لماذا تتراجع ثقة المستهلك رغم تراجع التضخم

تثير بيانات التضخم الآخذة في الانخفاض، تفاؤلاً بالأسواق إزاء الاقتراب أكثر إلى المعدلات المستهدفة، غير أن “المعنويات السلبية” لا تزال تسيطر على المستهلكين.. فلماذا؟

في البداية، يُشار إلى الأخبار الإيجابية على ضفتي الأطلسي، الأسبوع الماضي، حيث تباطؤ معدلات التضخم، وانخفاض نمو الأسعار السنوي في الولايات المتحدة لشهر أكتوبر/ تشرين الأول إلى 3.2%  (وهو معدل يزيد قليلاً عن نقطة مئوية أعلى من هدفه. كذلك في بريطانيا، انخفض المعدل بأكبر قدر منذ العام 1992 ليصل إلى 4.6%.

يعزز ذلك احتمالات “الهبوط الناعم”، لجهة عودة التضخم إلى مستويات طبيعية دون حدوث انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي.

وبالتالي يتعين أن تكون عوامل انخفاض نمو الأسعار، وسوق الوظائف القوي، واحتمال تخفيض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان يعتقد في البداية، بمثابة مؤشرات مثيرة للتفاؤل، غير أن هذا التفاؤل لم يصل بعد إلى المستهلكين.

يشار هنا إلى انخفاض مؤشر ثقة المستهلك في ميشيغان في الولايات المتحدة أخيراً إلى أدنى مستوى له منذ ستة أشهر.

كذلك في بريطانيا، انخفضت الثقة في أكتوبر/ تشرين الثاني بأكبر قدر منذ جائحة كورونا، وكذلك لا تزال ضعيفة في منطقة اليورو على الرغم من انخفاض التضخم إلى أدنى مستوى له منذ عامين.

وبالتالي فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: “ما الذي يفسر عدم وجود عامل الشعور بالسعادة؟”، وهو ما شرحه مقال لهيئة تحرير صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، حلل أسباب تلك المفارقة.

مستوى الأسعار

يُمكن إرجاع السبب الرئيسي إلى أنه “في الوقت الذي أخذت فيه معدلات التضخم في الانخفاض، فإن المستوى الإجمالي للأسعار أصبح الآن أعلى بكثير”.

في بريطانيا، ارتفع بنسبة 21% منذ يناير/ كانون الثاني 2021. وربما يعود نمو الأجور الحقيقية، لكنه كان سلبياً في معظم العامين الماضيين.  فيما لا تزال الأسر تشعر بأنها أكثر فقراً. كذلك فإن التضخم المتوقع في منطقة اليورو أعلى كثيراً من المعدل الفعلي.

في أوروبا، كان تخفيف تكاليف الغذاء والطاقة هو المحرك الرئيسي وراء انخفاض التضخم، لكن كليهما لا يزال مرتفعا.

وفي المملكة المتحدة، لا تزال أسعار الغاز والكهرباء أعلى مما كانت عليه قبل عامين (أسعار الحليب والخبز أعلى بنحو 30 بنساً)، ونظراً لأهمية هذه البنود في ميزانيات الأسرة، فإن التشاؤم يبدو مبرراً في هذه الحالة.

أسعار الفائدة

السبب الثاني هو أن أسعار الفائدة تحل على نحو متزايد محل التضخم، باعتبارها العدو الأول للشعب، بحسب المقال الذي يشير إلى أن “القفزات في فواتير الرهن العقاري الشهرية لأولئك الذين يعيدون رهنهم العقاري، ومدفوعات الفائدة الأكبر على بطاقات الائتمان، تؤدي إلى تآكل أرباح الأسر.. ولا تتمتع الأجيال الشابة على وجه الخصوص بخبرة كبيرة في التعامل مع هذه المعدلات المرتفعة”.

أما السبب الثالث، فيتعلق بمؤشرات عدم اليقين الاقتصادي، والتي ظلت مرتفعة أيضًا منذ تفشي الوباء، والتحديات التي تواجهها الأسر والشركات في التخطيط للمستقبل لها تأثير كبير على مزاجهم.

ويمكن أن تلعب عوامل أخرى دورًا، إذ تشير دراسة أميركية إلى أن 30% من تلك الفجوة يمكن أن ترجع إلى وجهات النظر الحزبية. وهذا يعني أن الاختلافات في السياسة وكيفية استهلاك الناس للأخبار يمكن أن تؤثر أيضًا على التوقعات.