الأرشيف اليومي: 18/03/2023
تعافي قطاع الطيران
لو عُبّر عن جائحة «كورونا» بمجموعة من المظاهر لكان الانقطاع عن السفر من أبرزها، ولكانت المطارات المهجورة من أشد هذه المظاهر غرابة، تلك المشاهد التي لم يكن أحد يتخيلها إلا في الأفلام الخيالية كانت واقعاً مخيفاً حينها. مع خلو المطارات من المسافرين شهد قطاع الطيران أزمة عصفت به، ودفعت كثيراً من شركات الطيران إلى الإفلاس، وتغيرت بعدها خريطة قطاع الطيران بشكل ملحوظ. خسائر قطاع الطيران خلال عامي الجائحة 2020 و2021 تعدّت 40 مليار دولار، حتى مع محاولاته لتجاوز الخسائر بتسريح نسبة من موظفيه، كونه من أكثر القطاعات تسريحاً للموظفين، حيث وصلت النسبة إلى نحو 15 في المائة في بعض الشركات.
جاء بعد ذلك عام 2022 برتم مختلف، وأخبار مبشّرة، ونتائج مالية مخالفة تماماً لعامي الجائحة، حيث زادت أرباح أكبر شركات الطيران في العالم على 6 مليارات دولار، وتعدت مبيعات هذه الشركات لعام 2022 مثيلاتها لما قبل الجائحة. فحققت شركة «لوفتهانزا» أرباحاً تشغيلية بنحو 1.5 مليار دولار مقارنة بخسائر تجاوزت 1.7 مليار دولار لعام 2021، بعد أن تضاعفت أعداد المسافرين مقارنة بين العامين. كما أعلنت المجموعة الدولية لخطوط الطيران (وهي المالكة للخطوط الجوية البريطانية) عودتها للربحية لأول مرة منذ الجائحة، ووصلت أرباحها التشغيلية إلى 1.3 مليار دولار مقارنة بخسائر تجاوزت 10 مليارات دولار خلال عامي الجائحة. هذه الأرباح هي نتيجة مباشرة لعودة المسافرين، حيث وصلت حركة المسافرين إلى نحو 91 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة، ويتوقع أن تتراوح هذه النسبة بين 95 في المائة و105 في المائة لهذا العام. وهو ما يعني أن قطاع الطيران قد تعافى بالفعل، وقد يبدأ في التوسع في هذا العام. وبالفعل بدأت بعض خطوط الطيران في الإعلان عن خطط للتوظيف خلال الأعوام القادمة، منها الخطوط الأسترالية التي أعلنت عن نيتها توظيف نحو 8000 موظف خلال العقد القادم.
تعافي قطاع الطيران له معانٍ عدة في هذا الوقت، منها أن العالم يحتاج إلى أخبار اقتصادية إيجابية، لا سيما مع التضخم الذي يواجهه، وانتعاش قطاع الطيران يعطي مؤشرات إيجابية تجاه الوضع الاقتصادي. كما أن القطاعات المرتبطة بالطيران ستشهد بكل تأكيد انتعاشاً مشابهاً، سواء منظومات المطارات بما فيها من فنادق ووسائل مواصلات ومتاجر، والقطاعات الأخرى مثل قطاع السياحة والفندقة وغير ذلك. كما أن صناعة الطائرات ستنتعش كذلك مع بداية التوسع في قطاع الطيران، أكبر دليل على هذا الانتعاش كان من الخطوط الهندية التي طلبت دفعة واحدة نحو 470 طائرة من شركتي «بوينغ» و«إيرباص». ويعد هذا الطلب الأكبر من نوعه في تاريخ الطيران على الإطلاق، حيث لم يتجاوز أكبر طلب في التاريخ المائتي طائرة. وتطمح الخطوط الهندية (برؤية من الحكومة نفسها) إلى جعل الهند أحد أكبر محاور الطيران في العالم، لتكون ثالث أكبر سوق للطيران بعد الصين والولايات المتحدة.
