أهمية تعيين حاكم للمركزي: درس من أميركا

إذا ألقينا نظرة سريعة على الولايات المتحدة كنموذج يمكننا أن نتعلّم منه. يُعَد البنك المركزي الأميركي، المعروف بـ”الاحتياطي الفدرالي”، نموذجاً رائداً في تحقيق الاستقلالية والكفاءة. يتمّ تعيين رئيس الاحتياطي الفدرالي لفترة طويلة تتجاوز فترة الرئاسة الحالية، وهذا الأمر يحمي المؤسسة من التدخل السياسي القصير الأجل ويعزّز استقلاليتها في اتخاذ القرارات النقدية.

بفضل هذا النظام، يمتلك الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة سجلاً حافلاً على صعيد ضمان الاستقرار المالي والنقدي. ويتمتع البنك بقدرة فريدة على التصدي للتحديات الاقتصادية الداخلية والعالمية، وهو قادر على اتخاذ قرارات مستقلة تعكس احتياجات الاقتصاد وتدعم النمو المستدام.

كذلك، يجب أن يتمتع حاكم البنك المركزي في لبنان بالاستقلالية والكفاءة لمقاومة التحديات الاقتصادية الصعبة التي يواجهها البلد. ومن المهم أن يتم تعيين الحاكم بعيدًا من التأثيرات السياسية والضغوط الحزبية، بحيث يكون قادراً على اتخاذ القرارات النقدية الحكيمة التي تحافظ على استقرار النظام المالي والنقدي وتعزّز الثقة في العملة الوطنية.

لذلك على السلطات اللبنانية أن تتعاون معاً لتحقيق هذا الهدف الحيوي، كذلك يجب أن يتم اختيار المحافظ على أساس الكفاءة والخبرة في مجال السياسة النقدية والاقتصادية. ويجب أن يكون شخصاً ذي سمعة طيبة ومحترماً، ويتمتع بالقدرة على تحمل الضغوط واتخاذ القرارات الصعبة وفقاً للمصلحة العامة.

باختيار محافظ قوي للبنك المركزي في لبنان، يمكن للبلاد تحقيق الاستقرار المالي والنقدي الذي يعدّ مدماكاً أساسياً للنمو الاقتصادي المستدام. يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين الحكومة والمركزي لضمان تحقيق الأهداف الاقتصادية والمالية للبلاد.

يجب أن يتمتع البنك المركزي بالاستقلالية والكفاءة ليكون عمادا قويا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي للبلاد. وباستلهام النموذج الأميركي، يمكن للبنك المركزي في لبنان تجاوز التأثيرات السياسية وتعزيز قدرته على التصدي للتحديات الاقتصادية الراهنة. ويجب أن يكون لبنان على استعداد لتعزيز دور البنك المركزي كجهة مستقلة وموثوقة، حيث يكمن الطريق للنمو الاقتصادي والاستقرار في يد القرارات النقدية الحكيمة والمستقلة.

ومن المؤكد أن تعيين حاكم سيساعد على بدء إصلاحات في النظام المصرفي والمالي، ويُضفي المزيد من المصداقية في البلد، ويُرسِل إشارة ايجابية إلى المستثمرين المحتملين.

في هذا السياق، يؤدي تعيين محافظ للبنك المركزي دوراً حاسماً في إرساء الأسس للتغيير وبدء الإصلاحات اللازمة. ويتطلب الأمر اختيار شخصية قوية ومحترفة تتمتع بالخبرة والكفاءة في مجال السياسة النقدية والمالية. إنّ تعيين حاكم متميز يرسّخ الثقة والاستقلالية في المؤسسة المالية الرئيسية في البلاد ويعزز الشفافية والمصداقية في العملية القرارية.

تعتبر المصداقية أمراً بالغ الأهمية للدولة، وخاصة بالنسبة للبلدان التي تسعى لجذب المستثمرين وتحفيز النمو الاقتصادي. وبالنظر إلى الوضع الحالي في لبنان، تحظى البلاد بفرص كبيرة للتطور والنمو الاقتصادي، ولكنها بحاجة ماسة إلى إعادة بناء الثقة وتوفير بيئة مالية مستدامة وموثوقة.

