من حافة الهاوية لأعتاب نادي التريليون..ما سر طفرة سهم Nvidia؟

نهى النحاس

محررة في CNBC عربية

بقيمة سوقية تقترب من تريليون دولار، قفزت قيمة سهم Nvidia بنحو 600 مليار دولار منذ بداية 2023، وذلك بعدما فقدت الشركة نصف قيمتها أو 300 مليار  دولار في 2022.

وكانت الشركة المصنعة للرقائق خرجت من قائمة أكبر 20 شركة من حيث القيمة على مستوى العالم في 2022، بفعل المخاوف من ركود اقتصادي أثر سلباً على مشتريات المنتجات التكنولوجية.

وأعلنت Nvidia أن تلك الظروف تسببت في تراكم مستويات كبيرة من المخزونات لديها، إذ أصبح لديها كميات كبيرة من وحدة معالجة الرسوميات، وسط تراجع الطلب من جانب المستخدمين بشكل خاص مطوري الألعاب.

لكن يبدو وأن تلك الأيام العصيبة قد انتهت بالنسبة للشركة، إذ قفز السهم بنحو 165% في 2023 وارتفعت قيمتها عند مستويات 963 مليار دولار.

كما ارتفع سهم الشركة بنحو 235% من أقل مستوى في عامين المسجل في أكتوبر تشرين الأول الماضي.

وفي جلسة الخميس الخامس والعشرين من مايو أيار، ارتفعت القيمة السوقية لـNvidia بنحو 184 مليار دولار، معززة مركزها كأكبر شركة رقائق في العالم من حيث القيمة.

ومع تلك المكاسب الضخمة..ما سبب صحوة السهم في 2023؟

السر في رقائق H100

في عام 2022، أصدرت الشركة الأميركية رقاقة H100 وهو واحد من أقوى المعالجات التي صنعتها الشركة على الإطلاق، كما أنها واحدة من أغلى المعالجات إذ تكلف الواحدة 40 ألف دولار.

وعلى الرغم أن موعد إصدار تلك الرقائق كان سيئاً مع سعي الشركات لخفض الإنفاق وسط التضخم المتصاعد، فإن إصدار ChatGPT في نوفمبر تشرين الثاني كان بمثابة نقطة تحول.

وقال جنسن هوانغ رئيس Nvidia إن الشركة انتقلت من عام صعب للغاية نحو نقطة تحول بين عشية وضحاها، مؤكداً أن النموذج اللغوي من OpenAI خلق طلباً فورياً.

وأثارت الشعبية المفاجئة لـChatGPT سباق تسليح ما بين شركات التكنولوجيا الرائدة، والشركات الناشئة في العالم التي تسارع من أجل الحصول على رقاقة H100 التي أكد هوانغ أنها أول رقاقة في العالم مصممة للذكاء الاصطناعي التوليدي.

وتعد Nvidia على رأس الفائزين من الصعود الفلكي للذكاء الاصطناعي التوليدي وهي التكنولوجيا التي تهدد بإعادة تشكيل الصناعات وتحقق مكاسب إنتاجية ضخمة، وتحل محل الملايين من الوظائف.

ومن المقرر تسارع تلك القفزة بواسطة H100، وسط ثقة هوانغ في استمرار المكاسب نتيجة قدرة Nvidia على العمل مع مصنعة الرقائق TSMC لزيادة إنتاج H100 وذلك من أجل تلبية الطلب المتزايد من موفري الخدمات السحابية مثل Google وAmazon وMicrosoft.

وصرح تيد مورتونسون استراتيجي التكنولوجيا لدى Baird لـInsider، بأنه على مدار العقد الماضي أدرك رئيس Nvidia إلى أين يتجه السوق، لذلك استثمرت الشركة مليارات الدولارات في مجالات لا تقتصر على السيليكون بل تمتد إلى البرمجيات.
ويرى مورتونسون أن تلك الرقاقة أتاحت قفزة في التدريب والاستدلال تحديداً في الذكاء الاصطناعي التوليدي.

كيف بدأت Nvidia رحلتها نحو الذكاء الاصطناعي؟

كان هوانغ أحد المؤسسين المشاركين لـNvidia عام 1993، وكانت الشركة تركز على توفير تصميمات جرافيك أفضل للألعاب.

وفي عام 1999، طورت الشركة وحدة معالجة الرسوميات بهدف تحسين عرض الصور على أجهزة الحاسب الآلي.

وتتفوق وحدة معالجة الرسوميات في معالجة العديد من المهام الصغيرة في نفس الوقت.

لكن في عام 2006، تمكن باحثون من جامعة ستانفورد من اكتشاف وحدة معالجة رسوميات ذات استخدام آخر فهي تستطيع تسريع العمليات الحسابية بطريقة لا تستطيع رقائق المعالجة التقليدية القيام بها.

وفي تلك اللحظة قرر هوانغ تطوير الذكاء الاصطناعي كما نعرفه، إذ استثمر موارد Nvidia في خلق أداة تجعل وحدة معالجة الرسوميات قابلة للبرمجة وبالتالي فتح إمكانات المعالجة الموازية لاستخدامات تتجاوز الجرافيك.

وتمت إضافة تلك الأداة إلى رقائق الحاسب الآلي الخاصة بـNvidia، وفي عام 2012 تم الكشف عن AlexNet وهي أداة ذكاء اصطناعي بإمكانها تصنيف الصور وتدربت باستحدام اثنين من معالجات الرسوم القابلة للبرمجة الخاصة بـNvidia.

واستغلت Nvidia أفضليتها عبر الاستثمار في تطوير أنواع جديدة من وحدات معالجة الرسوميات أكثر ملائمة للذكاء الاصطناعي على مدار العقد الماضي.