لكن قطاع الطيران لا يزال يواجه كثيراً من الصعوبات، منها تلبية الطلب على الطائرات على المدى المتوسط بسبب شح في سلاسل الإمدادات. أما على المدى القصير، فما زال العالم يتذكر فوضى المطارات في الصيف الماضي، حيث تعطلت حركة الركاب في كثير من مطارات العالم بسبب بطء مواكبة المطارات لرتم تعافي قطاع الطيران. وتسببت قلة التوظيف بالمطارات في إلغاء بعض الرحلات، وضياع أمتعة المسافرين، وازدحام المطارات بالمسافرين الذين اصطفوا في طوابير الانتظار لساعات طوال. وقد طالبت شركات الطيران المطارات بالاستعداد لموسم الذروة المتوقع في الصيف، وفيما وعدت المطارات – ومنها مطار هيثرو في لندن – أنها ستكون على أتم الاستعداد بحلول الصيف، أظهر تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز» أن المطار حدّ من قدرة شركات الطيران على إضافة رحلات إلى جداولها في فصل الصيف بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية.
خلال أقل من عام، انتقل قطاع الطيران من قطاع يعاني من أزمة عاصفة، إلى قطاع تبدو فرص التوسع فيه سانحة للأعوام القادمة، على الرغم من كل التحديات المحيطة به. ومثال الهند أكبر شاهد على ذلك، حيث توقعت «بوينغ» أن ينمو هذا القطاع في الهند بنسبة 7 في المائة سنويا حتى عام 2041. هذا التوسع قد يكون عن طريق زيادة حصتها السوقية، ولكنه كذلك نتيجة لنمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي زيادة عدد المسافرين. ويوازي هذا التوسع فرصاً في الخدمات المرتبطة بقطاع الطيران، ومنها المطارات التي لا تبدو أن الطاقة الاستيعابية الحالية لكثير منها يلبي الطلب المتنامي في المستقبل.
د. عبد الله الردادي
مسؤولون تنفيذيون في SVB و First Republic Bank باعوا أسهماً بملايين قبل الانهيار مباشرة
الليرة تنهار… شطب أصفار أم ورقة المليون؟
إستغرقت رحلة انهيار الليرة وصولاً إلى دولار الـ 100 الف حوالى 3 سنوات ونصف من التخبّط في إدارة الأزمة المالية، إنهارت خلالها الليرة 98.5%، أي 60 مرة أكثر مما كانت عليه عشية 17 تشرين الاول 2019، يومها كان حجم احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة نحو 32 مليار دولار، وحجم الودائع في المصارف نحو 110 مليارات دولار. مبالغ كانت كافية لبناء دولة واقتصاد من الصفر، لولا الطريقة الملتوية التي أُديرت بها الأزمة.
لا يمكن اعتبار وصول الدولار إلى 100 الف ليرة هو الانهيار في عينه، وتناسي انّ مشوار الانهيار بدأ منذ 3 سنوات ونصف، عندما ارتفع من 1500 ليرة للدولار إلى أكثر من 100 الف ليرة اليوم. فوضع الدولار اليوم لا يختلف ابداً عن الاتجاه العام، لا بل هو تطور طبيعي لمسار الامور ومتوقع، خصوصاً بعدما تكشّف فقدان مصرف لبنان قدرته على السيطرة على دولار السوق السوداء، وذلك منذ تدخّله ما قبل الأخير في السوق، اي نهاية العام 2022 شارياً لليرة. وللتذكير، فقد ضخّ في حينه أكثر من مليار دولار من دون ان يتمكن من تهدئة السوق.
كذلك سجّل تدخّل مصرف لبنان الاخير في منصة صيرفة فشلاً ذريعاً، نتج منه التحاق المنصة بشكل يومي بالسوق السوداء، بدليل ارتفاع دولار صيرفة من 70 الفاً الى 78 الفاً ليرة، وذلك في غضون ايام، اي بتناغم واضح مع السوق السوداء، ما يعني انّ هذه السوق الرديفة هي التي باتت تقود وليس مصرف لبنان الذي لم يعد اللاعب رقم واحد في السوق.
وبناءً عليه، من المتوقع ان تصبح نسبة التدهور اليومي في سعر الصرف أكبر. على سبيل المثال، بارتفاع الدولار من 40 الفاً إلى 48 الفاً، تكون نسبة الزيادة 20%، في حين انّ انعكاس النسبة ذاتها على دولار الـ 100 الف سترفعه إلى 120 الفاً، لذا الاحتساب اليوم يجب ان يتركّز على نسبة الزيادة وليس على الارقام. هذا الامر يستدعي من مالكي الدولار الراغبين التصريف على قدر الحاجة، حتى لو اضطروا إلى ذلك بشكل يومي او مرات عدة في اليوم، وذلك حفاظاً على قيمة ما يملكون، ولعدم التخوّف من انخفاصه قليلاً، لأنّ في ذلك لعبة سوق يهدف من خلالها المضاربون إلى شراء الدولار بسعر اقل لبيعه بسعر أعلى لتحقيق أرباح أكبر.
