التيسير الكمي (QE) عبارة عن أداة من أدوات السياسة النقدية تستخدمها البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفدرالي الأميركي لمعالجة أزمة الانكماش وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وبهذه الأداة، يشتري البنك المركزي الأوراق المالية (سندات الخزانة وأوراق الرهن العقاري) في محاولة لخفض أسعار الفائدة وزيادة المعروض من الأموال وإنعاش المزيد من الإقراض للمستهلكين والشركات، ومن ثم تحفيز النشاط الاقتصادي والحفاظ على تدفق الائتمان.
عندما يقرر البنك المركزي استخدام التيسير الكمي، فإنه يقوم بعمليات شراء واسعة النطاق للأوراق المالية، مثل السندات الحكومية وسندات الشركات وحتى الأسهم.
ويؤدي هذا القرار إلى نتائج قوية من بينها زيادة المعروض النقدي المتداول وخفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، وبالتبعية، يقلل ذلك من تكلفة الاقتراض مما يحفز الاقتصاد.
من خلال شراء سندات طويلة الأجل، يهدف البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة على المدى الطويل في السوق. بالمقارنة،فإن سياسة أسعار الفائدة تستهدف خفض الفائدة على المدى القصير والتي تفرضها البنوك على بعضها البعض مقابل قروض الليلة الواحدة.
أما استخدام الفائدة على المدى الطويل، فإنه يؤدي إلى الحفاظ على تدفق الائتمان لسنوات طويلة.
وخلال فترة الركود العظيم (الأزمة المالية العالمية)، تم تخفيض سعر الفائدة على الإقراض قرب الصفر لتشجيع الإقراض، ولكن كان من الصعب خفض الفائدة إلى نطاق سالب.
وبالتالي، كان على الفدرالي الأميركي البحث عن وسيلة أخرى، ومن هنا كانت الحاجة إلى التيسير الكمي، وبدأ في شراء الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري (MBS) وسندات الخزانة لمنع الاقتصاد من الجمود.
التيسير الكمي يبعث برسالة قوية إلى الأسواق
ترسل البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفدرالي رسالة قوية إلى الأسواق عندما تختار التيسير الكمي، فإنهم بذلك يخبرون المستثمرين والمتداولين أنهم لا يخشون الاستمرار في شراء الأصول للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة.
ويقول بيل ميرز، رئيس أبحاث الدخل الثابت في الولايات المتحدة: “إنها إشارة قوية إلى أن الفدرالي يريد تحفيز النمو الاقتصادي وأنه يؤثر بقوة على أسواق رأس المال وأسعار الأصول”.
كما يتم الاستعانة بالتيسير الكمي خلال فترات عدم اليقين أو الأزمة المالية التي يمكن أن تتحول إلى حالة من الذعر في السوق، فهذه الأداة تهدف إلى معالجة المخاوف الفورية في الأسواق المالية وتجنب سيناريو أسوأ.
كيف يعمل التيسير الكمي؟ وما نتائجه؟
يعمل عن طريق شراء الأصول على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، تمت مواجهة تداعيات جائحة كوفيد -19 من جانب الفدرالي الأميركي عن طريق البدء في شراء سندات الخزانة وسندات الشركات ذات الاستحقاقات الأطول أجلاً.
يحدث ذلك من خلال شراء الفدرالي للأصول واستغلال الاحتياطيات في ميزانيته العامة لشراء سندات الخزانة طويلة الأجل في السوق المفتوحة من المؤسسات المالية.
نتيجة لهذه المعاملات، هناك أموال جديدة تدخل الاقتصاد، وتمتلك المؤسسات المالية المزيد من السيولة النقدية في حساباتها، والتي يمكنها الاحتفاظ بها، أو إقراضها للعملاء أو الشركات، أو استخدامها لشراء أصول أخرى.
كما ذكرنا سابقاً، ينتج عن التيسير الكمي زيادة السيولة في النظام المالي مما يحول دون حدوث مشاكل في النظام المالي، مثل أزمة الائتمان.
أيضاً، تنمو الثقة في الاقتصاد بشكل أكبر من خلال التيسير الكمي حيث أن الفدرالي وغيره من البنوك المركزية التي تتبنى هذه الاستراتيجية تطمئن الأسواق حيال الاقتصاد ككل.
ما سلبيات التيسير الكمي؟
لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن على الدوام، فهناك سلبيات محتملة تنشأ من التيسير الكمي نتناولها فيما يلي:
قد يتسبب التيسير الكمي في حدوث تضخم، وهو ما يعد أكبر خطر على الاقتصاد، فعندما يطبع البنك المركزي النقود، يزداد المعروض المتداول، وهذا ربما يؤدي من الناحية الافتراضية إلى انخفاض في القوة الشرائية للأموال المتداولة بالفعل حيث أن زيادة العرض النقدي تمكن الأفراد والشركات من زيادة طلبهم على نفس الكمية من الموارد، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وربما بشكل خطير.
كما أن التيسير الكمي ليس مفيدًا للجميع ولا يمكنه تطبيقه على جميع الاقتصادات، وربما يسبب فقاعات الأصول.
ويشكك بعض المحللين في فعالية التيسير الكمي، خاصة فيما يتعلق بتحفيز الاقتصاد وتأثيره غير المتكافئ على مختلف الأسر والشركات.
ومع ذلك، أشار مايكل وينتر ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Leatherback Asset Management ، إلى أن التيسير الكمي كان “فعالًا للغاية” في تثبيت أسعار الأصول وزيادتها في نهاية المطاف في كل من أسواق الدخل الثابت والأسهم. وعندما ينتعش السوق بسرعة، كما حدث في أعقاب السوق الهابطة لعام 2020، يصبح السؤال هو يتوقف الأمر؟
ومن بين مخاطر التيسير الكمي أيضاً أنه قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل بسبب تأثيره على كل من الأصول المالية والأصول العقارية، ويقول وينتر: “لقد أفاد التيسير الكمي أولئك العاملين والمالكين للعقارات عندما ترتفع أسعار الأصول”.
أمثلة على التيسير الكمي
كان بنك اليابان أحد أكثر البنوك حماسة للتيسير الكمي، حيث طبق هذه السياسة لأكثر من عقد من الزمان. كما استخدم البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا التيسير الكمي في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2007.
وبدأ بنك الاحتياطي الفدرالي في استخدام التيسير الكمي لمكافحة الركود العظيم في عام 2008، ثم أطلق رئيس الاحتياطي الفدرالي وقتها، بن برنانكي، ثلاث جولات مختلفة من التيسير الكمي QE1/QE2/QE3، واشترى الفدرالي ما قيمته أكثر من 4 تريليونات دولار من الأصول بين عامي 2009 و 2014.