نتائج مالية براقة..وتوقعات قوية

وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا الانتعاش في المبيعات على النتائج المالية لـNvidia في الربع الأول من 2023، إذ بلغت الأرباح المعدلة للشركة 1.09 دولار للسهم الواحد مقارنة بتوقعات عند 92 ‏سنتاً للسهم، فيما حققت إيرادات بقيمة 7.19 مليار دولار أي أعلى من التقديرات عند 6.52 ‏مليار دولار.‏

كما أن الشركة تتوقع تحقيق قفزة في الإيرادات بنحو 50% أو بقيمة 11 مليار دولار في الربع الحالي وهو ما يتجاوز توقعات المحللين البالغة 7.1 مليار دولار.

هذا وبلغت إيرادات وحدة مراكز البيانات التابعة للشركة 4.2 مليار دولار في الربع الأول من 2023، بما يتجاوز التوقعات البالغة 3.9 مليار دولار.

المحللون يتفاعلون بسرعة مع المكاسب

وفي ظل المكاسب الواسعة التي يحققها السهم، تفاعل المحللون بترقية السعر المستهدف لسهم Nvidia.

وبحسب CNBC، ضاعف JPMorgan السعر المستهدف للسهم من 250 إلى 500 دولار مبقياً على توصيته بزيادة الوزن، مؤكداً أن كل من الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج التوليدية تعمل على تسريع الطلب.

كما رفعت Evercore مستهدفها لسعر السهم من 320 دولاراً إلى 500 دولار.

الرابح الأكبر

ويتوقع الخبراء أن تصبح Nvidia ضمن أكبر الفائزين في عصر الذكاء الاصطناعي لأن الشركة تصمم وحدة معالجة الرسوميات الضرورية لتطبيقات تلك التقنية.

وقال أنغلو زينو المحلل لدى CFRA لـInsider إن التاريخ العميق لـNvidia في مجال “وحدة معالجة الرسوميات”، وسيطرتها الحالية على سوق مركز البيانات لوحدة معالجة الرسوميات تعني أنها ستستمر في قيادة القطيع فيما يتعلق بسوق الذكاء الاصطناعي.

وأضاف: من الواضح أن Nvidia ستكون الفائز الأكبر، فهي تمتلك 95% من القيمة السوقية لسوق حدة معالجة الرسوميات ضمن مساحة مركز البيانات.

تحذيرات من فقاعة

يرى الاقتصادي ديفيد روزنبرغ أن ارتفاع سوق الأسهم والمدعوم بطفرة الذكاء الاصطناعي سيكون قصير الأجل مثل الفترة التي شهدت ما يعرف بـ “فقاعة دوت كوم”.

كما توقع Bank of America أن ينهي الاحتياطي الفدرالي فقاعة الذكاء الاصطناعي في سوق الأسهم.

وأضاف: الفقاعة الصغيرة في أسهم الذكاء الاصطناعي ستستمر على الأرجح حتى ينفذ الفدرالي زيادة إضافية للفائدة بمقدار يتراوح ما بين 100 و150 نقطة أساس.

فيما قال أرت كاشين من UBS في تصريحات لـCNBC إن طفرة الذكاء الاصطناعي التي تجتاح سوق الأسهم ستمثل نسخة مصغرة من فقاعة دوت كوم.

ما هي أبرز محاور الاتفاق المبدئي حول سقف الدين بين بايدن ومكارثي؟

توصل الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي أمس السبت إلى اتفاق من حيث المبدأ لرفع سقف الدين، ويتضمن الاتفاق خفض بعض جوانب الإنفاق الاتحادي.

وبينما تجري صياغة مشروع الاتفاق كشفت مصادر من الحزبين الديمقراطي والجمهوري عن الخطوط العريضة له، وفيما يلي استعراض للمعلومات المتاحة حتى الآن:

سقف للإنفاق التقديري

سيعلق الاتفاق الالتزام بسقف الدين البالغ حاليًا 31.4 تريليون دولار حتى يناير كانون الثاني من عام 2025، بما يتيح للحكومة الأميركية سداد التزاماتها. وفي المقابل، سيتم الإبقاء على الحد الأقصى للإنفاق التقديري غير الدفاعي عند مستويات العام الحالي في عام 2024 وزيادته بـ 1% فقط في 2025.

ووفقا لمكتب الإدارة والميزانية، ستنفق الحكومة الأمريكية 936 مليار دولار على الإنفاق التقديري غير الدفاعي في عام 2023، وهي أموال يتم توجيهها إلى الإسكان والتعليم والسلامة على الطرق وغير ذلك من البرامج الاتحادية.

زيادة الإنفاق الدفاعي

من المتوقع أن يرفع الاتفاق الإنفاق الدفاعي إلى نحو 885 مليار دولار، بما يتماشى مع مقترح بايدن للإنفاق في موازنة 2024.

ويتضمن هذا زيادة بواقع 11% عن 800 مليار دولار المخصصة في الميزانية الحالية.

نقل التمويل الخاص لدائرة الإيرادات الداخلية

وفر بايدن والديمقراطيون تمويلاً جديدًا بقيمة 80 مليار دولار لمدة عشر سنوات لمساعدة دائرة الإيرادات الداخلية على جني ضرائب من الأثرياء الأميركيين وفقًا لقانون خفض التضخم الذي جرت المصادقة عليه العام الماضي، وهي خطوة قالت الإدارة إنها ستدر 200 مليار دولار من الإيرادات الإضافية على مدى السنوات العشر المقبلة.

