عندما وصل جون بيربونت مورغان إلى وول ستريت، كان يجول في خاطره مزيج من المصالح والتنافس في أحد أهم المراكز المالية في بلد لا يزال يكافح مع آثار الاستعمار، لكن عندما رحل عن السوق، صار هناك مجموعة قوية من الشركات الكبرى التي تقود الاقتصاد الأميركي – أحد أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم في ذلك الوقت.
ويرى البعض أن الكثير من التقدم والنجاحات المحققة في وول ستريت أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين ينسب فضله إلى تأثير جيه بي مورغان، فمن هو؟
الحياة المبكرة والتعليم
ولد مورغان في 17 أبريل نيسان عام 1837 في هارتفورد بولاية كونيتيكت، ولم يكن هناك شك كبير في أن مستقبله سيكمن في القطاع المصرفي، فقد كان والده، جونيوس سبنسر مورغان ، شريكًا في بنك يديره أميركي آخر، وهو جورج بيبودي.
نشأ مورغان وهو يعلم أنه سيحل محل والده، حيث يسافر من الولايات المتحدة إلى بريطانيا لبيع السندات الأميركية إلى مستثمري لندن، وكانت معظم هذه السندات عبارة عن عروض حكومية وفدرالية، وفي هذه الفترة من التاريخ ، كانت مخاطرة أعلى بكثير من السندات الحكومية من الدول الأوروبية.
ذعر عام 1907
كان مورغان من الشخصيات الجديرة بالاحترام في عالم المال والأعمال في الولايات المتحدة، وكان أيضاً شخصية مكروهة من البعض بنفس القدر في أوائل القرن العشرين.
ورغم ذلك، في عام 1907 عندما حدثت أزمة مالية عرفت باسم (ذعر 1907)، مد مورغان يده وساعد الحكومة الفدرالية ليقف الاقتصاد على قدميه.
بدأ الأمر في 25 مارس آذار من عام 1907 حيث بدأت بورصة نيويورك في الانهيار على خلفية موجة غير مسبوقة من البيع بسبب الهلع والخوف، وبدا للجميع أن كل شيء لم يكن على ما يرام في البورصة.
كان مورغان يبلغ من العمر وقتها 70 عامًا، شبه متقاعد وفي إجازة، وبحلول أكتوبر تشرين الأول 1907، كان من الواضح أن الأزمة تتفاقم، وفي 19 أكتوبر تشرين الأول، سافر مورغان إلى نيويورك لمحاولة تجنب الكارثة المالية.
واستخدم مورغان كافة اتصالاته برواد الأعمال والمصرفيين ذوي الصلة بالاقتصاد الأميركي، وقدم تمويلاتً لوزارة الخزانة الأميركية لضخها في وول ستريت والحفاظ على السيولة في السوق
من مكتبه، أرسل مورغان أشخاصاً حاملين رسائل إلى البورصات والبنوك للتنسيق والعمل على حل الأزمة بشكل عاجل، وبلغ الأمر إلى أن رجال الدين تمت دعوتهم لتهدئة الناس.
وبعد ذلك، عقد مورغان لقاءً في غرفة مغلقة مع جميع رؤساء الشركات والمصرفيين في مكتبه، وتمكن من إجبار جميع المعنيين بالاقتصاد الأميركي على الموافقة على خطة عاجلة.
بناء على تلك الخطة، سيضخ المشاركون في الاجتماع سيولة لدعم النظام المالي، مثلما تفعل الحكومة الفدرالية الآن في مواقف مماثلة، وحصلت هذه الخطة على موافقة رئاسية، وبموجبها، هدأ الخوف والهلع في السوق وعادت الأمور إلى طبيعتها.
وإدراكًا منها بأنه لا يصح أن يقوم مصرفي متقاعد بمفرده بإنقاذ النظام المالي ومعالجة كارثة مالية في الولايات المتحدة، تحركت الحكومة بسرعة لإصلاح الصناعة المصرفية وأنشأت نظام الاحتياطي الفدرالي لتجنب مثل هذه الأزمات في المستقبل، وقيل إن مورغان كان من بين من ضغطوا على الحكومة لإنشاء منظومة الفدرالي الأميركي.
لجنة Pujo
كان ذعر عام 1907 أفضل لحظات مورغان، وتلقى المديح بسبب جهوده ومساعدته للاقتصاد، لكن لاحقاً أدى تلاعبه الواضح بالاقتصاد إلى تفاقم رأي الجمهور العام عنه باعتباره ولقبوه بـ”ملك اللصوص في وول ستريت”.
وبدلاً من تقاعده، تم استدعاء مورغان إلى لجنة Pujo، وهي تحقيق حكومي في صناديق الأموال، وخلال الإدلاء بشهادته، أعطى مورغان لمحة عما يكون عليه المصرفي كما عزز مفاهيم العالم القديم عن الشخصية والمسؤولية الأخلاقية باعتبارها مبادئ توجيهية للمصرفي.
بعد جلسات الاستماع، بدأت صحة مورغان في التدهور. ومع تدهور صحته، يرى محللون أن عصر أباطرة عالم المال في وول ستريت قد انتهى وقتها.
وفي 31 مارس آذار من عام 1913، توفي بطل أزمة ذعر 1907، والملك المزعوم لوول ستريت في غرفة فندقية في العاصمة الإيطالية روما.
أشهر أعماله وثروته
رغم أن صيته قد ذاع في القطاع المصرفي، إلا أن اهتمامات مورغان كمستثمر ورجل أعمال امتدت إلى صناعات مثل السكك الحديدية المزدهرة والصلب والمعدات الزراعية.
ورغم أن مورغان سوف يظل يرى بنظرة سلبية لأنه حاول احتكار صناعة الصلب من خلال شركة U.S. Steel، إلا أن أعماله ومساهماته في شركات كبرى أخرى تشفع له، ومنها شركات لا تزال قائمة حتى الآن مثل General Electric وNavistar International.
وقد مرت سمعة مورغان بمراحل صعود وهبوط على مدار حياته الشخصية والمهنية. في بعض الأحيان، كان يُعتبر “ملك اللصوص لوول ستريت”، واتُهم بقمع الاقتصاد، وفي أوقات أخرى، كان يعتبر البطل الاقتصادي لفزع 1907 وركيزة الشخصية والمسؤولية الأخلاقية.
وعند وفاته في روما، قدرت ثروة جيه بي مورغان بحوالي 80 مليون دولار، وهو ما يعادل في عام 2022 حوالي 2.3 مليار دولار، وذلك على الرغم من أن البعض يتوقع أن تكون ثروته في ذروة حياته المهنية تصل إلى 60 مليار دولار في عام 2022.