متابعة قراءة لبنان يخفض سعر الليرة على منصة صيرفة للحد من انخفاضها بالسوق الموازية
الأرشيف الشهري: ديسمبر 2022
داو جونز يفتح على ارتفاع مع تخفيف قيود كورونا بالصين وتسلا يضغط على ناسداك
ارتفاع الذهب أعلى 1800 دولار مدعوماً بتخفيف الصين قيود مكافحة كوفيد-19
الأسهم اليابانية تغلق مرتفعة بفضل مكاسب وول ستريت الأسبوع الماضي
8 نصائح من وارن بافت بشأن الاستخدام الأمثل للمال
ماسك: إفلاس Twitter لم يعد وشيكاً لكن وضعها لا يزال غير آمن
إعادة رسم طريق الحرير الجديدة
علينا أن نتوقف ونحاول أن نُحلّل الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني «شي جي بينغ»، للمملكة العربية السعودية، منذ نحو أسبوع، والتي استمرت ثلاثة أيام، وقد أدّت إلى توقيع إتفاقات عدة، بمبالغ هائلة، والتي كانت تُمثل الخطوة الأولى لإعادة التحالفات والإتفاقات والتبادلات الدولية.
جاءت هذه الزيارة بعد سنوات من التقارب الخجول، وقد بلغت قيمة هذه الإتفاقات الموقعة بين الجانبين بنحو 30 مليار يورو، مع أكثر من 36 إتفاقاً في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، والإعمار، والذكاء الإصطناعي، والنفط، وتبادل الخبرات، والزراعة وغيرها. بالإضافة إلى أنه سينجم عن هذا التبادل والتحالف، إتفاقات أخرى.
تضمّنت المحادثات بين الوفدين الصيني والسعودي، سُبل تحضير العالم الإقتصادي الجديد نحو الإقتصاد الرقمي في أوسع مفاهيمه. لا شك في أن وراء هذه الإتفاقات الإقتصادية والتجارية أبعاداً سياسية، تقع في صلب التنافس لقيادة العالم الإقتصادي الجديد، والإستعداد لأي عزلة أو ضغوط جديدة.
فهذا يُذكّرنا ببناء ورسم طريق الحرير القديمة، التي أُبرمت منذ قرون عدة. فطريق الحرير الشهيرة كان مصدرها ولولبها الصين، وقد كان أساس بنائها الخلافات والحروب، وخشية العزل التجاري والإقتصادي والإنمائي. فهذه الطريق كانت لمواجهة العمالقة الدولية، والبناء بعد الإكتفاء التجاري والإقتصادي والصناعي، بين بعض الدول والقارات المعزولة أو التي كانت تبحث عن إستقلال إقتصادي وتجاري وتبادلي.
من هنا يُمكن التحليل، أنّ هناك إستراتيجية غير معلنة وهدفا واضحا لإعادة رسم طريق حرير جديدة «موديل» القرن الحادي والعشرين، من بعد كل التغيّرات العالمية، ومواجهة الوباء الذي أعاد كل العقارب إلى الصفر، وإعادة النظر في كل الإتفاقات والتحالفات والسباق والتنافس لقيادة العالم الجديد، وخصوصاً الإقتصاد الذي عليه إعادة البناء من جديد على أسس حديثة.
فالصين تُعتبر العملاق الصناعي والتصديري إلى العالم، ولا سيما المستورد الأول للنفط وكل المشتقات النفطية في العالم. أما السعودية فهي اليوم عملاق التصدير النفطي، في ظل إرتفاع أسعار المواد الأولية، والتضخّم العالمي القائم والذي يتفاقم.
فالمملكة العربية السعودية لديها، وسيكون بين يديها، سيولة هائلة عائدة إلى تصدير النفط بأسعار متزايدة. أما الصين فسيزداد الطلب على إرتفاعها، والنمو في صناعتها وإقتصادها. هذا الإتفاق بين العرض والطلب، والعارض والطالب، سيبني تآزراً وتكاملاً بنّاء، لكن أيضاً قيادياً للعالم.
من جهة أخرى، لا شك في أن الولايات المتحدة لم ولن تُبارك هذا التقارب الذي يُمكن أن يهزّ عرشها، فلقد إستبق الأمور الرئيس جو بادين، وقام بزيارة المملكة العربية السعودية، في آب 2020، لكن لم تكن النتائج مرجوة وفق المنتظر منها. إضافة إلى ذلك، فقد وقع خلاف بين العملاقين، عندما ضغطت الولايات المتحدة وطالبت بزيادة إستخراج وتصدير النفط، ولم تلبّ «الأوبك» هذا الطلب.