وسبق أن خاض الجمهوريون والديمقراطيون معركة من أجل نقل هذا التمويل، الذي تم تخصيصه بموجب قانون خفض التضخم “كإنفاق إلزامي” لإبقائه بعيدًا عن المشاحنات السياسية التي تشوب عملية إعداد الميزانية سنويًا، إلى “الإنفاق التقديري” الذي يخصصه الكونغرس.

وتعتزم دائرة الإيرادات الداخلية استخدام التمويل للاستعانة بالآلاف من الموظفين الجدد، ومن المتوقع أن تعوض الإيرادات الضريبية الإضافية التي سيقومون بتحصيلها مجموعة كبيرة من الإعفاءات الضريبية الداعمة لمكافحة تغير المناخ.

ويعارض الجمهوريون هذا ويرون أن الأمر سينتهي بتتبع مدققي الحسابات للأميركيين من أبناء الطبقة المتوسطة، إلا أن وزارة الخزانة وبايدن أكدا أنهما سيركزان على الأسر مرتفعة الدخل.

 

استعادة مخصصات كوفيد

من المتوقع أن يتوافق بايدن ومكارثي على استعادة الأموال غير المستخدمة التي سبق تخصيصها للتخفيف من تداعيات جائحة كوفيد في إطار اتفاق الموازنة، بما في ذلك التمويل الذي تم تخصيصه لأبحاث اللقاحات والإغاثة في حالات الكوارث. وتشير التقديرات إلى أن المبالغ غير المستخدمة تتراوح بين 50 و70 مليار دولار.

متطلبات العمل

خاض بايدن ومكارثي مواجهات محتدمة حول فرض متطلبات عمل أكثر صرامة على الأميركيين ذوي الدخل المنخفض ليكونوا مؤهلين للاستفادة من برامج الغذاء والرعاية الصحية.

ولم يتم إدخال أي تغييرات على برنامج ميديكيد، لكن الاتفاق سيفرض متطلبات عمل جديدة على ذوي الدخل المنخفض الذين يتلقون مساعدات غذائية بموجب برنامج المساعدة الغذائية التكميلية المعروف باسم سناب. وسيتم تطبيقها على المستفيدين حتى سن 54 عامًا وليس 56 عامًا كما اقترح الجمهوريون.

وبرنامج سناب هو برنامج مساعدة غذائي اتحادي يخدم أكثر من 40 مليون شخص.

تصاريح مشاريع الطاقة

اتفق بايدن ومكارثي على قواعد جديدة لتسهيل حصول مشاريع الطاقة بما في ذلك المشاريع القائمة على الوقود الأحفوري على التصاريح اللازمة للتشغيل. وكان مكارثي والجمهوريون قد أكدوا أن السماح بهذه التعديلات هو أحد الأعمدة من أجل التوصل لأي اتفاق. ودعم البيت الأبيض الخطة في وقت سابق من هذا الشهر.

ماذا إذا تنحّى سلامة.. وماذا إذا استمر؟

لا تنفع المكابرة في قضية رياض سلامة. وينبغي الاعتراف أنه حان الوقت لاتخاذ قرار سريع، في شأن كيفية التعاطي مع هذا الملف، خصوصاً لجهة حسم إشكالية استمرار الرجل في منصبه حتى نهاية ولايته، أو المسارعة الى الاتفاق على صيغة حل يجنّب البلد المزيد من المخاطر والمجازفات.

لا شك في انه لا يحق لأحد ان ينظر الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وكأنه مرتكب قبل ان يصدر حكم قضائي مُبرم في هذا الموضوع. ولكن، لا يمكن التعاطي مع هذا الملف، وكأن شيئاً لم يكن. فالحديث هنا عن حاكم بنك مركزي، يفترض ان يكون مثل امرأة قيصر، فوق الشبهات. أما أن يكون حاكم المركزي متهماً، بانتظار ان يُثبت براءته، وان تكون هناك مذكرة دولية في حقه، لسوقه امام القضاء الفرنسي، وأن يستمر على رأس مؤسسة بأهمية وحساسية البنك المركزي، فهذا أمر أقل ما يُقال فيه انه غير طبيعي. والمقصود هنا، ليس الاستقالة او الاقالة، بل مبادرة من قبل سلامة تقضي بتعليق مهامه مؤقتاً، بانتظار تبيان الخيط الاسود من الخيط الابيض في القضاء الفرنسي… واللبناني ايضاً.

ومع ذلك، فإنّ استمرارية سلامة مثل استبعاده، تطرح اشكاليات ومشاكل يصعب تجاوزها في الوضع الحالي. واذا كان بقاء سلامة سيزيد الشكوك في احتمال وقف تعاون المؤسسات المالية الدولية مع مصرف لبنان، طالما ان سلامة هو من يوقّع الاوراق والمستندات التابعة للمصرف، فإنّ ازاحته قد تؤدي الى ما يشبه الفراغ القاتل في سدة الحاكمية. وقد بات واضحاً ان المناخات السياسية، في غياب رئيس للجمهورية، لن تسهّل امكانية التوافق على البديل. ولا يبدو ان الرئيس بري في وارد التراجع عن رفض تسلّم الحاكم الاول وسيم منصوري مهام الحاكمية. وفي كل الاحوال، ليس مُستحباً، بالنسبة الى الاحزاب والقوى المسيحية، ان يتسلم الموقع شخص غير مسيحي، في غياب رئيسٍ للجمهورية، بما سيجعل الامور أصعب، لا سيما ان الملف الرئاسي مفتوح على احتمالات الاطالة بما يجعل مجرد التفكير بتسليم الحاكمية مؤقتاً الى غير مسيحي، مسألة معقدة.