كذلك إن تعيين محافظ للبنك المركزي يرسل إشارة قوية وواضحة للمستثمرين المحتملين بأن الحكومة اللبنانية جادّة في إصلاح القطاع المالي والمصرفي. ويعكس هذا التحرك التزام الدولة بتحسين بيئة الأعمال وتهيئة الظروف الملائمة للاستثمار. إن وجود حاكم قوي ومحترف يوحي بأن السلطات اللبنانية تولي الأولوية لإصلاح النظام المصرفي والمالي وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.

بالإضافة إلى ذلك، تعزّز عملية تعيين محافظ المصداقية والشفافية في العملية السياسية وتنمية الثقة بين الحكومة والشعب والمجتمع الدولي، ويكون هناك اعتراف بأنّ التعيين يتم وفقًا للمعايير المهنية والتقنية وليس بناءً لاعتبارات سياسية. هذا التدبير يعزّز صورة لبنان كدولة تلتزم بمعايير عالية في الحوكمة والنزاهة والتنمية الاقتصادية.

باختيار محافظ متميّز وتعزيز الاستقلالية والكفاءة في البنك المركزي، يمكن أن يكون لبنان على أعتاب بداية جديدة في إصلاح النظام المصرفي والمالي وبناء مستقبل اقتصادي أكثر استقرارا وازدهارا. إنّ تعزيز الثقة والشفافية يمكن أن يؤدي دورًا حاسما في استعادة الثقة في النظام المالي وجذب المزيد من المستثمرين المحتملين إلى لبنان.

لذلك يجب أن يكون لتعيين محافظ للبنك المركزي في لبنان الأولوية القصوى في الأجندة الحكومية. يمكن أن يكون هذا الإجراء الأول، ضمن سلسلة من الإصلاحات اللازمة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي وإعادة بناء الثقة في لبنان. إن تحسين النظام المصرفي والمالي وتوفير بيئة مالية مستدامة وموثوقة يفتح الباب أمام فرص جديدة للنمو والازدهار ويعزز موقع لبنان كوجهة استثمارية موثوقة وجذابة.

في هذا السياق، يخرج اسم سمير عساف كمرشح محتمل لتولّي منصب محافظ البنك المركزي في لبنان، وذلك بناءً على خبرته الواسعة ومساهماته البارزة في قطاع الخدمات المصرفية والمالية.

فعلى مدى السنين الماضية، اكتسب سمير عساف سمعة قوية كقائد ومحترف في القطاع المصرفي. يعمل في بنك “إتش إس بي سي” منذ عام 1990، وقد تولّى مناصب عديدة داخل البنك قبل أن يصبح مستشارًا لرئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي. تحت إشرافه، نَمت المؤسسة وتوسعت عملياتها على نطاق عالمي، ما جعلها واحدة من أكبر البنوك في العالم.

تحوي خبرة سمير عساف العديد من المزايا التي تجعله مؤهلاً لشغل منصب محافظ البنك المركزي في لبنان. فهو يتمتع بفهم عميق للتحديات والمشكلات التي يواجهها القطاع المصرفي في لبنان، حيث إنه شهد تحولات هامة ومُشابهة خلال عمله في القطاع المصرفي العالمي. هذا الفهم العميق للقطاع ومعرفته بالممارسات الدولية قد يساهمان في تطبيق إصلاحات هامة وفعّالة في النظام المالي اللبناني.

بالإضافة إلى ذلك، يتمتع سمير عساف بشبكة علاقات واسعة في القطاع المصرفي والمالي العالمي. يعتبر عضواً في مجموعة الـ”ثلاثي الراعي” التي تتولى مهمة رعاية حوار ومناقشات عالمية حول الاقتصاد والنظام المالي. هذه الشبكة الواسعة من العلاقات يمكن أن تكون مفيدة في جلب الدعم الدولي والمساعدة المالية للبنان في ظل الأزمة الراهنة.

بالطبع، هناك تحديات عديدة يجب أن يواجهها أي مرشح لهذا المنصب الحساس، تشمل مكافحة الفساد وتحسين الشفافية في النظام المالي، فضلاً عن تطبيق سياسات نقدية مستقلة وفعالة. إلا أن سمير عساف، بخبرته الواسعة وخلفيته المهنية القوية، يبدو أنه قادر على التعامل مع هذه التحديات وتحقيق إصلاحات جذرية في القطاع المالي اللبناني.