فيُمكن أن نقرأ بين السطور والأهداف المختبئة والإستراتيجيات التي تُحضّر وراء الستار، بأن ثمة رغبة ببناء ورسم طريق حرير جديدة، التي يُمكن أن تؤدي إلى حرب باردة جديدة. فالتنافس على قيادة العالم الجديد قائم في أعلى الحدود، وسيكون مبنياً على تحالفات وإتفاقات وتقارب جديد، وأيضاً خلافات وحروب باردة، ويُمكن حتى حروب ساخنة، في بعض البلدان التي ستُستعمل كصندوق بريد برسائل مباشرة وغير مباشرة.
فعلى لبنان أن يكون حيادياً في ظل هذه الخلافات والتحالفات الجديدة. إننا كبلد صغير، علينا أن نكون على مسافة واحدة من الجميع، وألاّ نقع في فخ أن نكون صندوق بريد لخلافات ليس لدينا فيها مصالح كما حصل سابقاً. فعلينا أن نستقطب الفرص من خلال إرتفاع أسعار النفط في الخليج، ونستقطب جزءاً من هذه الإستثمارات لإعادة بناء اقتصادنا.
في الوقت عينه، علينا أن نبني تحالفات مع البلدان المجاورة لتحضير عمليات تنقيب الغاز، واستخراجه وتصديره عبر الأنابيب الموصولة وبناء تحالفات جديدة.
أما علاقتنا مع الصين، فنريدها ممتازة، لأننا نحتاج إلى سلعها، وسوقها الكبيرة، حتى إستثماراتها.
في موضوع الولايات المتحدة، لا شك في أننا نريد أفضل العلاقات ولا سيما في القطاع المالي والنقدي، لإعادة بناء قطاع مصرفي متين، تحت المراقبة الدولية.
فبالنسبة إلى الدول ولا سيما العملاقة منها، فكلمة رئيس وزراء بريطانيا الراحل ونستون تشرشل تُطبّق تماماً في هذا العالم الجديد: «لا يوجد أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، إنما مصالح دائمة». أما بالنسبة إلى لبنان، فلا نريد أعداء، بل أن نكون أصدقاء مع الجميع، وهذه مصلحة بلادنا وشعبنا واقتصادنا.
د. فؤاد زمكحل
الأزمة النقدية علاجها نقدي: دولرة لبنان بين صندوق النقد والبنك الدولي
منذ عام 1994 نشر صندوق النقد الدولي ورقة بحثية فَنّد فيها خصوصية دولرة الإقتصاد اللبناني منذ الأزمة النقدية في الثمانينات، ولم يرَ أفقاً للخروج منها واستعادة الثقة بالعملة الوطنية، على رغم من عودة الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي للبلاد. وشرح ذلك بما يُعرف بعلم الاقتصاد بتخلّفية الخروج من الدولرة، حتى لو زالت الأسباب التي أدّت إليها Hysterisis effect of Dollarization اليوم كرّر البنك الدولي تأكيد المسار التصاعدي للدولرة في لبنان، حتى بعد تعافي الاقتصاد، علماً أنّ لبنان عرف 22 عاماً من تثبيت سعر الصرف، من دون انخفاض ملحوظ للدولرة. فما هي خصوصية الدولرة في لبنان وقراءتها لدى صندوق النقد والبنك الدولي؟ ولماذا المسار نحو الدولرة الشاملة؟
كما كتبها صندوق النقد الدولي عام 1994، جَدّدها تقرير البنك الدولي الأخير لعام 2022 حول دولرة الإقتصاد اللبناني، مؤكّداً مسارها التصاعدي في غياب معالجة الأزمة النقدية، حتى ولو تحقّق تعافياً اقتصادياً عاماً. وقد جاء في خلاصة التقرير، تحليل لعملية الدولرة في لبنان، ويَخلُص إلى أنّ الأزمة الحالية ستعزز على الأرجح مستويات الدولرة المرتفعة، حتى بعد تحقيق التعافي.
تاريخياً، أدّت أزمات العملات المتعددة إلى ازدياد كبير في عملية الدولرة في البلاد، مع اتساع نطاقها بمرور الوقت للودائع والإقراض والدين العام. لم يتطور النظام المالي في لبنان خارج القطاع المصرفي، وحال الافتقار إلى سوق رأس المال، من دون تطوير أدوات التنويع والتحوّط التي كان من الممكن أن تساعد في خفض الدولرة أو عكس مسارها. ولا يزال تطوير أسواق رأس المال أمراً بعيد المنال في ظل الظروف الحالية، كما أنّه سيتطلب تحقيق استقرار على صعيد الاقتصاد الكلي على المدى القصير وتبنّي نموذج نموٍ على المدى الطويل.