يبقى السؤال، ما هي التداعيات المالية والاقتصادية لبقاء سلامة او لتنحّيه من دون تأمين بديل؟

من الوجهة العملية، لا يوجد فارق عملي بين الوضعين. بمعنى، انّ من يراهن على ان الدولار سيحلّق فور تَنحّي سلامة، او ان الاقتصاد سينهار اكثر، يكون واهِماً. سعر صرف الليرة لا علاقة له بوجود سلامة او غيابه، لأن ما يجري عبر منصة «صيرفة» بات واضحا للجميع. مصرف لبنان يتحمّل خسائر مالية من اموال المودعين، مقابل دعم الليرة للحفاظ على استقرار مبدئي. وهذا الامر يمكن مواصلته في كل الاحوال. لكن، من المستغرب ان يكون المطلوب الحفاظ على سعر الليرة بأيّ ثمن. وكيف يعطي مصرف لبنان او السلطة السياسية التي طلبت منه، أو غَطته، صلاحية الانفاق من اموال الناس للدفاع عن الليرة. صحيح ان العملة الوطنية للجميع، لكن الصحيح أكثر ان اموال المودعين ملكية خاصة لا يمكن المسّ بها تحت اي مسمّى. وقد تمّ إهدار حوالى 22 مليار دولار من هذه الاموال منذ بداية الأزمة. فهل المطلوب انفاق كل ما تبقّى؟

وبالتالي، المشكلة لا تتعلق بالحفاظ على استقرار الليرة، وهو استقرار مصطنع ومكلف وغير قانوني، ولم يتحقق سوى منذ بضعة اسابيع، وقد لا يستمر طويلا، لأنه ليس في مقدور المركزي مواصلة دعم الليرة بهذه الطريقة. لكن المشكلة تكمن في مكان آخر، اذ انّ اي شخص سيتم إسناد مسؤولية الحاكمية اليه، بشكل مؤقت، لن يكون قادرا على اتخاذ اي قرار يتطلب قدراً من الشجاعة والحزم. وهذا الامر واضح في المناقشات التي بات يشهدها المجلس المركزي في مصرف لبنان، اذ انّ التردّد والخوف وحسابات المصالح الخاصة تسيطر على ما عداها، بدليل انّ قرارا لتنظيم العلاقة بين المصارف والمودع، غَطّته الحكومة بقرار وتوصية الى البنك المركزي، لم يصدر حتى الآن، بسبب القلق غير المبرّر الذي يسيطر على الاعضاء. والبلد سيحتاج في الايام المقبلة الى من يجرؤ على اتخاذ القرارات، لأن الانهيار يتطلب اجراءات استثنائية بانتظار عودة الانتظام السياسي، وعودة المجلس النيابي الى ممارسة دوره التشريعي بشكل طبيعي، لكي يتم إقرار تشريعات تحاكي التغييرات التي فرضها الانهيار.

في المحصّلة، سيتبيّن بعد استعراض الاحتمالات، ان الضرر قائم، بوجود سلامة كما في غيابه، وسيكون الاختيار، في هذا الوقت، وقبل انتخاب رئيس للجمهورية، بين الاسوأ… والاسوأ، ولا شيء غير ذلك.

أنطوان فرح

ماذا لو تخلفت أميركا عن سداد ديونها؟

منذ أقل من شهر، والجهات المالية الأميركية تتبادل التحذيرات من ظواهر مالية كارثية تصل إلى الإفلاس؛ لأن وزارة الخزانة الأميركية قد لا تتمكن من الوفاء بجميع التزامات ديون الحكومة، بحلول شهر يونيو (حزيران) بعد أيام قليلة. لم يتخيل أحد من الأميركيين أو من أي دولة أخرى أن الولايات المتحدة، وهي أثرى دولة في العالم، وعملتها أقوى عملة في سلة العملات الدولية، يمكن أن تكون على حافة الانهيار النقدي، وعاجزة عن سداد الديون التي تقدَّر بأكثر من 31 تريليون دولار. ولم تجد وزيرة الخزانة جانيت يلين حلاً إلا رفع سقف الدَّين العام للدولة، لكن هذا القرار الغريب والفريد يحتاج إلى مفاوضات عسيرة مع «الكونغرس» لرفع السقف بأسرع وقت ممكن. وتذكرت أن بعض وزارات المالية العربية، مثل لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، كلها عاجزة عن تسديد الديون، وليست لها سقوف بسبب الفساد المالي والسرقات الهائلة، بحيث لا تنفع معها أي سقوف أو تغطيات.

لقد حدثت أزمات مالية في الولايات المتحدة مراراً، وفي معظم الدول قد يحدث عجز هنا أو هناك، لكن أحداً لا يقترح رفع السقف، أو إزالته أصلاً وفصلاً!

المهتمون بالاقتصاد الأميركي، والمتعاملون مع شركاته، يعرفون أن أهم قطاع اقتصادي كان، إلى سنوات قليلة، قطاع تصنيع السيارات الأميركية، الذي وصفه الأميركيون أنفسهم بأنه «يجسد قمة العجرفة والغرور».

ومرّت هذه الصناعة بأزمات عديدة، وحين اختار القطاع الاقتصادي المائل «خطة إنقاذ» مالية في عام 2008، قيل إنه «أسوأ اختيار». وكانت واشنطن تستعدّ، في ذلك العام، للخروج من مستنقع الحرب على العراق واحتلاله. وفي ذلك الظرف لم يكن هناك أي حلّ لإنقاذ شركات السيارات، حتى مع نقل بعض المصانع الأميركية إلى دول آسيوية، لتخفيض التكاليف، ورخص الأيدي العاملة، وصِرنا نسمع عن سيارات شيفروليه كورية، أو علامات أخرى في ماليزيا وكندا والمكسيك وألمانيا وإنجلترا والهند والبرازيل وإيطاليا، وحتى في الصين الشعبية.