في النهاية، يعد ترشيح سمير عساف لِشغل منصب محافظ البنك المركزي في لبنان خطوة هامة في اتجاه إعادة بناء النظام المالي واستعادة الثقة في البلاد. إنه مرشح بارز يجمع بين الخبرة العالمية والفهم العميق للتحديات المحلية. وبالتالي، يمكن أن يكون سمير عساف المرشح المثالي لقيادة عملية إصلاح حقيقية وتحقيق استقرار اقتصادي في لبنان…

 

بروفسور غريتا صعب

لا تتركوا عمالقة التكنولوجيا يخفون ما يفعلونه بنا

نحن نعيش عصر ثورة المعلومات. وقد استبدل بحراس بوابات المعرفة التقليدية – من أمناء المكتبات والصحافيين والمسؤولين الحكوميين – بدرجة كبيرة حراس البوابات التكنولوجية، ومحركات البحث، وروبوتات الذكاء الاصطناعي، ومغذيات وسائل التواصل الاجتماعي.

أيا كانت عيوبهم، فإن حراس البوابات القدامى، على الورق على الأقل، يدينون بالفضل لعامة الناس. وحراس البوابات الجدد مدينون بالأساس لتحقيق الربح فقط وللمساهمين في هذه الشركات. والآن، يوشك هذا الواقع على التغير، وذلك بفضل تجربة جريئة نفذها الاتحاد الأوروبي.

مع بدء سريان الأحكام الرئيسية في 25 أغسطس (آب)، فإن حزمة طموحة من قواعد الاتحاد الأوروبي، وهي قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية، هي أكثر الجهود شمولا تجاه التحقق من قوة التكنولوجيا الكبرى (بعد الحظر الصريح في أماكن مثل الصين والهند). وللمرة الأولى، يتعين على منصات التكنولوجيا الاستجابة لعامة الناس بطرق لا تعد ولا تحصى، بما في ذلك منح المستخدمين الحق في الاستئناف عند إزالة المحتوى الخاص بهم، وتوفير خيار من الخوارزميات، وحظر الاستهداف الدقيق للأطفال والبالغين استنادا إلى بيانات حساسة مثل الدين، والعرق، والتوجه الجنسي. وتُلزم الإصلاحات أيضا منصات تكنولوجية كبيرة بمراجعة خوارزمياتها لتحديد كيفية تأثيرها على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والصحة البدنية والعقلية للقاصرين وغيرهم من المستخدمين.

سوف تكون هذه المرة الأولى التي يُطلب فيها من الشركات تحديد ومعالجة الأضرار التي تسببها منصاتهم. وللمساءلة، يتطلب القانون أيضا منصات تقنية كبيرة مثل «فيسبوك» و«تويتر» تزويد الباحثين بإمكانية الوصول إلى البيانات الآنية (في الوقت الفعلي) من منصاتهم. لكن هناك عنصر حاسم لم يُقرره الاتحاد الأوروبي بعد، ألا وهو ما إذا كان الصحافيون سوف يتمكَّنون من الوصول إلى أي من تلك البيانات.

كان الصحافيون تقليديا عند الخطوط الأمامية لإنفاذ القانون، يشيرون إلى الأضرار التي قد يُوسع الباحثون نطاقها، وقد تعمل الأجهزة الرقابية وفقا لها. كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» وصحيفة «الأوبزرفر» اللندنية عن فضيحة شركة «كمبردج أناليتيكا»، التي علمنا فيها كيف استغل المستشارون في حملة دونالد ترمب الرئاسية بيانات ملايين المستخدمين على موقع «فيسبوك» من دون إذنهم. وقد أوردت وكالة «باز فيد» الإخبارية تقريراً حول التعليقات المسيئة التي أوضحت دور «فيسبوك» في تمكين مذبحة الروهينغا في ميانمار. لقد كشف فريقي في موقع «بروببليكا» الإخباري كيف أن «فيسبوك» يسمح للمعلنين بالتمييز في إعلانات التوظيف والإسكان.

لكن الحصول على البيانات من المنصات أصبح أكثر صعوبة. وكان موقع «فيسبوك» عدوانيا بشكل خاص، حيث أغلق حسابات الباحثين في جامعة نيويورك عام 2021 بسبب «وسائل غير مرخصة» للوصول إلى إعلانات «فيسبوك». وفي ذلك العام، هددت «فيسبوك»، بشكل قانوني، مجموعة بحثية أوروبية تُدعى «ألغوريثم واتش» (المعنية بمراقبة الخوارزميات)، وأجبرتها على إغلاق مشروع مراقبة منصة «إنستاغرام». وفي وقت سابق من الشهر الحالي، شرعت شركة «تويتر» في الحد من قدرة جميع مستخدميها على مشاهدة التغريدات، فيما وصفته الشركة بأنه محاولة لمنع جمع المعلومات آليا من موقع «تويتر» بواسطة وسائل الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن الروبوتات، والمتراسلات الإلكترونية العشوائية، وغيرها من «العناصر السيئة».