وشهد لبنان دولرة على نطاق واسع أثناء وبعد 15 عاماً من الحرب الأهلية. تحلّل هذه الورقة القوى الدافعة وراء دولرة الاقتصاد اللبناني، باستخدام نموذجين اقتصاديين قياسيين، بصرف النظر عن المحدّدات المتضمنة عادة في الدراسات التجريبية على ظاهرة الدولرة، وتأخذ في الاعتبار أيضًا محدودية انعكاس عملية الدولرة. كان للحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 15 عامًا تأثير مدمّر على لبنان اقتصاديًا. لم يكن نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي الحقيقي في عام 1990 سوى ثلث مستواه في عام 1975. العجز المالي المُتزايد بسرعة، بتمويل من طباعة النقد – لا سيما خلال منتصف الثمانينات – ومع اشتداد الحرب تصاعدت ضغوط الطلب المحلي والتضخم جنبًا إلى جنب مع استمرار انخفاض قيمة العملة، الليرة اللبنانية. بعد فوات الوقت، ساهمت هذه التطورات في زيادة الاعتماد على العملات الأجنبية لأغراض المعاملات وتخزين القيمة ووحدة الحساب، والتي استمرت حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية، تأمين الاستقرار السياسي والحكومي، واستقرار ظروف الاقتصاد الكلي، بما في ذلك التضخم، وإعادة تدفق كبير للأموال من الخارج.
وقد لوحِظت أنماط مماثلة في مجموعة متنوعة من البلدان الأخرى حول العالم، مثل استبدال العملة على نطاق واسع والدولرة عادة ما يُفترض أنه ناتج عن التدهور الاقتصادي للبلد، الوضع المالي والسياسي، والذي ينعكس، من بين أمور أخرى، في ارتفاع وتسارع معدلات التضخم وانخفاض كبير في قيمة العملة المحلية. خلال العقد ونصف العقد الماضي، عدد من الدراسات التجريبية ركّزت على هذه الظاهرة، التي كانت منتشرة بنحو خاص ومستمر في أميركا اللاتينية، ولكنه حدث أيضًا بمقدار أكثر اعتدالًا في البلدان النامية والصناعية الأخرى حول العالم، وكذلك بعض دول الشرق الأوسط مثل مصر واليمن.
ومع ذلك، فإن معظم نماذج استبدال العملات التقليدية تشير إلى أنه بمجرد استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي والسياسي، فإنّ استخدام العملة الأجنبية ينخفض مرة أخرى. ومع ذلك، لم يحدث في الواقع في العديد من حالات البلد. لكن القليل فقط من الدراسات التجريبية حول العملة قد تعامل الاستبدال على وجه التحديد مع التخلفية في الخروج من الدولرة والعودة الى العملة الوطنية.
في حين أن دولرة الودائع كانت حاسمة للهيكل المالي الكلي لما بعد الحرب، كذلك أدت دولرة الودائع الى دولرة أخرى في الاقتصاد، بما في ذلك دولرة الإقراض وكذلك الدين العام. يتم شرح هذه السببية بأن «دولرة الودائع تحفّز الدولرة في القروض. تشجع المستويات المرتفعة من ودائع العملات الأجنبية لدى المصارف على إقراض المتعاملين المحليين بالعملة الأجنبية للمحافظة على مواضع الموازنة العمومية المتطابقة، ويسري مفعول ذلك بنقل عبء سعر الصرف الى المقترضين في حال تدهور سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي. أما في حال كان المقترضون عاجزين عن التسديد نظراً لكَون مداخيلهم بالعملة الوطنية فيكون الخطر انتقل الى المودعين وهذا ما حصل فعلياً في لبنان حيث كل من وَظّفت المصارف الدولارات لديهم توقفوا عن تسديدها بالدولار (من الدولة وصولا الى المقترضين من القطاع الخاص).