وبدا، بعد فترة، أن هذا الحل «ليس في محله»، فتحوّلوا إلى فيلم «المنقذون»، ويُقصد به شركات التأمين؛ تشبيهاً له بفيلم رسوم متحركة أنتجته شركة «والت ديزني» في عام 1977.

وتساءل الأميركيون، في ذلك الحين، إذا ساعدت الحكومة الأميركية قطاع السيارات، فلماذا لا تساعد شركات الطيران والسكك الحديدية، وشركات النفط الأميركية، وشركات التكنولوجيا الحيوية؟ وقبل كل ذلك، مَن سينقذ الأسواق العامة من التضخم أو الركود؟ وتم توجيه تهمة «العجرفة» و«الغرور» إلى هذه الشركات في تعاملها مع الزبائن أيضاً. وما زال سوق السيارات وقطاع الطيران يتشاركان تهمة واحدة؛ ليس في الولايات المتحدة فقط، وإنما حول العالم أيضاً، بعكس أسواق الأثاث المنزلي، والملابس، وحتى المزادات، والذهب والمجوهرات، والسياحة، والتعليم. وقد يذهلنا أن نعرف أن دفن الموتى في الولايات المتحدة «أغلى من الحياة نفسها»! والأعجب أن مسلمي أميركا يعانون من سوق المدافن، حيث الجنازة تكلف، على الأقل، عشرين ألف دولار في «دار الرحمة» للدفن في نيويورك! ولذلك يريد معظم المهاجرين أن يُدفنوا في الوطن الأم؛ ليس بسبب الحنين إلى الأقارب والوطن، وإنما لتخفيف الأعباء المالية.

والعجيب في أزمة السيارات الأميركية، دون ذكر الأسماء، أنها تخسر بين فترة وأخرى، وتحتاج لإنقاذ مالي، بينما شركتا سيارات يابانيتان، دون ذكر أسماء أيضاً، ومقراتهما في الولايات المتحدة، تصنعان سيارات ذات نوعية أفضل، وتصاميم أكثر أناقة، وأقل استهلاكاً للوقود، ولا تجد السيارات الأميركية في اليابان إقبالاً من اليابانيين؛ لأنهم لا يقتنعون لماذا يجب عليهم شراء سيارات تستهلك كثيراً من الوقود وذات مقود في الجانب الخاطئ من الطريق؟!

قد تطول هذه الأزمات؛ ليس في السيارات، والمدافن الأميركية فقط، ولا في الشوكولاته السويسرية، ولا في مصارعة الثيران الإسبانية، ولا حتى في كرة القدم البرازيلية، والنوادي الإنجليزية، ولا المنتجعات الأوروبية، ولا غيرها.

في سنوات تلك الأزمات والقحط، دعا متخصصون في مثل هذه الأزمات إلى إيقاف كل خطط الإنقاذ المالية فوراً؛ لأنها تزيد الطين بلّة، إلا أن الزمن يعيد نفسه مع دوران الكرة الأرضية، حتى لو جاء رئيس أميركي بهذا العمر وأَقسم أنه وجد حلاً لكل مشاكل الكرة الأرضية في «المناخ»، وعقدت العواصم هنا وهناك مؤتمرات عاجلة للمناخ، وانتشرت مظلات الأمطار، ومعاطف الرياح، وبرامج درجات الحرارة، وكثافة الثلوج، و«كورونا» القديمة والمحسّنة، ولم يتغير شيء؛ لا في السيارات، ولا في الطائرات، ولا في «العجرفة والغرور»، والورقة الوحيدة التي يمكن أن تربح هي، يا لَلغرابة، ورقة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي لا يمكن وصفه بأنه «متعجرف أو مغرور»، فهو رجل في غاية البساطة ويسعى إلى تمديد حكمه.

قد يكون «رفع السقف» حلاً أخيراً، لكن له أضراره أيضاً؛ في مقدمتها أزمة تهدد بانهيار الدولار. وقد لجأت أميركا إلى هذا الإجراء 78 مرة منذ عام 1960، وهو يبلغ حالياً 31.4 تريليون دولار، كما يؤدي إلى هبوط الأسهم وتسريح موظفين.

أكبر دولة دائنة للولايات المتحدة هي الصين، وهي تخشى تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون. وحذّرت مجلة «فورين بوليسي» من مغبّة أي تخلف، وما قد ينجم عنه من أزمة اقتصادية عالمية. وتساءلت: كيف للصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، النجاة، إذا تخلفت واشنطن عن سداد ديونها؟! وفي هذه الحالة يمكن للصين استحداث نظام مالي عالمي جديد أقل اعتماداً على الدولار. ومهما يكن الحل، فإن الصين ليست الولايات المتحدة في الاقتصاد.

داود الفرحان

مستقبل تجارة الشيكات باللولار

في بداية الأزمة الإقتصادية، والإجتماعية، والمالية، والنقدية في لبنان، والتي أصبحت اليوم من المتعارف عليها من أكبر الأزمات في العالم، تميّزنا أيضاً بوجود أكثر من 7 أو 8 منصات وأسواق صرف في السوق اللبنانية. سنُركز في هذا المقال على سوق صرف الشيكات بالدولار اللبناني في السوق اللبنانية، منذ بدايتها حتى وصولها إلى «هيركات» يُقارب الـ90%، ومستقبلها.