وقت شطب الأصفار؟
في ظلّ استمرار التدهور وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة إلى 100 الف ليرة، وهي أكبر عملة لبنانية مطبوعة، هل حان الوقت لشطب الاصفار من العملة او ربما طبع ورقة المليون ليرة؟
في السياق، يؤكّد الخبير الاقتصادي باسم البواب لـ»الجمهورية»، انّ مسار الانهيار سيُستكمل في الفترة المقبلة، طالما لم يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولم تُشكّل حكومة ولم يتمّ الاتفاق على مشروع اصلاحي مع صندوق النقد. وإلى ذلك الحين، فمن الواضح انّ الدولار سيواصل ارتفاعه، وقد يصل قريباً إلى 150 الفاً وربما إلى 200 الف او 300 الف، قبل ان ننتقل إلى مرحلة انتقالية يبدأ معها الحل الشامل.
وقال البواب: «بعد مستوى الانهيار الذي وصلنا اليه بات لزاماً على المسؤولين اتخاذ إجراء تجاه العملة، إما طبع عملة بقيمة أكبر، وإما الغاء الأصفار من العملة، وهو الحل الأمثل، لأنّ الارقام باتت كبيرة جداً، بحيث يصعب استيعابها»، لافتاً إلى انّ كلا الحلين يحتاجان إلى مجلس نواب لإقرارهما، الامر الغير وارد راهناً.
وأوضح، انّ طبع عملة المليون سيخفّف من حمل الاوراق النقدية، لافتاً إلى أنّ كلفة طباعة العملات التي هي ما دون الدولار أي ما دون الـ100الف، باتت اكبر من قيمتها، مثل طباعة ورقة الـ1000 او الـ5 آلاف، حتى كلفة طباعة الـ100 الف تتجاوز الدولار ما بين طباعة وشحن. لذا لا مصلحة للمركزي حتى من طباعة الـ 100 الف. مشيراً إلى انّه في غالبية الدولة كل عملة تساوي قيمتها أقل من دولار تكون على شكل coin. واشار البواب الى انّه من إحدى مساوئ طباعة عملة جديدة بقيمة أكبر انّه يؤكّد انّ مسار الانهيار متواصل على عكس إلغاء الأصفار.
وقال: «انّ إلغاء الأصفار لن يؤثر لا سلباً ولا ايجاباً على نسبة التضخم، ولا على الوضع الاقتصادي، ولن يوقف الانهيار، انما يسهّل قراءة الاسعار فقط لا غير، ويسهّل تقبّلها نفسياً، ويعني انّ مرحلة انتهت ومساراً جديداً بدأ». لافتاً إلى انّه كلما كبرت العملة كلما زادت الرواتب وزادت الاسعار وكلما باتت الليرة منبوذة وغير مقبولة من أحد.
واقترح البواب ان يتمّ إلغاء صفرين من العملة في المرحلة الاولى، فيصبح الدولار بـ1000 ليرة، وإذا ما وصل الدولار الى 150 الفاً مع الغاء صفرين، يعود الدولار إلى 1500 ليرة، كما كان الوضع منذ ما قبل الأزمة. بهذه الطريقة يعود كل شيء كما كان في العام 2019، وتعود الاسعار كما كانت عليه وستتراجع الرواتب والاسعار كما كانت في السابق.
وأوضح رداً على سؤال، انّه لا يمكن تصغير العملة اللبنانية إلى ليرة، فهذا يدل إلى انّ العملة قوية جداً حتى أقوى من الدولار، وتصبح غالية الثمن، اي لا تسعّر بالرخيص. لافتاً الى انّ العملات تسعّر عادة بين الصفر والـ 100 ليرة، وقلّة هي العملات التي تُسعّر بالآلاف. والأفضل اليوم إعادة العملة الى اقرب مستوى كانت عليه قبل الأزمة.
ايفا ابي حيدر