من جهة أخرى، أغلقت شركات التكنولوجيا أيضا الوصول المرخص إلى برامجها. وفي عام 2021، فككت «فيسبوك» الفريق الذي أشرف على أداة التحليلات المسماة «كراود تانغل»، التي استخدمها الكثير من الباحثين لتحليل الاتجاهات. وفي العام الحالي، استبدلت «تويتر» بأدوات الباحثين المجانية نسخة مدفوعة الأجر باهظة التكاليف ولا يمكن الاعتماد عليها. نتيجة لذلك، صار الرأي العام أقل وضوحا من أي وقت مضى حول كيفية تصرف حراس بوابات المعلومات العالمية لدينا.

طرح السيناتور الأميركي كريس كونز، الشهر الماضي، «قانون المساءلة والشفافية»، وهو تشريع من شأنه مطالبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة المزيد من البيانات مع الباحثين، وتوفير حصانة للصحافيين الذين يجمعون البيانات للمصلحة العامة، مع حماية معقولة للخصوصية.

لكن في الوقت الحالي، تعتمد جهود الاتحاد الأوروبي للشفافية على الأكاديميين الأوروبيين، الذين سوف يتقدمون بطلب إلى هيئة تنظيمية للحصول على البيانات من المنصات، ومن ثم، نأمل أن يصدروا تقارير بحثية بعد ذلك.

هذا ليس كافياً. ولكي تتحمل هذه المنصات المسؤولية الحقيقية، يتعين علينا دعم الصحافيين الذين يقفون على الخطوط الأمامية في سرد الكيفية التي يُسلّحُ بها الطغاة، والمتصيدون، والجواسيس والمسوقون، وحشود الكراهية المنصات التكنولوجية، أو السماح لهم باستخدامها.

تدير ماريا ريسا، الحائزة جائزة نوبل للسلام، موقع «رابلر»، وهو موقع إخباري في الفلبين كان في طليعة القائمين على تحليل كيف استخدم القادة الفلبينيون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات المضللة.

كما تقول دافني كيلر، مديرة برنامج تنظيم المنصات في مركز السياسة الإلكترونية في ستانفورد، في تعليقاتها أمام الاتحاد الأوروبي، إن السماح للصحافيين والباحثين باستخدام أدوات آلية لجمع البيانات المتاحة للجمهور من المنصات من أفضل الطرق لضمان الشفافية، لأنه «شكل نادر من أشكال الشفافية التي لا تعتمد على المنصات نفسها التي تجري دراستها لتوليد المعلومات أو العمل كحارس للبوابات المعلوماتية».

بطبيعة الحال، كثيرا ما تُقاوم منصات التكنولوجيا طلبات الشفافية بزعم أنها لا بد أن تحمي خصوصية مستخدميها. وهو زعم مُضحك، لأن نماذج أعمالهم تستند إلى التنقيب وتحويل البيانات الشخصية لمستخدميها إلى أموال. ولكن إذا ما وضعنا ذلك جانبا، فلن نجد ضلعا في هذا السياق يتصل بمصالح الخصوصية للمستخدمين: فالبيانات التي يحتاج إليها الصحافيون علنية بالفعل لأي شخص لديه حساب على هذه الخدمات.

ما يفتقر إليه الصحافيون هو الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات العامة من منصات التكنولوجيا بُغية فهم ما إذا كان الحدث الواقع يمثل حالة شاذة، أو يمثل اتجاها أكبر. من دون ذلك المدخل، سوف نستمر في الحصول على ما لدينا الآن: الكثير من الروايات حول هذا الجزء من المحتوى أو ذلك المستخدم الذي تم حظره، ولكن لا معنى حقيقياً حول ما إذا كانت هذه القصص ذات دلالة إحصائية من عدمه.

الصحافيون يكتبون أول مسودة للتاريخ. إذا لم نتمكن من رؤية ما يحدث على أكبر منصات الخطابة في العالم، فإن هذا التاريخ سوف يُكتب لصالح المنصات – وليس الجمهور.