عندما بدأت الأزمة في أواخر العام 2019، وأُقفلت المصارف أكثر من 12 يوماً متتالياً، كان لدى المصارف اللبنانية ودائع بنحو 180 مليار دولار، كما كان أيضاً لديها ديون عند حدود الـ 55 ملياراً، الذي كان يشكل 110% من الناتج المحلي، والذي كان يقارب الـ 50 ملياراً.

فبعدما فتحت المصارف أبوابها بشكل خجول، هلع المودعون لسحب أموالهم أو تحويلها إلى الخارج، ومن المنطق أن هذه الودائع لم تكن موجودة، لأن قسماً منها كان مديناً للقطاع الخاص، وقسماً آخر كان مُستثمراً بسندات الخزينة والأوروبوندز، والقسم الثالث كودائع في البنك المركزي. فكان مستحيلاً تلبية الطلبات النقدية.

فبدأ المدين تسديد ديونه بتحويلات مصرفية أو بشراء شيكات من السوق. وبدأ بعض المودعين إستثمار ودائعهم بالشيكات، وشراء بعض العقارات، لحماية قسم من ودائعهم. هكذا بدأ تداول الشيكات بطريقة عشوائية وحادة.

فبدأ الشيك يُباع بـ 90% من قيمته في مقابل الكاش، ومن ثم انخفض إلى 85%، ومن ثم 80%، 70%، 60%، وصولاً إلى الـ 10% راهناً. وكان يلحق سوق العرض والطلب. فالواضح أن العرض كان يتزايد يوماً بعد يوم، والمودعون يقبلون الـ«هيركات» الذي يتزايد أكثر فأكثر حتى وصلت الخسائر إلى 90% اليوم.

فمَن كان يشتري الشيك، كان همّه تسديد ديونه بسعر أقل، والذي كان يبيع الشيك كان أولاً يريد الحصول على بعض الكاش، حتى بخسائر لحماية ما تبقّى من ودائعه، أو يراهن على استثماره في بعض العقارات لحماية رزقه بالحجارة والبناء، ويُهرّبه من وجه المؤسسات المالية. وكان هذا الرهان رابحاً وناجحاً، لأن مَن استثمر ودائعه بالعقار منذ بداية الأزمة، بات يستطيع بيعه اليوم بالفريش كاش، وإسترجاع بعض قيمته، حتى ولو بخسائر طفيفة.

كانت سوق الشيكات هذه نشطة جداً للأسباب المذكورة، فالناشطون كانوا يُسدّدون ديونهم، أو مَن يستثمر في العقار، أو مَن يهرب من السوق المالية لشراء الكاش، وبعض الجهات المجهولة التي كانت تراهن على تجميع هذه الشيكات، لربما بُغية أخذ حصص من المصارف يوماً ما إذا حصلت إعادة أي هيكلة، وتثبيت مشروع الـ Bill in. لكن مع مرور الوقت إنخفضت الودائع ووصلت إلى الـ 100 مليار دولار أو أقل.

أما ديون القطاع الخاص فإنخفضت أيضاً ووصلت إلى نحو 15 مليار دولار تقريباً. ففي النتيجة إنخفض العرض والطلب على هذه الشيكات باللولار، وإنخفضت قيمتها حتى وصلت إلى 10%.

من جهة، إن تسعير هذه الشيكات مربوطاً بصرفها بحسب تعميم 151، الذي يلحق التسعير الرسمي، والذي ارتفع إلى 15 ألفا في شباط 2023، ومقارنته بسعر السوق السوداء من جهة أخرى. فعندما تنخفض النسبة بين هذين العاملين ينخفض سوق صرف الشيكات، وإذا إرتفعت على نحو طفيف تلحقه. فالنسبة اليوم هي بتحويل الشيكات بالدولار إلى الليرة اللبنانية بحسب تعميم 151، ومن ثم بيع الشيك بالليرة لشراء العملة بالليرة اللبنانية، ومن ثم شراء الفريش كاش من السوق السوداء أو من منصة صيرفة، حيث يكون تقريباً نحو 12%-13%.

فهكذا يتقلّص سعر الشيكات بالدولار اللبناني من جهة بحسب العرض والطلب لتسديد الديون، ومن جهة أخرى بحسب تعميم 151، ومنصة السوق السوداء، التي توصل في النهاية إلى بعض الدولار الفريش. إضافة إلى كل هذه الضغوط، بدأت المصارف أكثر فأكثر ترفض استقبال الشيكات من غير المصارف، لتخفيف تعارضها ومخاطرها على المصرف المركزي، فتجارة الشيكات تطوّرت وأصبح هناك سعر مختلف بحسب أسماء المصارف، وبدأ عرض وطلب جديد بحسب طلبات السوق.

فيُمكن أن يُتاجر ببعض الشيكات بأسعار أعلى أو أقل بحسب متطلبات السوق والمدينين، وأصبح هناك خيارات انتقائية، في هذه المنصة والتجارة. فبعض الشيكات تُرفض، وبعضها الآخر يُبحث عنها، بعض الأسماء تُشطب، لبعض المخاطر والعقوبات، ولأسباب الإمتثال، وبعض الأسماء البيضاء يُرفع سعر شيكاتها.

الحقيقة المرّة وراء كل هذه التجارة الوهمية، وسوق الشيكات هذه، التي هي «هيركات» مبطّن، تعني أن هذه الدولارات اللبنانية أصبح يُتاجَر بها، كأنها بعض الودائع بالليرة اللبنانية، بحسب سعر الصرف الرسمي، الذي يبلغ أكثر من 85% من قيمته فقط، والإستحصال عليه يكون ببعض السيولة النقدية، حيث تزداد الخسارة إلى ما يقارب الـ5% إضافية. ونصل إلى خسارة 90%، ويتبقّى 10% مما تعب به اللبنانيون مدى حياتهم ولعقود مديدة.

