. عبدالله الردادي