تحلّل هذه الورقة محددات استخدام العملات الأجنبية في الاقتصاد اللبناني خلال العقدين الماضيين وتتناول بنحو صريح المثابرة في استخدامه. بينما النماذج العادية لإحلال العملة تفترض عملية استبدال متماثلة وقابلة للانعكاس تسمح بتغيير غير مقيّد في نسبة إحلال العملة في كلا الاتجاهين عندما تتغير المحددات الأساسية، النهج المستخدم في ورقة صندوق النقد أخذ في الاعتبار على وجه التحديد قابلية التراجع المحدودة لدولرة الاقتصاد اللبناني حتى بعد تطبيع نسبي للوضع السياسي والاقتصادي، ما يعني ضمناً وجود غير متماثل لعملية الاستبدال، أي صعوبة الخروج من الدولرة حتى بعد زوال أسباب حدوثها.
من المعلوم أنه تم دعم الدولرة في لبنان بسبب ضعف أساسيات الاقتصاد الكلي. يتضمّن بنية مالية كلية متكاملة من مستويات عالية للديون، وعجزاً مزدوجاً كبيراً (عجز مالي وعجز الميزان التجاري) بالاستناد الى قطاع مصرفي كبير الحجم وقوي. كانت احتياجات التمويل قبل الأزمة كبيرة، يتم تمويلها بشكل أساسي من خلال قطاع مصرفي فاقت ودائعه أكثر من أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي. ضمان مصرف لبنان أنّ البنوك استمرت في جذب الودائع الأجنبية وذات الاحتياجات التمويلية الإجمالية للقطاعين العام والخاص تمّ الوفاء به، وبالتالي تمويل العجز المالي الكبير عجز الحساب المالي. وبغية جذب الودائع الأجنبية، قدم مصرف لبنان شهادات بالدولار من الودائع ومختلف إعادة تمويل العملات الأجنبية المدعومة المخططات. لتلبية احتياجات الحكومة، كان مصرف لبنان المشتري المتبقّي للديون الحكومية في السوق الأولية والأسواق الثانوية. وقد أرسَت هذه العوامل المختلفة أرضًا خصبة لتدفقات رأس المال.
في تشرين الأول 2019 سقط نظام سعر الصرف القائم على الربط المَرِن لليرة اللبنانية بالدولار الأميركي، أي عملياً يعيش لبنان منذ ثلاث سنوات من دون أي نظام سعر صرف لتفادي الجميع الانغماس بمسؤولية اختيار النظام البديل في ظل هيستيريا الدولرة الجزئية الشرسة وغير الرسمية التي تفرض نفسها على وقع فوضى الأسواق وتسحق كل من لا يصل الى يده سوى مدخول بالليرة اللبنانية. وذلك بدلاً من مواجهة الواقع من قبل السلطات الرسمية المعنية لحماية المساواة الاجتماعية بين المواطنين وحقّهم ببدل أتعاب ومداخيل بالعملة نفسها التي يتكبّدون فيها تدريجاً كل المصاريف، ولا سيما منهم العاملين في القطاع العام الذين أصبحوا عملياً على هامش النظام الاقتصادي-الاجتماعي ككل. السبب هو الخطأ الفادح الذي تتم فيه مقاربة الأزمة من كل الزوايا إلا الزاوية التي يفترض البدء بها، أي اعتماد نظام سعر صرف جديد قبل التطرّق الى بقية نواحي الأزمة وحتى الموازنة التي يستحيل تقديمها بأرقام حقيقية قبل بَت نظام سعر الصرف والخيار النقدي للبلاد بما يتناسب مع دولرة تتخطى نسبة 80 %.
بعد سقوط نظام الربط المَرن لسعر الصرف ونفاد الاحتياطي بالعملات الأجنبية الذي كان المصرف المركزي يعتمد عليه للتدخّل المستمر في سوق القطع، ونظراً لاستحالة اعتماد نظام سعر الصرف العائم في إقتصاد مدولر بمعدلات مرتفعة تفوق 80 %، لا يبقى علمياً أمام لبنان سوى خيار اللجوء الى نظام الربط الصارم لسعر الصرف المتمثّل بالدولرة الشاملة و/أو «مجلس النقد» الرديف لها.
طبعاً كان يمكن الانتقال التدريجي إلى نظام أكثر مرونة ومُتماهٍ مع مؤشرات ميزان المدفوعات، وطبعًا بأقل كلفة من العجز الفجائي عن التدخّل وترك الساحة للسوق الموازي، لا سيما منذ بدء تسجيل تراكم عجوزات ميزان المدفوعات منذ العام 2011. إستناداً الى نموذج الأكوادور الأقرب الى عناصر الأزمة في لبنان مع الانتقال من الدولرة الجزئية المرتفعة نحو الدولرة الشاملة، تبيّن أنّ الشرط الاساسي لنجاح عملية الانتقال الى «الدولرة الشاملة» يتطلّب أولاً امتلاك المصرف المركزي احتياط بالعملات الأجنبية بالدولار الأميركي يكفي لتغطية التزاماته تجاه القطاع الخاص، أي بشكل أساسي «القاعدة النقدية» (monetary base) الأوراق النقدية المطبوعة من المصرف المركزي بالعملة الوطنية + احتياطي المصارف لدى المصرف المركزي.