في المحصّلة، إن تجارة الشيكات ستنخفض مع الوقت، تزامناً مع العرض والطلب، وسيتتابع تحويل الودائع باللولار اللبناني، بحسب التعاميم المتتالية، بأسعار بخسة، وبخسائر فادحة. فالكل يريد طمر رأسه بالتراب كالنعامة أمام هذه الجريمة المالية والنقدية وأكبر عملية نهب في تاريخ العالم.

د. فؤاد زمكحل

مصرف لبنان يملك 1220 عقاراً مساحتها 43 مليون م٢

هل للمودعين حقّ فيها؟

يطرح مصرف لبنان بين الحين والآخر وبشكل خجول بعضاً من العقارات الخاصة التي يملكها والتي استحوذ عليها من المصارف التي تمّت تصفيتها، او من خلال دعمه للمصارف المتعثرة من خلال شراء العقارات التي تملكها من اجل دعمها بالسيولة التي تحتاجها وتفادي افلاسها، بدلاً من فرض اصلاح هيكلي فيها ومعالجة اسباب تعثرها بشكل جدّي. اللافت في الامر ان صفقات بيع العقارات لمصرف لبنان من قبل المصارف كانت تدرّ الاموال على المصارف المتعثرة لصالح إنقاذها وعلى الخبراء الذين يوكلهم مصرف لبنان مهمّة تحديد قيمة العقار.

سمسرات وتقييمات

وبما ان مصرف لبنان كان يسدد للمصارف 60 في المئة من القيمة التقديرية التي يحددها الخبراء، فان سمسرات عديدة وكبيرة كانت تحصل بين المصارف والخبراء من اجل تزوير قيمة العقارات. لا بل كانت تعمد المصارف المتعثرة التي تحتاج الى السيولة، الى شراء العقارات بأبخس الاثمان لاعادة بيعها لمصرف لبنان بأسعار مضاعفة أضعافاً. أي على سبيل المثال، كانت المصارف تشتري عقاراً بمساحة 100 ألف متر مربع بقيمة دولار واحد للمتر المربع وتبيعه في اليوم الثاني للبنك المركزي بقيمة 3 دولارات للمتر المربع.

منطقة الطفيل

كما ان قضية منطقة الطفيل الحدودية خير مثال عن تلك الممارسات. فقرية الطفيل تبلغ مساحتها ما يقارب 40 كيلومتراً مربعاً وهي جزء من لبنان ولا يمكن الوصول اليها الا من الاراضي السورية ولا تربطها بسهل البقاع اي طريق معبدة بل هناك بعض الطرق الترابية التي تستعمل غالباً للتهريب. يملك مصرف لبنان الجزء الاكبر من العقارات في المنطقة المذكورة نتيجة شرائه عقارات في الطفيل من بنك “مبكو” الذي كان متعثراً آنذاك ومهدداً بالافلاس. وبهدف إنقاذ المصرف وحسابات المودعين المنتمين بغالبيتهم لحركة “أمل” تمّ تخمين قيمة المتر المربع بـ13 دولاراً، علماً ان القيمة الحقيقية لم تكن تساوي دولاراً واحداً! وقد أشيع في العام 2019 ان مصرف لبنان باع عقارات الطفيل الى شخصية سورية لها علاقات مباشرة بشخصيات مقربة من النظام السوري، بقيمة 22 مليون دولار.

ماذا تتضمّن المحفظة؟

تتضمن محفظة مصرف لبنان العقارية حالياً 1200 عقار خاص على مساحة تبلغ اكثر من 43 مليون متر مربع، متوزعة بين كافة المحافظات اللبنانية، وفي محافظة الشمال حصة الاسد حيث يبلغ عدد العقارات التي يملكها مصرف لبنان هناك 634 عقاراً هي بغالبيتها اراض باستثناء عقار هو عبارة عن حصة في بناء، وعقار عبارة عن شقة سكنية. تلي محافظة الشمال، محافظة جبل لبنان التي يملك فيها البنك المركزي 395 عقاراً، هي بغالبيتها ايضاً اراض. من ثم بيروت التي يملك فيها 81 عقاراً في غالبيتها تعود سابقاً الى بنك المدينة، تليها محافظة البقاع التي يملك فيها 62 عقاراً، فالجنوب 24 عقاراً واخيراً النبطية 4 عقارات فقط.

الاصول الثابتة 4.6 مليارات دولار

ضمن ميزانية مصرف لبنان الرسمية عن كانون الثاني 2023، تبلغ قيمة الاصول الثابتة التابعة للبنك 437106 مليارات ليرة، اي ما يعادل حوالى 29 مليار دولار على سعر صرف الـ15 ألف ليرة الرسمي المعتمد في القطاع المصرفي، او ما يعادل حوالى 4 مليارات و600 مليون دولار على سعر صرف السوق الموازية. تضم الاصول الثابتة محفظة العقارات التي يملكها مصرف لبنان بالاضافة الى ممتلكاته الخاصة الاخرى، كحصته في شركة انترا التي تمتلك العديد من العقارات.

لا تقديرات رسمية

لا توجد تقديرات دقيقة او رسمية لقيمة محفظة عقارات مصرف لبنان حالياً، لان الممتلكات التي يستحوذ عليها مصرف لبنان تسجل قيمتها في دفاتره بالسعر الذي تم تسديده تاريخ اتمام عملية الشراء وبالليرة اللبنانية. وبالتالي، تستوجب عملية تقدير قيمة محفظة العقارات اعادة تخمين لمجمل العقارات التي يملكها بعد انهيار سعر الصرف وبعد تبدّل أسعار العقارات.