 

جوليا أنغوين

النفط في 2024

الطلب على النفط في 2023 مرشَّح للزيادة بصورة أعلى مما كان متوقعاً، ومع هذا قرر تحالف منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وكبار المنتجين من خارجها، المعروف باسم «أوبك بلس» تخفيض إنتاجه النفطي هذا العام والذي يليه.

هذا التخفيض لا يتماشى مع توقعات وبيانات المنظمات الثلاث الكبرى («أوبك»، و«وكالة الطاقة الدولية»، و«إدارة معلومات الطاقة الأميركية») هذا العام، ولكنه يتماشى مع توقعاتهم للعام القادم.

حيث اتفقت الجهات الثلاث على تباطؤ نمو الاستهلاك العالمي للنفط العام المقبل، وإن كان هناك تباين بينها حول الكميات.

فمن جهتها توقعت «أوبك» يوم الخميس، في أول تقييم لسوق النفط لعام 2024 تباطؤاً طفيفاً في نمو الطلب العالمي على الخام، لكنَّ تقديراتها في الوقت نفسه تُعادل ضعف معدل النمو الذي توقعته وكالة الطاقة؛ كما تفوق بكثير تقديرات إدارة معلومات الطاقة.

هذه التقديرات المحافظة سببها توقع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وإن كانت الصين والهند ستزيد من استهلاكها للنفط.

وتتوقع «أوبك» أن ينمو استهلاك النفط بنحو 2.2 مليون برميل يومياً العام المقبل ليصل إلى مستوى قياسي جديد عند 104 ملايين برميل يومياً، مقابل توقعات نموه بنحو 2.4 مليون برميل خلال 2023.

من جهتها تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الاستهلاك العالمي للخام بنحو 1.2 مليون برميل يومياً في 2024، ليصل إلى 103.23 مليون برميل يومياً، في تباطؤ واضح عن تقديراتها للعام الجاري البالغة 2.2 مليون نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي.

بينما أبدت إدارة معلومات الطاقة الأميركية نظرة أكثر اعتدالاً، مع توقعات بنمو الطلب العالمي على النفط 1.6 مليون برميل يومياً في 2024، مقابل تقديرات زيادة الاستهلاك بنحو 1.8 مليون هذا العام، ليكون من المرجح أن يبلغ إجمالي الطلب العام المقبل 102.71 مليون برميل يومياً.

ولا أريد هنا الدخول في توقعات المعروض النفطي لأن الصورة واضحة للجميع، فمهما ضخ العالم من النفط سيحتاج إلى نفط «أوبك» وحلفائها، فهي مَن تعمل على توازن السوق.

ولهذا ترى «أوبك» أنها ستحتاج إلى ضخ 30.2 مليون برميل يومياً العام المقبل حتى تتزن السوق ويتماشى العرض مع الطلب.

لكن ما الذي يجعل السعودية وروسيا وبعض البلدان تزيد وتعمِّق من تخفيض إنتاجها النفطي هذا العام بشكل قوي رغم أن أساسيات السوق تشير إلى تحسن الطلب على النفط؟ وهل تمديد خفض الإنتاج لكامل العام المقبل مبرِّر في ظل هذه البيانات؟

إذا كان الاقتصاد العالمي سيتباطأ في 2024 كما تتوقع المنظمات الدولية، فمن المنطقي أن تتخذ دول تحالف «أوبك بلس» سياسة متحفظة وتُبقي الإنتاج منخفضاً.

أما فيما يتعلق بهذا العام، فالمسألة تتجاوز توازن السوق، لأن الوضع اليوم غريب إلى حد بعيد. فأسعار النفط إذا ما عُدّت مؤشراً استرشادياً على توازن العرض مع الطلب، فهي لا تعكس هذا التوازن.

وما نراه في السوق الفعلية من شح في الإمدادات لا نراه ينعكس في السوق المالية للعقود الآجلة أو السوق الورقية.

من هنا أتفهم هذه التخفيضات وتعميقها لإجبار السوقين على لحاق إحداهما بالأخرى بدلاً من التباين الكبير بينهما.

كمواطن من دول «أوبك»، أراه تصرفاً معقولاً ومنطقياً، ولكن كمواطن غربي يضارب في النفط أو يستثمر في عقوده، فما تفعله دول التحالف أمر غير مفهوم لي.

وهنا لا يوجد صواب أو خطأ، بل يوجد «وضع شاذ» لا بد من التعامل معه… ولا أحد يهتم به أو يحاول إصلاحه سوى «أوبك بلس».

 

وائل مهدي