عند الافتقاد الكلي والمزمن بالعملة الوطنية وطغيان التعامل بالعملة البديلة لا يعود الخيار بينها وبين البديل، أي الدولار الأميركي، في حال لبنان، بل يصبح الخيار في آلية الربط الصارم المناسبة وكيفية الانتقال التدريجي إليها بُغية نجاحها بأسرع وقت وأقلّ كلفة… أما إزاء «تردّد» البعض في اعتماد الدولرة الشاملة، على رغم من أن الاقتصاد اللبناني بات مدولراً بأكثر من 80 %، أي أنّ ما يعرف بـ«السيادة النقدية»، لم يعد يتخطى حدود الـ20 %، ثمة خيار رديف للدولرة الشاملة وهو «مجلس النقد» الذي يتفادى اعتماد «الدولار الأميركي» رسمياً في حد ذاته كلياً بدلاً من الليرة اللبنانية، بل اعتماد إسم عملة آخر (الليرة أو إسم جديد) يحظى بتغطية الاحتياطي الموجود بالدولار الأميركي. ويبقى القول ان الأزمة النقدية لا يمكن معالجتها سوى انطلاقاً من الشق النقدي واعتماد سعر الصرف المناسب ومن تؤكد الأدبيات الاقتصادية والتجارب الدولية وتقاريرالمنظمات الكبرى، مثل صندوق النقد والبنك الدولي، حتى لو تمّ تعافي الاقتصاد تبقى الدولرة متزايدة عندما تنفلش في الاقتصاد وتصمد مرتفعة حتى بعد استقراره. الدولرة الشاملة تفرض نفسها واقعاً، الخيار المتبقّي يكمن في آلية الاعتراف بها رسمياً لوقف الفوضى في الأسواق وتأمين العدالة في الوصول الى الدولار لجميع المواطنين.
د. سهام رزق الله
التضخم سيبقى مرتفعاً في ألمانيا لعامين
الذهب والبيتكوين مخزنان للقيمة
تسريع وتيرة التكامل المتوسطي بالطاقة
مع تطلُّع بلدان البحر المتوسط إلى رسم مسار للمضي قدماً في أعقاب العديد من الأزمات التي عصفت باقتصاداتها، أصبح تسريع خطى التكامل الإقليمي أكثر أهميةً من أي وقت مضى. وتُعد زيادة التدفقات التجارية، والاستثمارات المتبادلة، والتنقل بين بلدان شمال البحر المتوسط وجنوبه وشرقه، من العوامل الرئيسية لتحقيق تعافٍ مستدام. ويوجد العديد من المنطلقات لتحقيق هذه الغاية، ولكن في هذه المرحلة الفارقة لا شيء يفوق الطاقة في أهميتها.
وفي الوقت الحالي، تُقدَّر قيمة التبادل التجاري داخل منطقة البحر المتوسط بأقل من تريليون دولار سنوياً، وهي تمثل بالكاد ثلثَ قيمة التجارة بين المنطقة وبقية العالم.
ويتناقض هذا مع المناطق المزدهرة الأخرى، حيث غالباً ما يكون أكبر الشركاء التجاريين للبلدان هي البلدان المجاورة في المنطقة.
وضمن هذا الإطار المحدود، ينحصر نحو ثلث التجارة الإقليمية في الوقت الحالي في مجال الطاقة. وقد يكون استغلال الإمكانيات المتاحة لتحقيق مزيد من التكامل الاقتصادي بين الساحل الجنوبي للبحر المتوسط والكتلة الأوروبية عاملَ تغيير ونقطةَ تحوُّل حينما يتعلق الأمر بالطاقة. ومن شأن هذا التحوُّل أن يساعد أوروبا على التخلص من اعتمادها الكبير على إمدادات الطاقة الروسية، وفي الوقت نفسه الإسهام في تحقيق الأهداف المناخية. وسيساعد أيضاً على زيادة الفرص وتحقيق الرخاء لشعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما لذلك من تداعيات أوسع على عامل الاستقرار في المنطقة.
ولا تزال أنواع الوقود الأحفوري هي المصدر الرئيسي للطاقة في أوروبا.