مغارة علي بابا

وبما ان مصرف لبنان من الجهات المسؤولة عن الانهيار الاقتصادي والمالي وتضرُّر المودعين، فان الخوض في بحث لتحديد محفظة مصرف لبنان العقارية امر ضروري، في ظل الحديث عن أهمية تقاسم الخسائر واعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف وكيفية تحصيل حقوق المودعين وتمويل الميزانية العامة. وعلى حدّ تعبير احد المسؤولين فان محفظة مصرف لبنان العقارية ليست محفظة بل هي “مغارة علي بابا”، وبالتالي يجب التدقيق في عمليات البيع والشراء التي تمّت خلال السنوات العشر الماضية والتي لم يعلن عنها.

عياش: لا ضمانة للحصول على تخمين شفاف

في هذا الاطار، اوضح نائب حاكم مصرف لبنان السابق، د. غسان عياش ان استحواذ مصرف لبنان على تلك العقارات تمّ لدى تصفية البنوك المتعثرة في الماضي، وقد استملك عدداً كبيراً منها أيام توّلي إدمون نعيم سدّة الحاكمية، حيث كان يلجأ الاخير الى تصفية المصارف المتعثرة وشراء العقارات التي تملكها بدلاً من محاولة معالجة اوضاعها وإجبارها على زيادة رأسمالها. وقد “كرّت السبحة” لاحقاً، حيث بات البنك المركزي برئاسة رياض سلامة يساهم في مدّ المصارف المتعثرة بالسيولة المالية مقابل استحواذه على عقاراتها.

واعتبر عياش انه من المفترض اليوم ضمن المعالجات المطروحة لاسترداد الودائع، تصفية محفظة العقارات التي يملكها مصرف لبنان، “ولكنّ المشكلة تكمن بانعدام الطلب على العقارات حالياً وبعدم الضمانة في حصول عملية تخمين شفافة لقيمة العقارات، نظراً لعمليات التزوير والسمسرات والفضائح التي حصلت في الماضي”.

ضاهر: التدقيق أولاً ثم تحديد المسؤوليات

من جهته، شدد رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين المحامي كريم ضاهرعلى ان أي استخدام لاصول مصرف لبنان اي اصول الدولة يجب ان يأتي في اطار خطة اقتصادية متكاملة تتضمن كيفية استعادة الودائع، وليس عبر خطوات مجتزأة. واوضح لـ”نداء الوطن” انه يجب أوّلا اعادة هيكلة مصرف لبنان والانتهاء من التدقيق الجنائي لتحديد العجز الفعلي في ميزانية مصرف لبنان وتحديد الاسباب او الجهات المسؤولة عن ذلك.

لا يجوز استخدام المحفظة

ورأى ضاهر انه لا يمكن استخدام محفظة مصرف لبنان العقارية على غرار المطالبات ببيع اصول الدولة لسدّ الودائع، لان مصرف لبنان مدين للمصارف وليس للمودعين، والمصارف بدورها مدينة للمودعين بمعزل عن علاقة المصارف بمصرف لبنان. وبالتالي أكد انه يجب تحميل المسؤولية الكبرى لاصحاب المصارف والمساهمين واجراء عملية اعادة هيكلة للمصارف وتحديد المصارف التي يمكن إنقاذها والتي تستوجب اعادة رسملتها. موضحاً انه في اطار اعادة الرسملة، وفي حال تبيّن ان هناك مبالغ مستحقة للمصارف لدى مصرف لبنان تتم اعادة جدولتها. أما المصارف التي لا يمكن إنقاذها والتي يجب تصفيتها، فان الدين المترتب على مصرف لبنان تجاه تلك المصارف، اي العجز الذي سيتم تحميله للمودع بنهاية المطاف، يمكن حينها تطبيق المادة 313 وتحميل الدولة اي مصرف لبنان المسؤولية تجاه المودعين الذين لم يسترجعوا حقوقهم رغم تصفية المصارف المتعثرة.

استخدام في إطار حوكمة

وبالتالي، أشار ضاهر الى انه بعد حلّ عملية التشابك بين مصرف لبنان والمصارف والطبقة السياسية، وبعد وضع آلية واضحة لضمان حقوق المودعين على المدى البعيد، يمكن آنذاك استثمار محفظة مصرف لبنان العقارية لاعادة حقوق المودعين على مراحل، باطار حوكمة رشيدة وادارة شفافة على صعيد مصرف لبنان.

تحذير من إفادة كبار المودعين فقط

وحذر ضاهر من ان تصفية محفظة مصرف لبنان العقارية لتسديد الديون المترتبة على مصرف لبنان للمصارف، لن تصبّ سوى في مصلحة كبار المودعين الذين راهنوا بأموالهم رغم درايتهم التامة بالمخاطر الكبرى بهدف تحقيق الارباح. وبالتالي لن تصبّ عملية تسديد ديون مصرف لبنان في صالح صغار المودعين (88% من اجمالي المودعين) واصحاب الودائع المتوسطة المشروعة والذين يُخطط لهم ان يستمروا في استنزاف ودائعهم عبر الاقتطاعات المفروضة حالياً من خلال التعاميم، الى حين سحبها كاملة. هذا السيناريو، سيطرح لاحقاً بيع اصول الدولة او تصفية محفظة مصرف لبنان العقارية لتسديد الودائع الكبرى المشبوهة او غير المشروعة او اصحاب الثروات الذين استفادوا من الفوائد المرتفعة والاشخاص النافذين.

رنى سعرتي