سوق السندات الأميركي .. رسائل متباينة

يبدو أداء سوق السندات الأميركي ملفت للغاية مع ارتفاع العوائد الأميركية لعشر سنوات مجدداً إلى 4.7% أعلى مستوى منذ نوفمبر تشرين الثاني الماضي رغم تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في الربع الأول 2024 (تراجع النمو إلى 1.6% مقابل نمو 3.4% في الربع الرابع من العام الفائت) ولكن ماذا يحدث بالضبط؟

أولاً، هناك إعادة تسعير وقناعة Markets perception إلى حد ما بأن الاقتصاد لن ينحدر إلى ركود قاسي أو تراجع فرضية soft-landing قد تكون أكثر واقعية وممكنة الحدوث حالياً.

ثانياً، سيكون هناك تخفيض للفائدة الأميركية في 2024 ولكن سيكون محدوداً آخذين بعين الاعتبار الفرضية الأولى وهذا بالضبط ما سيرفع شهية المخاطر وبدوره يرفع العوائد على السندات (سعر السندات يتراجع).

يدل سلوك الأسواق Markets’ behavior على أن مدراء الاستثمار النشطين Active managers  هم من يقودون السوق حالياً وليس استثماراً طويل الأجل، محاولين الاستفادة من التقلبات اليومية Volatility.

هكذا سيناريو لا يسعّر المخاطر العميقة للأسواق وبالتالي سيتركها مكشوفةً على تصحيح قاسي في السندات خصوصاً. وهناك نقطة غاية في الأهمية وهي أن تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لأميريكا في الربع الأول 2024 كان بتأثير تراجع الإنفاق الحكومي وهذا تفصيل سياسي ومتربط بقدرة الخزانة الأميركية على إصدار الديون لتمويل الإنفاق (أي العودة إلى نفس الدورة السابقة من رفع سقف الدين الأميركي ولذلك نرى عوائد السندات مرتفعة بتأثير قواعد العرض والطلب في أكبر سوق سندات حكومية في العالم).

لو دققنا في أرقام الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول لوجدنا تراجعاً قوياً في الصادرات من 5.1% في الربع الرابع 2023 إلى فقط 0.9%، بينما ارتفعت الواردات بقوة بنسبة 7.2% مقارنة بنسبة 2.2% في الربع الرابع 2023 وهذا يعني ارتفاع العجز التجاري الأميركي.

الجانب الآخر أن قوة الدولار الأميركي وارتفاع مؤشره 4.25% في 2024 سيجعل من صادرات أميركا غير تنافسية ووارداتها رخيصة نسبياً  أي أن أميركا ستصدّر التضخم إلى العالم، وهذا ملف شائك لا نعتقد أن أميركا ستبقى مكتوفة الأيدي مقابل تراجع بقية العملات الرئيسية مقابل دولارها القوي وخاصةً مع الشركاء التجاريين في اليابان (دولار$ مرتفع 11% مقابل الين في 2024)، منطقة اليورو ($ مرتفع 3% مقابل اليورو في 2024)  وكذلك الصين (تراجع اليوان 2% مقابل $ في 2024) مع ارتفاع حدة الجدل فيما لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض بعد عدة أشهر.

أداء عوائد السندات الأميركية لايعكس بالضرورة واقعية اقتصادية بل يعطي حسب اعتقادنا الإشارة الخطأ في الاقتصاد الأكبر في العالم والذي لايزال إلى الآن يؤدي أداءً ملفتاً فاق التوقعات السابقة. تسعير المخاطر لايحدث في لحظة حدوثها، بل الأفضل تجنب حدوثها أو التحوط من تبعاتها.

مازن سلهب