فالمنتجات البترولية تمثل تقريباً ثلث إجمالي إمدادات الطاقة، يليها الغاز الطبيعي بنسبةٍ تُقارب 24 في المائة، ثم الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الصلب الأخرى بنسبة 10 في المائة. وكانت الحرب في أوكرانيا صدمة لأسواق الطاقة الأوروبية والعالمية، وفرضت إعادة تقييم جذرية لأمن الطاقة في أوروبا. في الأمد القصير، قد تساعد زيادة صادرات النفط والغاز من جنوب البحر المتوسط وشرقه أوروبا على تنويع إمداداتها من الطاقة بعيداً عن روسيا، وخاصة أنه يجري تقليص إمدادات الغاز الروسية. وتمثل الجزائر بالفعل ثالث أكبر مصدر لتوريد الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وهناك إمكانية لزيادة هذه الإمدادات سواء من خلال الأنابيب أو الغاز الطبيعي المسال الآتي من جنوب البحر المتوسط وشرقه.
وفي الأمدين المتوسط والأطول، يمكن أن يكون تحول أوروبا إلى الطاقة المتجددة مرتبطاً بشكل متزايد بما يشهده إنتاج الطاقة النظيفة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تنمية قوية. ولقد وضع الاتحاد الأوروبي أهدافاً طموحة لسياساته المتصلة بالمناخ والطاقة ومنها: تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بأكثر من النصف بحلول عام 2030 بالمقارنة بمستوياتها في عام 1990، وتحييد أثر الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050.
ويشكِّل هذا النمو في الطلب على الطاقة النظيفة حافزاً مهماً للاستفادة من الإمكانيات غير المستغلة لمصادر الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكذلك الهيدروجين، وهي المصادر التي يمتلك فيها الجانب الجنوبي من البحر المتوسط ميزةَ تنافسية نظراً لتميزه بوفرة أشعة الشمس على مدار العام. والواقع أن الهيدروجين منخفض الكربون ينظر إليه الآن باعتباره مكوناً مهما في خطط الاتحاد الأوروبي للحد من الانبعاثات الكربونية.
وكما أشرنا آنفاً، فإنه يكمل سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية الراسخة في مجال الطاقة، ومن خلال قربها، يمكن لمنطقة شرق البحر المتوسط أن تجعل نفسها مورداً موثوقاً به للهيدروجين منخفض الكربون في أوروبا. وقد ركز التعاون في مجال الطاقة في هذه المنطقة على تنمية الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، لكن يمكن مؤازرة هذا التعاون إذا امتدت مظلته لتشمل تنمية الهيدروجين، سواء بالنسبة لصادراته أو لاستخدامه في الحد من الانبعاثات الكربونية محلياً. لقد أدرك الكثير من البلدان هذه الإمكانات متعددة المصادر وتعمل على تطويرها. وفي عام 2021، بدأت اليونان وإسرائيل وقبرص تعاوناً رسمياً حول إنشاء «خطوط الربط البيني» الأوروبية الآسيوية من الكابلات البحرية والتي تهدف إلى تصدير الكهرباء المتجددة من إسرائيل في وقت مبكر من عام 2025. وتستكشف مصر واليونان مشروعاً مماثلاً، كما تعكف إيطاليا حالياً على وضع خطط مماثلة مع كل من تونس والجزائر. فمشروع «إلميد» للربط البيني بين تونس وإيطاليا في مرحلة إعداد متقدمة.
وفي غرب البحر المتوسط، يتاجر المغرب وإسبانيا بالفعل بالطاقة (الغاز والكهرباء). أما توقيع المغرب وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وألمانيا مؤخراً خلال المؤتمر السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ على مذكرة تفاهم بشأن التجارة المستدامة للكهرباء، فيلقي المزيد من الضوء على الوتيرة المتسارعة لأنشطة التكامل المتوسطي في قطاع الطاقة. وتتسارع خطى التحوُّل نحو استغلال مصادر الطاقة المتجددة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فعلى سبيل المثال، يهدف المغرب إلى إنتاج 80 في المائة من إجمالي احتياجاته من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2050. وهذا الاتجاه، الذي تعززه صفقات الاستثمار الأوروبية لإنتاج الطاقة النظيفة في المنطقة، لا ينطوي على إمكانية زيادة إجمالي الناتج المحلي في بلدان المنطقة فحسب، بل أيضاً على توفير فرص عمل تشتد الحاجة إليها. ويتيح التحدي الحالي لتزويد أوروبا بإمدادات طاقة كافية ونظيفة على نحو متزايد فرصةً فريدةً لإقامة علاقة متداخلة للتجارة والنمو والسلام بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي الوقت نفسه المضي قدماً نحو خفض الانبعاثات الكربونية. إنها فرصة تعود بالنفع على الجميع ويجب أن نغتنمها وألا نضيِّعها.
فريد بلحاج
*نائب رئيس البنك الدولي
لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مسؤولة بالمركزي الأوروبي: على البنك الاستعداد لمزيد من رفع معدلات الفائدة
الاستثمار في الساعات الفاخرة يتفوق على الذهب والعقارات خلال العقد الماضي!
كيف نختار القيامة؟
إن الكتابة من قبلي في أواخر هذه السنة تنجز بعد خمسين عاماً من أول مقال حول أزمة #بنك أنترا التي أشرت إلى أنها مفتعلة وأن حلها ممكن، وهكذا كان. واليوم شركة انترا للاستثمار المملوكة بالنسبة الأكبر من مساهمين حملوا الأسهم لأنهم كانوا مودعين، وحتى تاريخه يتقاضون أرباحاً سنوية وقيمة موجودات الشركة تفوق المليار دولار. ربما ممارسة توزيع أسهم على المودعين طريقة مناسبة لمعالجة عجز المصارف عن تأمين ودائعهم دون تقنين مخالف للقانون مقنّع حالياً.
لقد لاحقت تقارير #صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وتقييم #الأمم المتحدة والعديد العديد من التعليقات، ولم أستكشف في جميع التقارير ما يوحي بحلول واقعية تنقذ البلد من السقوط في خانة الدول الممانعة أي سوريا وإيران. والبلدان يعانيان من مصاعب اقتصادية واجتماعية والتغلب على مصاعبهما يستوجب انقضاء سنوات قبل ظهور تباشير الحلول الحديثة.
دراساتي شملت إصدار كتيّب حول الأزمة المصرفية وإمكانات تجاوزها، لأن #لبنان دون مصارف متحرّكة وقادرة لن يكون مقبلاً على النموّ والتحرّر، وممارسات المصارف الجارية حالياً لا تخدم أهداف استعادة الحياة الاقتصادية لطبيعتها الحرة وممارساتها الصحية غير الخاضعة لاستهداف إنقاذ أصحاب المصارف وعدد المودعين يفوق 1.5 مليون لبناني وغير لبناني وعدد المصارف العاملة لا يتجاوز 60 منها عدد مرشح للانطواء دون خسائر ملحوظة.
هنالك تصوّران لافتان للاهتمام وقد أنجزهما مروان أديب مرشي الخبير بالأسواق المالية العالمية الذي ترأس ثاني أكبر شركة للتعامل المالي، تسويقاً وإصداراً للسندات الحكومية ومعالجة مشاكل عدد من الدول شملت الأرجنتين، والمكسيك والإكوادور وحتى السويد، التي بلغ مجموع قيمها حوالى تريليون دولار أي ألف مليار دولار في حينها. وقد عرض دراساته على عدد من المسؤولين، وأظهر الاهتمام الأساسي بحلول مروان مرشي الرئيس نبيه بري، وهو قضى ساعة مستمعاً ومناقشاً لافتراضات مروان مرشي واستشعر أن دراساته قد تكون البوابة الصالحة للمجلس النيابي الحالي الذي يشمل طاقات جديدة على السياسة وتوجهات غير تقليدية.
المصدر الثاني مذكرة مختصرة، لكن غنية بالأفكار والتوجهات غير التقليدية بل إنها تشمل انتقادات أساسية لمنطلقات وتفسيرات وتوجهات ما سُمّي خطة حسان دياب، والرجل بريء من المعرفة بشؤون الاقتصاد وإن هو ادّعى أن برنامج حكومته – بعد انقضاء شهر على تأليفها – عالج 97% من مشاكل لبنان الاقتصادية، والأمر الذي يدعو الى التنبّه بعد ادعاءات حسان دياب، أن برنامج حكومة نجيب ميقاتي بحسب تقييم الدكتور منير راشد الذي كان خبيراً في صندوق النقد الدولي، ويرأس حالياً جمعية الاقتصاديين اللبنانيين، هو أسوأ من برنامج حكومة حسان دياب، كما أن دراسته القيّمة تبيّن أن النظام اللبناني كان يسمح بتحويل الأموال دون عائق ما دامت صحة البنوك متوافرة، وهو يعتبر أن البنوك التي تحوز سيولة بنسبة 10-12 في المئة مقابل الودائع قادرة على الحياة، وهكذا كان الوضع مع بنوك عالمية خلال الأزمة المالية العالمية 2007/2008. فبنوك مثل بنك الاعتماد السويسري أو اتحاد البنوك السويسرية كانت بالفعل مفلسة لولا مسارعة الدول لإنقاذها، وأكبر بنك في إنجلترا اضطرت السلطات الى تملكه مقابل ضخ 150 مليار جنيه استرليني كانت تساوي أو تزيد على 180 مليار دولار.
يرى الدكتور منير راشد أن التحويلات التي أنجزت حتى بعد تظاهرات شهر تشرين الأول عام 2019 كانت شرعية بل هي تشكل ارضية رئيسية لاستعادة تدفق الأموال الى لبنان، وهو يعتبر أن برنامج صندوق النقد الدولي غير صالح، وهنا أقتبس بضعة أسطر من استخلاصات الدكتور منير راشد الذي يقول:
“سياسات صندوق النقد الدولي التي تحصر دور المصارف هي غير مناسبة حالياً. فاقتراحات صندوق النقد الدولي تشمل الاعتراف بخسائر كبيرة في القطاع… وتوصي بتضييق الاعتماد على المصادر التابعة للدولة. وهذا الاقتراح مخالف لقانون النقد والتسليف حيث ينص القانون في المادة 113 على أن الدولة مسؤولة عن تغطية خسائر مصرف لبنان (ومنها ودائع المصارف) وعلى الدولة واجب ضمان جميع الموجودات المالية”. وقد بيّن حاكم مصرف لبنان أن 65% من الدين العام مترسّب من التحويلات لعجز الكهرباء وفوائدها، وربما هنا سبب التهجمات البذيئة على الحاكم.
برنامج دراسة مروان مرشي ينطلق من ضرورة معالجة قرض اليوروبوند في المكان الأول وهو يشير الى أن بداية الأزمة انطلقت من توصيات حكومة حسان دياب بالامتناع عن تسديد فوائد هذا الإصدار بتاريخ أواسط شهر آذار من عام 2020.
وبعد تظاهرات شهر تشرين الاول التي انطلقت وتمنّع لبنان عن دفع مستحقات الفائدة كان الطلب الذي أطلقته الجماهير، استعادة حوالى 10 مليارات دولار حُوّلت لحسابات أصحابها في الخارج، والواقع أن هذه الأموال وغيرها ممّا يتوافر للبنانيين قد تكون، عند استعادة الثقة بالحكم وقطاع المصارف، النواة الضرورية لإحياء الاقتصاد اللبناني.
بالمناسبة نشير الى أن تحويلات اللبنانيين الى لبنان خلال 2007/2008 بلغت 24 مليار دولار وساعدت على تحقيق فوائض على حساب ميزان المدفوعات حتى عام 2013.
إضافة إلى برنامج مروان مرشي لاستعادة نبض الحياة الإنتاجية خلال 3 سنوات، ظهرت بوادر المطالبة بتأسيس صندوق وطني تتكوّن موجوداته من المؤسسات المملوكة والمسيّرة من القطاع العام، وقد طالبت شخصياً بمعالجة قضيّة الكهرباء بتحويل مسؤولية الإنتاج والإمداد وتركيب العدادات الإلكترونية والفوترة والجباية الى القطاع الخاص منذ عشر سنوات، ولم يكن هنالك من متحمّس لهذه الخطوات… وبالتالي لا بدّ من التشديد على ما يأتي:
الابتداء بمعالجة دين اليوروبوند البالغ أساساً 32 مليار دولار قبل احتساب الفوائد والذي يحظى بخطة متكاملة في معالجة مروان مرشي، والمبادرة الى تأليف هيئة مستقلة لشؤون الطاقة – أي الكهرباء والمياه ومعالجة النفايات، ثم التدرّج في تخصيص خدمات الهاتف والانترنت وتخصيص نسبة ملحوظة من الريجي وإنجاز اتفاقات تسيير وإدارة المرافئ وتخصيص المصفاتين في طرابلس والزهراني ومطار رينه معوض، وتعزيز خدمات الصحة – في عهد الأوبئة الصحية والحكمية – وإعطاء لبنان وأهله بصيص الأمل، وكل ذلك يستوجب حكومة لا تشمل من يماثل نائب رئيس مجلس الوزراء أو وزير الطاقة، وصاحب الصوت العالي وزير الشؤون الاجتماعية.